فغضب القومُ وقالوا: لقد أسأتَ تُرْذل لنا ولدك وتسومنا اللبنَ من دم كُليب. ووقعت الحربُ بينهم. ولحقت جليلةُ زوجةُ بأبيها وقومها. ودعت تغلب النمرَ بن قاسط فانضمّت إلى بني كُليب وصاروا يداً معهم على بكر ولحقت بهم غُفَيلة ابن قاسط واعتزلت قبائل بكر بن وائلِ وكَرِهوا مُجامعة بني شَيبان ومُساعدتهم على قتال إخوتهم وأعظموا قتلَ جسّاس كُليباً رئيسهم بناب من الإبل. فظَعنت لجيم عنهم وكفّت يَشْكر عن نُصرتهم وأنقبض الحارث بن عُباد في أهل بيته. وهو أبو بُجير وفارس النَّعامة. وقال المُهلهل يرثي كُليباً: بِت ليلي بالأنْعَمين طويلاً أرقب النجم سهراً أن يزولا كيف أهَدَأ ولا يزال قَتيلٌ من بني وائل ينسي قتيلا غَنِيت دارنا تهامة في الده ر وفيها بنو معد حلولا فتساقَوْا كأساً أمرت عليهم بينهم بقتل العزيز الذليلا فَصَبحْنا بني لُجيم بضَرب يترك الهم وقعه مفلولا لم يُطيقوا أن يَنْزلوا ونزَلناً وأخو الحرب من أطاق النزولا انتضَوْا مَعْجِس القسي وأبْرق نا كما توعد الفحولا قَتلوا ربَّهم كُلباً سَفاهاً ثم قالوا ما نخاف عويلا كَذبوا والحرام والحِلِّ حتى نسلب الخدر بيضة المحجولا كُليبُ لا خيرَ في الدنيا ومَن فيها إذ أنت خليتها فيمن يخلبها كُليب أيّ فتَى عزٍّ ومَكْرُمة تحت السّقائف إذ يعلوك سافيها نَعى النُعاةُ كُليباً لي فقلتُ لهم مالت بنا الأرض أو زالت رواسيها الحَزم والعَزْمُ كانا من صَنيعته ما كل آلائه يا قوم أحصيها القائدُ الخَيْل تَرْدَى في أعنَتها زهواً إذا الخيل لجت في تعاديها مِن خيل تَغْلبَ ما تلقي أسنَّتها إلا وقد خضبوها من أعاديها يُهَزْهِزُون من الخَطّيّ مُدْمَجة كمتاً أنابيبها زرقاً عواليها تَرى الرِّماحَ بأيدينا فنُوردها بيضاً ونصدرها حمراً أعاليها ليت السماء على مَن تّحتها وقعتْ وانشقت الأرض فانجابت بمن فيها لا أصلح الله منِّا من يُصالحكم ما لاحت الشمس في أعلى مجاريها يوم النهِّي قال أبو المُنذر: أخبرني خِرَاش أن أوَل وَقعة كانت بينهم بالنهي يوم النهِّى. فالتقوا بماء يقال له النَهي كانت بنو شَيبان نازله عليه. ورئيسُ تَغلب المهلهل ورئيس شَيبان الحارثُ بن مُرًة. فكانت الدائرةُ لبني تَغلب وكان الشَّوكة في شَيبان واستحرّ القتل فيهم إلا أنه لم يُقتل في ذلك اليوم أحد من بني مَرَة. يوم الذنَّائب ثم التقوا بالذنائاب وهي أعظم وَقعة كانت لهم فظفرت بنو تَغلب وقُتلت بكر مقتلة عظيمة. وفيها قُتل شرَاحيل بن مرة بن هَمام بن مُرة بن ذُهل بن شَيبان وهو جدّ الحَوْفزان وهو جد مَعْن بن زائدة. والحَوْفزان هو الحارث ابن شريك بن عمروِ بن قيس بن شَراحيل قتله عتاب بن سَعد بن زُهير بن جُشَم. وقُتل الحارث بن مُرة بن ذُهل بن شَيبان قتله كعب بن ذُهل بن ثعلبة. وقُتل من بني ذهل ثَعلبة: عمرو بنُ سَدوس بن شَيبان بن ذُهل بن ثعلبة. وقتل مِن بني تَيم الله. جميلُ بن مالك بن تَيم الله وعبد الله بن مالك بن تَيم الله. وقُتل من بني قيس ابن ثعلبة: سعدُ بن ضُبيعة بن قيس وتميم بن قيس بن ثعلبة وهو أحد الخَرِفين. وكان شيخاً كبيراً فحُمل في هودج فلَحِقه عمرو بن مالك بن الفَدَوْكس بن جُشم وهو جدّ الأخطل فقَتله. هؤلاء مَن أصيب من رؤساء بكر يوم الذنائب. يوم واردات ثم التقوا بواردات وعلى الناس رؤساؤهم الذين سمَينا. فظفرت بنو تغلب وأستحر القتلُ في بني بكر فيومئذ قتل الشعثمان شَعثم وعبد شمس ابنا معاوية بن عامر بن ذُهل بن ثعلبة وسيار بن الحارث بن سيار. وفيه قُتل همام ابن مرة بن ذُهل بن شَيبان أخو جساس لأمه وأبيه فمرْ به مُهلهل مقتولاً فقال: والله ما قُتل بعد كُليب قَتيل أعز علي فقداً منك وقتله ناشرة. وكان همَام رَباه وكَفله كما كان ربى حُذيفةُ بن بَدْر قِرْواشاً فقتله يومَ الهَباءة. يوم عُنيزة ثم التقوا بعُنيزة فظَفِرت بنو تَغلب. ثم كانت بينهم مُعاودة ووقائع كثيرة كُل ذلك كانت الدائرة فيه لبني تَغلب على بني بكر. فمنها: يوم الحِنو ويوم عُويْرضات ويوم أنيق ويوم ضَرِيّة ويوم القُصيبات. هذه الأيام لتغلب على بكر. أُصيبت فيها بكر حتى ظنّوا أن ليس يَسْتقبلون أمرهم. وقال مُهلهل يصف هذه الأيّام ويَنعاها على بكر في قَصيدة طويلة أولها: أليلَتنا بذي حُسُم أَنِيري إذا أنت انقضَيت فلا تَحُورِي فإن يكُ بالذّنائب طال ليلي فقد أَبكي من اللّيل القَصير وفيها يقول: كأنّا غدوةً وبني أَبينا بجَنب عُنَيزة رَحَيا مُدِير وإنّي قد تركتُ بوارداتٍ بجُيراً في دَم مِثل العَبير أكثرت قتلَ بني بكر بِربّهم حتى بكيتُ وما يَبْكي لهم أحدُ آليتُ بالله لا أرضىَ بِقَتْلهمِ حتى أبهرج بكراً أينما وُجدوا قال أبو حاتم: أُبهرج: أدعهم بهرجاً لا يُقتل بهم قتيل ولا تُؤخذ لهم دية. قال: والبَهْرج من الدراهم مِن هذا. وقال المُهلهل: يا لبَكر انشروا لي كُلَيباً يا لبَكر أينَ الفِرارُ تلك شيبان تقول لبكر صرِّح الشرُّ وبان السِّرار وبنو عِجْل تقول لقَيس ولتَيْم اللات سِيرُوا فسارُوا وقال: حتى تبيدَ قبائلٌ وقبيلةٌ ويَعض كلُ مثقف بالهَامَ حتى تبيدَ قبائلٌ وقبيلةٌ ويَعض كلُ مثقف بالهَامَ وتقومَ ربَّاتُ الخُدور حواسراً يَمْسحن عُرْض ذَوائب الأيتام حتى يَعضّ الشيخُ بعدَ حَمِيمه مما يرَى نَدماً على الإيهام يوم قِضَة ثم إنّ مُهلهلاً أسرف في القتل ولم يُبال بأيّ قبيلة من قبائل بكر أوقع وكان أكثرُ بكر قعدت عن نُصرة بني شَيبان لقَتْلهم كُليب بن وائل فكان الحارث بن عُباد قد اعتزل تلك الحُروب. حتى قُتل ابنُه بُجير بن الحارث. ويقال إنه كان ابنَ أخيه فلما بلغ الحارثَ قتلُه قال: نِعْم القتيلُ قتيلٌ اصلح بين ابني وائل وظنّ أنّ المُهلهل قد أدرك به ثأر كُليب وجعله كُفئاً له. فقيل له: إنما قتله بشِسْع نَعْل كُليب. وذلك أن المهلهل لما قَتل بُجيراً قال: بُؤ بشِسْع كُليب. فغضب الحارثُ بن عُباد وكان له فرس يقال لها النَّعامة فَركبها وتولَّى أمرَ بكر فقَتل تَغلب حتى هَرب المُهلهل وتفرقت قبائل تغلب فقال في ذلك الحارث بن عُباد: قربا مَرْبط النًّعامة مِنّي لَقحتْ حربُ وائل عَن حِيالي لم أكُن من جُناتها علم اللهُ وإنّي بحِرّها اليومَ صَالي الكلاب الأول قال أبو عُبيدة: لما تَسافهت بكرُ بن وائل وغَلبها سفهاؤها وتقاطعت أرحامُها ارتأى رؤساؤهم فقالوا: إنّ سُفهاءنا قد غَلبوا على أمرنا فأكل القويُ الضعيفَ ولا نَستطيع تغييرَ ذلك فنرى أن نُملَك علينا ملكاً نُعطيه الشاةَ والبعير فيأخذ للضّعيف من القوي ويردُّ على المظلوم من الظالم ولا يُمكن أن يكون من بعض قبائلنا فيأباه الآخرون فتفسُد ذاتُ بيننا ولكنّا نأتي تُبعَاً فنُملَكه علينا. فأتوه فذكروا له أمرهم فملّك عليهم الحارث بن عمرو آكل المرار الكِنديّ فقَدِم فنزل عاقل ثم غزَا ببكر بن وائل حتى أنتزع عامة ما في أيدي ملوك الحيرة اللَّخميَين وملوك الشام الغسانيين وردّهم إلى أقاصي أعمالهم. ثم طُعن في نَيْطه أي مات فدُفن ببطن عاقل. واختلف أبناه شُرَحْبِيل وسَلَمة في المُهلك فتواعد الكُلاب. فأقبل شُرَحبيل في ضَبة والرباب كُلها وبني يَربوع وبكر بن وائل. وأقبل سَلَمة في تَغلب والنمر وبَهراء ومَن تَبعه مِن بني مالك بن حَنظلة وعليهم سُفيان بن مُجاشع وعلى تغلب السفَاح - إنما قيل له السفاح لأنه سَفح أوعية قَومه - وقال لهم: أبدرُوا إلى ماء الكلاب فسبقوا ونزلوا عليه. وإنما خرجتْ بكرُ بن وائل مع شُرحبيل لعداوتها لبني تغلب. فالتقوا على الكُلاب واستحر القتلُ في بني يَربوع وشد أبو حَنَش على شُرحبيل فقتله وكان شرُحبيل قتل ابنه حَنَشاً فأراد أبو حَنَش أن يأتي برأسه إلى سَلمة فخافه فبعثه مع عَسيف له. فلما رآه سَلمة دَمعت عيناه وقال له: أنت قتلتَه قال: لا ولكنه قتله أبو حَنش. فقال: إنما أدفع الثوابَ إلى قاتله. وهَرب أبو حَنش عنه. فقال سَلَمة: ألا أبْلغ حَنَش رسولاً فما لك لا تجيء إلى الثوابِ تعلم أن خير الناس مَيْتاً قَتِيلٌ بَين أحجار الكُلاب تداعت حَوله جُشَمِ بن بَكر وأسلمه جَعاسيسُ الرباب ومما يَدُل على أن بكراً كانت مع شرُحبيل قولُ الأخطل: أبا غسان إنّك لم تُهني ولكن قد أهنتَ بني شِهاب تَرقَّوا في النَخيل وأنسِئونا دِماءَ سرَاتكم يومُ الكُلاب يوم الصفقة ويوم الكلاب الثاني قال أبو عُبيدة: أخبرنا أبو عمرو بن العَلاء قال: كان يوم الكُلاب مُتصِلاً بيوم الصَفْقة وكان من حديث الصَفقة أن كِسرى الملك كان قد أوقع ببني تميم فأخذ الأموالَ وسَبى الذَّراري بمدينة هَجر وذلك أنّهم أغاروا على لَطيمة له فيها مِسك وعَنبر وجَوهر كثير فسُمِّيت تلك الوَقعة يوم الصَّفقة ثم إنّ بني تميم أداروا أمرهم وقال ذو الحِجا منهم: إنكم قد أغضبتم الملك وقد أوقع بكم حتى وَهنتم وتسامعتْ بما لقيتُم القبائل فلا تَأْمنون دَوران العرب. فجَمعوا سَبعة رؤساء منهم وشاوروهمِ في أمرهم وهم: أكثم بن صيفيّ الأسيِّديّ والأُعيمر بن يَزيد بن مُرة المازنيّ وقيس بن عاصم المِنْقريّ وأُبير بن عِصْمة التَّيميّ والنُّعمان ابن الحَسْحاس التَّيمي وأُبَيْر بن عمرو السَّعدي والزِّبْرقان بن بَدر السعديّ. فقالوا لهم: ماذا تَروْن فقال أكثم بن صَيفيّ وكان يُكنى أبا حَنش: إنّ الناس قد بلغهم ما قد لقينا ونحن نخاف أن يطمعوا فينا ثم مَسح بيده على قَلبه وقال: إنّي قد نَيّفت على التِّسعين وإنما قلبي بَضْعة من جِسْمي وقد نَحل كما نحل جِسْمي وإنّي أخاف أن لا يُدرك ذهني الرأيَ لكم وأنتم قومٌ قد شاع في النّاس أمرُكم وإنما كان قوامكم أسيفاً وَعَسيفاً - يُريد العَبد والأجير - وصِرْتم اليوم إنما تَرعى لكم بناتكم فليعرض عليّ كُل رجل منكم رأيَه وما يَحْضُره فإني متى أسمع الحَزم أعرفه. فقال كُل رجل منهم ما رأى وأكثمُ ساكتٌ لا يتكلَم حتى قام النعمان بن الحَسْحاس فقال: يا قوم انظُروا ماءَ يجمعكم ولا يعلم الناس بأيّ ماء أنتم حتى تَنفرج الحَلْقة عنكم وقد جَممتم وصلُحت أحوالُكم وانجبر كسيركم وقَوِي ضعيفُكم. ولا أعلمِ ماءً يَجمعكم إلا قِدّة فارتحلوا ونزلوا قِدَة. وهو موضع يُقال له الكُلاب. فلما سمِع أكثم ابن صيفيّ كلام النعمان قال: هذا هو الرأي. فارتحلُوا حتى نزلوا الكُلاَب. وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم وأعلاه مما يلي اليمن وأَسفله مما يلي العراق. فنزلت سعدُ والرَّباب بأعلى الوادي ونزلتْ حَنظلة بأسفله. قال أبو عُبيدة: وكانوا لا يخافون أن يُغْزَوا يفي القَيْظ ولا يسافر فيه أحد ولا يَستطيع أحدٌ أن يَقطع تلك الصَّحاري لبُعْد مَسافتها وليس بها ماء ولشدّة حرّها. فأقاموا بقيّة القَيظ لا يعلم أحد بمكانهم حتى إذا تَهوّر القيظ - أي ذ هب - بَعث الله ذا العَينين وهو من أهل مدينة هَجَر فمرَّ بقِدّة وصَحرائها فرأى ما بها من النَّعم فانطلق حتى أَتىَ أهل هَجر فقال لهم: هل لكم في جارية عَذْراء ومُهرة شَوهاء وَبكْرة حَمْراء ليس دونها نَكبة فقالوا: ومَن لنا بذلك قال: تلكم تَميم ألقاء مطروحون بقِدّة. قالوا: إي والله. فمشى بعضُهم إلى بعض وقالوا: أغتنمُوها من بني تَميم. فأَخرَجوا منهم أربعةَ أملاك يقال لهم اليَزيديّون: يزيد بن هَوْبر ويزيد بن عبد المَدَان ويزيد بن اَلمأمور ويَزيد بن المُخَرِّم وكلهم حارثيّون ومعهم عبد يغوث الحارثيّ. فكان كُل واحد منهم على أَلفين والجماعة ثمانية آلاف. فلا يعلم جيش في الجاهلية كان أكبرَ منه ومن جيش كَسْرى يومَ ذي قَار ويوم شِعْب جَبلة. فمضَوا حتى إذا كانوا ببلاد باهلةَ قال جَزْء بن جَزْء الباهليّ لابنه: يا بني كل لك في أُكْرومة لا يُصاب أبداً مثلُها قال: وما ذاك قال: هذا الحيّ من تميم قد وَلجوا هناك مخافةً وقد قصصتُ أثرَ الجيش يريدونهم فأركب جَملي الأرْحبيّ وسِرْ سيراً رُويداً عُقْبةً من الليل - يعني ساعة - ثم حل عنه حَبْليه وأَنْخِه وتوسَّد ذراعه فإذا سمعته قد أَفاض بجرّته وبال فاستنقعتْ ثَفِناته في بَوْله فشُدّ عليه حَبْله ثم ضَعْ السوط عليه فإنك لا تَسأل جملَك شيئاً من السَّير إلا أعطاك حتى تصبح القوم ففعل ما أمره به. قال الباهلي: فحللت بالكلاب قبل الجَيش وأنا أنظُر إلى ابن ذُكاء - يعني الصّبح - فناديتُ: يا صَباحاه! فإنهم لَيَثِبون إليّ ليسألوني مَن أنت إذ أقبل رجل منهم من بني شَقيق على مُهر قد كان في النَّعم فنادى يا صباحاه! قد أُتي على النَّعم. ثم كَر راجعاً نحو الجيش. فلقيه عبد يغوث الحارثيّ وهو أول الرعيل فطعنه في رأس مَعدته فسبق اللبنَ الدمَ وكان قد أصطبح. فقال عبد يغوث: أطيعوني وامضُوا بالنعم وخلوا العَجائز من تميم ساقطةً أفواهُها. قالوا: أما دون أن نَنكح بناتِهم فلا. وقال ضمرة بن لَبيد الحِماسي ثم المَذْحجي الكاهن: انظُروا إذا سُقْتم النعم فإن أتتكم الخيلُ عُصَباً العصبة تنتظر الأخرى حتى تلحق بها فإن أمر القوم هين وإن لحق بكم القوم ولم ينتظر بعضُهم بعضاً حتى يردوا وُجوه النعم فإن أمرهم شديد. وتقدمت سعد والرباب في أوائلٍ الخَيل فالتقَوْا بالقوم فلم يَلتفتوا إليهم. واستقبلوا النعم ولم يَنتظر بعضُهم بعضاً. ورئيس الرباب النعمان بن الحَسْحاس ورئيس بني سعد قَيسُ بن عاصم. وأجمع العُلماء أن قيس بن عاصم كان رئيسَ بني تميم. فالتقى القوم فكان أولَ صريع النعمانُ بن الحسحاس. واقتتل القومُ بقية يومهم وثبَت بعضُهم لبعض حتى حَجز الليلُ بينهم. ثم أصبحوا على راياتهم فنادى قيسُ بن عاصم: يالَسعد ونادى عبدُ يغوث: يالَسعد. قيسٌ يدعو سعدَ بنَ زيدَ مناة وعبدُ يغوث يدعو سعدَ العشيرة. فلما سمع ذلك قيسٌ نادى: يالكعب فنادى عبدُ يغوث يالكعب. قيس يدعو كعبَ بن سعد وعبدُ يغوث يدعو كعبَ بن مالك. فلما رأى ذلك قيس نادى: يالكعب مُقاعس. فلما سمعه وَعْلة بن عبد الله الجَرْمي وكان صاحبَ لواء أهل اليمن نادى: ياَلمُقاعس تفاءل به فطَرح اللواء وكان أول من أنهزم. فحملت عليهم بنو سعد والرباب فهزموهم. ونادى قيسُ بني عاصم: يالَتميم لا تقتلوا إلا فارساً فإن الرّجالة لكم. ثم جعل يرتجز ويقول: لما تولَّوا عُصَباً هواربَاً أقسمتُ أطعن إلاٌ راكباً إنْي وجدتُ الطعن فيهم صائباً وقال أبو عبيدة: أمر قيس بن عاصم أن يَتبعوا المُنهزمة ويقطعوا عُرقوبَ مَن لَحِقوا ولا يَشتغلوا بقَتلهم عن اتَباعهم. فجزُوا دوابرَهم. فذلك قولُ وَعْلة: فدى لكمُ أهلي وأُميَ ووالدي غداةَ كُلاب إذ تُجز الدَوابرُ - وسنكتب هذه القصيدة على وَجهها -. وحَمى عبدُ يغوث أصحابه فلم يُوصل إلى الجانب الذي هو فيه فألظٌ به مَصاد بن ربيعة بن الحارث. فلما لحقَه مَصاد طعنه فألقاه عن الفرس فأسره. وكان مَصاد قد أصابته طعنة في مَأْبِضه وكان عِرْقُه يَهمي - أي يَسيل - فَعصبه وكَتفه - يعني عبدَ يغوث - ثم أردفه خلفه فنزفه الدمُ فمال عن فرسه مَقْلوباً. فلما رأى ذلك عبدُ يغوث قطع كِتافَه وأجهز عليه وانطلق على فرسه وذلك أولَ النهار. ثم ظُفِر به بعد في آخره ونادى مُنادٍ: قُتِل اليزيديّون. وشَدٌ قَبيصة بن ضرار الضَبي على ضمرة بن لَبيد الحِماسيّ الكاهن فطَعنه فخر صريعاً. فقال له قَبيصةُ: ألا أخبرك تابعُك بمَصرعك اليوم وأسر عبد يغوث أسره عِصمة ابن أُبير التَّيمي. قال أبو عُبيدة: انتهى عِصْمة بن أُبير إلى مَصَاد وقد أمعنوا في الطلب فوَجده صريعاً وقد كان قبل ذلك رأى عبد يَغوث أسيراً في يديه فعرف أنه هو الذي أجهز عليه فاقتصّ أثرَه فلما لحقه قال له: ويحك! إنّي رجل أُحب الِّلبن وأنا خيرٌ لك من الفَلاة والعَطش. قال عبد يغوث: ومن أنت قال: عصمة بن أُبير. قال عبد يغوث: أوَ عندك مَنَعة قال: نعم. فألقى يدَه لا يده. فانطلق به عِصْمة حتى خَبأه عند الأهتم على أن جَعل له من فدائه جُعلا. فوَضعه الأهتم عند امرأته العَبْشمية. فأعجبها جمالُه وكمانُا خَلْقه. وكان عِصْمة الذي أسره غلاماً نحيفاً. فقالت لعبد يغوث: مَن أنت قال: أنا سيد القوم. فضحكت وقالت: قَبَّحك الله سيّد قوم حينَ أسرك مثلُ هذا! ولذلك يقول عبد يغوث: وتَضْحك مني شيخةٌ عَبْشميّة كأنْ لم تَريْ قَبْلي أسيراً يَمانيَا فاجتمعت الرباب إلى الأهتم فقالت: ثأرُنا عندك وقد قُتل مَصاد والنُعمان فأخرجه إلينا. فأبى الأهتم أن يُخرجه إليهم فكاد أن يكون بين الحيين الرباب وسعد فِتْنة. حتِى أقبل قيسُ بن عاصم المِنْقري فقال: أيؤتى قطع حِلف الرباب - مِن قِبَلنا وضرب فمَه بقَوس فهَتمه فَسُمَي الأهتم. فقال الأهتم: إنما دَفعه إليّ عِصْمة بن أبير ولا أدفعه إلاّ إلى مَن دَفعه إليّ فليجئ فليأخذه فأتوْا عِصْمة فقالوا: يا عصمة قُتل سيدنا النعمان وفارسنا مَصاد وثأرنا أسيرُك وفي يدك فما ينبغي لك أن تَسْتحييه. فقال: إني مُمْحل وقد أصبت الغِنى في نفسي ولا تَطيب نفسي عن أسيري. فاشتراه بنو الحَسْحاس بمائة بعير - وقال رُؤبة بن العجَّاج: بل أرضوه بثلاثين من حواشي النَّعم - فدفعه إليهم فخَشُوا أن يهجوهم فشدُّوا على لسانه نِسْعة. فقال: إنكم قاتلي ولابد فَدعُوني أذُم أصحابي وأنوح على نفسي. فقالوا: إنك شاعر ونخاف أن تَهجوَنا. فعقد لهم ألا يفعل. فأطلقوا لسانَه وأمهلوه حتى قال قصيدته التي أولها: ألم تَعْلما أنّ الملامةَ نَفعها قليل وما لوْمِي أخِي مِن شِمَاليا فيا راكباً إمَّا عَرضْتَ فبلَغنْ نَدامايَ من نَجْران أن لا تَلاقيا أبا كَرب والأيْهمين كليهما وقيس بأعلى حَضرموتِ اليمانيا جَزى الله قومي بالكُلاب مَلامة صَريحَهم والآخِرين المَواليا ولو شئتُ بَحَّتنى من القوم نَهدة ترى خلفها الجُرد الجياد تَواليا ولكنًني أحمِي ذِمارَ أبيكمِ وكاد الرِّماح يَخْتطفْن المُحاميا أحقَّاً عبادَ الله أنْ لستُ سَامِعاً نَشيدَ الرِّعاء المُعزِبين المَتاليا أقولُ وقد شَدُّوا لساني بنِسْعة أمَعشَر تَيْم أَطْلِقوا عَن لِسانيا وتَضْحك منِّي شيخةٌ عبشمية كَأَنْ لم تَرَيْ قَبْلي أسيراً يمانياً أمعشَر تَيْم قد مَلكتم فأَسْجِحوا فإنَّ أخاكم لم يكن من بَوائيا وقد عَلمتْ عِرْسي مُليكةُ أنَّني أنا الليثُ مَعْدوَاً عليه وعاديا وقد كنتُ نحّارَ الجَزور ومُعْمل اْلمط ي وأمضي حيث لا حي ماضيا كأنِّيَ لم أرْكب جواداً ولم أقُلْ لِخَيْليَ كرّي قاتِليعن رِجالِيا ولم أَسْبَأ الزِّقّ الرَّوِيّ ولم أقُلْ لأيْساَرِ صِدْقِ أَعْظِموا ضوْءَ نارِيا قال أبو عُبيدة: فلِما ضُربِت عنقه قالت ابنةُ مَصاد: بؤ بمَصَاد. فقال بنو النعمان: يا لَكاع نحن نشتريه بأموالنا ويبوء بمَصاد! فوقع بينهم في ذلك الشر ثم اصطلحوا وكان الغَناء كُله يوم الكُلاب من الرَّباب لتميم ومن بني سَعد لِمُقاعس. وقال وَعْلة الجَرْميّ وكان أول مُنهزم انهزم يوم الكُلاب وكان بيده لِواء القَوم: ومَنّ عليَ الله مَنَّاً شكرتُه غَدَاةَ الكُلاب إذ تُجز الدّوابر ولمّا رأيتُ الخيلَ تَتْرَى أَثابجاً علمتُ بأن اليومَ أَحْمسُ فاجِر نجوتُ نجاءً ليس فيه وَتيرَة كأني عُقابٌ عند تَيمن كاسر خُدارية صَقْعاء لَبّد ريشَها بطَخْفة يوم ذو أَهاضيبَ ماطرُ لها ناهض في الوَكْر قد مَهَدت له كما مَهدت للبَعْل حَسْناءُ عاقر كأنا وقد حالت حذُنُة دوننا نَعامٌ تَلاه فارسٌ مُتواتر فمَن يك يَرْجو في تَميم هوادة فليس لجَرْم في تميم أواصِر ولا أكُ يا جَرَّارة مُضريةٍ إذا ما غدتْ قوت العِيال تُبادر وقد قُلت للنهدي هل أنت مُرْدِفي وكيف رِدافُ الفَل أمُك عاثِر يُذَكَرني بالآل بيني وبينه وقد كان في جرم ونَهْد تَدَابُر وقال محرز بن المُكعْبر الضبي ولم يَشهدها وكان مُجاوراً في بني بكر بن وائل لما بلغه الخبر: فِدى لقومِيَ ما جمعت من نَشب إذ ساقت الحربُ أقواماً لأقوام إذ حُدِّثت مَدْحجِ عنا وقد كُذبت أنْ لا يُذببعن أحسابنا حاَمي دارت رحانا قليلاً ثم واجههم ضربٌ تَصدّع منه جِلْدة الهام ظلّت ضباع مُجَيْراتٍ تجررهم وأَلْحُموهن منهم أيّ إلحام حتى حُذُنة لم نَترك بها ضَبُعا إلا لها جزر من شِلْو مِقْدام ظَلت تدوس بني كَعب بكَلْكَلها وَهمّ يومُ بني فَهْد بإظْلام قال أبو عُبيدة: حدَّثني المُنتجع بن نَبهان قال: وَقف رُؤبة بن العجاج على التَّيم بمسجد الحروريَّة فقال: يا معشر تيم إني سَمرت عند الأمير تلك الليلة فتذاكرنا يومَ الكُلاب فقال: يا معشرَ تَيم إنّ الكُلاب ليس كما ذكرتم فأعفُونا من قصيدَتيْ صاحبَيْنا - يعني عبد يغوث وَوعْلة الجَرميّ - يوم طِخَفَة كانت الرِّدافة رِدافة المَلِك لعتّاب بن هَرْميّ بن رِياح ثم كانت لقَيس بن عَتّاب فسأل حاجب بن زُرَارة النُّعمان أن يجعلها للحارث بن قُرْط بن سفيان بن مُجاشع فسأَلها النعمانُ بن يَربوع وقال: أَعقبوِا إخوتكم في الرِّدافة. قالوا: إنهم لا حاجة لهم فيها وإنما سألها حاجبٌ حسداً لنا وأَبَوْا عليه فقال الحارث بن شِهاب وهو عند النعمان: إنّ بنيِ يَربوع لا يُسلمون رِدافتهم إلى غيرهم. وقال حاجب: إن بعث إليهم الملك جيشاً لم يمنعوه ولم يَمتنعوا فبعث إليهم النعمانُ قابوسَ ابنَه وحسَّانَ بن المنذر. فكان قابوس على الناس وكان حسان على المقدمة وبَعث معهم الصَنائع والوَضائع - فالصنائع: مَن كان يأتيه من العرب والوضائع: المُقيمون بالحِيرة - فالتقوا بطِخفة فانهزم قابوسُ ومَن معه وضَرب طارق بنُ عُميرة فرسَ قابوس فعقره وأَخذه ليجزّ ناصيته. فقال قابوس: إنّ الملوك لا تُجز نواصيها فجهّزه وأرسله إلى أبيه وأما حسان بن المُنذر فأسره بشرُ بن عمرو الرياحيّ ثم مَنّ عليه وأَرسله. فقال مالك بن نويرة: ونحن عَقرنا مُهر قابوسَ بَعدما رَأْي القومُ منه الموتَ والخيل تُلْحَب عليه دلاص ذاتُ نَسْج وسَيفُه جُراز من الْهندي أبيضُ مُقْضَب يوم فيف الريح قال أبو عُبيدة: تجمّعت قبائل مَذْحج وأكثرُها بنو الحارث بن كعب شعب وقبائلُ من مُراد وجُعْفِيّ وزَبِيد وخَثْعم وعليهم أنسُ بنُ مُدْركة وعلى بني الحارثُ الحُصين. فأغاروا على بني عامر بن صَعْصعة بفَيف الرِّيح وعلى بني عامر عامرُ بن مالك مُلاعب الأسِنَّة. قال: فاقتَتل القومُ فكَثروهم. وارفضّت قبائلُ من بني عامر. وصَبرت بنو نُمير فما شُبِّهوا إلا بالكِلاب المُتعاظلة حوْلَ اللّواء. وأقبلِ عامر بن الطًّفيلِ وخَلفه دعيُّ بن جعفر. فقال: يا معشر الفِتيان مَن ضرَب ضربة أو طعن طعنةَ فلْيُشهدني. فكان الفارس إذا ضَرب ضربة أو طَعن طعنة قال عند ذلك: أبا عليّ. فبينما هو كذلك إذ أتاه مُسْهِر بن يزيد الحارثي فقال له مِن ورائه: عندك يا عامر والرمح عند أذنه. فوَهَصه - أي طعنه - فأصابَ عَينَه. فوثب عامرٌ عن فَرسه ونجا على رِجْليه وأخذ مُسْهِر رمحَ عامر. ففي ذلك يقول عامرُ بن الطُفيل بن مالك بن جَعفر: لعَمري وما عَمْري على بهين لقد شان حُر الوَجْه طَعنةُ مُسْهِرِ أعاذل لو كان البِداد لقُوتلوا ولكن نَزَوْنا للعديد المُجمهَر ولو كان جمع مثلُنا لم يَبَزّنا ولكنن أَتتنا أُسْرة ذاتُ مَفْخر وقال مُسْهِر وقد زعم أنهم أخذوا امرأة عامر بن الطفيل: رَهصتُ بخرْص الرُّمح مُقلة عامر فأضحَى بخَيصاً في الفَوارس أَعْورَا وغادر فينا رُمحَه وسِلاحَه وأَدْبر يَدْعو في الهَوالك جَعْفرا وكُنّا إِذا قَيسيَّة دُهيت بنا جَرى دَمعُها مِن عَينها فتحدَرا مخافةَ ما لاقتْ حليلةُ عامر من الشرِّ إذ سِرْبالها قد تَعفرا وقال: وامتنّت بنو نُمير على بني كلاب بصَبرهم يوم فَيف الريح فقال عامر: تَمُنُّون بالنُّعمى ولولا مَكَرُنا بمُنعرجِ الفَيفا لكنتُم مواليَا ونحن تداركْنا فوارسَ وَحْوحٍ عشيّة لاقينَ الحُصين اليَمانيا وحوح من بني نُمير وكان عامر أستنقذهم وأُسر حَنظلة بن الطفيل يومئذ. قال أبو عُبيدة: كانت وقعة فيف الريح وقد بُعث النبيّ ﷺه بمكة وأَدرك مُسهِرُ بن يزيد الإسلام فأسلم. يوم تِيَاس كانت أفناء قبائل من بني سَعد بن زَيد مَناة وأفناء قبائل من بني عمرو بن تميم التقت بِتَياس فقطع غيلانُ بن مالك بن عمرو بن تميم رِجْلَ الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة فطلبوا القِصاص فأقسم غيلان أن لا يَعْقِلَها ولا يُقَص بها حتى تُحشى عيناه تُراباً وقال: لا نَعْقِل الرٌجلَ ولاَ نِديها حتى تَروْا داهيةً تنسيها فالتقوا فاقتتلوا فجرحوا غيلان حتى ظَنوا أنهم قد قتلوه. ورئيسُ عمرو كعب بن عمرو ولواؤه معِ ابنه ذُؤيب وهو القائل لأبيه: يا كعبُ إنّ أخاك مُنْحَمِق إن لم يكن بكَ مرّةً كعب جانِيكَ مَن يَجني عليك وقد تُعْدِي الصحاحَ مَبارك الجُربِ والحربُ قد تضطر صاحبَها نحو المَضيق ودونه الرحْبُ يوم زرود الأول غزا الحوفزان حتى انتهى إلى زَرود خلفَ جبل من جبالها فأَغاروا على نَعم كثير صادر عن الماء لبني عَبْس فاحتازوه. وأتى الصريخُ بني عَبس فركبوا. ولحق عُمارة بن زِيَاد العَبْسيّ الحَوْفزان فعَرفه وكانت أُمًّ عُمارة قد أرضعتْ مُضَرَ بنَ شَريك وهو أخو الحَوفزان. وقالِ عُمارة: يا بني شَريك قد علمتُم ما بيننا وبينكم. قال الحوفزان وهو الحارث بن شريك: صدقتَ يا عمارة فانظُر كُل شيء هو لك فخذْه. فقال عُمارة: لقد علمتْ نساءُ بني بكر بن وائل أنّي لم أَملأ أيدي أزواجهنّ وأبنائهنّ شفقةً عليهن من المَوت. فحمل عُمارة ليُعارض النَّعم ليردَّه وحال الحوفزانُ بينه وبين النَّعم فعَثرت بعُمارة فرسُه فطَعنه الحوفزان. ولحَق به نَعامةُ بنُ عبد الله بن شَريك فطعنه أيضاً. وقال نَعامة: ما كرهتُ الرُّمح في كَفل رجل قط أشدّ من كَفل عُمارة. وأُسِر ابنا عُمارة: سِنان وشَدّاد. وكان في بني عَبس رجلان من طيء ابنان لأوس بن حارثة مُجاورَيْن لهم وكان لهما أخ أسير في بني يَشْكر فأصابا رجلاً من بني مُرّة يقال له: مَعْدان بن مِحْرب فذَهبا به فدَفناه تحت شجرة فلمّا فقدتْه بنو شَيبان نادَوْا: يا ثارات مَعدان فعند ذلك قَتلوا ابني عُمارة. وهَرب الطائيّان بأسيرهما. فلما بَرأ عُمارة من جِراحه أتى طيّئاً فقال: ادفعوا إليّ هذا الكَلب الذي قُتِلنا به. فقال الطائيّ لأوس: أدفَع إلى بني عَبس صاحبَهم. فقال لهم أوس: أتأمرُونني أُنْ أُعطِيَ بني عَبْس قطرةً من دمي وإن اْبني أسيرٌ في بني يَشكر فوالله ما أرجو فَكاكَه إلا بهذا. فلما قَفل الحَوفزانُ من غَزْوه بَعث إلى بني يَشْكر في ابن أوْس. فبعثوا به إليه فافتكّ به مَعْدان. وقال نَعامة بن شَريك: استَنْزلت رماحُنا سِنَانَا وشيخَه بطَخْفة عِيَانا ثم أخوه قد رَأى هَوانا لما فَقدْنا بيننا مَعْدانا هو يوم كِنهل قال أبو عُبيدة: أقبل ابنا هُجَيمة وهما من بنى غَسّان في جَيْش فنَزلا في بني يَرْبوع فجاورا طارقَ بن عَوْف بن عاصم بن ثعلبة بن يَرْبوع فنزلا معه على ماء يقال له كِنْهل فأغار عليهما أناسٌ من ثَعلبة بن يَربوع فاستاقوا نَعمَهما وأسروا مَن كان في النَعم فركب قيسُ بن هُجيمة بخَيله حتى أدرك بني ثَعلبة فكَر عليه عُتيبة بن الحارث. فقال له قَيس: هل لك يا عتيبة إلى البِرَاز فقال: ما كنتُ لأسْألَه وادعه. فبارزه. قال عُتيبة: فما رأيتُ فارساً أملأ لعيني منه يومَ رأيتُه فَرَماني بقَوسه فما رأيتُ شيئاً كان أكرهَ إليَ منه. فطَعنني. فأصاب قَرْبوس سَرْجي حتى وجدت مَسّ السِنان في باطن فَخِذي فتجنبتُ. قال: ثم أَرسل الرُّمح وقَبض بيدي وهو يَرى أنْ قد أَثْبتني وانصرف. فأتبعتهُ الفرس.