فصل
قال الرافضي وكان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله ﷺ وكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيره بإسلامه ويقول أصبوت إلى دين محمد وكتب إليه ...
يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا ... بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا
جدى وخالى وعم الأم يا لهم ... قوما وحنظلة المهدى لنا أرقا
فالموت أهون من قول الوشاة لنا ... خلى ابن عند عن العزى لقد فرقا
والفتح كان في رمضان لثمان سنين من قدوم النبي ﷺ المدينة ومعاوية مقيم على شركه هارب من النبي ﷺ لأنه كان قد أهدر دمه فهرب إلى مكة فلما لم يجد له مأوى صار إلى النلي ﷺ مضطرا فأظهر الإسلام وكان إسلامه قبل موت النبي ﷺ بخمسة أشهر وطرح نفسه على العباس فسأل فيه رسول الله ﷺ فعفا ثم شفع إليه أن يشرفه ويضيفه إلى جملة الكتاب فأجابه وجعله واحدا من أربعة عشر فكم كان حظه من هذه المدة لو سلمنا أنه كاتب الوحي حتى استحق أن يوصف بذلك دون غيره مع أن الزمخشري من مشايخ الحنفية ذكر في كتاب ربيع الأبرار أنه ادعى نبوته أربعة نفر على أن من جملة الكتبة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وارتد مشركا وفيه نزل ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم
وقد روى عبد الله بن عمر قال أتيت النبي ﷺ فمسعته يقول يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي فطلع معاوية وقام النبي ﷺ خطيبا فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخج ولم يسمع الخطبة فقال النبي ﷺ لعن الله القائد والمقود أي يوم يكون للأمة مع معاوية ذي الإساءة وبالغ في محاربة علي عليه السلام وقتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة ولعنه على المنابر واستمر سبه ثمانين سنة إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز، وسم الحسن عليه السلام وقتل ابنه يزيد مولانا الحسين ونهب نساءه وكسر أبوه ثنية النبي ﷺ وأكلت أمه كبد حمزة عم النبي ﷺ
والجواب أما قوله كان باليمن يطعن على النبي ﷺ وكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيره بإسلامه وكتب إليه الأبيات
فهذا من الكذب المعلوم فإن معاوية إنما كان بمكة لم يكن باليمن وأبوه أسلم قبل دخول النبي ﷺ مكة بمر الظهران ليلة نزل بها وقال له العباس إن أبا سفيان يحب الشرف فقال النبي ﷺ من دخل دار أبي سفيا فهو امن ومن دخل المسجد فهو امن ومن ألفى السلاح فهو امن
وأبو سفيان كان عنده من دلائل النبوة ما أخبره به هرقل ملك الروم لما سافر إلى الشام في الهدنة التي كانت بين النبي ﷺ وبينهم وما كان عنده من أمية بن أبي الصلت لكن الحسد منعه من الإيمان حتى أدخله الله عليه وهو كاره بخلاف معاوية فإنه لم يعرف عنه شيء من ذلك ولا عن أخيه يزيد
وهذا الشعر كذب على معاوية قطعا فإنه قال فيه
فالموت أهون من قول الوشاة لنا ... خلى ابن هند عن العزى لقد فرقا
ومعلوم أنه بعد فتح مكة أسلم الناس وأزيلت العزى بعث النبي ﷺ إليها خالد بن الوليد فجعل يقول
يا عز كفرانك لاسبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
وكانت قريبا من عرفات فلم يبق هناك لا عزى ولا من يلومهم على ترك العزى فعلم أن هذا من وضع بعض الكذابين على لسان معاوية وهو كذاب جاهل لم يعلم كيف وقع الأمر
وكذلك ما ذكره من حال جده أبي أمية عتبة بن ربيعة وخاله الوليد بن عتبة وعم أمه شيبة بن ربيعة وأخيه حنظلة أمر يشترك فيه هو وجمهور قريش فما منهم من أحد إلا وله أقارب كفار قتلوا كفارا أو ماتوا كفارا فهل كان في إسلامهم فضيحة
وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وكانا من خيار المسلمين وأبواهما قتلا ببدر وكذلك الحارث بن هشام قتل أخوه يوم بدر وفي الجملة الطعن بهذا طعن في عامة أهل الإيمان وهل يحل لأحد أن يطعن في علي بأن عمه أبا لهب كان شديد العداوة للنبي ﷺ أو يطعن في العباس رضي الله عنه بأن أخاه كان معاديا للنبي ﷺ أو يعير عليا بكفر أبي طالب أو يعير بذلك العباس وهل مثل ذلك إلا من كلام من ليس من المسلمين
ثم الشعر المذكور ليس من جنس الشعر القديم بل هو شعر ردىء
وأما قوله إن الفتح كان في رمضان لثمان من مقدم النبي ﷺ المدينة فهذا صحيح
وأما قوله إن معاوية كان مقيما على شركة هاربا من النبي ﷺ لأنه كان قد أهدر دمه فهرب إلى مكة فلما لم يجد له مأوى صار إلى النبي ﷺ مضطرا فأظهر الإسلام وكان إسلامه قبل موت النبي ﷺ بخمسة أشهر
فهذا من أظهر الكذب فإن معاوية أسلم عام الفتح باتفاق الناس وقد تقدم قوله إنه من المؤلفة قلوبهم والمؤلفة قلوبهم أعطاهم النبي ﷺ عام حنين من غنائم هوازن وكان معاوية ممن أعطاه منها
والنبي ﷺ كان يتألف السادة المطاعين في عشائرهم فان كان معاوية هاربا لم يكن من المؤلفة قلوبهم ولو لم يسلم إلا قبل موت النبي ﷺ بخمسة أشهر لم يعط شيئا من غنائم حنين
ومن كانت غايته أن يؤمن لم يحتج إلى تأليف وبعض الناس يقول إنه أسلم قبل ذلك فإن في الصحيح عنه أنه قال قصرت عن النبي ﷺ على المروة رواه البخاري ومسلم ولفظه أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله ﷺ عند المروة بمشقص قاله لابن عباس وقال له لا أعلم هذا حجة إلا عليك وهذا قد قيل إنه كان في حجة الوداع ولكن هذا خلاف الأحاديث المروية المتواترة عن النبي ﷺ فإنها كلها متفقة على أن النبي ﷺ لم يحلمن إحرامه في حجة الوداع إلى يوم النحر وأنه أمر أصحابه أن يحلوا من إحرامهم الحل كله ويصيروا متمتعين بالعمرة إلى الحج إلا من ساق الهدى فإنه يبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدى محله وكان النبي ﷺ وعلى وطلحة وطائفة من أصحابه قد ساقوا الهدي فلم يحلوا وكانت فاطمة وأزواج النبي ﷺ من لم يسق الهدى فحللن والأحاديث بذلك معروفة في الصحاح والسنن والمساند
فعرف أنه لم يقصر عن النبي ﷺ في حجة الوداع ولكن من اعتقد ذلك أباح للمتمتع السائق للهدى أن يقصر من شعره وهو إحدى الروايتين عن أحمد كما أن عنه رواية أنه إذا قدم قبل العشر حل من إحرامه ومالك والشافعي يبيحان لكل متمتع أن يحل من إحرامه وإن كان قد ساق الهدى وأما أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه وغيرهما من العلماء فيلعمون بالسنة المتواترة أن سائق الهدى لا يحل إلى يوم النحر
وتقصير معاوية عن النبي ﷺ على هذا قد كان قبل حجة الوداع إما في عمرة القضية وعلى هذا فيكون قد أسلم قبل الفتح كما زعم بعض الناس لكن لا يعرف صحة هذا وإما في عمرة الجعرانة كما روى أن هذا التقصير كان في عمرة الجعرانة وكانت بعد فتح مكة وبعد غزوة حنين وبعد حصاره للطائف فإنه ﷺ رجع من ذلك فقسم غنائم حنين بالجعرانة واعتمر منها إلى مكة فقصر عنه معاوية رضي الله عنه وكان معاوية قد أسلم حينئذ فإنه أسلم عند فتح مكة واستكتبه النبي ﷺ لخبرته وأمانته ولا يعرف عنه ولا عن أخيه يزيد بن أبي سفيان أنهما اذيا النبي ﷺ كما كان يؤذيه بعض المشركين
وأخوه يزيد أفضل منه وبعض الجهال يظن أن يزيد هذا هو يزيد الذي تولى الخلافة بعد معاوية وقتل الحسين في زمنه فيظن يزيد بن معاوية من الصحابة وهذا دهل ظاهر فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان وأما يزيد عمه هذا فرجل صالح من خيار الصحابة واستعمله الصديق أحد أمراء الشام ومشة في ركابه ومات في خلافة عمر فولى عمر رضي الله عنه أخاه معاوية رضي الله عنه مكانه أميرا ثم لما ولى عثمان أقره على الإمارة وزاده وبقى أميرا إلى أن قتل عثمان ووقعت الفتنة إلى أن قتل أمير المؤمنين على رضي الله عنه وبايع أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنهما فأقام ستة أشهر ثم سلم ألمر إلى معاوية تحقيقا لما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال إن ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وبقى معاوية بعد ذلك عشرين سنة ومات سنة ستين
ومما يبين كذب ما ذكره هذا الرافضي أنه لم يتأخر إسلام أحد من قريش إلى هذه الغاية وكان النبي ﷺ قد بعث أبا بكر عام تسع بعد الفتح بأكث 0 رمن سنة ليقيم الجج وينادى أن لا حج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وفي تلك السنة نبذت العهود إلى المشركين وأجلوا أربع أشهر فانقضت المدة في سنة عشر فكان هذا أمانا عاما لكل مشرك من سائر قبائل العرب وغزا النبي ﷺ غوة تبوك سنة تسع لقتال النصارى بالشام وقد ظهر الإسلام بأرض العرب
ولو كان لمعاوية من الذنوب ما كان لكان الإسلام يجب ما قبله فكيف ولم يعرف له ذنب يهرب لأجله أو يهدر دمه لأجله وأهل السير والمغازى متفقون على أنه لم يكن معاوية ممن أهدر دمه عام الفتح فهذه مغازى عروة بن الزبير والزهري وموسة بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وسعيد بن يحيى الأموي ومحمد بن عائذ وأبي إسحاق الفزاري وغيرهم وكتب التفسير والحديث كلها تنطق بخلاف ما ذكره ويذكرون من إهدار النبي ﷺ دمه مثل مقيس بن حبابة وعبد الله بن خطل وهذان قتلا وأهدر دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم بايعه والذين أهدر دماءهم كانوا نفرا قليلا العشرة
وأبو سفيان كان أعظم الناس عداوة للنبي ﷺ فهو في غزوة بدر الذي أرسل إلى قريش ليستنفرهم وفي غزوة أحد هو الذي جمع الأموال التي كانت معه للتجارة وطلب من قريش أن ينفقها في قتال رسول الله ﷺ وهو من أعظم قواد الجيش يوم أحد وهو قائد الأحزاب أيضا وقد أخذه العباس بغير عهد ولا عقد ومشى عمر معه يقول للنبي ﷺ يا نبي الله هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فاضرب عنقه فقاوله العباس في ذلك فأسلم أبو سفيان وأمنه النبي ﷺ وقال من دخل دار أبي سفيان فهو امن ومن دخل المسجد فهو امن ومن ألقى السلاح فهو امن
فكيف يهدر دم معاوية وهو شاب صغير ليس له ذنب يختص به ولا عرف عنه أنه كان يحض على عداوة النبي ﷺ وقد أمن رؤوس الأحزاب فهل يظن هذا إلا من هو من أجهل الناس بالسيرة وهذا الذي ذكرناه مجمع عليه بين أهل العلم مذكور في عامة الكتب المصنفة في هذا الشأن
وقد بسطنا الكلام على هذا في كتاب الصارم لمسلول على شاتم الرسول ﷺ لما ذكرنا من أهدر النبي ﷺ دمه عام الفتح وذكرناهم واحدا واحدا نعم كان فيهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم إن عثمان رضي الله عنه أتى به فأسلم بمكة وحقن النبي ﷺ دمه
وأما قوله إنه استحق أن يوصف بذلك دون غيره
ففرية على أهل السنة فإنه ليس فيهم من يقول إن هذا من خصائص معاوية بل هو واحد من كتاب الوحى وأما عبد الله بن سعد بن أبي سجر فارتد عن الإسلام وافترى على النبي ﷺ ثم إنه عاد إلى الإسلام
وأما قوله إنه نزل فيه ولكن من شرح بالكفر صدرا
فهو باطل فإن هذه الآية نزلت بمكة لما أكره عمار وبلال على الكفر وردة هذا كانت بالمدينة بعد الهجرة ولو قدر أنه نزلت فيه هذه الآية فالنبي ﷺ قد قبل إسلامه وبايعه
وقد قال تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم
وأما قوله وقد روى عبد الله بن عمر قال أتيت النبي ﷺ فسمعته يقول يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي فطلع معاوية وقام النبي ﷺ خطيبا فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخرج ولم يسمع الخطبة فقال النبي ﷺ لعن الله القائد والمقود أي يوم يكون للأمة مع معاوية ذي الإساءة
فالجواب أنيقال أولا نحن نطالب بصحة هذا الحديث فإن الاحتجاج بالحديث لا يجوز إلا بعد ثبوته ونحن نقول هذا في مقام المناظرة وإلا فنحن نعلم قطعا أنه كذب
ويقال ثانيا هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث التي يرجع إليها في معرفة الحديث ولا له إسناد معروف وهذا المحتج به لم يذكر له إسنادا ثم من جهلة أن يروى مثل هذا عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة وأروى الناس لمناقبهم وقوله في مدح معاوية معروف ثابت عنه حيث يقول ما رأيت بعد رسول الله ﷺ أسود من معاوية قيل له ولا أبو بكر وعمر فقال كان أبو بكر وعمر خيرامنه وما رأيت بعد رسول الله ﷺ أسود من معاوية قال أحمد بن حنبل السيد الحليم يعني معاوية وكان معاوية كريما حليما
ثم إن خطب النبي ﷺ لم تكن واحدة بل كان يخطب في الجمع والأعياد والحج وغير ذلك ومعاوية وأبوه يشهدان الخطب كما يشهدها المسلمون كلهم أفتراهما في كل خطبة كانا يقومان ويمكنان من ذلك هذا قدح في النبي ﷺ وفي سائر المسلمين إذ يمكنون اثنين دائما يقومات ولا يحضران الخطبة ولا الجمعه وإن كانا يشهدان كل خطبة فما بالهما يمتنعان من سماع خطبة واحدة قبل أن يتكلم بها
ثم من المعلوم من سيرة معاوية أنه كان من أحلم الناس وأصبرهم على من يؤذيه وأعظم الناس تأليفا لمن يعاديه فكيف ينفر عن رسول الله ﷺ مع أنه أعظم الخلق مرتبة في الدين والدنيا وهو محتاج إليه في كل أموره فكيف لا يصبر على سماع كلامه وهو بعد الملك كان يسمع كلام من يسبه في وجهه فلماذا لا يسمع كلام النبي ﷺ وكيف يتخذ النبي ﷺ كاتبا من هذه حاله
وقوله إنه أخذ بيد ابنه زيدا أو يزيد فمعاوية لم يكن له ابن اسمه زيد وما يزيد ابنه الذي تولى بعده الملك وجرى في خلافته ما جرى فإنما ولد في خلافة عثمان باتفاق أهل العلم ولم يكن لمعاوية ولد عل عهد رسول الله ﷺ
قال الحافظ أبو الفضل ابن ناصر خطب معاوية رضي الله عنه في زمن رسول الله ﷺ فلم يزوج لأنه كان فقيرا وإنما تزوج في زمن عمر رضي الله عنه وولد له يزيد في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة سبه وعشرين من الهجرة
ثم نقول ثالثا هذا الحديث يمكن معارضته بمثله من جنسه بما يدل على فضل معاوية رضي الله عنه قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات قد تعصب قوم ممن يدعى السنة فوضعوا في فضل معاوية رضي الله عنه أحاديث ليغيظوا الرافضة وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمة أحاديث وكلا الفريقين على الخطأ القبيح
وأما قوله إنه بالغ في محاربة علي
فلا ريب أنه اقتتل العسكران عسكر علي ومعاوية بصفين ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء بل كان من أشد الناس حرصا على أن لا يكون قتال وكان غيره أحرص على القتال منه وقتال صفين للناس فيه أقوال فمنهم من يقول كلاهما كان مجتهدا مصيبا كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام والفقه والحديث ممن يقول كل مجتهد مصيب ويقول كانا مجتهدين وهذا قول كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم وهو قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم وتقول الكرامية كلاهما إمام مصيب ويجوز نصب إمامين للحاجة
ومنهم من يقول بل المصيب أحدهما لا بعينه وهذا قول طائفة منهم
ومنهم من يقول على هو المصيب وحده ومعاوية مجتهد مخطىء كما يقول ذلك طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله بن حامد بن أصحاب أحمد وغيرهم
ومنهم من يقول كان الصواب أن لا يكون قتال وكان ترك القتال خيرا للطائفتين فليس في الاقتتال صواب ولكن على كان أقرب إلى الحق من معاوية والقال قتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب وكان ترك القتال خيرا للطائفتين مع أن عليا كان أولى بالحق
وهذا هو قول أحمد وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة الفقهاء وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وهو قول عمران بن حصين رضي الله عنه وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ويقول هو بيع السلاح في الفتنة وهو قول أسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأكثر من بقى من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم
ولهذا كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبتت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ومنه ما تاب صاحبه منه ومنه ما يكن مغفورا فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما ويكون هو في ذلك مخطئا بل عاصيا فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك فإنهم تكلموا بكلام لا يحبه الله ولا رسوله إما من ذم من لا يستحق الذم وإما من مدح أمور لا تستحق المدح
ولهذا كان الإمساك طريقة أفاضل السلف وأما غير هؤلاء فمنهم من يقول كان معاوية فاسقا دون علي كما يقوله بعض المعتزلة ومنهم من يقول بل كان كافرا كما يقوله بعض الرافضة ومنهم من يقول كلاهما كافر على ومعاوية كما يقوله الخوارج ومنهم من يقول فسق أحدهما لا بعينه كما يقوله بعض المعتزلة ومنهم من يقول بل معاوية على الحق وعلى كان ظالما كما تقوله المروانية
والكتاب والسنة قد دل على أن الطائفتين مسلمون وأن ترك القتال كان خيرا من وجوده قال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغث إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين فسماهم مؤمنين إخوة مع وجود الاقتاال والبغى
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق وهؤلاء المارقة مرقوا على علي فدل على أن طائفته أقرب إلى الحق من طائفة معاوية
وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال إن ابنى هذا سيد وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين فأصلح الله به بين أصحاب علي وأصحاب معاوية فمدح النبي ﷺ الحسن بالإصلاح بينهما وسماهما مؤمنين وهذا يدل على أن الإصلاح بينهما هو المحمود ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يكن تركه محمودا
وقد روى عن النبي ﷺ أنه قال ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من يستشرف لها تستشرفه ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به أخرجاه في الصحيحين
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال يوشك أن يكون خير مال المسلم غم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
وفي الصحيح عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر
والذين رووا أحاديث القعود في الفتنة والتحذير منها كسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد لم يقاتلوا لا مع علي ولا مع معاوية
وقال حذيفة رضي الله عنه ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول له لا تضرك الفتنة
وعن ثعلبه بن ضبيعة قال دخلنا على حذيفة فقال إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة شيئا فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة فسألناه عن ذلك فقال ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصارهم حتى تنجلى عما انجلت رواهما أبو داود
فصل
ومما ينبغي أن يعلم أن الأمة يقع فيها أمور بالتأويل في دمائها وأموالها وأعراضها كالقتال واللعن والتكفير وقد ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال بعثنا رسول الله ﷺ في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فعلوته بالسيف فقال لا إله إلا الله فطعنته فقتلته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي ﷺ فقال أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفا من السلاح ألا فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ وفي الصحيحين عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله بعد أن قالها قال رسول الله ﷺ لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطعها ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله فقال رسول الله ﷺ لا تقتله فإنك إنقتلته فإنه يمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أ يقول كلمته التي قالها
فقد ثبت أن هؤلاء قتلوا قوما مسلمين لا يحل قتلهم ومع هذا فلم يقتلهم النبي ﷺ ولا ضمن المقتول بقود ولادية ولا كفارة لأن القاتل كان متأولا وهذا قول أكثر العلماء كالشافعي وأحمد وغيرهما ومن الناس من يقول بل كانوا أسلموا ولم يهاجروا فثبتت في حقهم العصمة المؤثمة دون المضمنة بمنزلة نساء أهل الحرب وصبيانهم كما يقوله أبو حنيفة وبعض المالكية ثم إن جماهير العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه والشافعي في أحد قوليه يقولون إن أهل العدل والبغاة إذا اقتتلوا بالتأويل لم يضمن هؤلاء ما أتلفوه لهؤلاء من النفوس والأموال حال القتال ولم يضمن هؤلاء ما أتلفوه لهؤلاء
كما قال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ﷺ متوافرون فأجمعوا أن كل دم أو مال أصيب بتأويل القران فإنه هدر أنزلوهم منزلة الجاهلية يعني بذلك أن القاتل لم يكن يعتقد أنه فعل محرما وإن قيل إنه محم في نفس الأمر فقد ثبت بسنة رسول الله ﷺ المتواترة واتفاق المسلمين أن الكافر الحربي إذا قتل مسلما أو أتلف ما له ثم أسلم لم يضمنه بقود ولا دية ولا كفارة مع أن قتله له كان من أعظم الكبائر لأنه كان متأولا وإن كان تأويله فاسدا
وكذلك المرتدون المتنعون إذا قتلوا بعض المسلمين لم يضمنوا دمه إذا عادوا إلى الإسلام عند أكثر العلماء كما هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد وإن كان من متأخري أصحابه من يحكيه قولا كأبي بكر عبد العزيز حيث قد نص أحمد على أن المرتد يضمن ما أتلفه بعد الردة
فهذا النص في المرتد المقدور عليه وذاك في المحارب الممتنع كما يفرق بين الكافر الذمى والمحارب أو يكون في المسألة روايتان وللشافعي قولان وهذا هو الصواب فإن المرتدين الذين قاتلهم الصديق وسائر الصحابة لم يضمنهم الصحابة بعد عودهم إلى الإسلام بما كانوا قتلوه من المسلمين وأتلفوه من أموالهم لأنهم كانوا متأولين
فالبغاة المتأولون كذلك لم تضمنهم الصحابة رضي الله عنهم وإذا كان هذا في الدماء والأموال مع أن من أتلفها خطأ ضمنها بنص القران فكيف في الأعراض مثل لعن بعضهم بعضا وتكفير بعضهم بعضا
وقد ثبت في الصحيحين من حديث الإفك قال النبي ﷺ من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا والله ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي قال سعد بن معاذ أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال ذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فاستب الحيان حتى جعل رسول الله صلى الله ليه وسلم يخفضهم وكان سعد بن عبادة رضي الله عنه يريد الدفع عن عبد الله بن أبي المنافق فقال له أسيد بن حضير إنك منافق وهذا كان تأويلا منه
وكذلك ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لحاطب بن أبي بلتعه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق لما كاتب المشركين بخبر النبي ﷺ فقال له رسول الله ﷺ إنه شهد بدرا وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وثبت في الصحيحين أن طائفة من المسلمين قالوا في مالك بن الدخشن إنه منافق فأنكر النبي ﷺ ذلك ولم يكفرهم فقد ثبت أن في الصحابة من قال عن بعض أمته إنه منافق متأولا في ذلك ولم يكفر النبي ﷺ واحدا منهما
وقد ثبت في الصحيح أن فيهم من لعن عبد الله حمارا لكثرة شربه الخمر فقال النبي ﷺ لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ولم يعاقب اللاعن لتأويله
والمتأول المخطىء مغفور له بالكتاب والسنة قال الله تعالى في دعاء المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وثبت في الصحيح أن الله عز وجل قال قد فعلت وفي سنن أبن ماجه وغيره أن النبي ﷺ قال إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان
فصل
إذا تبين هذا فيقال قول الرافضة من أفسد الأقوال وأشدها تناقضا فإنهم يعظمون الأمر على من قاتل عليا ويمدحون من قتل عثمان مع أن الذم والإثم لمن قتل عثمان أعظم من الذم والإثم لمن قاتل عليا فإن عثمان كان خليفة اجتمع الناس عليه ولم يقتل مسلما وقدقاتلوه لينخلع من الأمر فكان عذره في أن يستمر على ولايته أعظم من عذر على في طلبه لطاعتهم له وصبر عثمان حتى قتل مظلوما شهيدا من غير أن يدفع عن نفسه وعلى بدأ بالقتال أصحاب معاوية ولم يكونوا يقاتلونه ولكن امتنعوا من بيعته
فإن جاز قتال من امتنع عن بيعة الإمام الذي بايعه نصف المسلمين أو أكثرهم أو نحو ذلك فقتال من قاتل وقتل الإمام الذي أجمع المسلمون على بيعته أولى بالجواز
وإن قيل إن عثمان فعل أشياء أنكروها
قيل تلك الأشياء لم تبح خلعه ولا قتله وإن أباحت خلقه وقتله كان ما نقموه على علي أولى أن يبيح ترك مبايعته فإنهم إن ادعوا على عثمان نوعا من المحاباة لبني أمية فقد ادعوا على علي تحاملا عليهم وتركا لإنصافهم وأنه بادر بعزل معاوية ولم يكن ليستحق العزل فإن النبي ﷺ ولي أباه أبا سفيان على نجران ومات رسول الله ﷺ وهو أمير عليها وكان كثير من أمراء النبي ﷺ على الأعمال من بني أمية فإنه استعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على صدقات مذحج وصنعاء اليمن ولم يزل عليها حتى مات النبي ﷺ واستعمل عمرو على تيماء وخيبر وقرى عرينة وأبان بن سعيد بن العاص استعمله أيضا على البحرين برها وبحرها حين عزل العلاء بن الحضرمي فلم يزل عليها حتى مات النبي ﷺ وأرسله قبل ذلك أميرا على سرايا منها رية إلى نجد وولاه عمر رضي الله عنه ولا يتهم لا في دينه ولا في سياسته وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم
قالوا ومعاوية كانت رعيته تحبه وهو يحبهم ويصلون عليه وهو يصلي عليهم وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم قال مالك بن يخامر سمعت معاذا يقول وهم بالشام قالوا وهؤلاء كانوا عسكر معاوية
وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال لا يزل أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة قال أحمد بن حنبل أهل الغرب هم أهل الشام وقد بسطنا هذا في موضع اخر وهذا النص يتناول عسكر معاوية
قالوا ومعاوية أيضا كان خيرا من كثير ممن استنابه على فلم يكن يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة فإن عليا استناب زياد بن أبيه وقد أشاروا على علي بتولية معاوية قالوا يا أمير المؤمنين توليه شهرا واعزله دهرا ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة إما لاستحقاقه وإما لتأليفه واستعطافه فقد كان رسول الله ﷺ أفضل من علي وولى أبا سفيان ومعاوية خير منه فولى من هو خير من علي من هو دون معاوية
فإذا قيل إن عليا كان مجتهدا في ذلك
قيل وعثمان كان مجتهدا فيما فعل وأين الاجتهاد في تخصيص بعض الناس بولاية أو إمارة أو مال من الاجتهاد في سفك المسلمين بعضهم دماء بعض حتى ذل المؤمنين وعجزوا عن مقاومة الكفار حتى طمعوا فيهم وفي الاستيلاء عليهم ولا ريب أنه لو لم يكن قتال بل كان معاوية مقيما على سياسة رعيته وعلى مقيما على سياسة رعيته لم يكن في ذلك من الشر أعظم مما حصل بالاقتتال فإنه بالاقتتال لم تزل هذه الفرقة ولم يجتمعوا على إمام بل سفكت الدماء وقويت العداوة والبغضاء وضعفت الطائفة التي كانت أقرب إلى الحق وهي طائفة علي وصاروا يطلبون من الطائفة الأخرى من المسالمة ما كانت تلك تطلبه ابتداء
ومعلوم أن الفعل الذي تكون مصلحته راجحة على مفسدته يحصل به من الخير أعظم مما يحصل بعدمه وهنا لم يحصل بالاقتتال مصلحة بل كان الأمر مع عدم القتال خيرا وأصلح منه بعد القتال وكان علي وعسكره أكثر وأقوى ومعاوية وأصحابه أقرب إلى موافقته ومسالمته ومصالحته فإذا كان مثل هذا الاجتهاد مغفورا لصاحبه فاجتهاد عثمان أن يكون مغفورا أولى وأحرى
وأما معاوية وأعوانه فيقولون إنما قاتلنا عليا قتال دفع عن أنفسنا وبلادنا فإنه بدأنا بالقتال فدفعناه بالقتال ولم نبتدئه بذلك ولا اعتدينا عليه فإذا قيل لهم هو الإمام الذي كانت تجب طاعته عليكم ومبايعته وأن لا تشقوا عصا المسلمين قالوا ما نعلم أنه إمام تجب طاعته لأن ذلك عند الشيعة إنما يعلم بالنص ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم نص بإمامته ووجوب طاعته ولا ريب أن عذرهم في هذا ظاهر فإنه لو قدر أن النص الجلي الذي تدعيه الإمامية حق فإن هذا قد كتم وأخفى في زمن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم يجب أن يعلم معاوية وأصحابة مثل ذلك لو كان حقا فكيف إذا كان باطلا
وأما قوله الخلافة ثلاثون سنة ونحو ذلك فهذه الأحاديث لم تكن مشهورة شهرة يعلمها مثل أولئك إنما هي من نقل الخاصة لا سيما وليست من أحاديث الصحيحين وغيرهما وإذا كان عبد الملك بن مروان خفى عليه قول النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها ما بين ونحو ذلك حتى هدم ما فعله ابن الزبير ثم لما بلغه ذلك قال وددت أني وليته من ذلك ما تولاه مع أن حديث عائشة رضي الله عنها ثابت صحيح متفق على صحته عند أهل العلم فلأن يخفى على معاوية وأصحابه قوله الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا بطريق الأولى مع أن هذا في أول خلافة علي رضي الله عنه لا يدل على علي عينا وإنما علمت دلالته على ذلك لما مات رضي الله عنه مع أنه ليس نصا في إثبات خليفة معين ومن جوز خليفتين في وقت يقول كلاهما خلافة نبوة فإن معاوية رضي الله عنه كان في أول خلافته محمودا عندهم أكثر مما كان في اخرها وإن قيل إن خلافة علي ثبتت بمبايعة أهل الشوكة كما ثبتت خلافة من كان قبله بذلك أو ردوا على ذلك أن طلحة بايعه مكرها والذين بايعوه قاتلوه فلم تتفق أهل الشوكة على طاعته
وأيضا فإنما تجب مبايعته كمبايعة من قبله إذا سار سيرة من قبله وأولئك كانوا قادرين على دفع الظلم عمن يبايعهم وفاعلين لما يقدرون عليه من ذلك وهؤلاء قالوا إذا بايعناه كنا في ولايته نظلومين بولايته مع الظلم الذي تقدم لعثمان وهو لا ينصفنا إما لعجزه عن ذلك وإما تأويلا منه وإما لما ينسبه إليه اخرون منهم فإن قتلة عثمان وحلفاءهم أعداؤنا وهم كثيرون في عسكره وهو عاجز عن دفعهم بدليل ما جرى يوم الجمل فإنه لما طلب طلحة والزبير الانتصار من قتلة عثمان قامت قبائلهم فقاتلوهم
ولهذا كان الإمساك عن مثل هذا هو المصلحة كما أشار به على علي طلحة والزبير واتفقوا على ذلك ثم إن القتلة أحسوا باتفاق الأكابر فأثاروا الفتنة وبدأوا بالحملة على عسكر طلحة والزبير وقالوا لعلي إنهم حملوا قبل ذلك فقاتل كل من هؤلاء وهؤلاء دفعا عن نفسه ولم لعلي ولا لطلحة والزبير غرض في القتال أصلا وإنما كان الشر من قتلة عثمان
وإذا كان لا ينصفنا إما تأويلا منه وإما عجزا منه عن نصرتنا فليس علينا أن نبايع من نظلم بولايته لا لتأوليه ولا لعجزه قالوا والذين جوزوا قتالنا قالوا إنا بغاة والبغي ظلم فإن كان مجرد الظلم مبيحا للقتال فلأن يكون مبيحا لترك المبايعة أولى وأحرى فإن القتال أعظم فسادا من ترك المبايعة بلا قتال
وإن قيل علي رضي الله عنه لم يكن متعمدا لزلمهم بل كان مجتهدا في العدل لهم وعليهم
قالوا وكذلك نحن لم نكن متعمدين للبغي بل مجتهدين في العدل له وعليه وإذا كنا بغاة كنا بغاة للتأويل والله تعالى لم يأمر بقتال الباغي ابتداء وليس مجرد البغي مبيحا للقتال بل قال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فأمر بالإصلاح عند الاقتتال ثم قال فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله وهذا بغي بعد الاقتتال فإنه بغي إحدى الطائفتين المقتتلتين لا بغي بدون الاقتتال فالبغي المجرد لا يبيح القتال مع أن الذي في الحديث أن عمارا تقتله الفئة الباغية قد تكون الفئة التي باشرت قتله هم البغاة لكونهم قاتلوا لغير حاجة إلى القتال أو لغير ذلك وقد تكون غير بغاة قبل القتال لكن لما اقتتلتا بغيتا وحينئذ قتل عمارا الفئة الباغية فليس في الحديث ما يدل علي أن البغي كان منا قبل القتال ولما بغينا كان عسكر علي متخاذلا لم يقاتلنا ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها ترك الناس العمل بهذا الآية
وأما قوله إن معاوية قتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة
فيقال الذين قتلوا قتلوا من الطائفتين قتل هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء وأكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا يطيعون لا عليا ولا معاوية وكان علي ومعاوية رضي الله عنهما أطلب لكف الدماء من أكثر المقتتلين لكن غلبا فيما وقع والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها وكان في العسكرين مثل الأشتر النخعي وهاشم بن عتبة المرقال وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأبي الأعور السلمي ونحوهم من المحرضين على القتال قوم ينتصرون لعثمان غاية الانتصار وقوم ينفرون عنه وقوم ينتصرون لعلي وقوم ينفرون عنه
ثم قتال أصحاب معاوية معه لم يكن لخصوص معاوية بل كان لأسباب أخرة وقتال مثل قتال الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم كما قال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ﷺ متوافرون فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القران فإنه هدر أنزلوهم منزلة الجاهلية
وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة وكان هؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وهؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وقيل إن كل طائفة كانت تقنت على الأخرى والقتال باليد أعظم من التلاعن باللسان وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا مخطئا أو مصيبا فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك
ثم من العجب أن الرافضة تنكر سب علي وهم يسبون أبا بكر وعمر وعثمان ويكفرونهم ومن والاهم ومعاوية رضي الله عنه وأصحابه ما كانوا يكفرون عليا وإنما يكفره الخوارج المارقون والرافضة شر منهم فلو أنكرت الخوارج السب لكان تناقضا منهم فكيف إذا أنكرته الرافضة
ولا ريب أنه لا يجوز سب أحد من الصحابة لا علي ولا عثمان ولا غيرهما ومن سب أبا بكر وعمر وعثمان فهو أعظم إثما ممن سب عليا وإن كان متأولا فتأويله أفسد من تأويل من سب عليا وإن كان المتأول في سبهم ليس بمذموم لم يكن أصحاب معاوية مذمومين وإن كان مذموما كان ذم الشيعة الذين سبوا الثلاثة أعظم من سب الناصبة الذين سبوا عليت وحده فعلى كل تقدير هؤلاء أبعد عن الحق
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
وأما قوله إن معاوية سم الحسن
فهذا مما ذكره بعض الناس ولم يثبت ذلك ببينة شرعية أو إقرار معتبر ولا نقل يجزم به وهذا مما لا يمكن العلم به فالقول به قول بلا علم وقد رأينا في زماننا من يقال عنه إنه سم ومات مسموما من الملوك وغيرهم ويختلف الناس في ذلك حتى في نفس الموضع الذي مات فيه ذلك الملك والقلعة التي مات فيها فتجد كلا منهم يحدث بالشيء بخلاف ما يحدث به الاخر ويقول هذا سمه فلان وهذا يقول بل سمه غيره لأنه جرى كذا وهي واقعة في زمانك والذين كانوا في قلعته هم الذين يحدثونك
والحسن رضي الله عنه قد نقل عنه أنه مات مسموما وهذا مما يمكن أن يعلم فإن موت المسموم لا يخفى لكن يقال إن امرأته سمته ولا ريب أنه مات بالمدينة ومعاوية بالشام فغاية ما يظن الظان أن يقال إن معاوية أرسل إليها وأمرها بذلك وقد يقال بل سمته امرأته لغرض اخر مما تفعله النساء فإنه كان مطلاقا لا يدوم مع امرأة
وقد قيل إن أباها الأشعث بن قيس أمرها بذلك فإنه كان يتهم بالانحراف في الباطن عن علي وابنه الحسن
وإذا قيل إن معاوية أمر أباها كان هذا ظنا محضا والنبي ﷺ قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث
وبالجملة فمثل هذا لا يحكم به في الشرع باتفاق المسلمين فلا يترتب عليه أمر ظاهر لا مدح ولا ذم والله أعلم ثم إن الأشعث بن قيس مات سنة أربعين وقيل سنة إحدى وأربعين ولهذا لم يذكر في الصلح الذي كان بين معاوية والحسن بن علي في العام الذي كان يسمى عام الجماعة وهو عام أحد وأربعين وكان الأشعث حما الحسن بن علي فلو كان شاهدا لكان يكون له ذكر في ذلك وإذا كان قد مات قبل الحسن بنحو عشر سنين فكيف يكون هو الذي أمر ابنته أن تسم الحسن والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال وهو يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون فإن كان قد وقع شيء من ذلك فهو من باب قتال بعضهم بعضا كما تقدم وقتال المسلمين بعضهم بعضا بتأويل وسب بعضهم بعضا بتأويل وتكفير بعضهم بعضا بتأويل باب عظيم ومن لم يعلم حقيقة الواجب فيه وإلا ضل
وأما قوله وقتل ابنه يزيد مولانا الحسين ونهب نساءه
فيقال إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق والحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا إليه فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فلما قتلوا مسلما وغدروا به وبايعوا ابن زياد أراد الرجوع فأدركته السرية الظالمة فطلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده قلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى يستأسر لهم فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيدا مظلوما رضي الل هعنه ولما بلغ ذلك يزيد أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ولم يسب له حريما أصلا بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلدهم
ولو قدر أن يزيد قتل الحسين لم يكن ذنب ابنه ذنبا له فإن الله تعالى يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى وقد اتفق الناس على أن معاوية رضي الله عنه وصى يزيد برعاية حق الحسين وتعظيم قدره وعمر بن سعد كان هو أمير السرية التي قتلت الحسين وأبوه سعد كان من أبعد الناس عن الفتن ولابنه هذا معه قصة معروفة لما حضه على طلب الخلافة وامتناع سعد من ذلك ولم يكن بقى من أهل الشورى غيره
ففي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال كان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر فلما راه سعد قال أعوذ بالله من شر هذا الراكب فنزل فقال له أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم فضرب سعد في صدره فقال اسكت سمعت رسول الله ﷺ يقول إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي
ومحمد بن أبي بكر يقال إنه أعان على قتل عثمان وكان أبوه أبو بكر رضي الله عنه من أشد الناس تعظيما لعثمان فهل روى أحد من أهل السنة قدحا في أبي بكر لأجل فعل ابنه
وإذا قيل إن معاوية رضي الله عنه استخلف يزيد وبسب ولايته فعلى هذا
قيل استخلافه إن كان جائزا لم يضره ما فعل وإن لم يكن جائزا فذاك ذنب مستقل ولو لم يقتل الحسين وهو مع ذلك كان من أحرص الناس على إكرم الحسين رضي الله عنه وصيانة حرمته فضلا عن دمه فمع هذا القصد والاجتهاد لا يضاف إليه فعل أهل الفساد وأما قوله وكسر أبوه ثنية النبي ﷺ وأكلت أمه كبد حمزة عم النبي ﷺ فلا ريب أن أبا سفيان بن حرب كان قائد المشركين يوم أحد وكسرت ذلك اليوم ثنية النبي ﷺ كسرها بعض المشركين لكن لم يقل أحد إن أبا سفيان باشر ذلك وإنما كسرها عتبة بن أبي وقاص وأخذت هند كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تبلعها فلفظتها
وكان هذا قبل إسلامهم ثم بعد ذلك أسلموا وحسن إسلامهم وإسلام هند وكان النبي ﷺ يكرمها والإسلام يجب ما قبله وقد قال الله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف
وفي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول ما يبكيك يا أبتاه أما بشرك رسول الله ﷺ بكذا أما بشرك بكذا قال فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني قد كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله ﷺ مني ولا أحب إلى أن أكون قج استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله عز وجل الإسلام في قلبي أتيت النبي ﷺ فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي فقال مالك يا عمرو قال قلت أريد أن اشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وذكر الحديث
وفي البخاري لما أسلمت هند أم معاوية رضي الله عنهما قالت والله يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب أن يعزوا من أهل خبائك
فصل
قال الرافضي وسموا خالد بن الوليد سيف الله عنادا لأمير المؤمنين الذي هو أحق بهذا الاسم حيث قتل بسيفه الكفار وثبت بواسطته قواعد الدين وقال فيه رسول الله ﷺ على سيف الله وسهم الله وقال علي على المنبر أنا سيف الله على أعدائه ورحمته لأوليائه، وخالد لم يزل عدوا لرسول الله ﷺ مكذبا له وهو كان السبب في قتل المسلمين يوم أحد وفي كسر رباعية النبي ﷺ وفي قتل حمزه عمه ولما تظاهر بالإسلام بعثه النبي ﷺ إلى بني جذيمة ليأخذ منهم الصدقات فخانه وخالفه على أمره وقتل المسلمين فقام النبي ﷺ في أصحابه خطيبا بالإنكار عليه رافعا يديه إلى السماء حتى شوهد بياض إبطيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ثم أنف 1 إليه بأمير المؤمنين لتلافى فارطه وأمره بأن يسترضى القوم من فعله
فيقال أما تسمية خالد بسيف الله فليس هو مختصا به بل هو سيف من سيوف الله سله الله على المشركين هكذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ والنبي ﷺ هو أول من سماه بهذا الاسم كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أيوب السختياني عن حميد بن هلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن البي ﷺ نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيه خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحه فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذها سيف من سيوف الله خالد حتى فتح الله عليهم
وهذا لا يمنع أن يكون غيره سيفا لله تعالى بل هو يتضمن أن سيوف الله متعددة وهو واحد منها ولا ريب أن خالدا قتل من الكفار أكثر مما قتل غيره وكان سعيدا في حروبه وهو أسلم قبل فتح مكة بعد الحديبية وهو وعمرو بن العاص وشيبة بن عثمان وغيرهم ومن حين أسلم كان النبي ﷺ يؤمره في الجهاد وخرج في غزوة مؤته التي قال فيها النبي ﷺ أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة وكانت قبل فتح مكة ولهذا لم يشهد هؤلاء فتح مكة فلما قتل هؤلاء الأمراء أخذ الراية خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح الله على يديه وانقطع في يده يوم مؤتة تسعة أسياف وما ثبت معه إلا صفيحة يمانية رواه البخاري ومسلم ثم إن رسول الله ﷺ أمره يوم فتح مكة وأرسله إلى هدم العزى وأرسله إلى بنة جذيمة وأرسله إلى غير هؤلاء وكان أحيانا يفعل ما ينكره عليه كما فعل يوم بني جذيمة وتبرأ النبي ﷺ من ذلك
ثم إنه مع هذا لا يعزله بل يقره على إمارته وقد اختصم هو وعبد الرحمن بن عوف يوم بني جذيمة حتى قال النبي ﷺ لا تسبوا أصحابي فوالدي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
وأمره أبو بكر على قتال أهل الردة وفتح العراق والشام فكان من أعظم الناس غناء في قتال العدو وهذا أمر لا يمكن أحد إنكاره فلا ريب إنه سيف من سيوف الله سله الله على المشركين وأما قوله على أحق بهذا الاسم
فيقال أولا من الذي نازع في ذلك ومن قال إن عليا لم يكن سيفا من سيوف الله وقول النبي ﷺ الذي ثبت في الصحيح يدل على أن لله سيوفا متعددة ولا ريب أن عليا من أعظمها وما في المسلمين من يفضل خالدا على علي حتى يقال إنهم جعلوا هذا مختصا بخالد والتسمية بذلك وقعت من النبي ﷺ في الحديث الصحيح فهو ﷺ الذي قال إن خالدا سيف من سيوف الله
ثم يقال ثانيا على أجل قدرا من خالد وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله فإن عليا له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله فإن السيف خاصته القتال وعلي كان القتال أحد فضائله بخلاف خالد فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره لم يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم زهد وإنما تقدم بالقتال فلهذا عبر عن خالد بأنه سيف من سيوف الله وقوله إن عليا قتل بسيفه الكفار
فلا ريب أنه لم يقتل إلا بعض الكفار وكذلك سائر المشهورين بالقتال من الصحابة كعمر والزبير وحمزة والمقداد وأبي طلحة والبراء بن مالك وغيرهم رضي الله عنهم ما منهم من أحد إلا قتل بسيفه طائفة من الكفار والبراء بن مالك قتل مائة رجل مبارزة غير من شرك في دمه
وقد قال النبي ﷺ صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وقال إن لكل نبي حوارة وإن حوارة الزبير وكلا الحديثين في الصحيح
وفي المغازى انه قال لعلي يوم أحد لما قال لفاطمة عن السيف اغسليه غير ذميم إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان
وقال عن البراء بن مالك إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك وكانو يقولون في المغازى للبراء بن مالك يا براء أقسم على ربك فيقسم على ربه فيهزم الكفار ثم في اخر غزوة فزاها قال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد فاستشهد رضي الله عنه
والقتال يكون بالدعاء كما يكون باليد قال النبي ﷺ هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم
وكان ﷺ يستفتح بصعاليك المهاجرين
ومع هذا فعلى أفضل من البراء بن مالك وأمثاله فكيف لا يكون أفضل من خالد
وأما قوله وقال فيه رسول الله ﷺ على سيف الله وسهم الله
فهذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث ولا له إسناد معروف ومعناه باطل فإن عليا ليس هو وحده سيف الله وسهمه وهذه العبارة يقتضي ظاهرها الحصر
والذي في الصحيح أن أبا بكر قال يوم حنين لا ها الله إذن لا نعمد إلى أسد من أسود الله تعالى يقاتل عن الله عز وجل وعن رسوله فنعطيك سلبه
فإن أريد بذلك أن علي وحده سيف الله وسهم الله فهذا باطل وإن أريد به أنه سيف من سيوف الله فعلى أجل من ذلك وأفضل وذلك بعض فضائله
وكذلك ما نقل عن علي رضي الله عنه أنه قال على المنبر أنا سيف الله على أعدائه ورحمته لأوليائه
فهذا لا إسناد له ولا يعرف له صحة لكن إن كان قاله فمعناه صحيح وهو قدر مشترك بينه وبين أمثاله، قال الله تعالى فيهم أشداء على الكفار رحماء بينهم وقال أذلة على المؤمنين أعزة على الكفافرين
وكل من المهاجرين المجاهدين كان سيفا على أعداء الله ورحمة لأولياء الله ولا يجوز أن يريد أني أنا وحدي سيف الله وأنا وحدي رحمة على أولياء الله فغن هذا من الكذب الذي يجب تنزيه على عن أن يقوله
وإن أريد أنه في ذلك أكمل من غيره فالحصر للكمال فهذا صحيح في زمنه وإلا فمعلوم أن عمر كان قهره للكفار أعظم وانتفاع المؤمنين به أعظم وانتفاع المؤمنين به أعظم وهذا مما يعرفه كل من عرف السيرتين فإن المؤمنين جميعهم حصل لهم بولاية عمر رضي الله عنه من الرحمة في دينهم ودنياهم ما لم يحصل شيء منه بولاية علي وحصل لجميع أعداء الدين من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين من القهر والقتل والذل بولاية عمر رضي الله عنه ما لم يحصل شيء منه بولاية علي هذا أمر معلوم للخاصة والعامة ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ولم يكن لهم على الفار سيف بل الكفار كانوا قد طمعوا فيهم وأخذوا منهم أموالا وبلادا فكيف يظن مع هذا تقدم على في هذا الوصف على عمر وعثمان
ثم الرافضة يتناقضون فإنهم يصفون عليا بأنه كان هو الناصر لرسول الله ﷺ الذي لولا هو لما قام دينه ثم يصفونه بالعجز والذل والمنفى لذلك
وأما قوله وخالد لم يزل عدوا لرسول الله ﷺ مكذبا له
فهذا كان قبل إسلامه كما كان الصحابة كلهم مكذبين له قبل الإسلام من بني هاشم وغير بني هاشم مثل أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب وأخيه ربيعة وحمزة عمه وعقيل وغيرهم
وقوله وبعثه النبي ﷺ إلى بني جذيمة ليأخذ منهم الصدقات فخانه وخالفه على أمره وقتل المسلمين فقام النبي ﷺ خيبا بالإنكار عليه رافعا يديه إلى السماء حتى شوهد بياض إبطيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ثم أنفذ إليه بأمير المؤمنين لتلافى فارطه وأمره أن يسترضى القوم من فعله
فيقال هذا النقل فيه من الجهل والتحريف مالا يخفى على من يعلم السيرة فإن النبي ﷺ أرسله إليهم بعد فتح مكة ليسلموا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبأنا صبأنا فلم يقبل ذلك منهم وقال إن هذا ليس بإسلام فقتلهم فأنكر ذلك عليه من معه من أعيان الصحابة كسالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن عمر وغيرهما ولما بلغ ذلك النبي صلى وسلم رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد لأنه خاف أن يطالبه الله بما جرى عليهم من العدوان وقد قال تعالى فإن عصوك فقل إني برىء مما تعلمون ثم أرسل عليا وأرسل معه مالا فأعطاهم نصف الديات وضمن لهم ما تلف حتى ميلغة الكلب ودفع إليهم ما بقي احتياطا لئلا يكون بقى شيء لم يعلم به
ومع هذا فالنبي ﷺ لم يعزل خالدا عن الإمارة بل ما زال يؤمره ويقدمه لأن الأمير إذا جرى منه خطأ أو ذنب أمر بالرجوع عن ذلك وأقر على ولايته ولم يكن خالد معاندا للنبي ﷺ بل كان مطيعا له ولكن لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره فخفي عليه حكم هذه القضية
ويقال إنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية وكان ذلك مما حركة على قتلهم وعلي كان رسولا في ذلك
وأما قوله إنه أمره أن يسترضي القوم من فعله
فكلام جاهل فإنما أرسله لإنصافهم وضمان ما تلف لهم لا لمجرد الاسترضاء
وكذلك قوله عن خالد إنه خانه وخالف أمره وقتل المسلمين
كذب على خالد فإن خالدا لم يتعمد خيانة النبي ﷺ ولا مخالفة أمره ولا قتل من هو مسلم معصوم عنده ولكنه أخطأ كما أخطأ أسامة بن زيد في الذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله وقتل السرية لصاحب الغنيمة الذي قال أنا مسلم فقتلوه وأخذوا غنمه السرية لصاحب الغنيمة الذي قال أنا مسلم فقتلوه وأخذوا غنمه وأنزل الله في ذلك يا أيها الذين امنوا إذا ضربتم في سبيل لله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعلمون خبيرا
وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد قال بعثنا رسول الله ﷺ إلى الحرقات من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي ﷺ فقال لي يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما قالها متعوذا قال فقتله بعد أن قال لا إله إلا الله فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم
فصل
قال الرافضي ولما قبض الني ﷺ وأنفذه أبو بكر لقتال أهل اليمامة قتل منهم ألفا ومائتي نفر مع تظاهرهم بالإسلام وقتل مالك بن نويرة صبرا وهو مسلم وعرس بامرأته وسموا بني حنيفة أهل الردة لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر لأنهم لم يعتقدوا إمامته واستحل دماءهم وأموالهم ونساءهم حتى أنكر عمر عليه فسموا مانع الزكاة مرتدا ولم يسموا من استحل دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين مرتدا مع أنهم سمعوا قول النبي ﷺ يا علي حربك حربي وسلمك سلمي ومحارب رسول الله ﷺ كافر بالإجماع
والجواب بعد أن يقال الله أكبر على هؤلاء المرتدين المفترين أتباع المرتدين الذين برزوا بمعاداة الله ورسوله وكتابه ودينه ومرقوا من الإسلام ونبذوه وراء ظهورهم وشاقوا الله ورسوله وعباده المؤمنين وتولوا أهل الردة والشقاق فإن هذا الفصل وأمثاله من كلامهم يحقق أن هؤلاء القوم المتعصبين على الصديق رضي الله عنه وحزبه من أصولهم من جنس المرتدين الكفار كالمرتدين الذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه
وذلك أن أهل اليمامة هم بنو حنيفة الذين كانوا قد امنوا بمسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في حياة النبي ﷺ وكان قد قدم المدينة وأظهر الإسلام وقال إن جعل محمد لي الأمر من بعده امنت به ثم لما صار إلى اليمامة ادعى أنه شريك النبي ﷺ في النبوة وأن النبي ﷺ صدقه على ذلك وشهد له الرجال بن عنفوة وكان قد صنف قرانا يقول فيه والطاحنات طحنا فالعاجنات عجنا فالخابزات خبزا إهالة وسمنا إن الأرض بيننا وبين قريش نصفين ولكن قريشا قوم لا يعدلون ومنه قوله لعنه الله يا ضفدع بنت ضفدعين نقى كم تنقين لا الماء تدرين ولا الشارب تمنعين رأسك في الماء ودنبك في الطين ومنه قوله لعنه الله الفيل وما أدراك ما الفيل له زلوم طويل إن ذلك من خلق ربنا الجليل ونحو ذلك من الهذيان السج الذي قال فيه الصديق رضي الله عنه لقومه لما قرؤوه عليه ويلكم أين يذهب بعقولكم إن هذا كلام لم يخرج من إل
وكان هذا الكذاب قد كتب للنبي ﷺ من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك فكتب إليه رسول الله ﷺ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب فلما توفي رسول الله ﷺ بعث إليه أبو بكر خالد بن الوليد فقاتله بمن معه من المسلمين بعد أن قاتل خالد بن الوليد طليحة الأسدي الذي كان أيض قد ادعى النبوة واتبعه طوائف من أهل نجد فلما نصر الله المؤمنين على هؤلاء وهزموهم وقتل ذلك اليوم عكاشة بن محصن الأسدي وأسلم بعد ذلك طليحة الأسدي هذا ذهبوا بعد ذلك إلى قتال مسيلمة الكذاب البيمامة ولقي المؤمنون في حربه شدة عظيمة وقتل في حربه طائفة من خيار الصحابة مثل زيد بن الخطاب وثابت بن قيس بن الشماس وأسيد بن حضير وغيرهم
وفي الجملة فأمر مسيلمة الكذاب وادعاؤه النبوة واتباع بني حنيفة له باليمامة وقتال الصديق لهم على ذلك أمر متواتر مشهور قد علمه الخاص والعام كتواتر أمثاله وليس هذا من العلم الذي تفرد به الخاصة بل علم الناس بذلك أظهر من علمهم بقتال الجمل وصفين فقد ذكر عن بعض أهل الكلام أنه أنكر الجمل وصفين وهذا الإنكار وإن كان باطلا فلم نعلم أحدا أنكر قتال أهل اليمامة وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة وأنهم قاتلوه على ذلك لكن هؤلاء الرافضة من جحدهم لهذا وجهلهم به بمنزلة إنكارهم لكون أبي بكر وعمر دفنا عند النبي ﷺ وإنكارهم لموالاة أبي بكر وعمر للنبي صلى اله عليه وسلم ودعواهم أنه نص على علي بالخلافة بل منهم من ينكر أن تكون زينب ورقية وأم كلثوم من بنات النبي ﷺ ويقولون إنهن لخديجة من زوجها الذي كان كافرا قبل النبي ﷺ
ومنهم من يقول إن عمر غصب بنت علي حتى زوجه بها وأنه تزوج غصبا في الإسلام ومنهم من يقول إنهم بعجوا بطن فاطمة حتى أسقطت وهدموا سقف بيتها على من فيه وأمثال هذه الأكاذيب التي يعلم من له أدنى علم ومعرفة أنها كذب فهم دائما يعمدون إلى الأمور المعلومة المتواترة ينكرونها وإلى الأمور المعدومة التي لا حقيقة لها يثبتونها فلهم أوفر نصيب من قوله تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق فهم يفترون الكذب ويكذبون بالحق وهذا حال المرتدين
وهم يدعون أن أبا بكر وعمر ومن اتبعهما ارتدوا عن الإسلام وقد علم الخاص والعام أن أبا بكر هو الذي قاتل المرتدين فإذا كانوا يدعون أن أهل اليمامة مظلومون قتلوا بغير حق وكانوا منكرين لقتال أولئك متأولين لهم كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأولئك السلف وأن الصديق وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان
وقوله إنهم سموا بني حنيفة مرتدين لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر
فهذا من أظهر الكذب وأبينه فإنه إنما قاتل بني حنيفة لكونهم امنوا بمسيلمة الكذاب واعتقدوا نبوته وأما مانعو الزكاة فكانوا قوما اخرين غير بني حنيفة وهؤلاء كان قد وقع لبعض الصحابة شبهة في جواز قتالهم وأما بنو حنيفة فلم يتوقف أحد في وجوب قتالهم وأما مانعو الزكاة فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال له أبو بكر ألم يقل إلا بحقها فإن الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقا أو عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه
وهؤلاء لم يقاتلوهم لكونهم لم يؤدوها إلى الصديق فإنهم لو أعطوها بأنفسهم لمستحقيها ولم يؤدوها إليه لم يقاتلهم هذا قول جمهور العلماء كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما وقالوا إذا قالوا نحن نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام لم يكن له قتالهم فإن الصديق رضي الله عنه لم يقاتل أحدا على طاعته ولا ألزام أحدا بمبايعته ولهذا لما تخلف عن بيعته سعد لم يكرهه على ذلك
فقول القائل سموا بني حنيفة أهل الردة لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر لأنهم لم يعتقدوا إمامته من أظهر الكذب والفرية وذلك قوله إن عمر أنكر قتال بني حنيفة
وأما قوله ولم يسموا من استحل دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين مرتدا مع أنهم سمعوا قول النبي ﷺ يا علي حربك حربي وسلمك سلمي ومحارب رسول الله ﷺ كافر بالإجماع
فيقال في الجواب أولا دعواهم أنهم سمعوا هذا الحديث من النبي ﷺ أو عنه كذب عليهم فمن الذي نقل عنهم أنهم سمعوا ذلك وهذا الحديث ليس في شيء من كتب علماء الحديث المعروفة لا روي بإسناد معروف ولو كان النبي ﷺ قاله لم يجب أن يكونوا قد سمعوه فإنه لم يسمع كل منهم كل ما قاله الرسول ﷺ فكيف إذا لم يعلم أن النبي ﷺ قاله ولا روي بلإسناد معروف بل كيف إذا علم أنه كذب موضوع على النبي ﷺ باتفاق أهل العلم بالحديث
وعلي رضي الله عنه لم يكن قتاله يوم الجمل وصفين بأمر من النبي ﷺ وإنما كان رأياه راه
وقال أبو داوود في سننه حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الهذلي حدثنا اب علية عن يونس عن الحسن عن قيس بن عباد قال قلت لعلي رضي الله عنه أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله ﷺ أم رأى رأيته قال ما عهد إلي رسول الله ﷺ شيئا ولكنه رأى رأيته
ولو كان محارب علي محاربا لرسول الله ﷺ مرتدا لكان علي يسير فيهم السيرة في المرتدين وقد تواتر عن علي يوم الجمل لما قاتلهم أنه لم يتبع مدبرهم ولم يجهز على جريحهم ولم يغنم لهم مالا ولا سبى لهم ذرية وأمر مناديه ينادي في عسكره أن لا يتبع لهم مدبر ولا يجهز على جريحهم ولا تغنم أموالهم ولو كانوا عنده مرتدين لأجهز على جريحهم واتبع مدبرهم
وهذا مما أنكره الخوارج عليه وقالوا له إن كانوا مؤمنين فلا يحل قتالهم وإن كانوا كفارا فلم حرمت أموالهم ونساءهم فأرسل إليهم ابن عباس رضي الله عنهما فناظرهم وقال لهم كانت عائشة فيهم فإن قلتم إنها ليست أمنا كفرتم بكتاب الله وإن قلتم هي أمنا استحللتم وطأها كفرتم بكتاب الله
وكذلك أصحاب الجمل كان يقول فيهم إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف
وقد نقل عنه رضي الله عنه أنه صلى على قتلى الطائفتين وسيجىء إن شاء الله بعض الاثار بذلك
وإن كان أولئك مرتدين وقد نزل الحسن عن أمر المسلمين وسلمه إلى كافر مرتد كان المعصوم عندهم قد سلم أمر المسلمين إلى المرتدين وليس هذا من فعل المؤمنين فضلا عن المعصومين
وأيضا المرتدون منتصرين على المؤمنين دائما
والله تعالى يقول في كتابه إنا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ويقول في كتابه ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرلسني إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ويقول في كتابه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
وهؤلاء الرافضة الذين يدعون أنهم المؤمنون إنما لهم الذل والصغار ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس
وأيضا فإن الله تعالى يقول في كتابه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فقد جعلهم مؤمنين إخوة مع الاقتتال والبغي
وأيضا فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال تمرق مارقة علي حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق وقال إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظئمتين من المسلمين وقال لعمار تقتلك الفئة الباغية لم يقل الكافرة
وهذه الأحاديث صحيحة عند أهل العلم بالحديث وهي مروية بأسانيد متنوعة لم يأخذ بعضهم عن بعض وهذا مما يوجب العلم بمضمونها وقد أخبر النبي ﷺ أن الطائفتين المفترقتين مسلمتان ومدح من أصلح الله به بينهما وقد أخبر أنه تمرق مارقة وأنه تقتلها أدنى الطائفتين إلي الحق
ثم يقال لهؤلاء الرافضة لو قالت لكم النواصب علي قد استحل دماء المسلمين وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته وقد قال النبي ﷺ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وقال ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فيكون علي كافرا لذلك لم تكن حجتكم أقوى من حجتهم لأن الأحاديث التي احتجوا بها صحيحة
وأيضا فيقولون قتل النفوس فساد فمن قتل النفوس على طاعته كان مريدا للعلو في الأرض والفساد وهذا حال فرعون والله تعالى يقول تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الاخرة وليس هذا كقتال الصديق للمرتدين ولمانعي الزكاة فإن الصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله لا على كاعته فإن الزكاة فرض عليهم فقاتلهم عللا الإقرار بها وعلى أدائها بخلاف من قاتل ليطاع هو ولهذا قال للإمام حمد وأبو حنيفة وغيرهما من قال أنا أؤدي الزكاة ولا أعطيها للإمام لم يكن للإمام أن يقاتله وهذا فيه نزاع بين الفقهاء فمن يجوز القتال على ترك طاعة ولي الأمر جوز قتال هؤلاء وهو قول طائفة من الفقهاء ويحكى هذا عن الشافعي رحمه الله
ومن لم يجوز القتال إلا على ترك طاعة الله ورسوله لا على ترك طاعة شخص معين لم يجوز قتال هؤلاء
وفي الجملة فالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه كانوا ممتنعين عن طاعة رسول الله ﷺ والإقرار بما جاء به فلهذا كانوا مرتدين بخلاف من أقر بذلك ولكن امتنع عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع ما جاء به الرسول ﷺ يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وقالوا نحن نقوم بالواجبات من غير دخول في طاعة علي رضي الله عنه لما علينا في ذلك من الضرر فأين هؤلاء من هؤلاء
واعلم أن طائفة من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد جعلوا قتال مانعي الزكاة وقتال الخوارج جميعا من قتال البغاة وجعلوا تال الجمل وصفين من هذا الباب وهذا القول خطأ مخالف لقول الأئمة الكبار وهو خلاف نص مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة السلف ومخالف للسنة الثابته عن النبي ﷺ فإن الخوارج أمر النبي ﷺ بقتالهم واتفق على ذلك الصحابة وأما القتال بالجمل وصفين فهو قتال فتنة وليس فيه أمر من الله ورسوله ولا إجماع من الصحابة وأما قتال مانعي الزكاة إذا كانوا ممتنعين عن أدائها بالكلية أو عن الإقرار بها فهو أعظم من قتال الخوارج وأهل صفين لم يبدؤوا عليا بالقتال وأبو حنيفة وغيره ولا يجوزون قال البغاة إلا أن يبدؤوا الإمام بالقتال وكذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك لا يجوزون قتال من قام بالواجب إذا كانت طائفة ممتنعة قالت لا نؤدي وكاتنا إلى فلان فيجب الفرق بين قتال المرتدين وقتال الخوارج المارقين
وأما قتال البغاة المذكورين في القران فنوع ثالث غير هذا وهذا فإن الله تعالى لم يأمر بقتال البغاة ابتداء بل أمر إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين بالإصلاح بينهما وليس هذا حكم المرتدين ولا حكم الخوارج والقتال يوم الجمل وصفين فيه نزاع هل هو من باب قتال البغاة المأمور به في القران أو هو قتال فتنة القاعد فيه خير من القائم فالقاعدون من الصحابة وجمهور أهل الحديث والسنة وأئمة الفقهاء بعدهم يقولون هو قتال فتنة ليس هو قتال البغاة المأمور به في القران فإن الله لم يأمر بقتال المؤمنين البغتة ابتداء لمجرد بغيهم بل إنما أمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم وقوله فإن بغت إحداهما على الأخرى ويعود الضمير فيه إلى الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين لا يعود إلى طائفة مؤمنة لم تقاتل بالتقدير فإن بغت أحدى الطائفتين المؤمنتين المقتتلتين على الأخرى فقاتلوا الباغية حتى تفىء إلى أمر الله فمتي كانت طائفة باغية ولم تقاتل لم يكن في الآية أمر بقتالها
ثم إن كان قوله فإن بغت إحداهما على الأخرى بعد الإصلاح فهو أوكد وإن كان بعد الاقتتال حصل المقصود
وحينئذ فأصحاب معاوية إن كانوا قد بغوا قبل القتال لكونهم لم يبايعوا عليا فليس في الآية الأمر بقتال من بغى ولم يقاتل وإن كان بغيهم بعد الاقتتال والإصلاح وجب قتالهم لكن هذا لم يوجد فإن أحدا لم يصلح بينهما
ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها هذه الآية ترك الناس العمل بها يعنب إن ذاك
وإن كان بغيهم بعد الاقتتال وقبل الإصلاح فهنا إذا قيل بجواز القتال فهذا القدر إنما حصل في أثناء القتال وحينئذ فشل أصحاب علي ونكلوا عن القتال لما رفعوا المصاحف ففي الحال التي أمر بقتالهم فيها لم يقاتلوهم وفي الحال التي قاتلوهم لم يكن قتالهم مأمورا به فإن كان أولئك بغاة معتدين فهؤلاء مفرطون مقصرون ولهذا ذلوا وعجزوا وتفرقوا وليس الإمام مأمورا بأن يقاتل بمثل هؤلاء
وفي الجملة فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم بخلاف الكلام في تكفيرهم فإن هذا أمر يعلم فساده الخاصة والعامة بالدلائل الكثيرة
ومما يبين كذب هذا الحديث أنه لو كان حرب علي حربا لرسول الله صلى لله عليه وسلم والله تعالى قد تكفل بنصر رسوله كما في قوله تعالى إنا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وكما في قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن القتال وإن كان واقعا باجتهاد فليس هو من القتال الذي يكون محارب أصحابه محاربا له ورسوله ثم إنه لو قدر أنه محارب لله ورسوله فالمحاربون قطاع الطريق لا يكفرون إذا كانوا مسلمين
وقد تنازع الناس في قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوه وتسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا هل هي في الكفار أو في المسلمين ومن يقول إنها في المسلمين يقول إن الله تعالى يقول إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ولو كانوا كفارا مرتدين لم يجز أن يقتصر على قطع أيدهم ولا نفيهم بل يجب قتلهم فإن المرتد يجب قتله
وكذلك من كان متأولا في محاربته مجتهدا لم يكن كافرا كقتل أسامة بن زيد لذلك المسلم متأولا لم يكن به كافرا وإن كان استحلال قتل المسلم المصعوم كفرا وكذلك تكفير المؤمن كفر كما قال النبي ﷺ إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ومع هذا إذا قالها متأولا لم يكفر كما قال بن عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة دعني أضرب عنق هذا المنافق وأمثاله وكقول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة إنك لمنافق تجادل عن المنافقين في قصة الإفك
===فصل=== قال الرافضي وقد أحسن بعض الفضلاء في قوله شر من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعته وجرى معه في ميدان معصيته ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد من الملائكة وكان يحمل العرش وحده ستة الاف سنة ولما خلق الله ادم وجعله خليفة في الأرض وأمره بالسجود فاستكبر فاستحق اللعنه والطرد ومعاوية لم يزل في الإشراك وعبادة الأصنام إلى أن أسلم بعد ظهور النبي ﷺ بمدة طويلة ثم استكبر عن طاعة الله في نصب أمير المؤمنين عليه إماما وبايعه الكل بعد قتل عثمان وجلس مكانه فكان شرا من إبليس
فيقال هذا الكلام فيه من الجهل والضلال والخروج عن دين الإسلام وكل دين بل وعن العقل الذي يكون لكثير من الكفار مالا يخفى عن من تدبره
أما أولا فلأن إبليس أكثر من كل كافر وكل من دخل النار فمن أتباعه كما قال تعالى لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وهو الامر لهم بكل قبيح الزين له فكيف يكون أحد شرا منه لا سيما من المسلمين لا سيما من الصحابة
وقول هذا القائل شر من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعة وجرى معه في ميدان المعصية يقتضي أن كل من عصى الله فهو شر من إبليس لأنه لم يسبقه في سالف طاعة وجرى معه في ميدان المعصية وحينئذ فيكون ادم وذريته شرا من إبليس فإن النبي ﷺ قال كل بني ادم خطاء وخير الخطائين التوابون
ثم هل يقول من يؤمن بالله واليوم الاخر إن من أذنب ذنبا من المسلمين يكون شرا من إبليس أو ليس هذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام وقائل هذا كافر كفرا معلوما بالضرورة من الدين وعلى هذا فالشيعة دائما يذنبون فيكون كل منهم شرا من إبليس ثم إذا قالت الخوارج إن عليا أذنب فيكون شرا من إبليس لم يكن للروافض حجة الا دعوى عصمته وهم لا يقدرون أن يقيموا حجة على الخوارج بإيمانه وإمامته وعدالته فكيف يقيمون حجة عليهم بعصمته ولكن أهل السنة تقدر أن تقيم الحجة بإيمانه وإمامته لأن ما تحتج به الرافضة منقوض ومعارض بمثله فيبطل الاحتجاج به
ثم إذا قام الدليل على قول الجمهور الذي دل عليه القرن كقوله تعالى وعصى ادم ربه فغوى لزم أن يكون ادم شرا من إبليس
وفي الجملة فلوازم هذا القول وما فيه من الفساد يفوق الحصر والتعداد
وأما ثانيا فهذا الكلام كلام بلا حجة بل هو باطل في نفسه فلم قلت إن شرا من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعة وجرى معه في ميدان معصية وذلك أن أحدا لا يجري مع إبليس في ميدان معصيته كلها فلا يصور أن يكون في الادميين من يساوي إبليس في معصيته بحيث يضل الناس كلهم ويغويهم
وأما طاعة إبليس المتقدمة فهي حابطة بكفره بعد ذلك فإن الردة تحبط العمل فما تقدم من طاعته إن كان طاعة فهي حابطة بكفره وردته وما يفعله من المعاصي لا يماثله أحد فيه فامتنع أن يكون أحد شرا منه وصار نظير هذا المرتد الذي يقتل النفوس ويزني ويفعل عامة القبائح بعد سابق طاعاته فمن جاء بعده ولم يسبقه إلى تلك الطاعات الحابطة وشاركه في قليل من معاصيه لا يكون شرا منه فكيف يكون أحد شرا من إبليس
وهذا ينقض أصول الشيعة حقها وباطلها وأقل ما يلزمهم أن يكون أصحاب علي الذين قاتلوا معه وكانوا أحيانا يعصونه شرا من الذين امتنعوا عن مبايعته من الصحابة لأن هؤلاء عبدوا الله قبلهم وأولئك جروا معهم في ميدان المعصية
ويقال ثالثا ما الدليل على أن إبليس كان أعبد الملائكة وأنه كان يحمل العرش وحده ستة الاف سنة أو أنه كان من حملة العرش في الجملة أو أنه كان طاووس الملائكة أو أنه ما ترك في السماء رقعة ولا في الأرض بقعة إلا وله فيها سحدة وركعة ونحو ذلك مما يقوله بعض الناس فإن هذا أمر إنما يعلم بالنقل الصادق وليس في القران شيء من ذلك ولا في ذلك خبر صحيح عن النبي ﷺ وهل يحتج بمثل هذا في أصول الدين إلا من هو من أعظم الجاهلين
وأعجب من ذلك قوله ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملائكة
فيقال من الذي قال هذا من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين فضلا عن أن يكون هذا متفقا عليه بين العلماء وهذا شيء لم يقله قط عالم يقبل قوله من علماء المسلمين وهو أمر لا يعرف إلا بالنقل ولم ينقل هذا أحد عن النبي ﷺ لا بإسناد صحيح ولا ضعيف فإن كان قاله بعض الوعاظ أو المصنفين في الرقائق أو بعض من ينقل في التفسير من الاسرائيليات مالا إسناد له فمثل هذا لا يحتج به في جرزة بقل فكيف يحتج به في جعل إبليس خيرا من كل من عصى الله من بني ادم ويجعل الصحابة من هؤلاء الذين إبليس خير منهم
وما وصف الله ولا رسوله ﷺ إبليس بخير قط ولا بعبادة متقدمة ولا غيرها مع أنه لو كان له عبادة لكانت قد حبطت بكفره وردته
وأعجب من ذلك قوله لا شك بين العلماء أنه كان يحمل العرش وحده ستى الاف سنة فيا سبحان الله هل قال ذلك أحد من علماء المسلمين المقبولين عند المسلمين وهل يتكلم بذلك إلا مفرط في الجهل فإن هذا لا يعرف لو كان حقا إلا بنقل الأنبياء وليس عن النبي ﷺ في ذلك شيء
ثم حمل واحد من الملائكة العرش خلاف ما دل عليه النقل الصحيح ثم ما باله حمل العراش وحده ستة الاف سنة ولم يكن يحمله وحده دائما ومن الذي نقل أن إبليس من حملة العرش
وهذا من أكذب الكذب فإن الله تعالى يقول الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا فأخبر أن له حملة لا واحدة وأنهم كلهم مؤمنون مسبحون بحمد ربهم مستغفرون للذين امنوا
وإذا قيل هذا إخبار عن الحمل المطلق ليس فيه أنه لم يزل له حملة
قيل قد جاءت الاثار بأنه لم يزل له حملة كحديث عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح أن الله تعالى لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله قالوا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك فقال قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله فقالوها فأطاقوا حمله
ويقال رابعا إن إبليس كفر كما أخبر الله تعالى بقوله إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين فلو قدر أنه كان له عمل صالح حبط بكفره كذلك غيره إذا كفر حبط عمله فأين تشبيه المؤمنين بهذا
ويقال خامسا قوله إن معاوية لم يزل في الإشراك إلى أن أسلم به يظهر الفرق فيما قصد به الجمع فإن معاوية أسلم بعد الكفر وقد قال تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وتاب من شركه وأقام الصلاة واتى الزكاة وقد قال تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة فإخوانكم في الدين
وإبليس كفر بعد إيمانه فحبط إيمانه بكفره وذاك حبط كفره بإيمانه فكيف يقاس من امن بعد الكفر بمن كفر بعد الإيمان
ويقال سادسا قد ثبت إسلام معاوية رضي الله عنه والإسلام يجب ما قبله فمن ادعى أنه ارتد بعد ذلك كان مدعيا دعوى بلا دليل لو لم يعلم كذب دعواه فكيف إذا علم كذب دعواه وأنه ما زال على الإسلام إلى أن مات كما علم بقاء غيره على الإسلام فالطريق الذي يعلم به بقاء إسلام أكثر الناس من الصحابة وغيرهم يعلم به بقاء إسلام معاوية رضي الله عنه والمدعي لارتداد معاوية وعمان وابي بكر وعمر رضي الله عنهم ليس هو أظهر حجة من المدعي لارتداد علي فإن كان المدعي لارتداد علي كاذبا فالمدعي لارتداد هؤلاء أظهر كذبا لأن الحجة على بقاء إيمان هؤلاء أظهر وشبهة الخوارج أظهر من شبهة الروافض
ويقال سابعا هذه الدعوى إن كانت صحيحة ففيها من القدح والغضاضة بعلي والحسن وغيرهما مالا يخفي وذلك أنه كان مغلوبا مع المرتدين وكان الحسن قد سلم أمرالمسلمين إلى المرتدين وخالد بن الوليد قهر المرتدين فيكون نصر الله لخالد على الكفار أعظم من نصره لعلي والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم واحدا منهما فيكون ما استحقه خالد من النصر أعظم مما استحقه علي فيكون أفضل عند الله منه
بل وكذلك جيوش أبو بكر وعمر وعثمان ونوابهم فإنهم كانوا منصورين على الكفار وعلي عاجز عن مقاومة المرتدين الذين هم من الكفار أيضا
فإن الله سبحانه وتعالى يقول ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين وقال تعالى فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم
وعلي رضي الله عنه دعا معاوية إلى السلم في اخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده وطلب منه أن يبقى كل واحد منهما على ما هو عليه وقد قال تعالى ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين فإن كان أصحابه مؤمنين وأولئك مرتدين وجب أن يكونوا الأعلين وهو خلاف الواقع
ويقال ثامنا من قال إن معاوية رضي الله عنه استكبر عن طاعة الله في نصب أمير المؤمنين ولم قلت إنه علم أن ولايته صحيحة وأن طاعته واجبة عليه فإن الدليل على ثبون ولايته ووجوب طاعته من المسائل المشتبهة التي لا تظهر إلا بعد بحث ونظر بخلاف من أجمع الناس على طاعته وبتقدير أن يكون علم ذلك فليس كل من عصى يكون مستكبرا عن طاعة الله والمعصية تصدر تارة عن شهوة وتارة عن كبر وهل يحكم على كل عاص بأنه مستكبر عن طاعة الله كاستكبار إبليس
ويقال تاسعا قوله وبايعه الكل بعد عثمان إن لم يكن هذا حجة فائدة فيه وإن كان حجة فمبايعتهم لعثمان كان اجتماعهم عليها أعظم وأنتم لا ترون الممتنع عن طاعة عثمان كافرا بل مؤمنا تقيا
ويقال عاشرا اجتماع الناسعلى مبايعة أبي بكر كانت على قولكم أكمل وأنتم وغيركم تقولون إن عليا تخلف عنها مدة فيلزم على قولكم أن يكون علي مستكبرا عن طاعة الله في نصب أبي بكر عليه إماما فيلزم حينئذ كفر علي بمقتضى حجتكم أو بطلانها في نفسها وكفر علي باطل فلزم بطلانها
ويقال حادى عشر قولكم بايعه الكل بعد عثمان من أظهر الكذب فإن كثيرا من المسلمين إما النصف وإما أقل أو أكثر لم يبايعوه ولم يبايعه سعد بن أبي وقاص ولا ابن عمر ولا غيرهما
ويقال ثاني عشر قولكم إنه جلس مكانه كذب فإن معاوية لم يطلب الأمر لنفسه ابتداء ولا ذهب إلى علي لينزعه عن إمارته ولكن امتنع هو وأصحابه عن مبايعته وبقى على ما كان عليه واليا على من كان واليا عليه في زمن عمر وعثمان ولما جرى حكم الحكمين إنما كان متوليا على رعيته فقط فإن أريد بجلوسه في مكانه أنه استبد بالأمر دونه في تلك البلاد فهذا صحيح لكن معاوية رضي الله عنه يقول إني لم أنازعه شيئا هو في يده ولم يثبت عندي ما يوجب علي دخولي في طاعته وهذا الكلام سواء كان حقا أو باطلا لا يوجب كون صاحبه شرا من إبليس ومن جعل أصحاب رسول الله ﷺ شرا من إبليس فما أبقى غاية في الافتراء على الله ورسوله والمؤمنين والعدوان على خير القرون في مثل هذا المقام والله ينصر رسله والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد والهوى إذا بلغ بصاحبه إلى هذا الحد فقد أخرد صاحبه عن ربقة العقل فضلا عن العلم والدين فنسأل الله العافية من كل بلية وإن حقا على الله أن يذل أصحاب مثل هذا الكلام وينتصر لعباده المؤمنين من أصحاب نبيه وغيرهم من هؤلاء المفترين الظالمين