→ قصة تبع أبي كرب مع أهل المدينة | البداية والنهاية – الجزء الثاني وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن ابن كثير |
خروج الملك باليمن من حمير إلى الحبشة السودان ← |
وقد ملكها سبعا وعشرين سنة. قال ابن إسحاق: فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت الملك، يقال له: لخنيعة ينوف ذو شناتر، فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم، وكان مع ذلك امرءا فاسقا يعمل عمل قوم لوط، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك.
ثم يطلع من شربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده، قد أخذ مسواكا فجعله في فيه ليعلمهم أنه قد فرغ منه، حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان، وكان صبيا صغيرا حين قتل أخوه حسان، ثم شب غلاما جميلا وسيما ذا هيئة وعقل، فلما أتاه رسوله، عرف ما يريد منه، فأخذ سكينا جديدا لطيفا فخبأه بين قدميه ونعله ثم أتاه.
فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله، ثم حزَّ رأسه فوضعه في الكوة التي كان يشرف منها، ووضع مسواكه في فيه، ثم خرج على الناس، فقالوا له: ذا نواس أرطب أم يباس؟ فقال: سل نحماس استرطبان ذو نواس، استرطبان لا بأس، فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع، فخرجوا في أثر ذي نواس حتى أدركوه، فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك إذ أرحتنا من هذا الخبيث.
فملكوه عليهم، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير وتسمى يوسف، فأقام في ملكه زمانا، وبنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم عليه السلام على الإنجيل أهل فضل واستقامة من أهل دينهم، لهم رأس يقال له: عبد الله بن الثامر.
ثم ذكر ابن إسحاق سبب دخول أهل نجران في دين النصارى، وأن ذلك كان على يدي رجل يقال له: فيميون، كان من عُبَّاد النصارى بأطراف الشام، وكان مجاب الدعوة.
وصحبه رجل يقال له صالح، فكان يتعبدان يوم الأحد، ويعمل فيميون بقية الجمعة في البناء، وكان يدعوا للمرضى والزمنى وأهل العاهات فيشفون، ثم استأسره وصاحبه بعض الأعراب فباعوهما بنجران، فكان الذي اشترى فيميون يراه إذا قام في مصلاه بالبيت الذي هو فيه في الليل، يمتلي عليه البيت نورا فأعجبه ذلك من أمره.
وكان أهل نجران يعبدون نخلة طويلة لها عيد كل سنة، يعلقون عليها حُليّ نسائهم ويعكفون عندها، فقال فيميون لسيده: أرأيت إن دعوت الله على هذه الشجرة فهلكت أتعلمون أن الذي أنتم عليه باطل؟ قال: نعم.
فجمع له أهل نجران، وقام فيميون إلى مصلاه فدعا الله عليها، فأرسل الله عليها قاصفا فجعفها من أصلها، ورماها إلى الأرض، فاتبعه أهل نجران على دين النصرانية، وحملهم على شريعة الإنجيل، حتى حدثت فيهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هنالك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب.
ثم ذكر ابن إسحاق قصة عبد الله بن الثامر حين تنصر على يدي فيميون، وكيف قتله وأصحابه ذو نواس وخدَّ لهم الأُخدود.
وقال ابن هشام: وهو الحفر المستطيل في الأرض مثل الخندق، وأجج فيه النار وحرقهم بها، وقتل آخرين حتى قتل قريبا من عشرين ألفا، كما قدمنا ذلك مبسوطا في أخبار بني إسرائيل، وكما هو مستقصى في تفسير سورة { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } من كتابنا التفسير، ولله الحمد.