→ ذكر جمل من الأحداث في الجاهلية | البداية والنهاية – الجزء الثاني ذكر جماعة مشهورين في الجاهلية ابن كثير |
حاتم الطائي أحد أجواد الجاهلية ← |
خبر خالد بن سنان العبسي الذي كان في زمن الفترة وقد زعم بعضهم أنه كان نبيا، والله أعلم.
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير التستري، حدثنا يحيى بن المعلى بن منصور الرازي، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا قيس بن الربيع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبي ﷺ فبسط لها ثوبه وقال:
« بنت نبي ضيعه قومه ».
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار، عن يحيى بن المعلى بن منصور، عن محمد بن الصلت، عن قيس، عن سالم، عن سعيد، عن ابن عباس قال: ذكر خالد بن سنان عند رسول الله ﷺ فقال:
« ذاك نبي ضيعه قومه ».
ثم قال: ولا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وكان قيس بن الربيع ثقة في نفسه، إلا أنه كان رديء الحفظ، وكان له ابن يدخل في أحاديثه ما ليس منها، والله أعلم.
قال البزار: وقد رواه الثوري، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير مرسلا ً.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا المعلى بن مهدي الموصلي قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلا من عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفئ عنكم نار الحرتين، فقال له رجل من قومه: والله يا خالد ما قلت لنا قط إلا حقا، فما شأنك وشأن نار الحرتين تزعم أنك تطفئها؟
فخرج خالد ومعه أناس من قومه فيهم عمارة بن زياد فأتوها، فإذا هي تخرج من شق جبل، فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها فقال: إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا، فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه وهو يقول: بدا بدا بدا كل هدى زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثيابي بيدي، حتى دخل معها الشق فأبطأ عليهم فقال لهم عمارة بن زياد: والله إن صاحبكم لو كان حيا لقد خرج إليكم بعد قالوا فادعوه باسمه.
قال فقالوا: إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه، فدعوه باسمه فخرج وهو آخذ برأسه فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي، فقد والله قتلتموني فادفنوني، فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانبشوني فإنكم تجدوني حيا، فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر فقلنا انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه.
فقال لهم عمارة: لا تنبشوه، لا والله لا تحدث مضر أنا ننبش موتانا، وقد كان قال لهم خالد: إن في عكن امرأته لوحين فإن أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم ستجدون ما تسألون عنه، قال: ولا يمسهما حائض، فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما إليهم وهي حائض، فذهب ما كان فيهما من علم.
قال أبو يونس: قال سماك بن حرب: سئل عنه النبي ﷺ فقال:
« ذاك نبي أضاعه قومه ».
قال أبو يونس: قال سماك بن حرب: إن ابن خالد بن سنان أتى النبي ﷺ فقال: « مرحبا بابن أخي ».
فهذا السياق موقوف على ابن عباس، وليس فيه أنه كان نبيا، والمرسلات التي فيها أنه نبي لا يحتج بها هاهنا، والأشبه أنه كان رجلا صالحا له أحوال وكرامات، فإنه إن كان في زمن الفترة.
فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله ﷺ أنه قال:
« إن أولى الناس بعيسى بن مريم أنا لأنه ليس بيني وبينه نبي »، وإن كان قبلها فلا يمكن أن يكون نبيا لأن الله تعالى قال: { لِتُنْذِرَ قَوْما مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } [السجدة: 3] .
وقد قال غير واحد من العلماء: إن الله تعالى لم يبعث بعد إسماعيل نبيا في العرب إلا محمدا ﷺ، خاتم الأنبياء الذي دعا به إبراهيم الخليل باني الكعبة المكرمة التي جعلها الله قبلة لأهل الأرض شرعا، وبشرت به الأنبياء لقومهم حتى كان آخر من بشر به عيسى بن مريم عليه السلام.
وبهذا المسلك بعينه يرد ما ذكره السهيلي وغيره، من إرسال نبي من العرب يقال له شعيب بن ذي مهذم بن شعيب بن صفوان صاحب مدين، وبعث إلى العرب أيضا حنظلة بن صفوان فكذبوهما، فسلط الله على العرب بخت نصر فنال منهم من القتل والسبي نحو ما نال من بني إسرائيل، وذلك في زمن معد بن عدنان.
والظاهر أن هؤلاء كانوا قوما صالحين يدعون إلى الخير، والله أعلم. وقد تقدم ذكر عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف في أخبار خزاعة بعد جرهم.