→ كتاب الجامع الأخبار الأنبياء المتقدمين | البداية والنهاية – الجزء الثاني حديث إني خاتم ألف نبي ابن كثير |
ذكر أخبار العرب ← |
قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثني عبد المتعالي ابن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا مجالد عن أبي الوداك قال: قال أبو سعيد: هل تقر الخوارج بالدجال؟
قال: قلت: لا.
فقال: قال رسول الله ﷺ: « إني خاتم ألف نبي أو أكثر، وما بعث الله نبيا يتبع إلا وحذر أمته منه، وإني قد بين لي فيه ما لم يبين لأحد منهم، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخامة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء تدخن ». [1]
وقد روي عن جابر بن عبد الله فقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: « إني لخاتم ألف نبي أو أكثر، وإنه ليس منهم بني إلا وقد أنذر قومه الدجال، وأنه قد تبين لي فيه ما لم يتبين لأحد منهم وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ».
وهذا إسناد حسن، وهو محمول على ذكر عدد من أنذر قومه الدجال من الأنبياء، لكن في الحديث الآخر: « ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الدجال ». فالله أعلم.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن فرات يعني القزاز قال: سمعت أبا حازم يحدث قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ﷺ قال: « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون ».
قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟
قال: « فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ». [2]
وقال البخاري: حدثنا عمرو بن حفص، حدثنا أبي حدثني الأعمش، حدثني شقيق قال: قال عبد الله - هو ابن مسعود - كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: « اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ». [3]
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبي سعيد الخدري قال: وضع رجل يده اليمنى على النبي ﷺ فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فقال النبي ﷺ: « إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر حتى يأخذ العباء فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء ». [4]
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان بن عاصم بن أبي النجود، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟
قال: « الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عليه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض وما عليه خطيئة ». [5]
وتقدم في الحديث: « نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتى ».
والمعنى: أن شرائعهم وإن اختلفت في الفروع، ونسخ بعضها بعضا حتى انتهى الجميع إلى ما شرع الله لمحمد ﷺ وعليهم أجمعين.
إلا أن كل نبي بعثه الله فإنما دينه الإسلام، وهو التوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25] .
وقال تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45] .
وقال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ... } الآية [النحل: 36] .
فأولاد العلات أن يكون الأب واحدا والأمهات متفرقات، فالأب بمنزلة الدين وهو التوحيد، والأمهات بمنزلة الشرائع في اختلاف أحكامها كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا } [المائدة: 48] .
وقال: { لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكا هُمْ نَاسِكُوهُ } [الحج: 67] .
وقال: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [البقرة: 148] على أحد القولين في تفسيرها.
والمقصود أن الشرائع وإن تنوعت في أوقاتها، إلا أن الجميع آمرة بعبادة الله وحده لا شريك له، وهو دين الإسلام الذي شرعه الله لجميع الأنبياء، وهو الدين الذي لا يقبل الله غيره يوم القيامة كما قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85] .
وقال تعالى: { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 130- 132] .
وقال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا... } الآية [المائدة: 44] ، فدين الإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الإخلاص له وحده دون ما سواه، والإحسان أن يكون على الوجه المشروع في ذلك الوقت المأمور به، ولهذا لا يقبل الله من أحد عملا بعد أن بعث محمدا ﷺ على ما شرعه له.
كما قال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا } [الأعراف: 158] .
وقال تعالى: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [الأنعام: 19] .
وقال تعالى: { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [هود: 17] .
وقال رسول الله ﷺ: « بعثت إلى الأحمر والأسود ».
قيل: أراد العرب والعجم، وقيل: الإنس والجن.
وقال ﷺ: « والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ».
والأحاديث في هذا كثيرة جدا.
والمقصود أن إخوة العلات أن يكونوا من أب واحد وأمهاتهم شتى، مأخوذ من شرب العلل بعد النهل. وأما إخوة الأخياف فعكس هذا ؛ أن تكون أمهم واحدة من آباء شتى. وإخوة الأعيان فهم الأشقاء من أب واحد وأم واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي الحديث الآخر: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة ».
وهذا من خصائص الأنبياء أنهم لا يورثون، وما ذاك إلا لأن الدنيا أحقر عندهم من أن تكون مخلفة عنهم، ولأن توكلهم على الله عز وجل في ذراريهم أعظم، وأشد، وآكد من أن يحتاجوا معه إلى أن يتركوا لورثتهم من بعدهم ما لا يستأثرون به عن الناس، بل يكون جميع ما تركوه صدقة لفقراء الناس، ومحاويجهم، وذو خلتهم.
وسنذكر جميع ما يختص بالأنبياء عليهم السلام، مع خصائص نبينا ﷺ وعليهم أجمعين، في أول كتاب النكاح من كتاب الأحكام الكبير، حيث ذكره الأئمة من المصنفين اقتداء بالإمام أبي عبد الله الشافعي رحمة الله عليه وعليهم أجمعين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن أن عبد رب الكعبة قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو وهو جالس في ظل الكعبة، فسمعته يقول: بينا نحن مع رسول الله ﷺ في سفر إذ نزل منزلا فمنا من يضرب خباءه، ومنا من هو في جشرة، ومنا من ينتضل، إذ نادى مناديه: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعنا، قال: فقام رسول الله ﷺ فخطبنا فقال: « إنه لم يكن نبي قبلي إلا دل أمته على خير ما يعلمه لهم، وحذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وإن آخرها سيصيبها بلاء شديد، وأمور ينكرونها، تجيء فتن يريق بعضها بعضا، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، ثم تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه، ثم تنكشف، فمن سره منكم أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه موتته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ».
قال: فأدخلت رأسي من بين الناس، فقلت: أنشدك بالله أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ قال: فأشار بيده إلى أذنيه، وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، قال: فقلت: هذا ابن عمك - يعني معاوية - يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن نقتل أنفسنا، وقد قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [النساء: 29] .
قال: فجمع يديه، فوضعهما على جبهته، ثم نكس هنيهة، ثم رفع رأسه فقال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله.
ورواه أحمد أيضا عن وكيع عن الأعمش به، وقال فيه: { أيها الناس إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم، وينذره ما يعلمه شرا لهم } وذكر تمامه بنحوه. [6]
ورواه مسلم أيضا من حديث الشعبي، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمر، عن النبي ﷺ بنحوه.
آخر الجزء الثامن من خط المصنف رحمه الله تعالى، يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أخبار العرب، وكان الفراغ من تتمة هذا المجلد في سابع عشر شوال، سنة سهر ربيعة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، بدمشق المحروسة.
على يد أفقر عباد الله، وأحوجهم إلى رحمته، وعفوه، وغفرانه، ولطفه، وكرمه إسماعيل الدرعي الشافعي الأنصاري غفر الله تعالى له، وختم له بخير، ولأحبابه، ولإخوانه، ولمشايخه، ولجميع المسلمين، والصلاة والسلام على محمد خير خلقه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
- ↑ وهذا حديث غريب.
- ↑ وكذا رواه مسلم عن بندار ومن وجه آخر عن فرات به نحوه.
- ↑ رواه مسلم من حديث الأعمش به نحوه.
- ↑ هكذا رواه الإمام أحمد من طريق زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبي سعيد. وقد رواه ابن ماجه عن دحيم، عن ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد فذكره.
- ↑ ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عاصم بن أبي النجود. وقال الترمذي: حسن صحيح.
- ↑ وهكذا رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن الأعمش به.