فبعث دُريد فارساً آخر لينظرَ ما صَنع صاحبُه. فلما انتهى إليه ورأى ما صَنع صاح به. فتصامم عنه كأن لم يَسمع. فظن أنه لم يَسمع فغَشيه. فألقى زِمامَ الرَّاحلة إلى الظّعينة ثم خَرج وهو يقول: خَلِّ سبيلَ الحُرّة المنيعة إنك لاقٍ دونها رَبيعه في كَفّه خَطِّيَّة مطيعه أَوْلا فخُدْها طعنةً سَريعه والطَّعنُ منّي في الوغَى شريعه ثم حَمل عليه فصرعه. فلما أبطأ على دُريد بعث فارساً لينظر ما صنعا. فلما انتهى إليهما وجدهما صريعَيْن ونظر إليه يقود ظعينته ويجُر رُمْحه. فقال له الفارس: خل عن الظعينة. فقال للظَّعينة: أقصِدي قصدَ البيُوت ثمِ أقبل عليه فقال: ماذا تُريد من شَتيم عابس ألم تَر الفارس بعد الفارِس أَرْداهما عاملُ رُمح يابس ثم حَمل عليه فصرعه وانكسر رُمحه. وارتاب دُريد فظنّ أنهم قد أخذوا الظّعينة وقَتلوا الرجل. فلحق دريد ربيعةَ وقد دَنا من الحيّ ووجد أصحابَه قد قتلوا فقال: أيها الفارس إنّ مِثْلك لا يُقتل ولا أرى معك رُمحك والخيلُ ثائرةٌ بأصحابها فدونَك هذا الرُّمحَ فإني مُنصرف إلى أصحابي ومُثبِّطهم عنك. فانصرف إلى أصحابه فقال: إنّ فارس الظَّعينة قد حَماها وقَتل أصحابكم وأنتزع رُمحي ولا مَطْمع لكم فيه. فانصرف القومُ. فقال دُريد في ذلك: ما إن رأيتُ ولا سَمِعتُ بمثله حامِي الظّعينة فارساً لم يُقتل أردَى فوارسَ لم يكونوا نُهْزةّ ثم استمرّ كأنه لم يَفْعل مُتهلِّلاً تَبدو أَسِرَّة وجهه مثل الْحسام جَلَتْه كفُّ الصَيْقل يُزْجِي ظَعينَته ويَسْحب رُمْحه مُتوجهاً يمنَاه نحو المَنزل وتَرى الفوارسَ من مَهابة رُمحه مثلَ البُغاث خَشِين وَقْع الأجْدل يا ليتَ شعْري مَن أبوه وأمّه يا صاح مَن يَكُ مثلَه لا يجهل وقال ابنُ مُكَدَم: إن كان يَنفعكِ اليقينُ فسائلِي عنِّي الظعينةَ يومَ وادي الأخْرم إذ هِي لأوَّل مَن أتاها نُهبة لولا طعانُ رَبيعة بنِ مُكَدَّم إذ قال لي أدنى الفوارس منهم خَلِّ الظعينَةَ طائعاً لا تَنْدَم ومَنحت آخرَ بعدَه جَيَّاشةً نَجْلاء فاغرةً كشِدْقِ الأضجَم ولقد شفعتُهما بآخَر ثالثٍ وأبى الفِرارَ عن العُداة تَكرُّمي ثم لم يَلبث بنو كنانة أن أغاروا على بني جُشم فقتلوا وأسروا دريدَ بن الصِّمة فأخفى نَسبه. فبينما هو عندهم مَحبوس إذ جاءت نِسوة يتهادَيْن إليه فصاحت إحداهنّ فقالت: هلكتم وأهلكتم! ماذا جَرّ علينا قومنا هذا والله الذي أعطى ربيعة رُمحه يوم الظعينة ثم ألقت عليه ثَوبها وقالت: يا آل فراس أنا جارةٌ له منكم هذا صاحبنا يوم الوادي. فسألوه: من هو فقال: أنا دُريد ابن الصَمة فمَن صاحبي قالوا: رَبيعة بن مُكدَم. قال: فما فَعل قالوا: قتلتْه بنو سليم. قال: فما فعلتْ الظّعينة قالت المرأة: أنا هي وأنا امرأته. فحَبسه القومُ وأتمروا أنفسهم فقال بعضُهم: لا ينبغي لدُريد أن تُكفر نعمتُه على صاحبنا وقال الآخرون: لا والله لا يَخرج من أيدينا إلا برضا المُخارق الذي أسره. فانبعثت المرأة في الليل. وهي رَبطة بنت جِذْل الطِّعان فقالت: سنَجزى دُريداً عن ربيعة نِعمةً وكُل امرئ يجزى بما كان قَدَّمَا فإن كان خيراً كان خيراً جزاؤه وإن كان شرًا كان شراً مُذَمما سنَجزيه نُعمَى لم تكن بصَغيرةٍ بإهدائه الرُّمح الطَّويل المقوما فإنْ كان حَياً لم يَضِق بثَوابه ذِراعاً غَنِياً كان أو كان مُعْدِما ففُكّوا دُريداً من إسار مخارق ولا تجعلوا البؤسىَ إلى الشرّ سلَما فلما أصبحوا أطلقوه. فكستْه وجَهَّزته ولحق بقومه. فلم يَزل كافا عن حَرب بني فراس حتى هلك. يوم الصلعاء لهوازن على غطفان فلما كان في العام المُقبل غزاهم دُريد بن الصَمة بالصَّلعاء فخرجت إليه. غطفان. فقال دُريد لصاحبه: ما ترى قال: أرى خيلاً عليها رجال كأنهم الصَبيان أسِنتها عند آذان خَيلها. قال: هذه فَزارة. ثم قالت: انظُر ما ترى قال: أرى قوماً كأن عليهم ثياباً غُمست في الجادي. قال: هذه أشجع. ثم قال: انظر ما ترى قال: أرى قوماً يَهزّون رماحَهم سوداً يخدُون الأرضَ بأقدامهم. قال: هذه عَبْس أتاكم الموت الزُّؤام فاثبتُوا. فالتقوا بالصّلعاء فكان الظَّفر لهوازن على غَطفان وقَتل دُريدٌ ذُؤَابَ بن أسماء بن زيد بن قَارِب. حرب قيس وكنانة يوم الكديد لسليم على كنانة فيه قتل ربيعة بنُ مُكَدَّم فارسُ كنانة. وهو من بني فِراس بنِ غنْم بن مالك بن كِنانة وهم أنجد العرب كان الرجل منهم يُعدل بعشرة من غيرهم وفيهم يقول علي بن أبي طالب لأهل الكوفة: وددتُ والله أنّ لي بجَميعكم وأنتم مائةُ ألف ثَلثَمائةٍ من بني فراس بن غنم. وكان ربيعة بن مُكَدَم يعقَر على قبره في الجاهليَّة ولم يُعقر على قبر أحد غيره ومر به حسانُ بن ثابت. وقتلته بنو سُليم يوم الكَدِيد. ولم يحضُر يوم الكَدِيد أحد من بني الشريد. يوم برزة لكنانة على سليم قال أبو عُبيدة: لما قَتلت بنو سُليم ربيعَة بن مُكدم فارسَ كنانة ورجعوا أقاموا ما شاء الله. ثم إن ذا التاج مالكَ بن خالد بن صَخر بن الشّريد - واسم الشريد عمرو وكانت بنو سُليم قد توجوا مالكاً وأمَروه عليهم - غزا بني كنانة فأغار على بني فِراس ببَرْزة ورئيسُ بني فِراس عبدُ الله بن جِذْل. فدعا عبدُ الله إلى البِراز فبرز إليه هندُ بن خالد بن صَخْر بن الشرًيد فقال له عبدُ الله: مَن أنت قال: أنا هِندُ بن خالد بن صَخر. فقال عبدُ الله: أخوك أسن منك يُريد مالكَ بن خالد. فَرجع فأحضر أخاه فبَرز له فجعل عبدُ الله ابن جِذلَ يرتحز ويقول: ادْنُ بني قِرْف القِمَعْ إنّي إذا الموتُ كَنَعْ لا أستغيثُ بالجَزَعْ ثم شَدّ على مالك بن خالد فقتله فبرز إليه أخوه كرز بن خالد بن صخر فشد عليه عبد الله بن جِذل فقتله أيضاً. فشدّ عليه أخوهما عمرو بنُ خالد بن صَخْر بن الشَّريد فتخالفا طَعْنتين فجرح كُلُّ واحد منهما صاحبَه وتحاجزا. وكان عمرو قد نهى أخاه مالكاً عن غَزو بني فِراس فعصاه وانصرف للغَزْو عنهم. فقال عبدُ الله بن جذل: تجنبتُ هِنداً رغبةً عن قتاله إِلى مالكٍ أَعْشُو إلى ضَوْء مالِك فأيقنت أنّي ثائرُ ابن مُكَدَّم غَداتئذ أو هالك في الهَوالك فأنفذتُه بالرُّمح حينَ طَعنتُه مُعانقةً ليست بطَعْنة باتِك وأثنى لكُرز في الغبار بطَعْنة عَلَتْ جِلْدَه منها بأحمَر عاتك قتلنا سُليماً غَثَّها وسَمِينها فصبراً سُليماً قد صَبرنا لذلك وقال عبد الله بنْ جِذل أيضاً: قَتلنا مالكاً فبَكَوْا عليه وهل يُغْني مِن الجَزع البُكاء وكُرْزاً قد تَركناه صريعاً تَسيل علَى تَرائبه الدِّماء فإنْ تَجزع لذاك بنو سُلَيم فقد - وأبيهم - غُلب العَزاء فصبراً يا سُليم كما صَبرنا وما فِيكم لواحدنا كِفاء فلا تَبْعد ربيعةُ من نَديم أخو الهُلاك إن ذُمّ الشِّتاء وكم مِن غارة ورَعِيل خَيْل تَدَاركها وقد حَمِس اللِّقاء يوم الفيفاء لسليم على كنانة قال أبو عُبيدة: ثم إنّ بني الشّريد حَرَّموا على أنفسهم النِّساء والدُّهن حتى يُدركوا بثأرهم من بني كِنانة. فغزا عمرو بن خالد بن صَخر بنِ الشرّيد بقومه حتى أغار على بني فِراس فقَتل منهم نَفراً: منهم عاصم بن المُعلَى ونَضلة والمُعارِك وعمرو بن مالك وحِصْن وشُريح وسَبى سَبْيا فيهم ابنة مُكَدّم أخت ربيعة بن مُكَدّم. فقال عبَّاس بن مِرْداس في ذلك يرُدّ على ابن جِذْل في كلمته التي قالها يومَ بَرْزة: ألا أَبلغَا عَنّي ابن جِذْل ورهْطَه فكيف طَلبناكمُ بِكُرْزٍ ومالِك غداةَ فَجَعْناكم بحِصن وبابنه وبابن المُعلَّى عاصمٍ والمعارك ثمانية منهم ثَأرناهُم به جميعاً وما كانوا بَواءً بمالك نُذيقكم والموتُ يَبني سرُادقاً عليكم شَبا حدِّ السّيوف البواتك تَلُوح بأيدينا كما لاح بارق تلألأ في داجٍ من اللَّيل حالك صَبحناكم العُوجَ العَناجيج بالضُّحى تَمُر بنا مَرِّ الرِّياح السواهك وقال هندُ بن خالد بن صخر بن الشَريد: قتلتُ بمالك عمراً وحِصْناً وخَلّيت القَتام على الخُدودِ وكُرزاً قد أًبأتُ به شُريحاً على أَثر الفوارس بالكَديد جَريناهم بما انتكهوا وزِدْنا عليه ما وَجدنا من مَزِيد جَلَبنا من جَنوب الفَرْد جُرْداً كطَيْر الماء غَلّس للوُرود قال: فلما ذكر هندُ بن خالد يوم الكَدِيد وافتخر به ولم يشهده أحدٌ من بني الشريد غضب من ذلك نُبيشة بن حَبيب فأنشأ يقول: تُبخل صُنْعَنا في كُل يوم كمَخْضوب البَنان ولا تَصِيد وتأكل ما يَعاف الكلبُ منه وتَزعم أن والدَك الشريد أبى لي أن أقِر الضيمَ قيس وصاحبُه المَزُور به الكَديد حرب قيس وتميم يوم السُّوبان لبني عامر على بني تميم قال أبو عُبيدة: أغارت بنو عامر علي بني تميم وضَبْة فاقتتلوا. ورئيس ضَبَة حسّان بن وَبرة وهو أخو النعمان لأمه فأسره يزيد الصعِق وانهزمت تميم. فلما رأى ذلك عامرُ بن مالِكِ بن جَعفر حَسده فشذ على ضرِارَ بن عمرو الضبي وهو الردِيم. فقال لابنه أدْهم: أغْنِه عني. فشد عليه فطَعنه. فتحوّل عن سرَجه إلى جَنب أبدائه. ثم لَحقه فقال لأحد بَنيه أغنه عني فَفَعل مثل ذلك. ثم لَحقه فقال لابن له آخر: أغنه عني ففعل مثل ذلك فقال: ما هذا إلا مُلاعب الأسنة فسُمَى عامرٌ من يومئذ ملاعبَ الأسنة. فلما دنا منه قال له ضِرار: إني لأعلم ما تريد أتُريد اللبن قال: نعم. إنك لن تَصل إلي ومِن هؤلاء عينٌ تَطرف كلهم بني. قال له عامر: فأحلني على غيرك. فدلّه على حُبيش بن الدُّلف وقال: عليك بذلك الفارس. فشدّ عليه فأسره. فلما رأى سوادَه وقِصَره جعل يتفكّر. وخاف ابن الدُلف أن يقتله فقال: ألست تُريد اللبن قال: بَلى. قال: فأنا لك به. وفادى حسان بن وَبرة نفسَه من يزيد بن الصّعق على يوم أقرن لبني عبس على بني دارم غزا عمرو بن عُدَس من دارم وهو فارس بن مالك بن حَنظلة فأغار على بني عَبْس وأخذ إبلا وشاء ثم أقبل حتى إذا كان أسفَل من ثَنية أقْرُن نزل فابتَنى بجارية من السبْي. ولحقه الطلب فاقتتلوا. فقتَل أنسُ الفوارس بنُ زياد العَبْسي عَمراً وانهزمت بنو مالك بن حَنظلة. وقتلت بنو عبس أيضاً حَنظلةَ بن عمرو - وقال بعضُهم: قُتل في غير هذا اليوم - وارتدوا ما كان في أيدي بني مالك. فنعى ذلك جريرٌ على بني دارم فقال: هل تَذكُرون لَدَى ثنية أقْرُن أنسَ الفَوارس حين يَهْوي الأسلع وكان عمرو أسلعَ أي أبرص وكان لسَمَاعة بن عمرو خال من بني عَبس فزاره يوماً فقَتله بأبيه عمرو. يوم المروت لبني الغير على بني قشير أغار بَحيِر بن سَلْمة بن قُشير على بني العَنبر بن عمرو بن تميم فأتى الصريخُ بني عمرو بن تميم فاتبعوه حتى لحقوه وقد نزل المَرُّوت وهو يَقسم المِرْباع ويُعطى مَن معه. فتلاَحق القومُ واقتتلوا. فطعَن قعْنبُ بن عتّاب الهيثَم بن عامر القُشيري فصرعه فأسره وحَمل الكدَام وهو يزيد بن أزهر المازني على بحير بن سَلمة فطعنه فأرداه عن فرسه ثم نزل إليه فأسره. فأبصره قَعنب بن عتاب فحمل عليه بالسيَّف فضربه فقتله. فانهزم بنو عامر وقُتل رجالهم. فقال يزيدُ بن الصَعِق يرثي بَحيرا: أواردةٌ عليّ بني رِياح بفَخْرهُم وقد قتلوا بَحيرَا فأجابته العَوْراء من بني سَليط بن يَربوع: قَعيدَك يا يزيدُ أبا قُبيس أَتُنذر كي تُلاقينا النّذورَا وتُوضِع تُخبرالرُّكبان أنّا وُجدنا في مراس الحَرب خُورا ألم تعلم قعيدَك يا يزيد بأنا نَقَمع الشَّيخَ الفَخُورا فأبلغ إن عَرضت بني كلاب بأنا نحن أَقعَصْنا بَحيرا وضرَّجنا عُبيدة بالعَوالي فأَصبح مُوثَقاً فِينا أَسِيرا أفخراً في الخلاء بغير فَخْرٍ وعند الحَرب خَواراً ضَجُورا يوم دارة مأسل لتميم على قيس غزا عُتبة بن شُتَير بن خالد الكِلابيّ بني ضَبّة فاستاق نَعَمهم وقَتل حُصيْن ابن ضِرار الضَّبي أبا زَيد الفوارس فجمع أبوه ضرار قومَه وخرج ثائراً بابنِهِ حُصين وزيد الفوارس يومئذ حَدَث لم يُدرك فأغار على بني عمرو بن كِلاب فأفلت منه عُتبةُ بن شُتير بن خالد وأسر أباه شُتير بن خالد وكان شيخاً أعور. فأتى به قومه فقال: إما أن ترُدّ ابني حُصينا. قال: فإني لا أَنشر الموتى. قال: وإما أن تدفع إليّ ابنك عُتبة أقتله به. قال: لا تَرضى بذلك بنو عامر أن يدفعوا فارسَهم شاباً مُقتبَلاً بشَيخ أعورَ هامة اليوم أو غد. قال: وإما أن أقتلك. قال: أمّا هذه فنعم. قال: فأمر ضِرارٌ ابنَه أدهم أن يَقتله فلما قَدّمه ليضربَ عُنقه نادى شُتير: يا آل عامر صَبْراً بصبيّ. كأنه أنِف أن يُقتل بصبيّ. فقال في ذلك شمعلة في كلمة له طويلة: وخيَرْنا شُتيراً في ثلاثٍ وما كان الثلاثُ له خيارَا جعلتُ السيفَ بين اللِّيث منه وبين قِصاص لمَّته عِذَارا وقال الفرزدق يَفخر بأيام ضبّة: عوابسُ ما تَنفكُّ تحت بطونها سَرابيلُ أبطال بنائُقها حُمْر تَركْن ابنَ ذي الجَدَّين يَنْشِج مُسْندا وليس له إلا ألاءته قَبر وهُنّ على خَذَي شتير بن خالد أثير عَجاج من سنَابكها كُدْر إذا سُوّمت للبأس يَغْشى ظُهورَها أسودٌ عليها البِيض عادتها الهَصْر يَهزّون أرماحاً طِوالا مُتونُها يهن الغِنى يومَ الكَريهة والفَقْر أيام بكر على تميم يوم الوقيط قال فراسُ بن خِنْدف: تجمَّعت اللهازُم لتُغير على تَميم وهم غارُّون فرأى لك ناشب الأعور بن بَشامة العَنبري وهو أسير في بني سَعد بن مالك ابن ضُبيعة بن قيسِ بن ثعلبة فقال لهم: أعطوني رسولاً أرسله إلى بني العَنبر أوصيهم بصاحبكم خيراً ليولوه مثلَ الذي تولوني من البر به والإحسان إليه. وكان حَنظلة بن الطُّفيل المَرثدي أسيراً في بني العَنبر. فقالوا له: على أن تُوصيه ونحن حضُور. قال نعم. فأتوه بغلام لهم. فقال: لقد أتيتموني بأحمقَ وما أراه مُبلِّغاً عني. قال الغلام: لا والله ما أنا بأحمَق وقل ما ئشت فإني مُبلَغه. فملأ الأعورُ كفه من الرمل فقال: كم هذا الذي في كفِّي من الرمل قال الغلام: شيء لا يُحصى كَثرة ثم أومأ إلي الشمس وقال: ما تلك قال: هي الشمس. قال: فاذهب إلى قومي فابلغهم عني التحيةَ وقُل لهم يُحسنوا إلى أسيرهم وُيكْرموه فإني عند قوم مُحسنين إلي مُكرمين لي وقل لهم يَقْروا جمل الأحمر ويَرْكبوا ناقتي العَيْساء بآية أكلت معهم حَيْساً وَيرْعوا حاجتي في أبيني مالك. وأخبرهم أنِّ العوسج قد أَوْرق وأنّ النِّساء قد اشتكت. ولْيعصوا هَمَّام بن بَشَامة فإنه مَشْئوم مَحدود وُيطيعوا هُذَيل بن الأخْنس فإنه حازم مَيمون. قال: فأتاهم الرسول فأبلغهم. فقال بنو عمرو بن تميم: ما نعرف هذا الكلام ولقد جنّ الأعورُ بعدنا فواللهّ ما نعرف له ناقةً عَيْساء ولا جملاً أحمر. فشخص الرسولُ ثم ناداهم هُذيل: يا بني العنبر قد بَين لكم صاحبُكم: أما الرمل الذي قبض عليه فإنه يُخبركم أنه أتاكم عددٌ لا يُحصى وأما الشمس التي أومأ إليها فإنه يقول: إن ذلك أوضحُ من الشَّمس وأما جَمله الأحمر فإنه هو الصَمَّان يأمركم أن تُعْروه وأما ناقتهُ العَيساء فهي الدَّهناء يأمركم أن تَحْترزوا فيها وأما أبْناء مالك فإنه يأمركم أن تنذروا بني مالك بن حنظلة ابن مالك بن زَيد مناة ما حَذركم وأن تُمسكوا الحِلْف بينكم وبينهم وأما العَوْسج الذي أورق فيُخبركم أنّ القوم قد لَبسوا السلاح وأما تشكيَ النساء فيُخبركم بأنهن قد عَمِلنَ شِكاءً يغزون به. قال: وقوله بآية ما أكلت معكم حَيساً يريد أحلاطاً من الناس قد غزوكم. فتحرَّزت عمرو فركبتَ الدَهناء وَأنذروا بني مالك فقالوا: لسنا ندري ما يقول بنو عمرو ولسنا متحوِّلين لِمَا قال صاحبُكم: قال فصبّحتِ اللهازمُ بني حنظلة فوجدوا بني عمرو قد أجلت وإنما أرادوهم على الوَقيط وعلى الجَيش أبجر بِن جابر العِجْليّ. وشهدها ناسٌ مع تيم اللات وشهدها الفِزْر بن الأسود بن شريد من بني سِنان. فاقتَتلوا فأسر ضِرارُ بن القَعقاع بن مَعبد بن زُرارة وتَنازع في أسره بِشرُ بن العوراء من تيم اللات والفِزْر بن الأسود فجزّا ناصيتَه وخَليّا سربه من تحت الليل. وأسر عمرو بن قيس من بني ربيعة عَثْجَلَ بن المأموم بن شَيبان بن عَلقمة من بني زُرارة ومَنَ عليه. وأسرت غَمامةُ بنت طوق بن عُبيد بن زُرارة واشترك في أسِرها الحَطيم بن هلال وظربان بن زياد وقيس بن خالد. ورَدُوها إلى أهلها. وعَير جريرٌ الخَطفي بني دارم بأسْر ضِرارِ وعَثْجل وغَمامة فقال: أغَمام لو شَهد الوقيطَ فوارسي ما قِيد يقتل عَثجل وضِرَارُ وأسر حنظلةُ بن المأمون بن شيبان بن عَلقمة أسره طَيْسلة بن زِياد أحد بني ربيعة. وأسر جُويرية بن بَدر من بني عبد الله بن دارم فلم يزل في الوثاق حتى قال أبياتاً يَمدح فيها بني عِجل وأنشأ يتغنّى بها رافعاً عقيرته: وقائلةٍ ما غالَه أن يَزُورها وقد كنتُ عن تلك الزَيارة في شُغل وقد أدركتْني والحوادثُ جَمةٌ مَخالبُ قوم لا ضِعافٍ ولا عُزْل سِراع إلى الدّاعَي بِطاء عن الخَنَا رزانٍ لدى النّادي مِن غير ما جَهْل لعلهُم أن يمَطروني بنعمية كما طاب ماءُ المُزن في البلَد المَحْل فقد يُنعش الله الفتى بعد عسرة وقد يَبتدي الحُسنَى سَراةُ بني عِجْل فلما سَمعوه أطلقوه. وأسر نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة وعمرو ابن ناشب وأسر سنان بن عمرو أخو بني سلامة بن كِندة من بني دارم وأسر حاضر بن ضَمرة وأسر الهيثم بن صَعصعة وهَرب عوفُ بن القَعقاع عن إخوته وقُتل حكيم النّهشلي وذلك أنه لم يَزل يُقَاتل وَهو يَرتجز ويقول: كُل امرئ مُصبَّح في أهله والموتُ أدنى مِن شِراكَ نَعْلِهِ وفيه يقول عَنترة الفوارس: وغادَرْنا حكيماً في مَجال صَريعاً قد سَلَبناه الإزارَا يوم النِّباج وثَيْتل لتميم على بكر الخُشنيّ قال: أخبرنا أبو غَسّان العَبْديّ - واسمه رفيع - عن أبي عُبيدة مَعمر بن المُثنى قال: غدا قيس بن عاصم في مُقاعس وهو رئيس عليها - ومُقاعس هم: صُريم ورَبيع وعُبيد بنو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زَيدَ مناة ابن تَميم - ومعه سَلاَمة بن ظرِب بن نَمِر الحَمّاني في الأجارب وهم حِمّان وربيعة. ومالك والأعرج بنو كعب بن سَعد بن زيد مناة بن تميم. فغَزوا بكر بن وائل. فوجدوا بني ذهل بن ثَعلبة بن عُكابة واللهازم - وهم قَيس وتيم اللتَ ابنا ثَعلبة وعِجْل بن لُجيم وعَنَزة بن أسد بن ربيعة - بالنِّباج وثَيْتل وبينهما رَوْحة. فتنازع قيسُ بن عاصم وسَلامة بن ظَرِب في الإغارة ثم اتفقا على أن يُغير قَيس على أهل النِّباج ويُعير سلاَمة على أهل الثَيتل. قال: فبعث قيسُ بن عاصم سنانَ بنَ سُمَي الأهتم شيِّفَةً له - والشَّيفة: الطَّليعة - فأتاه الخبرُ. فلما أصبح قيسُ سقى خَيله ثم أطلق أَفواه الرَّوايا وقال لقومه: قاتلوا فإن الموت بين أيديكم والفلاةَ مِن ورائكم. فلما دنوا من القوم صُبحاً سمعوا ساقياً من بكر يقول لصاحبه: يا قيس أَوْرد. فتفاءلوا به. فأغاروا على النِّباج قبل الصُبح فقاتلوهم قتالاً شديداً. ثم إن بكر انهزمت وأَسر الأهتمُ حُمْرانَ بن بِشر بن عمرو بن مَرْثد وأصابوا غنائم كثيرة. فقال قيس لأصحابه لا مُقام دون الثَّيتل فالنجاء النجاء. فأبوا. ولم يُغِر سَلاَمة ولا أَصحابه بعد على من بثَيْتَل فأغار عليهم قيس بن عاصِم فقاتلوه ثم انهزموا. فأصاب إبلاً كثيرة. فقال سلامة: إنكم أعرتُم على ما كان أمره إليّ. فتلاحَوْا في ذلك. ثم اتفقوا على أن سَلّموا إليه غنائم ثَيتل. ففي ذلك يقول ربيعة بن ظَرِيف: فلا يُبعِدَنْك الله قيسَ بن عاصم فأنتَ لنا عِزٌّ عزيز وَمَوْئل وأنت الذي حَرَّبْت بكر بنَ وائل وقد عَضَّلَتْ منها النِّباجُ وثَيتل غداة دَعت يا آل شَيبان إذ رأت كراديس يَهْدِيهنّ وَرْد مُحجّل وظَلّت عُقاب الموت تَهْفو عليهم وشُعثُ النواصي لجمهنّ تُصَلصل فما منكُم أبناءَ بكر بن وائل لغارتِنا إلا رَكوبُ مُذلّل وقال جرير يصف ما كان من إطلاق قَيس بن عاصم أفواه المَزاد بقوله: وفي يوم الكُلاب ويوم قَيْسٍ هَرَق على مُسلّحةَ المَزادَ وقال قُرة بن قَيس بن عاصم: أنا ابنُ الذي شَقَّ المَزاد وقد رَأى بثيتل أَحياء اللَهازم حُضَّرَا على الجُرد يَعَلُكْن الشكِيم عَوابساً إذا الماءُ من أعطافهنَ تَحذَرا فلم يَرها الراءون إلا فُجاءةً يُثرنَ عَجاجاً بالسنابك أكْدرا سَقاهم بها الذِّيفانَ قيسُ بن عاصم وكان إذا ما أوْردَ الأمرَ أصْدرا وحُمران أدته إلينا رِماحُنا فنازَع غُلا مِن ذِرَاعيه أسمَرا وجَشَامة الذُهلي قُدْناه عَنْوةً إلى الحيّ مَصْفود اليدَيْن مُفكِّرا يوم زرود لبني يربوع على بني تغلب أغار خُزيمة بنِ طارق التغلبي على بني يَرْبوع وهم يزَرود فنَذِروا به فالتقَوا فاقتتلوا قتالاً شديداً ثم انهزِمت بنو تَغلب. وأسر خزٍيمة بن طارق أسره أنيف بن جبلة الضبيّ وهو فارس الشَيط وكان يومئذٍ مُعتلاً في بني يربوع وأسيدُ بن حِناءة السّليطي فتنازعا فيه فحَكما بينهما الحارث بن قُراد وأم الحارث امرأة من بني سَعد بن ضَبّة فحكم بناصية خزيمة لأنيف بن جَبله على أنّ لأسيد على أنيف مائةً من الإبل. قال: ففدا خزيمةَ نفسَه بمائتي بعير وفَرِس. وقال أنيف: أخذتُك قَسراً يا خُزَيمَ بنَ طارقٍ ولاقيت منِّي الموتَ يوم زَرُود أيام يربوع على بكر وهذه أيام كُلها لبني يربوع على بني بكر من ذلك: يوم ذي طُلوح وهو يوم أوْد ويوم الحائِر ويوم مَلْهَم ويوم القُحْقُح وهو يوم مالة ويوم رأس عَين ويوم طِخْفة. ويوم الغَبِيط ويوم مُخطط ويوم جَدُود ويوم الْجِبايات ويوم زَرود الثاني. يوم ذي طلوح لبني يَربوع على بكر كان عَمِيرة بن طارق بن خصينة بن أرِيم بن عبيد بن ثَعلبة تَزوَّج مُرية بنت جابر أخت أبجر بن جابر العِجْليّ فَخَرج حتى ابتنى بها في بني عِجْل. فأتى أبجرُ أختَه مُرَيّة امرأة عَميرة يزورها فقال لها: إني لا أرجو أنْ آتيك ببنت النَطِف امرأة عَميرة التي في قومها. فقال له عَميرة: أترضى أن تُحاربني وتَسْبيني فَندِم أبجر وقال لعَميرة: ما كنتُ لأغزو قومك. ثم غزا أبجر والحَوْفزان مُتساندين. هذا فيمن تَبعه من بني شَيبان وهذا فيمن تَبعه من بني اللهازم وساروا بعَميرة. معهم قد وكّل به أبجرُ أخاه حُرْفصة بن جابر. فقال له عمَيرة: لو رجعْتُ إلى أهلي فاحتملتُهم فقال حُرْفصة: افعل. فكرّ عَميرة على ناقته ثم نكل عن الجَيش فسار يومين وليلة حتى أتى بني يربوع فأنذرهم الجيش. فاجتمعوا حتى التقوا بأسفل ذي طُلوح. فأوِّل ما كان فارس طَلع عليهم عَمِيرة فنادى: يا أبجر هَلُم. فقال: مَن أنت قال: أنا عَميرة. فكذّبه فسَفر عن وجهه فعرفه فأقبل إليه. والتقت الخيلُ بالخيل. فأسر الجيشُ إلا أقلِّهم وأسر حَنظلةُ بن بشر بنِ عمرو بن عدس بن زَيد بن عبد الله ابن دارمَ. وكان في بني يَربوع الحوفزانَ بنِ شريك وأخذه معه مُكَبّلا. واخذ ابن طارِق سَوادَةَ بن يزيد بن بجير بن غنْم عم أبجر وأخذ ابن عَنَمة الضِّبي الشاعر وكان مع بني شيبان فافتكه مُتمم بن نوبرة. فقال ابن عَنَمة يَمدح مُتمَم بن نُوبرة: جَزى الله ربَ الناس عنّي مُتمَماً بخَير جزاء ما أعف وأمْجدَا أجيرتْ به آباؤنا وبنَاتُنا وشَاركَ في إطلاقنا وتَفرَّدا أبا نَهْشل إني لكم غيرُ كافرٍ ولا جاعلٌ من دونك المالَ مُؤصدا وأسر سُويد بن الحَوفزان وأسر أسود وفَلْحس وهما من بني سَعد بن هَمّام.