→ العشر الرابعة | الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة العشر الخامسة ابن قيم الجوزية |
العشر السادسة ← |
الوجه الحادي والأربعون: وهو أن الرسول بين مراده وقد بين لنا أكثر مما تبين لنا كثيرا من دقائق المعقولات الصحيحة فمعرفتنا بمراد الرسول من كلامه فوق معرفتنا بتلك الدقائق إذا كانت صحيحة المقدمات في نفسها صادقة النتيجة غير كاذبة فكيف إذا كان الأمر فيها بخلاف ذلك فتلك التي تسمى معقولات قد تكون خطأ ولكن لم يتفطن لخطئها وأما كلام المعصوم فقد قام البرهان القاطع على صدقه وأنه حق ولكن قد يحصل الغلط في فهمه فيفهم منه ما يخالف صريح العقل فيقع التعارض بين ما فهم من النقل وبين ما اقتضاه صريح العقل فهذا لا يدفع ولكن إذا تأمله من وهبه الله حسن القصد وصحة التصور تبين له أن المعارضة واقعة بين ما فهمه النفاة من النصوص وبين العقل الصريح وأنها غير واقعة بين ما دل عليه النقل وبين العقل.
ومن أراد معرفة هذا فليوازن بين مدلول النصوص وبين العقل الصريح ليبين له مطابقة أحدهما للآخر ثم يوازن بين أقوال النفاة وبين العقل الصريح فإنه يعلم حينئذ أن النفاة أخطأوا خطأين خطأ بينا على السمع بأن فهموا منه خلاف مراد المتكلم وخطأ على العقل بخروجهم عن حكمه فخرجوا عن العقل والسمع جميعا.
الوجه الثاني والأربعون: إن المعارضين بين العقل والنقل وبين ما أخبر به الرسول قد اعترفوا بأن العلم بانتفاء المعارض مطلقا لا سبيل إليه إذ ما من معارض بنفسه إلا ويحتمل أن يكون له معارض آخر وهذا مما اعتمد عليه صاحب نهاية العقول وجعل السمعيات لا يحتج بها على العلم بحال وحاصل هذا أنا لا نعلم ثبوت ما أخبر به الرسول حتى نعلم انتفاء ما يعارضه ولا سبيل إلى العلم بانتفاء المعارض مطلقا لما تقدم وأيضا فلا يلزم من انتفاء العلم بالمعارض العلم بانتفاء المعارض ولا ريب أن هذا القول من أفسد أقوال العالم وهو من أعظم أصول أهل الإلحاد والزندقة وليس في عزل الوحي عن مرتبته أبلغ من هذا.
الوجه الثالث والأربعون: أن الله سبحانه قد أخبر في كتابه أن على الرسول البلاغ المبين فقال تعالى { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } [1]، [2] وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [3] وقال { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [4] وقد شهد الله له وكفى به شهيدا بالبلاغ الذي أمر به فقال { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ } [5] وشهد له أعقل الخلق وأفضلهم وأعلمهم بأنه قد بلغ فأشهد الله عليهم بذلك في أعظم مجمع وأفضله فقال في خطبته بعرفات في حجة الوداع إنكم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون قالوا نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت فرفع إصبعه إلى السماء مستشهدا بربه الذي فوق سمواته وقال اللهم اشهد فلو لم يكن قد عرف المسلمون وتيقنوا ما أرسل به وحصل لهم منه العلم اليقين لم يكن قد حصل منه البلاغ المبين ولما رفع الله عنه اللوم ولما شهد له أعقل الأمة بأنه قد بلغ وبين وغاية ما عند النفاة أنه بلغهم ألفاظا لا تفيدهم علما ولا يقينا وأحالهم في طلب العلم واليقين على عقولهم ونظرهم وأبحاثهم لا على ما أوحي إليه وهذا معلوم البطلان بالضرورة.
الوجه الرابع والأربعون: إن عقل رسول الله ﷺ أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق فلو وزن عقله بعقولهم لرجح بها كلها وقد أخبر سبحانه أنه قبل الوحي لم يكن يدري الإيمان كما لم يكن يدري الكتاب.
فقال تعالى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } [6] وقال تعالى { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى } [7] وتفسير هذه الآية بالآية التي في آخر الشورى فإذا كان أعقل خلق الله على الإطلاق إنما حصل له الهدى بالوحي كما قال تعالى { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } [8] فكيف يحصل لسفهاء العقول وأخفاء الأحلام وفراش الألباب الاهتداء إلى حقائق الإيمان بمجرد عقولهم دون نصوص الأنبياء: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } [9]
الوجه الخامس والأربعون: إن الله سبحانه قد أقام الحجة على خلقه بكتابه ورسله فقال { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [10] وقال { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [11] فكل من بلغه هذا القرآن فقد أنذر به وقامت عليه حجة الله به وقال تعالى: { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّة ٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [12] وقال تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [13] وقال تعالى { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ } [14] { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ } [15] وقال تعالى { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَة ُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [16] وقال { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } [17] فلو كان كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين والعلم والعقل معارض للنقل فأي حجة تكون قد قامت على المكلفين بالكتاب والرسول وهل هذا القول إلا مناقض لإقامة حجة الله على خلقه بكتابه من كل وجه وهذا ظاهر لكل من فهمه ولله الحمد.
الوجه السادس والأربعون: إن الله سبحانه وصف نفسه بأنه بين لعباده غاية البيان وأمر رسوله بالبيان وأخبر أنه أنزل عليه كتابه ليبين للناس ولهذا قال الزهري من الله البيان وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم فهذا البيان الذي تكفل به سبحانه وأمر به رسوله إما أن يكون المراد به بيان اللفظ وحده أو المعنى وحده أو اللفظ والمعنى جميعا ولا يجوز أن يكون المراد به بيان اللفظ دون المعنى فإن هذا لا فائدة فيه ولا يحصل به مقصود الرسالة وبيان المعنى وحده بدون دليله وهو اللفظ الدال عليه ممتنع فعلم قطعا أن المراد بيان اللفظ والمعنى. والله تعالى أنزل كتابه ألفاظه ومعانيه وأرسل رسوله ليبين اللفظ والمعنى فكما أنا نقطع ونتيقن أنه بين اللفظ فكذلك نقطع ونتيقن أنه بين المعنى بل كانت عنايته ببيان المعنى أشد من عنايته ببيان اللفظ وهذا هو الذي ينبغي فإن المعنى هو المقصود وأما اللفظ فوسيلة إليه ودليل عليه فكيف تكون عنايته بالوسيلة أهم من عنايته بالمقصود وكيف نتيقن بيانه للوسيلة ولا نتيقن بيانه للمقصود وهل هذا إلا من أبين المحال فإن جاز عليه أن لا يبين المراد من ألفاظ القرآن جاز عليه أن لا يبين بعض ألفاظه فلو كان المراد منها خلاف حقائقها وظواهرها ومدلولاتها وقد كتمه عن الأمة ولم يبينه لها كان ذلك قدحا في رسالته وعصمته وفتحا للزنادقة والملاحدة من الرافضة وإخوانهم باب كتمان بعض ما أنزل عليه وهذا مناف للإيمان به وبرسالته يوضحه:
الوجه السابع والأربعون: إن القائل بأن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين إما أن يقول إنها تفيد ظنا أو لا تفيد علما ولا ظنا فإن قال لا تفيد علما ولا ظنا فهو مع مكابرته للعقل والسمع والفطرة الإنسانية من أعظم الناس كفرا وإلحادا وإن قال بل تفيد ظنا غالبا وإن لم تفد يقينا قيل له فالله سبحانه قد ذم الظن المجرد وأهله فقال تعالى: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [18] فأخبر أنه ظن لا يوافق الحق ولا يطابقه وقال تعالى: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } [19] وقال أهل النار { إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًَّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [20] ولكان قوله تعالى عنهم { وَبِالْآخِرَة ِ هُمْ يُوقِنُونَ } [21] خبرا غير مطابق فإن علمهم بالآخرة إنما استفادوه من الأدلة اللفظية لا سيما وجمهور المتكلمين يصرحون بأن المعاد إنما علم بالنقل فإذا كان النقل لا يفيد يقينا لم يكن في الأمة من يوقن بالآخرة إذ الأدلة العقلية لا مدخل لها فيها وكفى بهذا بطلانا وفسادا فإنه سبحانه لم يكتف من عباده بالظن بل أمرهم بالعلم كقوله: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } [22] وقوله { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [23] وقوله { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ } [24] ونظائر ذلك وإنما يجوز اتباع الظن في بعض المواضع للحاجة كحادثة يخفى على المجتهد حكمها أو في الأمور الجزئية كتقويم السلع ونحوه.
وأما ما بينه الله في كتابه وعلى لسان رسوله فمن لم يتيقن بل ظنه ظنا فهو من أهل الوعيد ليس من أهل الإيمان فلو كانت الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين لكان ما بينه الله ورسوله بالكتاب والسنة لم يتيقنه أحد من الأمة.
الوجه الثامن والأربعون: إن الله سبحانه أخبر أن قلوب المؤمنين مطمئنة بذكره وهو كتابه الذي هدى به عباده فقال تعالى: { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة ٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [25] أجابهم سبحانه عن سؤالهم ترك إنزال آيات الاقتراح بجوابين:
أحدهما أنها لا توجب إيمانا بل الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا الآيات التي اقترحتموها
الثاني أنه نبههم على أعظم الآيات وأشدها اقتضاء للإيمان وأنها في اقتضائها للإيمان أبلغ من الآيات التي تقترحونها وهي كتابه الذي هو ذكره وما تضمنه من الحق الذي تطمئن إليه القلوب وتسكن إليه النفوس ولو كان باطلا لم يزد القلوب إلا شكا وريبا فإن الكذب ريبة والصدق طمأنينة فلو كانت كلماته وألفاظه لا تفيد اليقين بمدلولها لم تطمئن به القلوب فإن الطمأنينة هي سكون القلب إلى الشيء ووثوقه به وهذا لا يكون إلا مع اليقين بل هو اليقين بعينه.
ولهذا تجد قلوب أصحاب الأدلة السمعية مطمئنة بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته واليوم الآخر لا يضطربون في ذلك ولا يتنازعون فيه ولا يعرض لهم الشك عند الموت ولا يشهدون على أنفسهم ويشهدون على غيرهم بالحيرة والوقوف والشك فيكفي في صحة مدلول الأدلة اللفظية وبطلان مدلول الشبه العقلية التي تخالفها هذا القدر وحده.
فمتى رأيت أصحاب الأدلة السمعية يقول أحدهم عند الموت نهاية إقدام العقول عقال أو يقول لعمري لقد طفت المعاهد كلها أو يقول فيك يا أغلوطة الفكر أو يقول والله ما أدري على أي عقيدة أموت إلى أضعاف ذلك من أحوال أصحاب الشبه العقلية وبالله التوفيق.
الوجه التاسع والأربعون: قوله إن العلم بمدلول الأدلة اللفظية موقوف على نقل اللغة كلام ظاهر البطلان فإن دلالة القرآن والسنة على معانيها من جنس دلالة لغة كل قوم على ما يعرفونه ويعتادونه من تلك اللغة وهذا لا يخص العرب بل هو أمر ضروري لجميع بني آدم يتوقف العلم بمدلول ألفاظهم على كونهم من أهل تلك اللغة التي وقع بينهم بها التخاطب ولهذا لم يرسل الله رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم فتقوم عليهم الحجة بما فهموه من خطابه لهم.
فدلالة اللفظ هي العلم بقصد المتكلم به ويراد بالدلالة أمران نقل الدال وكون اللفظ بحيث يفهم معنى ولهذا يقال دله بكلامه دلالة ودل الكلام على هذا دلالة فالمتكلم دال بكلامه وكلامه دال بنظامه وذلك يعرف من عادة المتكلم في ألفاظه فإذا كانت عادته أنه قصد بهذا اللفظ هذا المعنى علمنا متى خاطبنا به أنه أراده من وجهين:
أحدهما: أن دلالة اللفظ مبناها على عادة المتكلم التي يقصدها بألفاظه ولهذا استدل على مراده بلغته التي عادته أن يتكلم بها فإذا عرف السامع ذلك المعنى وعرف أن عادة المتكلم إذا تكلم بذلك اللفظ أن يقصده علم أنه مراده قطعا وإلا لم يعلم مراد المتكلم أبدا وهو محال.
الثاني: إن المتكلم إذا كان قصده إفهام المخاطبين كلامه وعلم السامع من طريقته وصفته أن ذلك قصده لا أن قصده التلبيس والإلغاز أفاده مجموع العلمين اليقين بمراده ولم يشك فيه ولو تخلف عنه العلم لكان ذلك قادحا في أحد العلمين إما قادحا في علمه بموضوع ذلك اللفظ وإما في علمه بعبارة المتكلم به وصفاته وقصده فمتى عرف موضوعه وعرف عادة المتكلم أفاده ذلك القطع يوضحه:
الوجه الخمسون: إن السامع متى سمع المتكلم يقول لبست ثوبا وركبت فرسا وأكلت لحما وهو عالم بمدلول هذه الألفاظ من عرف المتكلم وعالم أن المتكلم لا يقصد بقوله لبست ثوبا معنى ذبحت شاة ولا من قوله ركبت فرسا معنى لبست ثوبا علم مراده قطعا.
فإن من قصد خلاف ذلك عد ملبسا مدلسا لا مبينا مفهما وهذا مستحيل على الله ورسوله أعظم استحالة وإن جاز على أهل التخاطب فيما بينهم فاءذا إفادة كلام الله ورسوله لليقين فوق استفادة ذلك من كلام كل متكلم وهو أدل على كلام الله ورسوله من دلالة كلام غيره على مراده.
وكلما كان السامع أعرف بالمتكلم وصفاته وقصده وبيانه وعادته كان استفادته للعلم بمراده أكمل وأتم.
هامش
- ↑ [النور54]
- ↑ [العنكبوت18]
- ↑ [المائدة 67]
- ↑ [النحل44]
- ↑ [الذاريات54]
- ↑ [الشورى52]
- ↑ [الضحى7، 6]
- ↑ [سبأ50]
- ↑ [مريم90، 89]
- ↑ [الفرقان1]
- ↑ [الأنعام19]
- ↑ [النساء165]
- ↑ [الإسراء15]
- ↑ [الملك9، 8]
- ↑ [الملك11، 10]
- ↑ [الزمر71]
- ↑ [الأنعام130]
- ↑ [النجم28]
- ↑ [النجم23]
- ↑ [الجاثية 32]
- ↑ [البقرة 4]
- ↑ [محمد19]
- ↑ [المائدة 98]
- ↑ [البقرة 223]
- ↑ [الرعد28، 27]