أي بيت تقوله العرب أشعر قيل لأبي عمرو بن العلاء: أيّ بيت تقوله العرب أشعر قال: البيت الذي إذا سمعه سامعُه سَوّلت له نفسه أن يقول مثله ولأن يخدَش أنفه بظفر كلْبٍ أهونَ عليه من أن يقول مثلَه. وقيل للأصمعيّ: أيّ بيت تقوله العرب أشعر قال: الذي يُسابق لفظه معناه. وقيل لخليل: أي بيت تقوله العرب أشعر قال: البَيت الذي يكون في أوله دليل على قافيته. وقيل لغيره: أي بيت تقوله العرب أشعر قال: البيتُ الذي لا يَحْجبه عن القلب شيء. وأحسن من هذا كله قول زُهير: وإنّ أحسنَ بيتٍ أنت قائُله بيت يُقال إذا أَنشدتَه صَدَقا أحسن ما يجتلب به الشعر قالت الحكماء: لم يُستدع شارد الشعر بأَحسنَ من الماء الجاري والمكان الخالي والشرف العالي. وتأول بعضهم الحالي بالحاء. يريد الحالي بالنوَّار يعني الرياض وهو توجيه حسن ولقي أبو العتاهية الحسنَ بن هانئ فقال له: أنت الذي لا تقول الشعر حتى تُؤتى بالرّياحين والزهور فتوضع بين يديك قال: وكيف ينبغي للشعر أن يُقال إلا على هكذا قال: أما إني وقال عبد الملك بن مَروان لأرطاة بن سُهيّة: هل تقول الآن شعراً قال: ما أَشرب ولا أَطرب ولا أضرب فلا يقال الشعر إلا بواحدة من هذه. وقيل للحُطيئة: مَن أشعر الناس فأخرج لساناً رقيقاً كأنه لِسان حَيّة وقال: هذا إذا طَمِع. وقيل لكُثير عَزّة: لمَ تركتَ الشعر قال: ذهب الشَّباب فما أَعجب وماتت عَزّة فما أطرب ومات ابن أبي ليلى فما أرغب. يريد عبد العزيز بن مروان وقالوا: أشعر الناس النابغة إذاَ هب وزُهير إذا غضب وجَرير إذا رَغب. وقال عمرو بن هند لِعَبيد بن الأبرص ولَقيه في يوم بُؤسه: أَنْشِدني من شعرك. قال: حال الجَريض دون القَريض. وقد يَمتنع الشعر على قائله ولا يَسلس حتى يَبعثه خاطر يطربه أو صوت حَمامة. وقال الفرزدق: أنا أشعر الناس عند اليأس وقد يأتي عليّ الحِين وقَلْع ضِرْس عندي أهون من قول بيت شِعر. وقال الراجز: إنما الشِّعر بناءٌ يبتنيه المُتنونَا فإذا ما نسقوه كان غَثاً أو سمينا رُبما وأتاك حِينا ثم يستصعب حِينا واسلس ما يكون الشعر في أول الليل قبل الكَرى وأول النهار قبل الغداء وعند مفاجأة النفس واجتماع الفكر. وأقوى ما يكون الشعر عندي على قَدر قُوة أسباب الرغبة أو الرهبة. قيل للخُريمي: ما بال مدائحك لمحمد من مَنصور بن زياد أحسنُ من مَراثيك قال: كُنا حينئذ نعمل على الرجاء ونحن اليوم نَعمل على الوفاء وبينهما بَوْن بعيد. والدليل على صحة هذا المعنى وصِدْق هذا القياس أنّ كُثيرَ عزّة والكُميت ابن زيد كانا شِيعيّين غاليين في التشيع وكانت مدائحهما في بني أمية أشرفَ وأجود منها في بني هاشم وما لذلك علّة إلا قوة أسباب الطمع. وقيل لكُثير عزّة: يا أبا صخر كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر قال: أَطوف في الرّباع المُحيلة والرِّياض المُعشبة فإن نفرت عنك القوافي وأعيت عليك المعاني فروّح قلبك وأجمّ ذهنك وارتصد لقولك فراغَ بالك وسعة ذِهنك فإنك تجد في تلك الساعة ما يَمتنع عليك يومَك الأطول وليلك الأجمع. من رفعه المدح ووضْعه الهجاء قال بلال بن جرير: سألتُ أبي جريراً فقلت له: إنك لم تَهجُ قوماً قط إلا وضعتَهم غير بني لجأ وقد يكون الشيء مدحاً فيجعله الشَعر ذمّا ويكون ذمَّا فيجعله الشعر مدحا. قال حبيب الطائي في هذا المعنى: ولولا خِلال سَنها الشِّعْر ما دَرى بُغاةُ النَّدَى من أين تُؤتى المَكارمُ تُرى حكمة ما فيه وهو فُكاهة وَيقضي بما يقضي به وهْو ظالم ألا تَرى إلى بني عبد المَدان الحارثيِّين كانوا يَفخرون بطُول أجسامهم وقديم شرفهم حتى قال فيهم حسان بن ثابت: لا بأسَ بالقَوم مِن طُول ومن غِلَظ جِسْم البِغال وأحلامُ الصَافير فقالوا له: والله يا أبا الوليد لقد تَركْتَنا ونحن نَسْتحي من ذكر أَجسامنا بعدَ أن كُنَّا نَفخر بها. فقال لهم: سأصلح منكم ما أفسدت فقال فيهم: وقد كُنا نقول إذا رَأينا لِذي جِسْم يُعدّ وذِي بَيانِ كأنك أيها المُعطَى لِساناً وجِسْماً من بني عَبد المَدان وكان بنو حنظلة بن قُريع بن عَوْف بن كعب يقال لهم: بنوِ أنف الناقة يُسَبون بهذا الاسم في الجاهلية. وسبب ذلك أن أباهم نحر جزوراَ وقسم اللحم فجاء حَنظلة وقد فرغ اللحم وبقي الرأس وكان صبيّاً فجعل يجره. فقيل له: ما هذا فقال: أنف الناقة. فلُقب به وكانوا سِيري أمامَ فإنّ الأكثرين حصىً والأكرمين إذا ما ينسبون أبَا قوم هُمُ الأنفُ والأذنابُ غيرهُمِ ومن يُسوّي بأنف النّاقة الذّنبا فعاد هذا الاسم فخراً لهم وشرفاَ فيهم. وكان بنو نمير أشرافَ قيس وذوائبهَا حتى قال جريرِ فيهم: فغُضَّ الطَّرفَ إنك من نُمير فلا كَعباً بلغتَ ولا كلابا فما بقي نُميريّ إلا طأطأ رأسه. وقال حَبيب الطَّائي: وقد كان المحلق بن حَنْتَم بن شدَّاد خاملاً لا يذكر حتى طَرقه الأعشى في فِتْية وليس عنده إلا ناقة. فأتى أمه فقال: إنّ فتية طَرقونا الليلة فإنْ رأيتِ أن تأذني في نَحر الناقة قالت: نعم يا بُني. فنَحرها واشترى لهم ببعض لحمها شراباً وشَوى لهم بعضَ لحمها. فأصبح الأعشى ومَن معه غادِين. فلم يَشْعر المحلّق حتى أتته القصيدةُ التي أولها: أَرِقتُ وما هذا السُّهاد المُؤرّقُ وما بِيَ من سُقْم وما بي مَعشَقُ وفيها يقول: لَعْمري لقد لاحتْ عيون كثيرة إلى ضَوء نار في يَفاع تَحرَّقُ رَضِيعي لَبانٍ ثَدْىَ أمّ تقَاسما بأسْحمَ داجٍ عوْضُ لا نتَفرّق ترى الجُود يَسْرِي سائلاً فوق وَجهه كما زان مَتْن الهُنْدوانيّ رَونق فلما أتته القصيدةُ جَعلت الأشراف تخطب إليه ويقول القاتل: وبات على النّار النَّدى والمُحلَّق وقوله تقاسما بأسحم داج. يقول: تحالقا على الرماد وهذا شيء تفعله الفُرس لئلا يفترقوا أبداً. والعرض: الدهر. ما يعاب من الشعر وليس بعيب قال الأصمعي: سمعتُ حمّاداً الراوية وأَنشده رجل بيتَ حَسّان: يُغْشَون حتى ما تَهِرّ كلابُهم لا يَسْألون عن السواد المُقبل فقال: ما يُعرف هذا إلا في كلاب الحَانات. وأنشده آخر قولَ الشاعر: لِمنْ مَنزل بين المَذانب والجِسْر فقال: ما يعرف هذا إلا دار الماسيديين. ومما يُعاب من الشعر وليس بعيب قولُ الفرزدق: فقال مَن جهل المَعنى ولم يعرف الخبر: ما في هذا من المدح أن يمدح رجل بلباس بُردين وركوب فرس ورْد. وإنما معناه: ما قال أبو عُبيدة: إن وفود العرب اجتمعت عند النعمان فأخرج إليهم برُدي مُحرِّق. وقاد لهم: ليقُم أعزّ العرب قَبيلةً فَليلْبِسْهما. فقال عامر بن أحيمر بن بَهدلة فائترز بأحدهما وتَردّى بالآخر. فقال له النُّعمان: بم أنت أعزُ العرب قبيلةً قال: العِزّ والعدد من العرب في مَعدّ ثم في نِزار ثم في مُضَر ثم في خِنْدف ثم في تَميم ثم في سَعد ثم في كعب ثم في عوف ثم في بَهدلة فمن أنكر هذا من العرب فَلْينافرني فسكت الناس. فقال النعمان: هذه عَشيرتك فكيف أنت كما تَزعم في نَفسك وأهل بَيتك فقال: أنا أبو عشرة وعَم عشرة وخال عشرة وأمّا أنا في نفسي فهذا شاهدي. ثم وَضع قَدمَه في الأرض وقال: مَن أزالها فله مائة من الإبل. فلَمْ يتعاطَ ذلك أحدٌ. فذهب بالبُردين. فسُمَّي: ذا البُردين وفيه يقول الفرزدق: فما تمِّ في سَعد ولا آل مالك غُلام إذا ما سِيل لم يَتبهدل لهمْ وهَب النعمانُ بُردَي مُحَرِّق بمَجْد مَعَدّ والعديد المُحصّل ومما يُعاب من الشعر وليس بعَيْب قولُ الأعشى في فرس النُّعمان وكان يُسمَى اليحموم: ويأمر لليَحموم كُلّ عشيَّة بقَت وتَعْليق فقد كاد يَسْنَقُ فقالوا ما هذا مما يُمدح به أحد من السُّوقة فضلاً عن الملوك. إنه يقوم بفوس ويأمر له بالعلف حتى كادَ يسنق. وليس هذا معناه وإنما المعنى فيه ما قال أبو عُبيدة: إن ملوك العرب بلغ من حَزمها ونَظرها في العواقب أنّ أحدهم لا يبيت إلا وفرسُه مَوقوف بسَرجه ولجامه بين يديه قريباً منه مخافة عدو يفجؤه أو حال تنقلب عليه: فكان للنعمان فرس يقال له اليَحموم يتعاهده كُلّ عشية. وهذا مما يتمادح به العرب من القيام بالخيل وارتباطها بأَفنية البيوت. ومما عابوه وليس بعَيب قولُ زُهير: قِفْ بالديار التي لم يَعْفُها القِدَم بلَى وغيَّرها الأرياح والدِّيمُ فنَفى ثم حقّق في معنى واحد. فنَقض في عجز هذا البيت ما قال في صدره لأنه زعم أنَّ الديار لم يَعْفُها القِدَم. ثم إن انتبه من مَرْقده فقال: بلى عفاها وغيْرها أيضاً الأرياح والدِّيم. وليس هذا معناه الذي ذهب إليه وإنما معناه: أنَّ الديار لم تَعْفُ في عَيْنه من طريق محبّته لها وشغفه بمن كان فيها. وقال غيرُه في هذا المعنى ما هو أبين من هذا وهو قولُه: ألا ليتَ المنازل قد بَلينا فلا يَرْمِين عن شَزْر حَزِينَا فقوله ألا ليت المنازل قد بلينا أي بَلِي ذِكْرُها ولكنَها تتجدّد على طُول البلى بتجدّد ذكرها. وقال الحسن بن هانئ في هذا المعنى فلخّصه وأوضحه وشنَّفه وقرّطه حيث يقول: تجافَى البِلَى عنهنّ حتى كأنما لَبسْنَ على الإقواء ثوبَ نَعيم وممَّا عِيب من الشّعر وليس بعَيب ما يُروى عن مَروان بن الحَكم أنه قال لخالد بن يزيدَ بن معاوية وقد أستنشده من شعره فأَنشده: فلو بقيتْ خلائفُ آل حَرْب ولم يُلْبِسْهمُ الدَّهرُ المَنونَا لأصبح ماءُ أهل الأرض عَذْباً وأصبح لحمُ دُنياهم سمينا فقال له مروان: منونا وسمينا والله إنها لقافية ما اضطرك إليها إلا العَجْز. وهذا مما لا عَجز فيه ولا عابه أحد في قوافي الشعر وما أرى العيب فيه إلا على مَن رآه عيباً لأنَ الياء والواو يتعاقبان في أشعار العرب كُلها قديمها وحديثها. وقال عبَيد بن الأبرصِ: وكُل ذي غيْبة يؤوب وغائبُ المَوت لا يؤوبً مَن يسأل الناسَ يَحْرموه وسائلُ الله لا يَخِيب ومثلُه من المُحدثين: أجارةَ بيتينا أبوك غَيُور وميسور ما يُرجى لديك عَسيرُ ومما عِيب من الشعر وليس بعيب قولُ ذي الأمة: رأيتُ الناسَ يَنْتجعون غَيْثاً فقلت لصَيْدح انتجعي بلالا ولما أنشدوا هذا الشعر بلالَ بن أبي بُردة قال: يا غلام مُرْ لصيدح بقَتٍّ من عَلف فإنها هي انتجعَتْنا. وهذا من التعنّت الذي لا إنصاف معه لأن قوله انتجعي بلالا إنما أراد نفسه. ومثله في كتاب الله تعالى: " واسأل القَرْيةَ التي كُنّا فِيها والعِيَر التي أقْبَلنا فيها ". وإنما أراد أهلَ القرية وأهل العِير. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في بعض ما يَرتجز به من شعر: إليك تَعدو قَلِقاً وَضينُها مخالِفاً دينَ النصارى دينُها فجعل الدِّين للناقة وإنما أراد صاحبَ الناقة. ولم تزل الشعراء في مدائحها تصف النُّوق وزيارتَها لمن تمدحه ولكنّ مَن طلب تعنّتاً وَجده أو تجنّياً على الشاعر أدركه عليه كما فعل صريعُ الغواني بالحَسن بن هانئ حين لَقيه فقال له: ما يَسلم لك بيتٌ عندي من سَقَط. قال: فأيّ بيت أسْقطت فيه قال: أنشدني أيَّ بيتٍ شئتَ. فأنشدَه: ذَكر الصِّبوحَ بسُحرِة فارتاحا وأمله ديكُ الصّباح صِياحَا فقال له: قد ناقضت في قولك كيف يُمِلّه ديك الصباح صِياحاً وإنما يُبشره بالصَّبوح الذي ارتاح له. فقال له الحسن: فأنشدني أنت من قولك. فأنشده: عاصىَ العَزاءَ فراح غَير مُفَنَدِ وأقام بين عَزيمة وتجلّدِ عاصى العزاء فراح غير مُفند ثم قلت: وأقام بين عزيمة وتجلّد فجعلته رائحاً مُقيماً في مقام واحد والرائح غير المُقيم. والبيتان جميعاً مؤتلفان. ولكنَ من طلب عيباً وجده. ومما عابه ابنُ قتيبة وليس بعيب قول المُرقَش الأصغر: صحا قلبُه عنها على أنّ ذِكْرها إذا ذُكرت دارت به الأرضُ قائمَا فقال له: كيفَ يَصحو مَن كانت هذه صِفته والمعنى صحيح وإنما ذهب إلى أن حاله هذه على ما تقدّم من سوء حاله حال صَحْو عنده. ومثل هذا في الشعر كثير لأن بعض الشّر أهون من بعض. وقال النبيّ صلى الله عيه وسلم في عمّه أبي طالب: إنه أخفُّ الناس عذاباً يوم القيامة يُحذَى نعلين من نار يَغلي منها دماغُه. وهذا من العذاب الشديد وإنما صار خفيفًا عندما هو أشدّ منه فزعم المُرقّش أنه عند نفسه صاحٍ إذ تبدُل حاله أسهل مما كان فيه. وقد عاب الناسُ على الحَسن بن هانئ قَوله: واخفَت أهلَ الشّرك حتى إنّه لتخافُك النُطفُ التي لم تخلقِ فقالوا: كيف تَخافه النُطف التي لم تُخلق ومجاز هذا قَريب إذا لحظ أنّ كل من خاف شيئاً خافه بجوارحه وسَمْعه وبَصره ولحمه ودمه والنُطف داخلة في هذه الجملة فهو إذا أخاف أهل الشرك أخاف النُطف التي في أصلابها. وقال الشاعر: ألا تَرْثِي لمُكتئبٍ يُحبّك لحمُه ودمُه وقال المكفوف: أحبكمُ حبّاً على الله أجرُه تَضمّنه الأحشاءُ واللحمُ والدمُ ولقى العتّابي منصوراً النَمريّ فسأله عن حاله. فقال: إني لَمدهوش وذلك أني تركت امرأتي وقد عَسُر عليها ولادُها. فقال له العتّابي: ألا أدلّك على ما يُسهل عليها. قال: وما هو قال: اكتب عَلى رَحمها هارون. قال: وما مَعناكَ في هذا قال: ألستَ القائل فيه: إنْ أخلف القَطر لم تُخلف مواهبُه أو ضاق أمر ذَكرناه فيتسعُ فقال: أبا لخُلفاء تُعرّض وفيهم تَقع وإياهم تَعيب. فيقال: إنه دخل على هارون فأعلمه ما كان من قول العَتّابي. فكتب إلى عبد الصمد عمّه يأمره بقتله. فكتب إليه عبدُ الصمد يشفع له. فوهبه إياه. سُئل بعض علماء الشعر: من أشعر الناس قال الذي يُصوِّر الباطل في صورة الحق والحقَّ في صورة الباطل بلُطف معناه ورقّة فِطْنته فيُقَبِّح الحسنَ الذي لا أحسن منه ويُحسن القبيح الذي لا أقبح منه. فمن تحسين القبيح قولُ الحارث بن هشام يعتذر من فراره يوم بَدْر: الله أعلم ما تركتُ قِتالَهم حتى رَموا مُهري بأشقَرَ مُزْبِدِ وعلمتُ أنّي إن أقاتل واحداً أقتل ولا يَضْرر عدوّي مَشهدي فصرفتُ عنهم والأحبةُ فيهمُ طمعاً لهم بعقاب يوم مُفْسِدِ وهذا الذي سمعه صاحب الهند رُتْبيل فقال: يا معشر العرب حَسّنتم كل شيء فحَسُن حتى حَسّنتم الفرار. ومن تقبيح الحسن: قولُ بشّار العقيلي في سليمان بن عليّ وكان وصل رجلاً وأحسن إليه: يا سوأةً يُكثر الشيطانُ ما ذُكرت منها التعجبَ جاءت من سُليمانَا لا تَعجبنَّ لخَيْرِ زلّ عن يده فالكَوكبُ النَّحس يَسقي الأرضَ أحيانا وقال غيرُه في تَحسَين القَبيح: يقولون لي إنّي بَخيل بنائلي ولَلْبخلُ خيرٌ من سؤال بَخيل وحَبْس المال خيرٌ من بُغاه وضَرْبٌ في البلاد بغَيْر زادِ وإصلاحُ القليل يزيدُ فيه ولا يَبقَى الكثير مع الفَساد وقال محمود الورَاق في تحسين القبيح: يا عائبَ الفقر ألا تَزدجرْ عيبُ الغِنى أكبرُ لو تعتبرْ مِن شرَف الفَقر ومِن فَضله على الغِنى إنْ صَحّ منك النَّظر أنك تَعصي كي تَنال الغِنَى وليس تَعصي الله كي تفتقر ومن تحسين القبيح أنه قيل لجَذيمة الأبرش: ما هذا الوَضح الذي بك قال: سيفُ الله جلاه. وقال اْبن حَبْناء وكان به بَرص: لا تحسبنّ بياضاً فيَّ مَنْقصةً إنّ اللهاميمَ في أقرابها بَلقُ وقال محمود الورّاق يمدح الشَيب: وعائب عابَني بشَيْبي لم يَعْدُ لمّا ألم وقتَه فقلت للعائِبي بشيبي يا عائبَ الشَّيب لا بلغتَه وقال آخر: يقولون هل بعدَ الثلاثين مَلْعبُ فقلتُ وهل قبل الثلاثين مَلعبُ وقال أعرابيّ في عجوز: أبى القلبُ إلا أمّ عمرو وحُبّها عجوزاً ومَنْ يُحبِب عجوزاً يفنَّدِ كثَوْب يمانٍ قد تَقادم عهدُه ورُقْعته ماشِيتَ في العَين واليَدِ قال بَشّار العُقبليّ في سوداء: أشبهك المِسكُ وأشبهته قائمةً في لونه قاعدَه لا شَكَّ إذ لونُكما واحد أنّكما من طِينة واحده الاستعارة لم تزل الاستعارة قديمةً تُستعمل في المَنظوم والمَنثور. وأحسن ما تكون أن يُستعار المنثور من المنظوم والمَنظوم من المنثور. وهذه الاستعارة خفية لا يُؤبه بها لأنك قد نقلت الكلام من حال إلى حال. وأكثر ما يجتلبه الشعراء ويتصرف فيه البلغاء فإنما يجري فيه الآخر على سنَن الأول. وقلَّ ما يأتي لهم معنى لم يَسبق إليه أحد إما في مَنظوم وإما في مَنثور لأن الكلام بعضه من بعض ولذلك قالوا في الأمثال: ما ترك الأول للآخر شيئاً. ألا ترى أنّ كعب بن زُهير وهو في الرَّعيل الأول والصدر المتقدم قد قال ِفي شعره: ما أرانا نقول إلا مُعاراً أو مُعاداً من قولنا مَكْرورا ولكن في قولهم إن الآخِر إذا أخذ من الأول المعنى فزاد فيه ما يُحسنه ويَقرِّبه ويوضحه فهو أولى به من الأول وذلك كقول الأعشى: وكأْسٍ شربتُ على لذّة وأخرى تداويتُ منها بهَا فأخذ هذا المعنى الحسن بن هانئ فحسّنه وقَرّبه إذ قال: دعْ عنكَ لَوْمي فإنّ اللومَ إغراءُ وَداوِني بالَّتي كانتْ هي الدَّاءُ والناسُ مَن يَلْقَ خيراً قائلون له ما يَشْتَهي ولأمّ المخطئ الهَبَلُ أخذه من قول المُرقِّش: ومَن يَلق خيراً يَحمد الناسُ أمرَه ومن يَغْوَ لا يَعدَم على الغيّ لائِمَا وقال قيس بن الخَطيم: تَبدَّت لنا كالشَّمس تحت غمامةٍ بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجب أخذه بعضً المُحدثين فقال: فشبَّهتُها بدراً بدَا منه شِقُّه وقد سَترتْ خدا فأبدت لنا خَدا وأَذْرت على الخَدّين دمعاً كأنه تنَاثُر درّ أو نَدى واقَع الوَرْدا وأخذه آخر فقال: يا قمرا للنِّصف من شَهره أبْدَى ضِياءً لثمانٍ بَقينْ وأخذه بشّار فقال: ضنت بخدّ وجَلَت عن خَد ثم انثنت كالنَّفَس المُرْتدِّ فلم يُفسد الآخر قولَ الأول ولم يكن الأولُ أولى بالمعنى من الآخر. وقد قلنا في هذا المعنى ما هو أحسن من كل ما تقدم أو مثله وهو قولي: وأما الاستعارة إذا كانت من المنثور في المنظوم ومن المنظوم في المنثور فإنها أحسن استعارة. دخل سهلُ بن هارون على الرشيد وهو يضاحك ابنه المأمون فقال سهل: يدعو للمأمون: اللهم زِدْه من الخيرات وابسُط له من البركات حتى يكون كُل يوم من أيامه مُوفياً على أمسه مقصّراً عن غده. فقال له الرشيد: يا سهل من رَوى من الشعر أفصحه ومن الحديث أوضحه إذا رام أن يقول لم يعجزه القول قال: يا أمير المؤمنين ما أعلم أحداً سبقني إلى هذا المعنى. قال: بلي. سبقك أعشى همدان حيث يقول: رأيتك أمس خير بني مَعدّ وأنت اليوم خيرٌ منك أمس وأنت غداً تزيد الضعفَ خيراً كذاك تزيد سادةُ عبد شَمْس وقد يكون مثلُ هذا وما أشبهه عن موافقة. وقد سُئل الأصمعيّ عن الشاعريْنِ يَتّفقان في المعنى الواحد ولم يَسمع أحدُهما قول صاحبه. فقال: عُقول الرجال توافتْ على ألسنتها. اختلاف الشعراء في المعنى الواحد وقد تختلف الشعراء في الواحد وكل واحدٍ منهم مُحسن في مذهبه جارٍ في توجيهه وإن كان ألا ترى أن الشَماخ بن ضِرار يقول في ناقته: إذا بلغتني وحملتِ رَحلي عَرابةَ فاشرَقي بدَم الوَتِين وقال الحسن بن هانئ في ضِدّ هذا المعنى ما هو أحسن منه في محمد الأمَين: فإذا المطيُّ بنا بلغْن محمداً فظُهورهن على الرجال حَرامُ وقال أيضاُ: أقول لناقتي إذ أبلغتْني لقد صبحتِ مني باليَمين فلم أجعلك للغِربان نُحْلاً ولا قلتُ اشرَقي بدَم الوتين فقد عاب بعضُ الرواة قولَ الشماخ واحتجوا في ذلك بقول النبيّ ﷺ للأنصارية المأسورة التي نجت على ناقة النبيّ ﷺ: إِني نذرت يا رسول الله إن نجْا بي الله عليها أن أنحرها قال: بئسما جَزيتيها. ولا نذْر لأحد في مِلْك غيره. وقد قالت الشعراء فلم تزل تمدح حُسن الهيئة وطيب الرائحة وإسبال الثوب. قال الفرزدق: بنو دارم قَومي ترى حُجزاتِهم عِتاقاً حواشيها رِقاقاً نِعالهُا يَجُرون هُدَّابَ اليَماني كأَنهم سُيوفٌ جلاَ الأطباعُ عنها صِقالُها رقاقُ النّعال طَيِّبٌ حُجزاتُهم يحيَّوْن بالريحان يوم السَّباسبِ وقال طَرَفة: ثم راحوا عَبقُ المِسك بهم يُلْحِفُين الأرضَ هُدَّابَ الأزُرْ وقال كُثير عَزِّة في إسبال الذيول يمدح بعض بني أمية: أشمّ من الغادِين في كُل حُلّة يَميسون في صِبْغ من العَصْب مُتْقِن هم أزر حمر الحَواشي بُطونها بأَقدامهم في الحَضْرميّ المُلسَّن وقال فيه أيضاً: إذا حُلَل العَصْب اليَماني أجادَها أَكُفُّ أساتيذ على النَّسج دُرَّب أتاهم بها الجابي فراحوا عليهمُ تمائمُ من فَضفاضهن المُكَعب لها طُرُز تحت البَنائِق أدنيت إلى مُرهفات الحَضرمي المُعَقْرب وقال آخر: معي كُل فَضفاض القَمِيص كأنه إذا ما سرتْ فيه المُدَام فَنِيق وخالفهم فيه صريع الغواني فقال: لا يَعبق الطيب خدّيه ومَفرقَه ولا يُمَسِّح عينيه من الكُحُل كَمِيش الإزار خارجٌ نصف ساقه بَعيد عن السوات طَلاّع أنجُدِ مثل قول الحجاج: أنا ابن جَلاَ وطَلاعِ الثنايا متَى أضع العمامَة تَعرفوني وقد يُحمل معناهم في تشمير الثوب وسَحبه واختلافهم فيه على وجهين: أحدهما أن يَستحسن بعضُهم ما يَستقبح بعض. والوجه الثاني وهو أشبه أن يكون لتشمير الثوب موضع ولسحبه موضع كما قال عمرو بن معد يكرب: فيوماً تَرانا في الخزوز نجرّها ويوماً تَرانا في الحَديد عوابسَا ويوماً تَرانا في الثَريد نَدسه ويوماً ترانا نكسر الكَعك يابسا وقال أعشى بكر لعمر بن مَعد يكرب: وإذا تجيء كتيبةٌ ملمومة شهباء يجتنب الكُماة نزالَها كتب المقدَم غيرَ لابس جُنّة بالسيف تَضرب معلماً أبطالها وقال مُسلم بن الوليد في يزيدَ بن مَزيد خلافَ هذا كُله وهو: تراه في الأمن في دِرع مُضاعَفة لا يأمن الدهرَ أن يُدعى على عَجل ولما أنشده يزيدَ بن مزيد قال له: ألا قلت كما قال الأعشى وأنشده البيتين. وقال عبد الملك بن مروان لأسيلم بن الأحنف الأسديّ: ما أحسنُ شيء مُدحت به قال: قول الشاعر: أسيلم ذا كُمْ لا خَفاً بِمكانه لعين تُرجِّي أو لأذن تَسمَّعُ من النَّفر الشُّم الذين إذا اعتَزَوْا وهاب رجال حلْقَة الباب قَعْقَعوا جلا الأذفُر الأحوى من المسك فَرْقَه وطيبُ الدِّهان رأسَه فهوِ أنزع إذا النَفر السُّود اليمانون حاولوا له حَوْكَ بُرديه أدقّوا وأوْسعوا فقال عبد الملك: أحسن من هذا قول أبي قَيسِ بن الأسلت: قد حَصَّت البيضة رأسي فما أطعَم نوْماً غير تَهْجاع أَسْعى على جُلِّ بني مالكٍ كُل امرئ في شأنه ساعِي وقال بعضُهم: سألتُ المُحبين الذين تَحمّلوا تبَاريحَ هَذا الحُب في سالف الدَهرِ فقالوا شفاءُ الحُب حب يُزيله لأخرى وطُولٌ للتَمادي على الهَجر وقال الحَمدوني ما هو أحسن من هذا المعنى في ضدّه وهو قولُه: زَعموا أنّ من تشاغل بالح بّ سَلا عن حَبيبِه وأفاقا كيف أسلو بلذة عنك والل ذات يُحدثْن لي إليك اشتياقا كُلما رُمتُ سَلوةً تُذهب الحُرقةَ زادت قلبي عليكِ احتراقا وقال كُثير عزّة: أريد لأنسى ذكرَها فكأنما تَمثلُ لي ليلى بكُل سَبيل وقال بعضُ الناس: إن كان يُحبها فلماذا يُحب أن يَنسى ذكرها ألا قال كما قال مجنون بني عامر: فلا خَفِّف الرحمنُ ما بي من الهَوى ولا قَطَع الرحمنُ عن حُبها قَلْبي فما سَرَّني أنّي خَليُّ من الهَوى ولو أن لي ما بين شرَق إلى غَرب وذهب أكثرهم إلى أنّ بُعْدَ العَهد يُسلي المُحب عن حَبيبه وقالوا فيه: إذ ما شئتَ أن تَسلو حبيباً فأكثر دونه عَدَد اللّيالِي وقال العبّاس بن الأحنف: إذا كنت لا يُسليك عمن تُحبه تَناء ولا يَشفيك طُولُ تلاقِي فما أنتَ إلا مستعير حَشاشةً لمُهجة نَفس آذنتْ بِفراق وقال كُثيّر عَزة: ومثله قولُ بشّار: ومن حُبها أتمنّى أن يُلاقيَني من نحو بَلْدتها ناعٍ فيَنْعاها كيما أقول فِراقٌ لا لِقاء له وتُضمر النفس يأسا ثم تَسلاها وهذه المذاهب كلها خارجة من معناها حائرة في مجراها. وقال عبدُ الله بن جُندب: ألا يا عبادَ الله هذا أخوكُم قتيلاً فهل منكم له اليومَ واترُ خذوا بدَمي إن مِتُّ كل خَريدة مريضةِ جَفْن العَين والطَّرفُ ساهر وقال صَريع الغواني في ضد هذا: أدِيرا عليِّ الراح لا تَشربَا قبلي ولا تَطْلُبا من عند قاتلتي ذَحْلي وقول عبد الله بن جُندب أحسَن في هذا المعنى لأنه إنما أراد أن يَدُل على موضع ثأره واسم قاتله ولم يُرد الطلب بالثأر لأنه لا ثأر له. وقد قال عبدُ الله بن عبّاس ونَظر إلى رجل مُدنف عِشْقاً: هذا قتيلً الحُبّ لا عَقْل ولا قَوَد وقال الفرزدق وأراد مذهب ابن جُندب فلم تُوانه رقّة الطَّبع فخرج إلى أَجْف القول وأَقْبحه يا أخت ناجيةَ بنِ سامةَ إنني أَخشى عليكِ بَنيَّ إن طَلبوا دَمِي لن يَتْركوك وقد قتلتِ أباهمُ ولو ارتقيت إلى السماء بسلم وقال ابنُ أخت تأبط شرّاً يرثي خالَه وقتلْته هُذيل: شامِسٌ في القُرِّ حتى إذا ما ذَكَت الشِعرى فبرْد وظِل ظاعِن بالحَزم حتى إذا ما حلَّ حَلَّ الحَزمُ حيث يحلّ أخذ معنى البيت الأول أعرابيّ فسهّل معناه وحسّن ديباجته فقال: إذا نزل الشتاء فأنت شمسٌ وإن نزل المصيف فأنت ظِلُّ وأَخذ معنى البيت الثاني الحسن بن هانئ فقال في الخَصيب: فما جازه جود ولا حلّ دونه ولكنْ يصير الجُود حيثُ يصيرُ وقالوا في الخَيال فحيّوه بالسلام ورحّبوا به فمن ذلك قولُ مروان ابن أبي حَفْصة: طرقْتك زائرةً فحيِّ خيالَها وقال آخر: طَرق الخَيالُ فحيّه بسَلام وعلى هذا بُنيت أشعارهم وخالفهم جَرير فطَرد الخيال فقال: وأولُ من طَرد الخيال طرفة فقال: فقُل لخَيال الحنظلية يَنقلب إليها فإنِّي واصلٌ مَن وَصَلْ وأعجبُ مِن هذا قولُ الرّاعي الذي هجا الخَيال فقال: طافَ الخيالُ بأصحابي فقلتُ لهم أم شَذرة زارتْني أم الغُولُ لا مرحباً بابنة الأقيال إذ طَرقت كأنّ مَحْجرها بالقار مَكْحول وقد يختلف معنى الشاعر أيضاً في شعر واحد يقوله ألا ترى أن امرأ القيس قال في شعره: وإن تك قد ساءتك منّي خليفةٌ فسُلِّي ثِيابي مِن ثيابك تَنْسُل توصف نفسَه بالصبر والجَلَد والقوة على التهالك ثم أدركتْه الرقةُ والاشتياق فقال في البيت الذي بعده: أغرّك منّي أنّ حُبّك قاتِلي وأنك مهما تأمري القلبَ يَفعَل مُستدركاً قولَه في البيت الأول: فسُلي ثيابي من ثيابك تَنْسُل ولم يزلْ من تقدم من الشعراء وغيرهم مُجمعين على ذَم الغُراب والتشاؤم به وكأن اسمَه مُشتق من الغُربة فسمَّوه غراب البَيْن وزعموا أنه إذا صاح في الديار أقوتْ من أهلها. وخالفهم أبو ما فَرق الأحباب بع د الله إلا الإبلُ والناس يَلْحَون غُرا ب البَيْن لما جَهِلوا وما إذا صاح غُرا ب في الدِّيار احتملوا وما على ظَهر غُرا ب البَينْ تُطْوى الرحل وما غُراب البين إل لا ناقة أو جَمل وقال آخر في هذا المعنى وذَكَر الإبل: لهنّ الوَجى إذ كُن عَوْناً على النَوى ولا زال منها ظالعٌ وكَسِيرُ وما الشّؤم في نَعْب الغُراب ونَعْقه وما الشؤْم إلا ناقة وبَعير ومن قولنا في هذا المعنى: نعب الغراب فقلتُ أكذبُ طائرٍ إن لم يُصدِّقه رُغاء بَعير رِدُّ الجمال هو المُحقَق للنَّوى بل شَر أحلاس لهنّ وَكُور وقد يأتي من الشعر ما هو خارج عن طبقة الشعراء مُنفردٌ في غرائبه وبديع صنعته ولطيف تَشْبيهه كقول جعفر بن جِدار كاتب ابن طُولون: وطَفْلة رَخْصة المَدارِي لَيست تُحَلّى ولا تُسمى إلا بسِلْك من اللآلى يُعْجِز من يُخرج المُعمَى صُغرى وكُبرى إلى ثلاثِ مثل التّعاليل أو أتَمَّا وكم ببَم وأرض بَمّ وكَم بِرَمّ وأرْض رَمّا من طَفلة بَضَة لَعوب تلقاك بالحُسن مستتما مُنهن رَيّا وكيف رَيّا ريا إذا لاقت المَشَما لو شمها طائر بَدوٍّ لَخَرّ في التُرب أولَهَمّا تَسحب ثوبين من خَلْوق قد أفنيا زعفران قُمّا كأنما جلّيا عليها من طِيب ما باشرَا وشَما فأَلفيا زعفران قُم فانغمسا فيه واستحمِّا فهي نظير اسمها المُعلَّى يقوح لامِرْطها المُدَمَّا هيهاتَ يا أختَ آل بَمِّ غَلطت في الاسم والمُسمَّى لو كنت ممن لكنت مِمّا لكنّني قد كَبرتُ عَمّا عاتبني الدهرُ في عِذاري بأحرُف فارعويت لمّا قُوّس ما كان مستقيماً وأبيضّ ما كان مُدّلهمّا وكيف تَصبو الدُّمى إلى مَنِ كان أخاً ثم صار عَمّا بي عنكِ يا أختَ أهل بَمَ شُغْل بما قد دنا مُهِمّا فلستُ من وجهك المُفدَّى ولستُ من قَدّك المُحمّى أذهلني عنك خوفُ يوم يحيا له كل من ألمَّا ما كسَبتْه يداي وَهْنا خيراً وشرًّاً أصبت ثَما تُحشر فيه الجنان زَفًّا وتُحشر النَار فيه زَمّا تقول هذي لَطالبيها هَيتَ وهذي لهم هَلُمّا نَفسيَ أولى بأنْ أذُمّا مِن أمرها كل ما استُذمّا يا نفسُ كم تُخدعين عَمّا بلُبس داج وأكل لمّا في حُفرة ما يُحير حَرفاً قد دكّ من فوقها وطما والمُزَنَيّ الذيَ إليه نَعشو إذا دَهرُنا ادلهما أخفى فؤادي له عَزائي لكنْ زَفيري عليه نَمَا كأنما خُوِّفا فخافا أو حذَرا كاساهما فصما أقبل سَهْم من الرَّزايا فخَصَ أعلامنا وعَمَّا دَكدك منّا ذُرَا جبال شامخة في السماء شما وَحصَنا دون مَنْ عليها وزاد همًّا بنا وغما قد قَرُب الموتُ يا بنَ أما فبادر المَوت يا بن أما واعلم بأنَّ من عصاك جهلا مِن التُقى لم يُطعك هِمّا هو الهُدى والرَّدى فإمَّا أتيت آتى الردى وإما ها أنذا فَاعتبر بحالي في طَبق مُوصَد مُعَمَّى قد أسكنتني الذُّنوب بيتاً يخاله الإلف مُستحما أو ابحثي عن فُل بن فُل تَرَيْه تحت التراب رِمّا لبئس عَبْد يروح بَغْياَ مع المَساوي تراه دَوْما في غَمرة العَيش لا يُبالي أحمده الجارُ أمْ أَذَمَّا كم بين هذا وبين عبد يغدو خميصَ الحشى هضمّا يقطع آناءه صلاةً ودهره بالصلاح صوْمَا إنّ بهذا الكلام نُصحاً إن لم يوافِ القلوب صُمّا يا رب لِي ألفُ ذَنب إن تعفُ يا رب فاعفُ جَمّا فأبْرِد بعفوٍ غليلَ قَلب كأنّ فيه رسيسَ حُمَى وقال الغَزّال: لَعَمْري ما ملّكتُ مِقْوَدَي الصِّبا فأمْطوَ للذّات في السَّهل والوَعْرِ ولا أنا ممّن يُؤثِر اللهوَ قلبُه فأمسي في سُكر وأصبحِ في سكرِ ولا قارع باب اليهوديّ مَوْهناً وقد هَجع النُّوامُ من شهوة الخمر وأوْتَغه الشيطان حتى أصاره من الغَيّ في بحر أضلّ من البَحر كفانيَ من كُل الذي أعجبوا به قُلَيلة ماء تُستقى لي من النَّهر ففيها شرَابي إن عَطشتُ وكُلّ ما يريد عيالي للعَجين وللقِدْر بخُبْز وبَقل ليس لحماً وإنني عليه كثيرُ الحمد لله والشكر فيا صاحبَ اللُحمان والخَمر هل تَرى بوجهي إذا عاينتَ وجهيَ من ضر وبالله لو عمرت تِسعين حِجةً إلى مثلها ما اشتقتُ فيها إلى خَمْر ولا طربتْ نفسي إلا مِزْهر ولا تَحَنَّن قلبي نحو عُود ولا زَمْر وقد حدّثوني أن فيها مَرارة وما حاجة الإنسان في الشرب للمُرّ أخي عُد ما قاسيتَه وتقلبت عليك به الدُّنيا من الخَير والشر فهل لك في الدُنيا سِوَى الساعةِ التي تكون بها السَّراء أو حاضِر الضُّرّ فما ساق منها لا يُحس ولا يُرى وما لم يكن منها عَمِي عن الفِكْر فطوبَى لعبدٍ أخرج الله روحَه إليه من الدنيا على عَمل البِر ولكنني حُدثْت أن نُفوسَهم هنالك في جاه جليل وفي قَدْر نَجْم من الحُسن ما يجرى به فَلَك كأنه الدرّ والياقوت في النَّظم ذاك الذي حاز حُسناً لا نظير له كالبدر نوراً عَلا في مَنْزل النّعم وقد تناظَرَ واليِرْجِيسُ في شَرَفٍ وقَارَن الزَّهرةَ البَيضاء في تَوَم فذاك يُشبهه في حُسن صُورته وذا يَزيد بحظّ الشّعر والقَلم أشكو إلى الله ما ألقى لفُرقته شِكْوى مُحبّ سَقيم حافظِ الذِّمم لو كنت أشكو إلى صُمِّ الهضاب إذاً تَفطَّرتْ للذي أبديه من أَلم يا غادراً لم يزَل بالغَدر مُرتدياً أين الوفاءُ ابِنْ لي غيرَ محْتشم إن غاب جسمُك عن عَيني وعن نَظري فما يَغيب عن الأسرار والوَهم إني سأبكيك ما ناحتْ مَطوقةٌ تبْكي أَلِيفاً على فَرْع من النَّشم ما يجوز في الشعر مما لا يجوز في الكلام قال أبو حاتم: أبيح للشاعر ما لم يُبَح للمتكلم من قَصرْ الممدود ومَدّ المقصور وتَحريك الساكن وتَسكين المتحرك وصَرْف ما لا يَنصرف وحَذف الكلمة ما لم تلتبس بأُخرى كقولهم: فل من فلان وحم من حمام. وجاءت حوادث مِن مِثلها يقال لِمثلك: ويهاً فُل وقال مُسلم بن الوليد: سَل الناسَ إني سائل الله وحْدَه وصائنُ وِجهي عن فُلان وعن فُل وقال آخر: دعاء حمامات تُجاوبها حَمُ ومن المحذوف أيضاً قولُ الشاعر: لها أشاريرُ مات لَحم تتَمِّره من الثَعالِي وَوَخْز من أرَانِيها يريد من الثعالب. ومثله قول الشاعر: ولضَفادِي جمَه نَقانِقُ يريد الضفادع. ومن المحذوف قولُ كعب بن زُهير: ويلُمّها خَلّةً لو أنها صَدقت في وَعدها أو لو أنَّ النُّصح مَقْبولُ يريد ويل لأمها. ومنه قولهم: لاه أبوك يريدون: لله أبوك. وقال الشاعر: لاه ابن عَمّك لا يخا ف المُبْديات من العَواقب ثم استمرُّوا وقالوا إنّ موعدَكم ماء بشرقيّ سَلْمى فَيْدُ أورَكَكُ قال الأصمعي: سألت بجنبات فَيد عن رَكك. فقيل: ماء هاهنا يُسمى ركّا. فعلمت أن زهيراً احتاج فضعَّف: ومنه قول القِطامىّ. وقولُ المرء يَنْفُذ بعد حِين مواضعَ ليس يَنفذُها الإبارُ ومثله قولهم: كَلكال من كلكل. ونظر هذا كثير في الشعر لمن تتَبّعه. وأما قَصرهم المَمدود فجائز في أشعارهم ومدِّ المقصور عندهم قَبيح. وقد يُستجاد في الشعر على قِبحه مثلُ قوله حسّان بن ثابت: قَفاؤُك أحسن من وجهه وأمك خيرٌ من المُنذرِ وأنشد أبو عُبيدة: يالك من تمْرٍ ومن شِيشاءِ يَنْشبَ في الحَلق وفي اللهاء فمد اللهى هو جمع لهاة: كما قالوا: قطاة وقطى ونواة ونوى. أما تحريك الساكن وتسكين المتحرك فمن ذلك قول لَبيد بن ربيعة: تَرّاك أمكنةٍ إذا لم أَرْضَها أو يَرْتبطْ بعضَ النفوس حِمامُها ومثله قولُ امرئ القيس: وِقال أمية بن أبي الصَّلت: تأبى فما تَطلع لهم في وقتها إلا مُعذبة وإلا تُجْلدُ ومن قولهم في تحريك الساكن: اضْرِبَ عنك الهُمومَ طارقَها ضَرْبَك بالسَّوط قَوْنَس الفَرس وأما صَرف مالا يَنصرف عندهم فكثير والقَبيح عندهم ألا يُصرف المُنصرف وقد يُستجاد في الشعر على قُبحه. قال عبِّاس بن مُرْداس: وما كانَ بَدْر ولا حابس يفوق مِرداس في المَجمع ومن قولهم في تَسكين المُتحرّك وقد استشهد به سيبويه في كتابه: عَجِب الناسُ وقالُوا شِعْرُ وضَاح اليَماني إنما شِعْريَ قَنْدٌ قد خُلِطْ بجُلجلان ولو حرك خلط اجتمع خمس حركات.