→ الفصل السابع | الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة الفصل الثامن في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل ابن قيم الجوزية |
الفصل التاسع ← |
هذا الفصل من عجيب أمر المتأولين فإنهم فهموا من النصوص الباطل الذي لا يجوز إرادته ثم أخرجوها عن معناها الحق المراد منها فأساءوا الظن بها وبالمتكلم بها وعطلوها عن حقائقها التي هي عين كمال الموصوف بها ونقتصر من ذلك على مثال ذكره بعض الجهمية ونذكر ما عليه فيه.
قال الجهمي: ورد في القرآن ذكر الوجه وذكر الأعين وذكر العين الواحدة وذكر الجنب الواحد وذكر الساق الواحد وذكر الأيدي وذكر اليدين وذكر اليد الواحدة فلو أخذنا بالظاهر لزمنا إثبات شخص له وجه وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنب واحد عليه أيد كثيرة وله ساق واحد ولا يرى في الدنيا شخص أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة ولا يظن أن عاقلا يرى أن يصف ربه بهذه الصفة.
قال السني المعظم لحرمات كلام الله: قد ادعيت أيها الجهمي أن ظاهر القرآن الذي هو حجة الله على عباده والذي هو خير الكلام وأصدقه وأحسنه وأفصحه وهو الذي هدى الله به عباده وجعله شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولم ينزل كتاب من السماء أهدى منه ولا أحسن ولا أكمل فانتهكت حرمته وعضهته ونسبته إلى أقبح النقص والعيب فادعيت أن ظاهره ومدلوله إثبات شخص له وجه وفيه أعين كثيرة وله جنب واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحد فادعيت أن ظاهر ما وصفه الله بن نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنعية المستقبحة فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع الصفات في ظاهر كلامه فأي طعن في القرآن أعظم من طعن من يجعل هذا ظاهره ومدلوله وهل هذا إلا من جنس قول الذين جعلوا القرآن عضين فعضهوه بالباطل وقالوا هو سحر أو شعر أو كذب مفترى بل هذا أقبح من قولهم من وجه فإن أولئك أقروا بعظمة الكلام وشرف قدره وعلوه وجلالته حتى قال فيه رأس الكفر والله إن لكلامه لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لجنى وإنه ليعلو وما يعلى وما يشبه كلام البشر.
ولم يدع أعداء الرسول الذين جاهروه بالمحاربة والعداوة أن ظاهر كلامه أبطل الباطل وأبين المحال وهو وصف الخالق سبحانه بأقبح الهيئات والصور ولو كان ذلك ظاهر القرآن لكان ذلك من أقرب الطرق لهم إلى الطعن فيه وقالوا كيف يدعونا إلى عبادة رب له وجه عليه عيون كثيرة وجنب واحد وساق واحد وأيد كثيرة فكيف كانوا يسكتون له على ذلك وهم يوردون عليه ما هو أقل من هذا بكثير كما أوردوا عليه المسيح لما قال { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [1] فتعلقوا بظاهر ما لم يدل على ما أوردوه وهو دخول المسيح فيما عبد من دون الله إما بعموم لفظ ما وإما بعموم المعنى فأوردوا على هذا الظاهر هذا الإيراد. وأورد أهل الكتاب على قوله { يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ } [2] إن بين هارون عيسى ما بينهما وليس ظاهر القرآن أنه هارون بن عمران بوجه وكانوا يتفننون فيما يوردونه على القرآن هذا ودونه فكيف يجدون ما ظاهره إثبات رب شأنه وهيئته ما ذكره هذا الجهمي ولا يصيحون به على رؤوس الأشهاد ويشنعون عليه بإثباته في كل حاضر وباد فالقوم على شركهم وشدة عدواتهم لله ورسوله كانوا أصح أفهاما من الجهمية الذين نسبوا ظاهر القرآن إلى هذه الصفة القبيحة ولكن الأذهان الغلف والقلوب العمي والبصائر الخفاشية لا يكثر عليها أن تفهم هذا من ظاهر القرآن.
قال أنصار الله ونحن نبين أن هذه الصورة الشنيعة ليست تفهم من ظاهر القرآن من وجوه
أحدها: أن الله سبحانه إنما قال: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [3] وقال: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا } [4] فدعوى الجهمي أن ظاهر هذا إثبات أعين كثيرة وأيد كثيرة فرية ظاهرة فإنه إن دل ظاهره على إثبات أعين كثيرة وأيد كثيرة دل على خالقين كثيرين فإن لفظ الأيدي مضاف إلى ضمير الجمع فأدع أيها الجهمي أن ظاهره إثبات أيد كثيرة لآلهة متعددة وإلا فدعواك أن ظاهره أيد كثيرة لذات واحدة خلاف الظاهر وكذلك قوله: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [5] إنما ظاهره بزعمك أعين كثيرة على ذوات متعددة لا على ذات واحدة.
الثاني: أن يقال لك دعواك أن ظاهر القرآن إثبات أيد كثيرة في جنب واحد كذب آخر فأين في ظاهر القرآن أن الأيدي في الجنب وكأنك إنما أخذت هذا من القياس على بني آدم فشبهت أولا وعطلت ثانيا وكذلك جعلك الأعين الكثيرة في الوجه الواحد ليس في ظاهر القرآن ما يدل على هذا وإنما أخذته من التشبيه بالآدمي والحيوان ولهذا قال بعض أهل العلم إن كل معطل مشبه ولا يستقيم له التعطيل إلا بعد التشبيه.
الثالث: أن يقال أين في ظاهر القرآن إثبات ساق واحد لله وجنب واحد فإنه سبحانه قال { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } [6] وقال { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [7] فعلى تقدير أن يكون الساق والجنب من الصفات فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه لا يكون له إلا ساق واحد وجنب واحد فلو دل على ما ذكرت لم يدل على نفي ما زاد على ذلك لا بمنطوقه ولا بمفهومه حتى إن القائلين بمفهوم اللقب لا يدل ذلك عندهم على نفي ما عدا المذكور لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الاختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بالاتفاق وليس المراد بالآيتين إثبات الصفة حتى يكون تخصيص أحد الأمرين بالذكر مرادا بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد في حق الله وبيان سجود الخلائق إذا كشف عن ساق وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره فلا يكون له مفهوم.
الرابع: هب أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هي صفة فمن أين في ظاهر الآية أنه ليس له إلا تلك الصفة الواحدة وأنت لو سمعت قائلا يقول كشفت عن عيني وأبديت عن ركبتي وعن ساقي أو قدمي أو يدي هل يفهم منه أنه ليس له إلا ذلك الواحد فقط فكم هذا التلبيس والتدليس فلو قال واحد من الناس هذا لم يكن ظاهر كلامه ذلك فكيف يكون ظاهر أفصح الكلام وأبينه ذلك.
الخامس: أن المفرد المضاف يراد به ما هو أكثر من واحد كقوله { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة َ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا } [8] وقوله { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ } [9] وقوله { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة َ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } [10] فلو كان الجنب والساق صفة لكان بمنزلة قوله { بِيَدِهِ الْمُلْكُ } [11] و { بيدك الخير } [12] و { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [13]
السادس أن يقال من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد هو صفة الله ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بني آدم وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذي يثبتون لله الصفات الخبرية ولا يقولون إن لله جنبا واحدا ولا ساقا واحدة قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله { يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله } [14] إنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس ذلك على ما يتوهمونه. قال الدارمي: فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشربها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك إنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله فسماهم الساخرين فهذا تفسير الجنب عندهم فمن أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم. وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الكذب مجانب للإيمان وقال ابن مسعود لا يجوز من الكذب جد ولا هزل وقال الشعبي من كان كذابا فهو منافق اه. وتوجيه ذلك أن الله قال { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة ً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [15] فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به وعامة هذه النفوس لا تعلم أن لله جنبا ولا تقر بذلك كما هو الموجود منها في الدنيا فكيف يكون ظاهر القرآن أن الله أخبر عنهم بذلك وقد قال عنهم { يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [16] والتفريط فعل أو ترك فعل وهذا لا يكون قائما بذات الله لا في جنب ولا في غيره بل يكون منفصلا عن الله وهذا معلوم بالحس والمشاهدة وظاهر القرآن يدل على أن قول القائل { يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه فأين في ظاهر القرآن ما يدل على أنه ليس لله إلا جنب واحد يعني به الشق. السابع أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد كما قال النبي لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب وهذا لا يدل على أنه ليس لعمران بن حصين إلا جنب واحد فإن قيل المراد على جنب من جنبيك قلنا فقد علم أن ذكر الجنب مفردا لا ينفي أن يكون معه غيره ولا يدل ظاهر اللفظ على ذلك بوجه.
ونظير هذا اللفظ القدم إذا ذكر مفردا لم يدل على أنه ليس لمن نسب إليه إلا قدم واحد كما في الحديث الصحيح "حتى يضع عليها رب العزة قدمه" وفي الحديث "أنا العاقب الذي يحشر الناس على قدمي".
الثامن: أن نقول من أين في ظاهر القرآن أن لله ساقا وليس معك إلا قوله تعالى { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } [17] والصحابة متنازعون في تفسير الآية هل المراد الكشف عن الشدة أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه وإنما ذكره مجردا عن الإضافة منكرا والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه "فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدا" ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ } [18] مطابق لقوله فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدا وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال كشفت الشدة عن القوم لا كشف عنها كما قال الله تعالى { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ } [19] وقال { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ } [20] فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه وأيضا فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة وهناك لا يدعون إلى السجود وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة. التاسع: أن دعوى الجهمي أن ظهر القرآن يدل على أن لله سبحانه أيديا كثيرة على جنب واحد وأعينا كثيرة على وجه واحد عضه للقرآن وتنقص له وذم ولا يدل ظاهر القرآن ولا باطنه على ذلك بوجه ما ولا فهمه من له عقل ولو كان ذلك ظاهر القرآن لكان المخبر به منفرا للمدعوين عن الإيمان بالله ورسوله ومطرقا لهم إلى الطعن عليه والله سبحانه قال { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [21] وقال { وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } [22] وقال { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [23] وقال { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا } [24] وقال في قصة موسى { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [25] فذكر العين المفردة مضافة إلى الضمير المفرد والأعين مجموعة مضافة إلى ضمير الجمع وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا كما يقول القائل أفعل هذا على عيني وأجيئك على عيني وأحمله على عيني ولا يريد به أن له عينا واحدة فلو فهم أحد هذا من ظاهر كلام المخلوق لعد أخرق وأما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرا أو مضمرا فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ كقوله { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [26] وقوله { وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } [27] وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد كقوله { بِيَدِهِ الْمُلْكُ } [28] و { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } [29] وإن أضيفت إلى ضمير جمع جمعت كقوله { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا } [30] وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر كقوله { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } [31] وقوله { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ } [32] وقد نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ومثناة ومجموعة. وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه إلى من تلتفت إلى خير لك مني وقول النبي ﷺ: "إن ربكم ليس بأعور" صريح في أنه ليس المراد إثبات عين واحدة ليس إلا فإن ذلك عور ظاهر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهل يفهم من قول الداعي "اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام" أنها عين واحدة ليس إلا إلا ذهن أقلف وقلب أغلف.
قال خلف بن تميم حدثنا عبد الجبار بن كثير قال قيل لإبراهيم بن أدهم هذا السبع فنادى يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء وإلا يعني فاذهب فضرب بذنبه وولى مدبرا فنظر إبراهيم إلى أصحابه وقال قولوا اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام وأكنفنا بكنفك الذي لا يرام وارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت الرجاء. قال عثمان الدارمي الأعور ضد البصير بالعينين وقد قال النبي في الدجال "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" وقد احتج السلف على إثبات العينين له سبحانه بقوله { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [33] وممن صرح بذلك إثباتا واستدلالا أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها فقال في المقالات والموجز والإبانة وهذا لفظه فيها وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى أن قال وإن الله مستوي على عرشه كما قال { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [34] وأن له وجها كما قال { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ } [35] وأن له يدين كما قال { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [36] وقال { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ } [37] وأن له عينين بلا كيف كما قال: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [38] فهذا الأشعري والناس قبله وبعده ومعه لم يفهموا من الأعين أعينا كثيرة على وجه ولم يفهموا من الأيدي أيديا كثيرة على شق واحد حتى جاء هذا الجهمي فعضه القرآن وادعى أن هذا ظاهره وإنما قصد هذا وأمثاله التشنيع على من بدعه وضلله من أهل السنة والحديث وهذا شأن الجهمية في القديم والحديث وهم بهذا الصنيع على الله ورسوله وكتابه يشنعون { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة ِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [39] فما ذنب أهل السنة والحديث إذا نطقوا بما نطقت به النصوص وأمسكوا عما أمسكت عنه ووصفوا الله بما وصف به نفسه ووصفه رسوله وردوا تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين الذين عقدوا ألوية الفتنة وأطلقوا أعنة المحنة وقالوا على الله وفي الله بغير علم فردوا باطلهم وبينوا زيفهم وكشفوا إفكهم ونافحوا عن الله ورسوله فلم يقدروا على أخذ الثأر منهم إلا بأن سموهم مشبهة ممثلة مجسمة حشوية ولو كان لهؤلاء عقول لعلموا أن التلقيب بهذه الألقاب ليس لهم وإنما هو لمن جاء بهذه النصوص وتكلم بها ودعى الأمة إلى الإيمان بها ومعرفتها ونهاهم عن تحريفها وتبديلها فدعوا التشنيع بما تعلمون أنتم وكل عاقل منصف أنه كذب ظاهر وإفك مفترى لا يعلم به قائل يناظر عن مقالته فهل تدفعون عن أنفسكم التعطيل ونفي حقائق صفات الكمال عن رب العالمين وأنها مجاز لا حقيقة لها وأن ظاهرها كفر وتشبيه وإلحاد فلو كان خصومكم كما زعمتم وحاشاهم مشبهة ممثلة مجسمة لكانوا أقل تنقصا لرب العالمين وكتابه وأسمائه وصفاته منكم بكثير كثير لو كان قولهم يقتضي التنقص فكيف وهو لا يقتضيه ولو صرحوا به فإنهم يقولون نحن أثبتنا لله غاية الكمال ونعوت الجلال ووصفناه بكل صفة كمال فإن لزم من هذا تجسيم أو تشبيه لم يكن هذا نقصا ولا عيبا ولا ذما بوجه من الوجوه فإن لازم الحق حق وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص وأما أنتم فنفيتم عنه صفات الكمال ولا ريب أن لازم هذا النفي وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص فما سوى الله ولا رسوله ولا عقلاء عباده بين من نفى كماله المقدس حذرا من التجسيم وبين من أثبت كماله الأعظم وصفاته العلى بلوازم ذلك كائنة ما كانت.
فلو فرضنا في الأمة من يقول له سمع كسمع المخلوق وبصر كبصره لكان أدنى إلى الحق ممن يقول لا سمع له ولا بصر.
ولو فرضنا في الأمة من يقول إنه متحيز على عرشه تحيط به الحدود والجهات لكان أقرب إلى الصواب من قول من يقول ليس فوق العرش إله يعبد ولا رب يصلى له ويسجد ولا ترفع إليه الأيدي ولا ينزل من عنده شيء ولا يصعد إليه شيء ولا هو فوق خلقه ولا محايثهم ولا مباينهم.
ولو فرضنا في الأمة من يقول إنه يتكلم كما يتكلم الآدمي وأن كلامه بآلات وأدوات تشبه آلات الآدميين وأدواتهم لكان خيرا ممن يقول إنه ما تكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول ولا يقوم به كلام البتة فإن هذا القائل يشبهه بالأحجار والجمادات التي لا تعقل وذلك المشبه وصفه بصفات الأحياء الناطقين.
وكذلك لو فرضنا في الأمة من يقول له يدان كأيدينا لكان خيرا ممن يقول ليس له يدان فإن هذا معطل مكذب لله راد على الله ورسوله وذلك المشبه غالط مخطىء في فهمه فالمشبه على زعمكم الكاذب لم يشبهه تنقيضا له وجحدا لك8ماله بل ظنا إن إثبات الكمال لا يمكن إلا بذلك فقابلتموه بتعطيل كماله وذلك غاية التنقص.
العاشر: أنك أيها الجهمي في فهمك عن الله أن ظاهر كلامه إثبات أيد متعددة على جنب واحد وعيون متعددة في وجه واحد قد ضاهيت النصارى الذين احتجوا على تثليثهم وإثبات آلهة متعددة بظاهر قوله { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا } [40] وأمثاله. وفي هؤلاء أنزل الله تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَة ِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } [41] وفي الصحيح عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: "يا عائشة إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" وهذا الفهم الفاسد إنما أتى من قبل عجم القلوب والألسن فهم الذين أفسدوا الدين وشوشوا على الناس وإلا فلغة العرب متنوعة في إفراد المضاف وتثنيته وجمعه بحسب أحوال المضاف إليه فإن أضافوا الواحد المتصل إلى مفرد أفردوه وإن أضافوه إلى اسم جمع ظاهر أو مضمر جمعوه وإن أضافوه إلى اسم مثنى فالأفصح من لغتهم جمعه لقوله تعالى { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [42] وإنما هما قلبان لا غير وقوله { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَة ُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [43] وتقول العرب إضرب أعناقهما واقطع ألسنتهما وهذا أفصح استعمالهم وتارة يفردون المضاف فيقولون لسانهما وقلبهما وظهرهما وتارة يثنونه كقوله ظهراهما مثل ظهور الترسين والقرآن إنما نزل بلغة العرب لا بلغة العجم والطماطم والأنباط الذين أفسدوا الدين وتلاعبوا بالنصوص وانتهكوا حرماتها وجعلوها عرضة لتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وإذا كان من لغتهم وضع الجمع موضع التثنية لئلا يجمعوا في لفظ واحد بين تثنيتين ولا لبس هناك فلأن يوضع الجمع موضع التثنية فيما إذا كان المضاف إليه مجموعا أولى بالجواز يدل عليه أنك لا تكاد تجد في كلامهم عينينا ويدينا ونحو ذلك ولا يلبس على السامع قول المتكلم نراك بأعيننا ونأخذك بأيدينا ونحو ذلك ولا يفهم منه بشر على وجه الأرض عيونا كثيرة على وجه واحد وأيديا متعددة على بدن واحد فهل قدر القرآن حق قدره من زعم أن هذا ظاهره.
الوجه الحادي عشر: لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع مفردا ومثنى ومجموعا فالمفرد كقوله { بِيَدِهِ الْمُلْكُ } [44] والمثنى كقوله { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [45] والمجموع كقوله { عَمِلَتْ أَيْدِينَا } [46] فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد وعدى الفعل بالباء إليهما فقال { خَلَقْتُ بِيَدَيّ } [47] وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها ولم يعد الفعل بالباء فهذه ثلاثة فروق فلا يحتمل { خَلَقْتُ بِيَدَيّ } [48] من المجاز ما يحتمله عملت أيدينا فإن كل أحد يفهم من قوله عملت أيدينا ما يفهمه من قوله عملنا وخلقنا كما يفهم ذلك من قوله { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [49] وأما قوله { خَلَقْتُ بِيَدَيّ } [50] فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى فكيف وقد دخلت عليها الباء فكيف إذا ثنيت.
وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد والمراد الإضافة إليه كقوله { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [51] { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [52] وأما إذا أضيف إليه الفعل ثم عدي بالباء إلى يده مفردة أو مثناة فهو ما باشرته يده ولهذا قال عبد الله بن عمرو إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا خلق آدم بيده وغرس جنة الفردوس بيده وذكر الثالثة فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة وقد أخبر النبي أن أهل الموقف يأتونه يوم القيامة فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك فذكروا أربعة أشياء كلها خصائص وكذلك قال آدم لموسى في محاجته له اصطفاك الله بكلامه وخط لك الألواح بيده وفي لفظ آخر كتب لك التوراة بيده وهو من أصح الأحاديث وكذلك الحديث الآخر المشهور "أن الملائكة قالوا يا رب خلقت بني آدم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله تعالى لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان" وهذا التخصيص إنما فهم من قوله { خَلَقْتُ بِيَدَيّ } [53] فلو كانت مثل قوله { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } لكان هو والأنعام في ذلك سواء فلما فهم المسلمون أن قوله { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ } موجبا له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه كانت التسوية بينه وبين قوله { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا } [54] خطأ محضا.
وكذلك قول النبي في الحديث الصحيح "يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى" وقوله "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع" وقال تعالى { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة ٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [55] وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في أعلى أهل الجنة منزلة: " أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها" وقال أنس بن مالك قال رسول الله ﷺ: "خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده فقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون" وقال عبد الله بن الحارث قال النبي: "إن الله خلق ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي لا يسكنها مدمن خمر ولا ديوث" وفي الصحيح عنه ﷺ: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة " وكان رسول الله ﷺ يقول في استفتاح الصلاة: "لبيك وسعديك والخير كله في يديك" وفي الصحيح أيضا عنه ﷺ: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
وقال عبد الله بن مسعود قال رسول الله ﷺ: "الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى" وفي الصحيح عنه ﷺ: "المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" وفي المسند وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللع عليه وسلم: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذن الله فقال له ربه رحمك ربك يا آدم وقال له إذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل السلام عليكم فذهب فقالوا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثم رجع إلى ربه فقال هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله تعالى ويداه مقبوضتان إختر أيهما شئت فقال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته" وذكر الحديث.
وقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله ﷺ يقول: "خلق الله آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. وقال هشام بن حكيم عن رسول الله ﷺ: "إن الله أخذ ذرية بني آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار".
وقال عبد الله بن عمرو ولما خلق الله آدم نفضه نفض المزود فخرج منه مثل الذر فقبض قبضتين فقال لما في اليمين في الجنة ولما في الأخرى في النار.
وقال أبو موسى الأشعري عن النبي ﷺ: "خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فمنهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والطيب والخبيث".
وقال سلمان الفارسي إن الله تعالى خمر طينة آدم أربعين ليلة أو أربعين يوما ثم ضرب بيده فيها فخرج كل طيب بيمينه وكل خبيث بيده الأخرى ثم خلط بينهما.
وقال أبو هريرة قال رسول الله ﷺ: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل متفق على صحته".
وقال أنس قال رسول الله ﷺ: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف فقال أبو بكر زدنا يا رسول الله ﷺ قال وهكذا وجمع يديه قال زدنا يا رسول الله ﷺ قال وهكذا قال زدنا يا رسول الله ﷺ قال عمر حسبك فقال أبو بكر دعني يا عمر وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا قال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بكف واحدة فقال النبي صدق عمر".
وقال نافع بن عمر سألت ابن أبي مليكة عن يد الله أواحدة أم اثنتان فقال لا بل اثنتان. وقال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم.
وقال ابن عمر وابن عباس أول شيء خلقه الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين فكتب الدنيا وما فيها من عمل معمول في بر وبحر ورطب ويابس فأحصاه عنده. وقال ابن عباس في قوله تعالى { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } يقبض الله عليها فيرى طرفاها في يده. وقال ابن عمر رأيت رسول الله ﷺ قائما على المنبر فقال: "إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السموات والأرض في قبضته ثم قال هكذا ومد يده وبسطها ثم يقول أنا الله أنا الرحمن" وذكر الحديث. وقال ابن وهب عن أسامة عن نافع عن ابن عمر أن النبي قرأ على المنبر { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [56] قال: "مطوية في كفه يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة ".
وقال عبيدالله بن مقسم نظرت إلى عبد الله بن عمر كيف صنع حيث يحكي رسول الله ﷺ قال: "يأخذ الله سماواته وأرضه بيده فيقول أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها ويقول أنا الرحمن الرحيم أنا الملك" حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني أقول أساقط هو برسول الله ﷺ وقال زيد بن أسلم لما كتب الله التوراة بيده قال بسم الله هذا كتاب من الله بيده لعبده موسى يسبحني ويقدسني ولا يحلف بإسمي آثما فإني لا أزكي من حلف باسمي آثما.
وإنما ذكرنا هذه النصوص التي هي غيض من فيض ليعلم الواقف عليها أنه لا يفهم أحد من عقلاء بني آدم منها شخصا له شق واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحد وله وجه واحد وفيه عيون كثيرة فهذه نصوص القرآن والسنة كما ترى هل يفهم منها مسلم ما ذكره هذا الجهمي أو أحد ممن له أدنى فهم ومن هذا قدر النصوص عنده فهو حقيق بأن لا يقبل منها شيئا ولا ينال منها هدى ولا يظفر منها بعلم وهي في حقه كما قال الله تعالى { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَة ٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا } [57] وقوله تعالى { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة ٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [58] وقوله { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [59] وقوله { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } [60] والله يعلم أن هذا من أعظم العضه لها والتنقص بها والطعن على من تكلم بها وجاء بها أو يقال له هذا ظاهر كلامك وحقيقته فانظر إلى أقبح التشبيه والتمثيل الذي ادعوا أنه ظاهر النصوص وإلى التعطيل الذي سطوا به عليها وسموه تأويلا فصح أنهم جمعوا بين فهم التشبيه منها واعتقاد التعطيل ونسبة قائلها إلى قصد ما يضاد البيان والإرشاد والله المستعان.
هامش
- ↑ [الأنبياء98]
- ↑ [مريم28]
- ↑ [القمر14]
- ↑ [يس71]
- ↑ [القمر14]
- ↑ [القلم42]
- ↑ [الزمر56]
- ↑ [النحل18]
- ↑ [التحريم12]
- ↑ [البقرة 187]
- ↑ [الملك1]
- ↑ [آل عمران26]
- ↑ [طه39]
- ↑ [الزمر56]
- ↑ [الزمر59-56]
- ↑ [الزمر56]
- ↑ [القلم42]
- ↑ [القلم42]
- ↑ [الزخرف50]
- ↑ [المؤمنون75]
- ↑ [القمر14]
- ↑ [هود37]
- ↑ [الطور48]
- ↑ [يس71]
- ↑ [طه39]
- ↑ [القمر14]
- ↑ [هود37]
- ↑ [الملك1]
- ↑ [آل عمران26]
- ↑ [يس71]
- ↑ [الروم41]
- ↑ [الأنبياء61]
- ↑ [القمر14]
- ↑ [طه5]
- ↑ [الرحمن27]
- ↑ [المائدة 64]
- ↑ [ص75]
- ↑ [القمر14]
- ↑ [التوبة 105]
- ↑ [ق43]
- ↑ [آل عمران7]
- ↑ [التحريم4]
- ↑ [المائدة 38]
- ↑ [الملك1]
- ↑ [ص75]
- ↑ [يس71]
- ↑ [ص75]
- ↑ [ص75]
- ↑ [الشورى30]
- ↑ [ص75]
- ↑ [الحج10]
- ↑ [الشورى30]
- ↑ [ص75]
- ↑ [يس71]
- ↑ [المائدة 64]
- ↑ [الزمر67]
- ↑ [الإسراء82]
- ↑ [التوبة 125، 124]
- ↑ [فصلت44]
- ↑ [البقرة 26]