→ العشر الثانية عشرة | الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة العشر الثالثة عشر ابن قيم الجوزية |
العشر الرابعة عشر ← |
الوجه الحادي والعشرون بعد المائة: إن حال هؤلاء المعارضين بين الوحي والعقل ضد حال أهل الإيمان من كل وجه فإن الله سبحانه أخبر عن أهل الإيمان بأنهم كلما سمعوا نصوص الوحي زادتهم إيمانا وفرحا واستبشارا وأن الذين في قلوبهم مرض وريب يزيدهم رجسا إلى رجسهم ويودون أنها لم تنزل قال الله تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة ٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [1]. وإذا أردت أن تعرف حقيقة الحال فانظر إلى وجوه القوم وشمائلهم عند استماع آيات الصفات وأخبارها كيف تجدهم ورثة الذين قال الله فيهم: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة ٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } [2]. وقال تعالى { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [3].
وهؤلاء يسوءهم ما يخالف قواعدهم الباطلة مما أنزل إليه. وقال تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } [4].
وهؤلاء في أعظم الريب في أشرف ما جاء به الرسول ومن جوز أن يكون فيما أخبر به ما يعارضه صريح المعقول لم يزل في ريب من ثبوت ما أخبر به ولا يزال بنيانهم لتلك القواعد التي بنوها مما يعارض ما جاء به الرسول { رِيبَة ً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وقال تعالى: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [5].
وهؤلاء يرون أن أشرف ما أنزل إليه يخالفه صريح العقل وقال تعالى { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [6].
وهؤلاء يرون أن أشرف ما أنزل إليه وأجله يخالف المعقول ويهدي إلى التشبيه والتجسيم والضلال.
الوجه الثاني والعشرون بعد المائة: إن هؤلاء المعارضين للوحي بآرائهم جعلوا كلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة التي لا يتمسك فيها في العلم واليقين ولعلك تقول إنا حكينا ذلك عنهم بلازم قولهم فاسمع حكاية ألفاظهم قال الرازي في نهايته:
فصل في تزييف الطرق الضعيفة وهي أربع فذكر نفي الشيء لانتفاء دليله وذكر القياس وذكر الإلزامات ثم قال والرابع هو التمسك بالسمعيات.
وهذا تصريح بأن التمسك بكلام الله ورسوله من الطرق الضعيفة المزيفة وأخذ في تقرير ذلك فقال المطالب على أقسام ثلاثة: منها ما يستحيل حصول العلم بها بواسطة السمع ومنها ما يستحيل حصول العلم بها إلا من السمع ومنها ما يصح حصول العلم بها من السمع تارة ومن العقل أخرى
قال أما القسم الأول فكل ما يتوقف العلم بصحة السمع على العلم بصحته استحال تصحيحه بالسمع مثل العلم بوجود الصانع وكونه مختارا وعالما بكل المعلومات وصدق الرسول.
قال وإما القسم الثاني فهو ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر إذا لم يجده الإنسان من نفسه ولم يدركه بشيء من حواسه فإن جلوس غراب على قلة جبل قاف إذا كان جائز الوجود والعدم مطلقا وليس هناك ما يقتضي وجوب أحد طرفيه أصلا وهو غائب عن الحس والنفس استحال العلم بوجوده إلا من قول الصادق.
وأما القسم الثالث وهو معرفة وجوب الواجبات أو إمكان الممكنات أو اسحتالة المستحيلات التي لا يتوقف العلم بصحة السمع على العلم بوجوبها وإمكانها واستحالتها مثل مسألة الرؤية والصفات والوحدانية وغيرها ثم عدد أمثلة.
ثم قال إذا عرفت ذلك فنقول إما أن الأدلة السمعية لا يجوز استعمالها في الأصول في القسم الأول فهو ظاهر وإلا وقع الدور وإما أنه يجب استعمالها في القسم الثاني فهو ظاهر كما سلف.
وأما القسم الثالث ففي جواز استعمال الأدلة السمعية فيه إشكال وذلك لأنا لو قدرنا قيام الدليل القاطع العقلي على خلاف ما أشعر به ظاهر الدليل السمعي فلا خلاف بين أهل التحقيق بأنه يجب تأويل الدليل السمعي لأنه إذا لم يمكن الجمع بين ظاهر النقل وبين مقتضى الدليل العقلي فإما أن نكذب بالعقل وإما أن يأول النقل فإن كذبنا العقل مع أن النقل لا يمكن إثباته إلا بالعقل فإن الطريق إلى إثبات الصانع ومعرفة النبوة ليس إلا بالعقل فحينئذ تكون صحة النقل متفرعة على ما يجوز فساده وبطلانه فإذا لا يكون العقل مقطوع الصحة فإذا تصحيح النقل برد العقل يتضمن القدح في النقل وما أدى ثبوته إلى انتفائه كان باطلا وتعين تأويل النقل.
فإذا الدليل السمعي لا يفيد اليقين بوجود مدلوله إلا بشرط أن لا يوجد دليل عقلي على خلاف ظاهره فحينئذ لا يكون الدليل النقلي مفيدا للمطلوب إلا إذا أثبتنا أنه ليس في العقل ما يقتضي خلاف ظاهره ولا طريق لنا إلى إثبات ذلك إلا من وجهين إما أن نقيم دلالة عقلية على صحة ما أشعر به ظاهر الدليل النقلي وحينئذ يصير الاستدلال بالنقل فضلا غير محتاج إليه.
وإما بأن نزيف أدلة المنكرين لما دل عليه ظاهر النقل وذلك ضعيف لما بينا من أنه لا يلزم من فساد ما ذكروه أن لا يكون هناك معارض أصلا إلا أن نقول إنه لا دليل على هذه المعارضات فوجب نفيه ولو كنا زيفنا هذه الطريقة يعني انتفاء الشيء لانتفاء دليله أو نقيم دلالة قاطعة على أن المقدمة الفلانية غير معارضة لهذا النص ولا المقدمة الأخرى وحينئذ نحتاج إلى إقامة الدليل على أن كل واحدة من هذه المقدمات التي لا نهاية لها غير معارضة لهذا الظاهر.
فثبت أنه لا يمكن حصول اليقين لعدم ما يقتضي خلاف الدليل النقلي وثبت أن الدليل النقلي تتوقف إفادته لليقين على ذلك فإذا الدليل النقلي تتوقف إفادته اليقين على مقدمة غير يقينية وهي عدم دليل عقلي وكل ما يبتنى صحته على مالا يكون يقينا لا يكون هو أيضا يقينا فثبت أن ذلك الدليل النقلي من هذا القسم لا يكون مفيدا لليقين.
قال وهذا بخلاف الأدلة العقلية فإنها مركبة من مقدمات لا يكتفي فيها بأن لا يعلم فسادها بل لا بد وأن يعلم بالبديهة صحتها أو يعلم بالبديهة لزومها مما علم صحته بالبديهة ومتى كان كذلك استحال أن يوجد ما يعارضه لاستحالة التعارض في العلوم البديهية.
ثم قال فإن قيل إن الله سبحانه لما أسمع المكلف الكلام الذي يشعر ظاهره بشيء كان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء وجب عليه سبحانه أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل وإلا كان ذلك تلبيسا من الله تعالى وإنه غير جائز.
قلنا هذا بناء على قاعدة الحسن والقبح وأنه يجب على الله سبحانه شيء ونحن لا نقول بذلك ثم إن سلمنا ذلك فلم قلتم إنه يجب على الله أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل العقلي وبيانه أن الله تعالى إنما يكون ملبسا على المكلف لو أسمعه كلاما يمتنع عقلا أن يريد به إلا ما أشعر به ظاهره وليس الأمر كذلك لأن المكلف إذا سمع ذلك الظاهر فبتقدير أن يكون الأمر كذلك لم يكن مراد الله من ذلك الكلام ما أشعر به الظاهر فعلى هذا إذا أسمع الله تعالى المكلف ذلك الكلام فلو قطع المكلف بحمله على ظاهره مع قيام الاحتمال الذي ذكرنا كان ذلك التقدير تقصيرا واقعا من المكلف لا من قبل الله تعالى حيث قطع لا في موضع القطع فثبت أنه لا يلزم من عدم إخطار الله تعالى ببال المكلف ذلك الدليل العقلي المعارض للدليل السمعي أن يكون ملبسا.
قال فخرج ما ذكرنا أن الأدلة النقلية لا يجوز التمسك بها في باب المسائل العقلية نعم يجوز التمسك بها في المسائل النقلية تارة لإفادة اليقين كما في مسألة الإجماع وخبر الواحد وتارة لإفادة الظن كما في الأحكام الشرعية انتهى.
فليتدبر المؤمن هذا الكلام وليرد أوله على آخره وآخره على أوله ليتبين له ما ذكرنا عنهم من العزل التام للقرآن والسنة عن أن يستفاد منهما علم أو يقين في باب معرفة الله وما يجب له وما يمتنع عليه وأنه لا يجوز أن يحتج بكلام الله ورسوله في شيء من هذه المسائل وأن الله تعالى يجوز عليه التلبيس والتدليس على الخلق وتوريطهم في طرق الضلال وتعريضهم لاعتقاد الباطل والمحال وأن العباد مقصرون غاية التقصير إذا حملوا كلام الله ورسوله على حقيقته وقطعوا بمضمون ما أخبر به حيث لم يشكوا في ذلك إذ قد يكون في العقل ما يعارضه ويناقضه فإن غاية ما يمكن أن يحتج بكلام الله ورسوله عليه من الجزئيات ما كان مثل الإخبار بأن على قلة جبل قاف غرابا صنعته كيت وكيت أو على مسألة الإجماع وخبر الواحد وأن مقدمات أدلة القرآن والسنة غير معلومة ولا متيقنة الصحة ومقدمات أدلة أرسطو صاحب المنطق والفارابي وابن سينا وإخوانهم قطعية معلومة الصحة وأنه لا طريق لنا إلى العلم بصحة الأدلة السمعية في باب الإيمان بالله وأسمائه وصفاته البتة لتوقفها على انتفاء مالا طريق لنا إلى العلم بانتفائه وأن الاستدلال بكلام الله ورسوله في ذلك فضلة لا يحتاج إليها بل هو مستغن عنه إذا كان موافقا للعقل.
فتأمل هذا البنيان الذي بنوه والأصل الذي أصلوه هل في قواعد الإلحاد أعظم هدما منه لقواعد الدين وأشد مناقضة منه لوحي رب العالمين وبطلان هذا الأصل معلوم بالاضطرار من دين جميع الرسل وعند جميع أهل الملل.
وهذه الوجوه المتقدمة التي ذكرناها هي قليل من كثير مما يدل على بطلانه ومقصودنا من ذكره اعترافهم به بألسنتهم لا بإلزامنا لهم به وتمام إبطاله أن نبين فساد كل مقدمة من مقدمات الدليل الذي عارضوا به النقل وأنها مخالفة للعقل كما هي مناقضة للوحي والله يعلم أنا عازمون على ذلك وبيانه على التفصيل في جميع أدلتهم إن ساعد التوفيق ويجب على كل مؤمن بالله ورسوله أن يعتقد ذلك جملة وإن لم يحط به تفصيلا ولا يضع قدمه في أول درجة من درجات الإيمان إلا بذلك والمقصود أن مناقضة هذا الأصل الإيمان بالله ورسوله كمناقضة أحد الضدين للآخر وبالله التوفيق.
الوجه الثالث والعشرون بعد المائة: أن يقال كل ما أخبر به الرسول عن الله سبحانه إثباتا ونفيا فهو واجب عليه وممتنع عليه أو ما أثبته له فهو كمال والكمال كله واجب له وما نفاه عنه فهو نقص والنقائص كلها ممتنعة عليه وقد صرح هؤلاء بأن ما يجب لله ويمتنع عليه لا تمكن استفادته من الرسول لأنه إن أخبر بما يخالفه العقل من ذلك لم يجز إثباته ولم يلتفت إلى خبره فيه وإن أخبر بما يدل عليه العقل كان الاستدلال بخبره فضلة غير محتاج إليها لا سيما وقد صرحوا بأنه ليس في حق الرب ما يمكن أن يوصف به ومالا يمكن بل إما واجب وإما محال والعلم بوجوب الواجبات واستحالة المحالات لا يتوقف على السمع ولا يحتاج إليه فيه وهذا تصريح بأنه لا يحتج بكلام الله ورسوله على شيء من هذه المسائل.
ولا يصدق بشيء من خبر الرسول في ذلك لكونه أخبر به بل لكون العقل دل عليه وذلك يستلزم الكفر والإلحاد والزندقة وهذا لازم لكل من سلك هذه الطريق لأنه إذا جوز المجوز أن يكون في الأدلة العقلية التي يجب اتباعها ما يناقض ما أخبر الله به ورسوله من ذكر صفاته سبحانه وصفات ملائكته وعرشه والجنة والنار والمعاد والعقوبات التي أخبر بها عن الأمم والمعجزات التي أيد بها أنبياءه ورسله لم يمكنه أن يعرف ثبوت شيء كما أخبر به الرسول إذا لم يعلم انتفاء المعارض ولا طريق له إلى ذلك إلا أن يحيط علما بكل ما يخطر ببال بني آدم في كل وقت مما يظن أنه دليل عقلي وهذا أمر لا ينضبط وليس له حد فلا تزال الشبه العقلية تتولد في نفوسهم تولد الوساوس والخطرات وحديث النفس وقد اعترف هؤلاء بأنه لا سبيل إلى العلم بانتفاء المعارض على التفصيل وحينئذ فلا يمكن الجزم بانتفاء المعارض أبدا فلا يمكن الجزم بشيء مما أخبر به الرسول أبدا إن لم يكن في العقل الصريح ما يقتضي ثبوته وحقيقة هذا سلب الإيمان برسالة الرسول وعدم تصديقه.
فهذا الأصل الباطل الجائر الظالم مستلزم للزندقة والإلحاد فمن طرده أداه إلى الكفر والنفاق والزندقة ومن لم يطرده تناقض وفارق المعقول الصريح ومن هذا دخلت الملاحدة والقرامطة والباطنية على كل فرقة من الطوائف الذين وافقوهم على هذا الأصل أو على بعض شعبه حتى إن من استجاب لهم إلى بعضه دعوه إلى طرده إن أمكنهم وإلا رضوا منه بما وافقهم فيه.
الوجه الرابع والعشرون بعد المائة: أن هؤلاء يعيبون أهل السنة والحديث المتمسكين بها التاركين لما خالفها بالتقليد وإنما يأخذون ما يعتقدونه مسلما من غير قيام برهان عقلي على اعتقاده فإن كان تمسكهم بكلام المعصوم تقليدا واقتداؤهم بآثار أصحابه تقليدا فهم لا ينكرون هذا التقليد ولا ينفرون عن عيبهم به ولكن العيب كل العيب تقليد المشركين وعباد الأصنام والمجوس والهند والصابئين عبدة الكواكب والملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر فإن مقدمات هذه الأدلة العقلية التي عارضوا بها النصوص وقدموها عليها متلقاة عن هؤلاء فخلفهم مقلدون لسلفهم إذا حاققتهم عليها وطلبت منهم البرهان على صحتها قال هكذا قال العقلاء أرباب المعقولات وسلفهم ليسوا فيها على بصيرة بل على خرص وحدس وتخمين فالسلف خراصون والخلف عمي مقلدون وإذا تأملها اللبيب العاقل الفطن وجدها مبنية على ألفاظ مجملة ومعاني مشتبهة حتى إذا استفسرتهم عن معانيها وفصلت مجملها تجدها دعاوى كاذبة تتضمن الجمع بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات فيجمعون بين الشيئين اللذين هما في غاية التباين لاشتراكهما في بعض الصفات ويفرقون بين المثلين من كل وجه بالدعاوى الكاذبات ويثبتون الشيء وينفون لازمه وينفون الشيء ويثبتون ملزومه ويقدحون في الضروريات بالقضايا الوهميات ويجعلون الذهني خارجا ويصفون الوجود الخارجي بما ينافي وجوده وواجب الوجود بما يجعله ممتنع الوجود ويجردون الماهية عن صفاتها التي لا تحقق إلا بها ثم يجعلون الصفة هي الذات ويجعلون العاقل والمعقول والعقل شيئا واحدا ويجعلون العلم هو نفس المعلوم والفعل هو عين المفعول وواجب الوجود الذي يمتنع عدمه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق أو بغير شرط الذي يمتنع وجوده إلى أضعاف أضعاف ذلك من مقالاتهم التي هي عند من فهمها وعرف مضمونها ضحكة للعاقل تارة وأعجوبة له تارة ومغضبة له تارة.
ومثل هذه المعقولات لو تصرف بها الرجل في تجارة أو صناعة من الصناعات لأفسدت التجارة والصناعة فكيف يتصرف بها في الأمور الإلهية وفي صفات رب البرية ثم يعارض بها كلام الله الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه وإنما عظمت الشبهة بذلك بأن أقواما لهم نوع ذكاء يميزون به في أنواع من العلوم ولم تكن لهم خبرة بالأمور الإلهية كخبرتهم بتلك العلوم فخاضوا فيها بعقولهم وظنوا أنهم يبرزون فيها كما برزوا في تلك العلوم وظن المقلدون لهم ذلك أيضا فركب من ظنهم وظن مقلدهم اعتقادها والدعوة إليها وإساءة الظن بما خالفها ثم إنهم رأوا النصوص واقفة في طريقها فقاموا لها وقعدوا وجدوا في دفعها واجتهدوا فتارة سطوا عليها بالتأويل وتارة نسبوا من تكلم بها إلى قصد التخييل ووقفوا بجهدهم في الصدور منها والأعجاز وقالوا لا مقام لك عندنا ولا عبور لك علينا وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز وتارة قالوا هذه أخبار آحاد والمسألة من المسائل العلمية.
وإن كان قرآنا أو خبرا متواترا قالوا تلك أدلة لفظية معزولة عن إفادة العلم واليقين وغايتها إفادة الظن والتخمين وإن أعجزهم ذلك أو طال عليهم طريقه لجأوا إلى القانون المجتث لقواعد الإيمان الكفيل بالإلحاد والكذب والبهتان الذي جعلوه أصلا لتقديم آرائهم الباطلة على السنة والقرآن وقالوا قد تعارض العقل والنقل ولا سبيل إلى الجمع وتقديم النقل قدح في العقل فتعين تقديم العقل بهذا البرهان والمقصود أنك إذا حققت الأمر على هؤلاء المعارضين لم يكن عندهم إلا رجوع إلى تقليد أسلافهم الماضين.
وقولهم هذه أمور عقلية قد صقلتها الأذهان منذ دهر وزمان وإذا دعوتهم إلى كتاب الله وسنة رسوله دعوك إلى قول أرسطو عابد الأوثان وإلى ما أصله من منطق اليونان وإن أحسنوا دعوك إلى أصول جهم بن صفوان وقول الجعد بن درهم معلم مروان الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري يوم ذبائح القربان وإن زادوا في الإحسان دعوك إلى قول أبي الهذيل العلاف ويعقوب الشحام وإبراهيم النظام وأبي علي وأبي هاشم الجبائيين فإنهم تلقوا كلمات هؤلاء يدرسونها لا كدرس القرآن ويحاربون بها أهل العلم والإيمان ويحرفون بها التنزيل عن مواضعه إذا عجزوا عن اللي والكتمان وآخر أمرهم أن يصلوا إلى هكذا قال فلان وهكذا قال فلان فإذا ذكرت لهم الحجة الصحيحة التي يقبلها العقل وفطرة الإنسان قالوا كيف يظن بأرسطو وابن سينا وأبي الهذيل وأبي علي وابنه وأمثالهم أن يخفى عليهم مثل هذا وهم أهل العقل والحجة والبرهان هذا وهم يرون تعصبا وجهلا تقليد من { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } ومن قام الدليل على عصمته وعلمه ومعرفته وصدق اللهجة منه واللسان فما أشبههم بإبليس أبي الجان حين استكبر عن السجود لآدم ورضي أن يكون قوادا لأهل الفسوق والعصيان وما أشبههم بأعداء الرسول إذ أنفوا أن ينقادوا لرسول من نوع الإنسان ثم رضوا بعبادة الشيطان والأوثان والصلبان والنيران وسلكوا سبيل هؤلاء في تنزيه الرب تعالى عن صفات كماله خشية التجسيم والتشبيه المستلزم عندهم للنقصان ثم شبهوه بالناقصات بل بالمعدومات بل بالممتنعات التي لا تدخل تحت قضايا الإمكان فنزهوه خشية الحصر عن استوائه على عرشه الذي هو فوق جميع الأكوان ثم قالوا هو في كل مكان فيا للعقول أي الأمكنة أشرف وأجل أعرش الوحي أم الآبار والأنجاس والمواطن التي يرغب عن ذكرها كل إنسان فاسأل مقلب القلوب أن يثبت قلبك على دينه الذي أرسل به رسوله وأنزل به الفرقان وأن لا يزيغه بعد أن هداه عن سبيل الهدى والإيمان وقل اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان.
الوجه الخامس والعشرون بعد المائة: أن الدين تصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر وكل منهما نوعان مطلق ومقيد. فالمقيد مثل أن يقول لا أصدقه إلا فيما علمت صحته بعقلي أو فيما يخالف عقلي أو وافقه فيه شيخي وإمامي وأصحاب مذهبي والمقيد من طاعة الأمر أن يطيعه فيما وافق حظه وهواه فإن جاء أمره بخلاف ذلك قدم حظه وهواه عليه فهذا غير مطيع للرسول في الحقيقة بل هو متبع لهواه كما أن ذاك غير مصدق له في الحقيقة بل إن وافق قوله عقله أو قول شيخه وإمامه ومتبوعه قبله لا لكونه قاله كما أن مطيعه فيما وافق هواه إنما هو متبع لما يحبه ويهواه فإن جاء الأمر بما يهواه فعله وإلا لم يفعله وهذا حال أكثر الناس وأحسن أحوال هؤلاء أن يكونوا من الذين قال الله فيهم: { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم } [7].
ثم ذكر وصف أهل الإيمان فقال: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [8].
فالتصديق والطاعة لا يكون إيمانا حتى يكون مطلقا فإذا تقيد فأعلى أحواله إن سلم من الشك أن يكون إسلاما ويكون صاحبه من عوام المسلمين لا من خواص المؤمنين.
الوجه السادس والعشرون بعد المائة: أن السمع حجة الله على خلقه وكذلك العقل فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل وبما أنزل إليهم من السمع والعقل الصريح لا يتناقض في نفسه كما أن السمع الصحيح لا يتناقض في نفسه وكذلك العقل مع السمع فحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض ولكن تتوافق وتتعاضد وأنت لا تجد سمعا صحيحا عارضه معقول مقبول عند كافة العقلاء أو أكثرهم ولا تجده ما دام الحق حقا والباطل باطلا بل العقل الصريح يدفع المعقول المعارض للسمع الصحيح ويشهد ببطلانه وهذا يظهر بالامتحان في كل مسألة عورض فيها السمع بالمعقول ونحن نذكر من ذلك مثالا واحدا يعلم به ما عداه.
فنقول قالت الفرقة الجامعة بين التجهم ونفي القدر معطلة الصفات المكذبة بالقدر صدق الرسول موقوف على قيام المعجزة الدالة على صدقه وقيام المعجزة موقوف على العلم بأن الله لا يؤيد الكذاب بالمعجزة والعلم بذلك موقوف على الصحة بقبحه وعلى أن الله لا يفعل القبيح وتنزيهه عن فعل القبيح موقوف على العلم بأنه غني عنه عالم بقبحه والغني عن القبيح العالم بقبحه لا يفعله وغناه عنه موقوف على أنه ليس بجسم وكونه ليس بجسم موقوف على عدم قيام الأعراض والحوادث به وهي الصفات والأفعال ونفي ذلك موقوف على ما دل على حدوث الأجسام والذي دلنا على حدوث الأجسام أنها لا تخلو عن الحوادث ومالا يخلو عن الحوادث لا يسبقها ومالا يسبق الحوادث فهو حادث وأيضا فإنها لا تخلو عن الأعراض والأعراض لا تبقى زمانين فهي حادثة فإذا لم تخل الأجسام عنها لزم حدوثها وأيضا فإن الأجسام مركبة من الجواهر الفردة والمركب مفتقر إلى جزئه وجزؤه غيره وما افتقر إلى غيره لم يكن إلا حادثا مخلوقا.
وأيضا فالأجسام متماثلة كل ما صح على بعضها صح على جميعها وقد صح على بعضها التحليل والتركيب والاجتماع والافتراق فيجب أن يصح على جميعها قالوا وبهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم ونفي كون الصانع جسما وإمكان المعاد فلو بطل الدليل على حدوث الجسم بطل الدليل الدال على إثبات الصانع وصدق الرسول فصار العلم بإثبات الصانع وصدق الرسول وحدوث العالم وإمكان المعاد موقوف على نفي الصفات والأفعال فإذا جاء في السمع ما يدل على إثبات الصفات والأفعال لم يمكن القول بموجبه ويعلم أن الرسول لم يرد إثبات ذلك لأن إرادته لإثباته تنافي تصديقه ثم إما أن يكذب الناقل وإما أن يتأول المنقول وإما أن يعرض عن ذلك جملة كافة ويقول لا نعلم المراد.
فهذا أصل ما بنى عليه القوم دينهم وإيمانهم ولم يقيض لهم من يبين لهم فساد هذا الأصل وبطلانه ومخالفته لصريح العقل بل قيض لهم من المنتسبين إلى السنة من وافقهم عليه ثم أخذ يشنع عليهم القول بنفي الصفات والأفعال وتكليم الرب لخلقه ورؤيته في الدار الآخرة وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ونزوله إلى سماء الدنيا فأضحكهم عليه وأغراهم به ونسبوه إلى ضعف العقل والحشو والبله والمصيبة مركبة من عدوان هؤلاء وبغيهم وظلمهم وتقصير أولئك وموافقتهم لهم في الأصل ثم تكفيرهم وتبديعهم في القول بفروعه ولوازمه.
وهذه الطريق من الناس من يظنها من لوازم الإيمان وأن الإيمان لا يتم إلا بها ومن لم يعرف ربه بهذه الطريق لم يكن مؤمنا به ولا بما جاء به رسوله وهذا يقوله الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشعرية بل أكثرهم وكثير من المنتسبين إلى الأئمة الأربعة وكثير من أهل الحديث والصوفية ومن الناس من يقول ليس الإيمان موقوفا عليها ولا هي من لوازمه وليست طريقة الرسل ويحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل وإن لم يعتقد بطلانها وهذا قول أبي الحسن الأشعري نفسه فإنه صرح بذلك في رسالته إلى أهل الثغر وبين أنها طريقة خطرة مذمومة محرمة وإن كانت غير باطلة.
ووافقه على هذا جماعة من أصحابه من أتباع الأئمة وقالت طائفة أخرى بل هي طريق في نفسها متناقضة مستلزمة لتكذيب الرسول لا يتم سلوكها إلا بنفي ما أثبته وهي مستلزمة لنفي الصانع بالكلية كما هي مستلزمة لنفي صفاته ونفي أفعاله وهي مستلزمة لنفي المبدأ والمعاد فإن هذه الطريقة لا تتم إلا بنفي سمع الرب وبصره وقدرته وحياته وإرادته وكلامه فضلا عن نفي علوه على خلقه ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها ولا تتم إلا بنفي أفعاله جملة وأنه لا يفعل شيئا البتة إذ لم يقم به فعل وفاعل بلا فعل محال في بدائه العقول فلو صحت هذه الطريق نفت الصانع وصفاته وأفعاله وكلامه وخلقه للعالم وتدبيره له وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له بل هو لفظ لا معنى له فأنتم تثبتون ذلك وتصرحون بنفي لوازمه البينة التي لا ريب في لزومها فتثبتون مالا حقيقة له بل ما يخالف العقل الصريح كما تنفون ما دل العقل الصريح على إثباته فهي مستلزمة لإنكار جميع الصفات والأفعال والعلو والكلام وذلك يستلزم نفي الرسالة فحقيقتها جحد الرسالة والمرسل ولوازمها الباطلة اكثر من مائة لازم لا تحصى إلا بكلفة فأول لوازمها نفي الصفات ونفي الأفعال ونفي العلو ونفي الكلام ونفي الرؤية.
ومن لوازمها القول بخلق القرآن وبهذه الطريق استجيز ضرب الإمام أحمد لما قال بما يخالفها من إثبات الصفات وتكلم الله بالقرآن ورؤيته في الدار الآخرة وكان أرباب هذه الطريقة هم المستولين على الخليفة فقالوا له اضرب عنقه فإنه كافر مشبه مجسم فقيل له إنك إن قتلته ثارت عليك العامة ولم تأمن معرتهم فأمسكوا عن قتله لذلك بعد الضرب الشديد. ومن لوازمه أن الرب تعالى كان معطلا عن الفعل من الأزل والفعل ممتنع عليه ثم انتقل من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي بغير موجب في ذلك الوقت دون ما قبله وهذا مما اعترى الفلاسفة بالقول بقدم العالم ورأوا أنه خير من القول بذلك بل حقيقة هذا القول أن الفعل لم يزل ممتنعا منه أزلا وأبدا إذ يستيحل قيامه به وعن هذه الطريق قال جهم ومن وافقه بفناء الجنة وفناء أهلها وعدمهم عدما محضا وعنها قال أبو الهذيل العلاف بفناء حركاتهم دون ذواتهم فإذا رفع أحدهم اللقمة إلى فيه وفنيت الحركات بقيت يده ممدودة لا تتحرك وتبقى كذلك أبد الآبدين وإذا جامع الحوراء وفنيت الحركات يبقيان كذلك في تلك الحال أبد الآبدين فيبقون في سكون الأحجار وعن هذه الطريق قالت الجهمية إن الله في كل مكان بذاته وقال إخوانهم ليس في العالم ولا خارج العالم ولا متصلا به ولا منفصلا عنه ولا مباينا له ولا محادثا له ولا فوقه ولا خلفه ولا أمامه ولا وراءه وعنها قال من قال إن ما شاهده من الأعراض الثابتة كالأكوان والمقادير والأشكال تتبدل في كل نفس ولحظة ويخلفها غيرها حتى قال من قال إن الروح عرض وإن الإنسان يستحدث في كل ساعة عدة أرواح تذهب له روح وتجيء غيرها.
وعنها قال من قال إن جسم أنتن الرجيع وأخبثه مماثل لجسم أطيب الطيب في الحد والحقيقة لا فرق بينهما إلا بأمر عرض وإن جسم النار مساو لجسم الماء في الحد والحقيقة.
وعنها قالوا إن الروائح والأصوات والمعارف والعلوم تؤكل وتشرب وترى وتسمع وتلمس وإن الحواس الخمس تتعلق بكل موجود وعنها قالوا إن الله سبحانه لم يكلم موسى تكليما ولا اتخذ إبراهيم خليلا ولا تجلى للجبل ولا يتجلى لعباده يوم القيامة وقالوا ليس له وجه يراه المؤمنون ولا يد خلق بها آدم وكتب بها التوراة وغرس بها جنة عدن ويقبض بها السماوات والأرض بيد أخرى ليس بشيء من ذلك حقيقة إن هو إلا مجازات واستعارات وتخيلات وعنها قالوا إن الله لا يحب ولا يحب ولا يغضب ولا يرضى ولا يضحك ولا يفرح ولا له رحمة ولا رأفة في الحقيقة بل ذلك كله إرادة محضة أو ثواب منفصل مخلوق سمي بهذه الأسماء وعنها قالوا إن الكلام معنى واحد باعلين لا ينقسم ولا يتبعض ولا له جزء ولا كل وهو الأمر بكل مأمور والنهي عن كل منهي والخبر عن كل مخبر عنه والاستخبار عن كل مستخبر عنه كل ذلك حقيقة واحدة بالعين وكذلك قالوا في العلم إنه أمر واحد فالعلم بوجود الشيء هو عين العلم بعدمه لا فرق بينهما البتة وإنما يتعدد التعلق وكذلك قالوا إن إرادة إيجاد الشيء هو نفس إرادة إعدامه ليس هنا إرادات وكذلك رؤية زيد هي نفس رؤية عمرو ومعلوم أن هذا لا يعقل بل هو مخالف لصريح العقل وهذا كله وأمثاله نشأ عن هذه الطريق واعتقاد صحتها.
ومن العجب أنهم لم يثبتوا بها في الحقيقة صانعا ولا صفة من صفاته ولا فعلا من أفعاله ولا نبوة ولا مبدأ ولا معادا ولا حكمة بل هي مستلزمة لنفي ذلك كله صريحا أو لزوما بينا أو متوسطا فالطريق التي جعلوها أصلا للدين هي أصل المناقضة للدين وتكذيب الرسول. وجاء آخرون فراموا إثبات الصفات والأفعال وموافقتهم في هذه الطريق فتجشموا أمرا ممتنعا واشتقوا طريقة لم يمكنهم الوفاء بها فجاءوا بطريقة بين النفي والإثبات لم يوافقوا فيها المعطلة النفاة ولم يسلكوا فيها مسلك أهل الإثبات فجاءت طريقا بين الطريقتين ومقالة بين المقالتين لم يكونوا فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وظنوا أنهم بذلك يجمعون بين المعقول والمنقول ويصلون في هذه الطريق إلى تصديق الرسول وصار كثير من الناس يحب النظر والبحث والمعقول وهو مع ذلك يريد أن يخرج عما جاء به الرسول ويرى أن هذا المسلك أصح من مسلك أولئك النفاة وأنه لا طريق غير الطريقين وتلك لا سبيل إلى المصير إليها فتعين المصير إلى هذه الطريق ولما أصل هؤلاء هذا الأصل وجاءوا إلى تفصيله ظهر سر تاصيلهم في تفصيلهم ودل بطلان تفصيلهم على فساد تأصيلهم فإنهم أصلوا تأصيلا مستلزما لبطلان التفصيل ثم فصلوا تفصيلا دل على بطلان الأصل وفساده فصاروا حائرين بين التأصيل والتفصيل وصار من طرد منهم هذا الأصل خرج عن العقل والسمع بالكلية وبالغ في التعطيل والإلحاد ومن لم يطرده تناقض واضطربت أقواله وقد سلك الناس في إثبات الصانع وحدوث العالم طرقا متعددة سهلة قريبة موصلة إلى المقصود لم يتعرضوا فيها لطريقة هؤلاء بوجه وذموا هذه الطريقة قال الخطابي: وإنما سلك المتكلمون في الاستدلال بالأعراض مذهب الفلاسفة وأخذوه عنهم وفي الأعراض اختلاف كثير منهم من ينكرها ولا يثبتها رأسا ومنهم من لا يفرق بينها وبين الجواهر في أنها قائمة بأنفسها كالجواهر قلت ومنهم من يقول بكمونها وظهورها ومنهم من يقول بعدم بقائها ثم سلك طرقا في إثبات الصانع منها الاستدلال بأحوال الإنسان من مبدئه إلى غايته والاستدلال بأحوال الحيوان والنبات والأجرام العلوية وغير ذلك ثم قال والاستدلال بطريق الأعراض لا يصح إلا بعد استبراء هذه الشبه وطريقنا الذي سلكناه بريء من هذه الآفات سليم من هذه الريب قال وقد سلك بعض مشايخنا في هذا طريق الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة التي دلائلها مأخوذة من طرق الحس لمن شاهدها ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجوب قبول ما دعى إليه النبي قال وهذا النوع مقنع في الاستدلال لمن لم يتسع فهمه لإدراك وجوه الأدلة ولم يتبين معاني تعلق الأدلة بمدلولاتها ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها قلت وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة ا لعقلية الصريحة بمدلولاتها فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل ودلالتها ضرورية بنفسها ولهذا يسميها الله سبحانه آيات بينات وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانا عظيما يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت من أدل الدليل على وجود الصانع وحياته وقدرته وإرادته وعلمه بالكليات والجزئيات وعلى رسالة الرسول وعلى المبدأ والمعاد فكل قواعد الدين في هذه العصا وكذلك اليد وفلق البحر طرقا والماء قائم بينهما كالحيطان ونتق الجبل من موضعه ورفعه على قدر العسكر العظيم فوق رؤوسهم وضرب حجر مربع بعصا فتسيل منه إثنتا عشرة عينا تكفي أمة عظيمة وكذلك سائر آيات الأنبياء فإخراج ناقة عظيمة من صخرة تمخضت بها ثم انصدعت عنها والناس حولها ينظرون وكذلك تصوير طائر من طين ثم ينفخ فيه النبي فينقلب طائرا ذا لحم ودم وريش وأجنحة يطير بمشهد من الناس وكذلك إيماء الرسول إلى القمر فينشق نصفين بحيث يراه الحاضر والغائب فيخبر به كما رآه الحاضرون وأمثال ذلك مما هو من أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر وهذه من طرق القرآن التي أرشد إليها عباده ودلهم بها كما دلهم بما يشاهدونه من أحوال الحيوان والنبات والمطر والسحاب والحوادث التي في الجو وفي الأرض وأحوال المعلومات من السماء والشمس والقمر والنجوم وأحوال النطفة وتقلبها طبقا بعد طبق حتى صارت إنسانا سميعا بصيرا حيا متكلما عالما قادرا يفعل الأفعال العجيبة ويعلم العلوم العظيمة فكل طريق من هذه الطرق أصح وأقرب وأسهل وأوصل من طرق المتكلمين التي لو صحت لكان فيها من التطويل والتعقيد والتعسير ما يمنع الحكمة الإلهية والرحمة الربانية أن يدل بها عباده عليه وعلى صدق رسله وعلى اليوم الآخر فأين هذه الطريق الطويلة العسرة الباطلة المستلزمة لتعطيل الرب عن صفاته وأفعاله وكلامه وعلوه على خلقه وإنكار وجهه الأعلى ويديه الكريمتين ورؤيته في الدار الآخرة وسائر ما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسوله إلى طرق القرآن التي هي ضد هذه الطريق من كل وجه وكل طريق منها كافية شافية هادية وإن صرفها الله لعباده ونوعها: { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة ٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة ٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } [9].
هذا وإن القرآن وحده لمن جعل الله له نورا أعظم آية ودليل وبرهان على هذه المطالب وليس في الأدلة أقوى ولا أظهر ولا أصح دلالة منه من وجوه متعددة جدا كيف وقد أرشد ذوي العقول والألباب فيه إلى أدلة هي للعقل مثل ضوء الشمس للبصر لا يلحقها إشكال ولا يغير في وجه دلالتها إجمال ولا يعارضها تجويز واحتمال تلج الأسماع بلا استئذان وتحل من العقول محل الماء الزلال من الصادي الظمآن فضلها على أدلة أهل العقول والكلام كفضل الله على الأنام لا يمكن أحدا أن يقدح فيها قدحا يوقع في اللبس إلا إن أمكنه أن يقدح بالظهيرة صحوا في طلوع الشمس ومن عجيب شأنها أنها تستلزم المدلول استلزاما بينا وتنبه على جواب المعترض تنبيها لطيفا ففيها إقامة الدلالة والجواب عن المعارضة والشبهة وهذا الأمر إنما هو لمن نور الله بصيرته وفتح عين قلبه لأدلة القرآن وآتاه فهما في كتابه فلا يعجب من منكر أو معترض أو معارض.
وقل للعيون العمي للشمس أعين سواك تراها في مغيب ومطلع
وسامح نفوسا أطفأ الله نورها بأهوائها لا تستفيق ولا تعي
فأي دليل على الله سبحانه أصح من الأدلة التي تضمنها كتابه كقوله: { أفي الله شك فاطر السموات والأرض } [10] وقوله: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [11].
وقوله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ } [12]. وقوله { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة ٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [13].
وقوله { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [14].
وقوله { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } [15]. { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [16]. وقوله { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّة ٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } [17].
وقوله { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة ً وَرَحْمَة ً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة ً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } [18]. وقوله { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَة ً
مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة َ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [19]. وقوله { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَة ٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [20].
وقوله { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّة ِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [21]. وقوله { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [22]. وقوله { وَآيَة ٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَة ُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ وَآيَة ٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَآيَة ٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلاَّ رَحْمَة ً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } [23]. وقوله { فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } [24].
وقوله { فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثم شققنا الأرض شقا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَة ً وَأَبًّا } [25].
وقوله { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا جَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } [26] إلى أضعاف أضعاف ذلك كما ذكر في سورة ق والذاريات والطور والرحمن والمرسلات وسورة إبراهيم والحجر والنحل فتأمل أدلة سورة النحل من أولها إلى قوله: { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } [27].
وما ذكر في سورة لقمان والسجدة و { هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ } وآخر الغاشية وسورة البلد والشمس وضحاها وما ذكر في سورة الأنعام وسورة الصافات وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والفرقان من الأدلة التي هي للبصائر كالشمس للأبصار فأبى المتكلمون إلا دليل الجواهر والأعراض والحركة والسكون والاجتماع والافتراق ولعمر الله لم يزل إيمان الخلق صحيحا حتى حدثت هذه الأدلة المبتدعة الباطلة فأوقعت الأمة في العناء الطويل وفرقت الكلمة وعارضت بين العقل والوحي وألقت بينهم العداوة والتباغض والتلاعن حتى استحل بعضهم من بعض ما لم يستحل مثلها المحاربون للإسلام وأهله وحتى فتح على النصوص باب التحريف والتأويل ورميت بأنها أدلة لفظية لا تفيد اليقين وساءت ظنون أتباع هؤلاء بوحي رب العالمين وهذا كله ببركة هذه الطريق المخالفة للسمع والعقل فالله سبحانه نهج لعباده الطريق الموصلة إلى معرفته والإقرار بأسمائه وصفاته وأفعاله فأعرض عنها هؤلاء واشتقوا طريقا موصلة إلى تعطيل الخالق ونفي أسمائه وصفاته وأفعاله وقالوا للناس لا يتم إيمانكم ومعرفتكم بالصانع إلا بهذه الطريق فلما سلكها من سلكها أدت به إلى ما أسره الحيرة والشك والتأويل والتجهيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الوجه السابع والعشرون بعد المائة: إن هذه المعارضة بين الوحي والعقل نتيجة جهلين عظيمين جهل بالوحي وجهل بالعقل.
أما الجهل بالوحي فإن المعارض لم يفهم مضمونه وما دل عليه بل فهم منه خلاف الحق الذي دل عليه وأريد به ثم عارض ما دل عليه بالرأي والمعقول ونحن ننزل معه درجة ونبين أن المعقول الذي ذكره لا يصلح لمعارضة المعنى الباطل الذي فهمه من الوحي فضلا عن المعنى الصحيح الذي دل عليه الوحي فإنه يستحيل أن يعارض معارضة صحيحة البتة بل هو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال والله تعالى هو الحق وكلامه حق ورسوله حق ودينه حق ووحيه حق وما خالف ذلك فهو الباطل المحض الذي لا يقوم على صحته دليل بل الأدلة الصحيحة التي تنتهي مقدماتها إلى الضروريات تدل على بطلانه.
وأما الجهل بالعقل فإنه لا يتصور أن يعارض العقل الصحيح الوحي أبدا ولكن الجاهل يظن أن تلك الشبهة عقلية وهي جهلية خيالية من جنس شبه السوفسطائية فالحاصل أنه إن عارض ما فهمه من النص بما هو الباطل كان جاهلا بالوحي ومدلوله وإن عارض مدلوله وحقيقته التي دل عليها فهو جاهل بالعقل فلا يتصور أن يجتمع لهذا المعارض علم بالوحي والعقل أصلا بل إما أن يكون جاهلا بهما وهو الأغلب على هؤلاء أو بأحدهما ولسنا ندفع معرفتهم ببعض العقليات المشتركة بين المسلمين واليهود والنصارى والمجوس وعباد الأصنام بل ولا ندفع تبريزهم فيها وحذقهم بها وإنما نبين بالبراهين الواضحة أنهم من أجهل الناس بالعقليات المتعلقة بأسماء الرب وصفاته وأفعاله كما هم جهال بوحيه وبما جاءت به رسله وقد نفى الله سبحانه السمع والعقل عمن أعرض عن رسله فكيف بمن عارض ما جاءوا به وأخبر سبحانه أنه لا بد أن يظهر لهم في معادهم أنهم لم يكونوا من أهل السمع ولا من أهل العقل.
الوجه الثامن والعشرون بعد المائة: أن هؤلاء المعارضين كما تقدم هم صنفان ملاحدة دهرية ومعطلة جهمية والملاحدة الدهرية أصل معارضتهم تكذيب الرسل والطعن فميا جاءوا به فهم خصوم الرسل في الأصل وهؤلاء الجهمية المعطلة قولهم مأخوذ من قول أولئك بعينه وطريقتهم مشتقة من طريقتهم بل كلماتهم واحدة ولكن أولئك سلكوا المعارضة بين العقل ونفس الرسالة وهؤلاء سلكوا المعارضة بين العقل وبين أشرف ما جاءت به الرسل وأفضله وأجله فتأمل موافقة الجهمية لفرعون خصم موسى وعدوه فإنه أنكر الصانع وهؤلاء وافقوه على إنكار صفاته وأقروا بصانع لا صفة له ولا فعل ولهذا قال بعض الأئمة كان فرعون أعقل من هؤلاء فإنهم اشتركوا في مخالفة صريح العقل وتناقضت الجهمية فقالوا هو صانع للعالم من غير صنع يقوم به ولا وصف ولا مباينة للعالم ولا دخول فيه وجحد فرعون أن يكون الله فوق سماواته على عرشه وكذب موسى في ذلك ووافقته الجهمية على هذا النفي وبهذا احتج عليهم الأشعري في كتبه كلها والقاضي أبو بكر وأبو عمر بن عبد البر وجمهور أئمة السنة وأنكر فرعون أن يكون الله كلم موسى ووافقه الجهمية على ذلك وأنكر أعداء الرسل من المشركين عباد الأصنام والكواكب والفلاسفة وغيرهم معاد الأبدان وخراب العالم وحقيقة الجنة والنار ووافقهم ابن سينا وأتباعه على ذلك وأخذ الجهمية بعض هذا الإنكار فقالوا تفنى الجنة والنار وهذا قول شيخهم جهم وكلهم أنكروا أشرف ما في الجنة وأجل نعيمها وأفضله على الإطلاق الذي ما طابت الجنة إلا به وهو النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى من فوقهم وسماع كلامه وتسليمه عليهم وخطابه لهم بل هذا حقيقة الجنة ورأس نعيمها فنفوه وكذبوا به وأثبتوا أكلا وشربا وجماعا ثم قالوا بنفاده وانقطاعه وهذا باب إذا
الوجه التاسع والعشرون بعد المائة: أن الكلام في الدين نوعان أمر وخبر فما عارض الأمر كان من باب الهوى الذي يأمر به الشيطان والنفس وما عارض الخبر كان من باب الظن والخرص الذي هو أكذب الحديث وهؤلاء لا تجدهم إلا وقد جمعوا بين الأمرين فهم في الإرادات تابعون لأهوائهم وفي الاعتقادات تابعون لظنونهم قال الله: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } [28].
وقال تعالى { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّة ً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُو } [29]. فالاستمتاع بالخلاق اتباع الهوى والشهوات والخوض اتباع الباطل والشبهات وقد نزه سبحانه رسوله عن طريقة هؤلاء فقال تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [30].
فنزهه عن الضلال الذي هو نقيض الهدى وعن الغي الذي هو نقيض الرسد وقال النبي ﷺ في خلفائه: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" والمقصود أن ما ناقض خبر الرسل كان كذبا وضلالا وقولا على الله غير الحق وقد نهى الله سبحانه أن يقال عليه غير الحق وأخذ الميثاق على اتباع الرسل بذلك فقال: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقّ } [31] وقال { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ } [32] وأخبر سبحانه أنه لا بد أن ينال المفترين غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وأعظم الافتراء الفرية عليه سبحانه في أسمائه وصفاته وأفعاله وقد ضمن سبحانه أنه لا بد أن يخيب أهل الافتراء ولا يهديهم وأنه يستحتهم بعذابه أي يستأصلهم قال تعالى إخبارا عن كليمه موسى أنه قال لرؤوس المعطله وأئمتهم: { وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } [33] وهذه الأصول التي عارضوا بها الكتاب والسنة تشتمل على الكذب والفرية في مسائلها ودلائلها كأصول الملاحدة من الفلاسفة والدهرية النافين لما أخبر الله به من أصول الإيمان الخمسة وأصول الجهمية المناقضة لما أخبر به من اسمائه وصفاته وأفعاله وأصول القدرية المعارضة لما أخبر به من عموم قدرته ومشيئته وأصول الملاحدة الاتحادية التي رفعت العقل والنقل والحس وأبطلت الخلق والأمر والنبوة والرسالة الثواب والعقاب وأصول هؤلاء كلهم أصول الزندقة والاتحاد المناقضة للعقل والدين.
الوجه الثلاثون بعد المائة: إن هؤلاء المعارضين لا يتم لهم ما ادعوه من المعارضة إلا بأربعة أمور يستلزمها قولهم لبس الحق بالباطل فهذه أربعة مقامات تتضمنها أصولهم بل هذه الأربعة هي قواعدهم التي يبنون عليها أما لبس الحق بالباطل فأنتم تسمون ما أثبته الله لنفسه من الصفات والكلام والعلو والاستواء تركيبا وتجسيما وتشبيها وتسمون عرشه حيزا واستواءه عليه تحيزا وتسمون صفاته أعراضا وتنزهونه عنها وأفعاله حوادث وتنفونها عنه وحكمته أغراضا وتبطلونها ووجهه الكريم ويديه حوارح وينكرونها ويسمون نفيهم وتعطيلهم تنزيها وتقديسا وتوحيدا فيلتبس الحق بالباطل على من لم يعرف مرادهم من هذا التنزيه والتوحيد والتقديس ولا من ذلك التجسيم والتشبيه والتمثيل فإذا وقعوا في هذا اللبس والتلبيس ترتب عليه ضرورة كتمان الحق والتكذيب به والتصديق بالباطل ولهذا جعل سبحانه كل اثنين من هذه الأربعة فريقين أما لأولان فقال تعالى: { وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [34] وقد اختلف في قوله { وَتَكْتُمُوا } هل هو منصوب أو مجزوم على قولين مبنيين على الواو هل هي واو عطف أو واو صرف فمن جعلها واو عطف قال النهي تعلق بكل واحد من الأمرين على انفراده ولو كانت واو صرف لكان المنهي عنه جمعهما لا أفرادهما ومن جعلها واو صرف قال لبس الحق بالباطل مستلزم لكتمانه كما يكتم الحق من لبسه بما يستره ويغشيه فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر فالنهي عن أحدهما نهي عن الآخر بطريق اللزوم ففي كون الواو واو جمع إفادة هذا المعنى وإن كتمان الحق ملازم للبسه بالباطل لا ينفك عنه ولا يمكن إيقاع أحدهما إلا بالآخر وهذا شأن كل متلازمين وهذا القول أميز من الأول وأعرب وأما القرينان الآخران فقال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [35]. وقال تعالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ } [36]. وقال { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ } [37].
وهذان أيضا متلازمان فكل من صدق بالباطل كذب بضده وهو الحق وإذا عرف هذا فما أثبته الله لنفسه من صفاته وكلامه وتكليمه واستوائه على عرشه وعلوه على خلقه هو الحق عقلا وسمعا وما خالفه هو الباطل والله سبحانه قد فصل لنا هذا من هذا ولم يدعه ملتبسا. { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة ٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة ٍ } [38].
فلبس النفاة المعطلة هذا بهذا فاضطرهم اللبس إلى كتمان الحق والتكذيب به والتصديق بضده وإذا أردت معرفة هذا فامتحنه في مسائلهم ودلائلهم وكلماتهم المجملة الألفاظ المشتبهة المعاني وبالله التوفيق يوضحه:
هامش
- ↑ [التوبة 125، 124]
- ↑ [التوبة 127]
- ↑ [الرعد36]
- ↑ [الحجرات15]
- ↑ [الرعد19]
- ↑ [سبأ6]
- ↑ [الحجرات14]
- ↑ [الحجرات15]
- ↑ [الأنفال42]
- ↑ [إبراهيم10]
- ↑ [البقرة 28]
- ↑ [البقرة 22، 21]
- ↑ [البقرة 164]
- ↑ [يونس32، 31]
- ↑ [الرعد2]
- ↑ [الرعد4، 3]
- ↑ [الجاثية 3-6]
- ↑ [الروم20 -25]
- ↑ [الزخرف9-14]
- ↑ [النمل59، 64]
- ↑ [الأعراف54]
- ↑ [الأعراف57]
- ↑ [يس33 -44 ]
- ↑ [الطارق7-5]
- ↑ [عبس31-24]
- ↑ [النبأ16-6]
- ↑ [النحل83]
- ↑ [النجم23]
- ↑ [التوبة 69]
- ↑ [النجم2، 1]
- ↑ [الأعراف169]
- ↑ [النساء171]
- ↑ [طه62]
- ↑ [البقرة 42]
- ↑ [العنكبوت52]
- ↑ [العنكبوت68]
- ↑ [الزمر32]
- ↑ [الأنفال42]