الرئيسيةبحث

البداية والنهاية/الجزء الثاني/رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة


رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة


رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وما ظهر عليه من البركة وآيات النبوة

قال محمد بن إسحاق: فاسترضع له عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر.

قال: واسم أبي رسول الله ﷺ الذي أرضعه - يعني زوج حليمة - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن. وأخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من الرضاعة - عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء، وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله ﷺ مع أمه إذ كان عندهم.

قال ابن إسحاق: حدثني جهم بن أبي جهم مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب، ويقال له: مولى الحارث بن حاطب. قال: حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثت عن حليمة بنت الحارث أنها قالت:

قدمت مكة في نسوة، وذكر الواقدي بإسناده أنهن كن عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن بها الرضعاء من بني سعد، نلتمس بها الرضعاء في سنة شهباء، فقدمت على أتان لي قمراء، كانت أذّمت بالركب ومعي صبي لنا، وشارف لنا والله ما تبض بقطرة.

وما ننام ليلتنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك، ما نجد في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج. فخرجت على أتاني تلك، فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله ﷺ فتأباه إذا قيل إنه يتيم تركناه، قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه، إنما نرجو المعروف من أبي الولد، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا؟ فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق، قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.

فقال: لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة. فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره، فما هو إلا أن أخذته، فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة.

فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟ فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا، ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا، فوالله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟

فأقول: نعم والله إنها لهي، فقلن: والله إن لها لشأنا، حتى قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فتحلب ما شئنا، وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن، وإن أغنامهم لتروح جياعا، حتى إنهم ليقولون لرعاتهم أو لرعيانهم: ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم، فيسرحون مع غنمي حيث تسرح، فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن، وتروح أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا.

فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين، فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا، فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة، فلما رأته أمه قلت لها: دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى، فإنا نخشى عليه وباء مكة، فوالله ما زلنا بها حتى قالت نعم، فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة.

فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا، جاء أخوه ذلك يشتد فقال: ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائما منتقعا لونه، فأعتنقه أبوه وقال: يا بني ما شأنك؟

قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض أضجعاني وشقا بطني، ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه، ثم رداه كما كان، فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب، فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف.

قالت حليمة: فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به، فقدمنا به عليها فقالت: ما ردكما به يا ظئر، فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا: لا والله إلا أن الله قد أدى عنا وقضينا الذي علينا، وقلنا نحشى الإتلاف والأحداث نرده إلى أهله، فقالت: ما ذاك بكما فأصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره.

فقالت: أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، والله إنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبركما خبره، قلنا: بلى

قالت: حملت به، فما حملت حملا قط أخف علي منه، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه، رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما.

وهذا الحديث قد روي من طرق أخر، وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي.

وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد بن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: خرجت حليمة تطلب النبي ﷺ وقد وجدت البهم تقيل، فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت، حتى انتهى إلى هذا الموضع.

وقال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله ﷺ أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام.

واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينما أنا مع أخ لي في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجعاني فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا ألقياه رداه كما كان.

ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال زنه بمائة من أمته، فوزنني بمائة فوزنتهم، ثم قال زنه بألف من أمته، فوزنني بألف فوزنتهم، فقال دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم. وهذا إسناد جيد قوي.

وقد روى أبو نعيم الحافظ في (الدلائل) من طريق عمر بن الصبح - وهو أبو نعيم - عن ثور بن يزيد، عن مكحول، عن شداد بن أوس هذه القصة مطولة جدا، ولكن عمر بن صبح هذا متروك كذاب، متهم بالوضع، فلهذا لم نذكر لفظ الحديث إذ لا يفرح به.

ثم قال: وحدثنا أبو عمر بن حمدان، حدثنا الحسن بن نفير، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية بن الوليد، عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن عتبة بن عبد الله أنه حدثه أن رجلا سأل النبي ﷺ فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟

قال: كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا، فقلت يا أخي اذهب فائتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم فأقبل إلي طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فقال: نعم.

فأقبلا يبتدراني، فأخذاني فبطحاني للقفا، فشقا بطني ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين. فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد فغسلا به قلبي. ثم قال: ائتني بالسكينة فذرها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه فخاطه، وختم على قلبي بخاتم النبوة.

فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم، فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا فتركاني وفرقت فرقا شديدا، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد لبس بي، فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيرا لها، وحملتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت، فلم يرعها وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام.

ورواه أحمد من حديث بقية بن الوليد به. وهكذا رواه عبد الله بن المبارك وغيره عن بقية بن الوليد به.

وقد رواه ابن عساكر من طريق أبي داود الطيالسي، حدثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي، أخبرني عمير بن عمر بن عروة بن الزبير قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول الله كيف علمت أنك نبي حين علمت ذلك، واستيقنت أنك نبي؟

قال: « يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟

قال: هو هو.

قال: زنه برجل، فوزنني برجل فرجحته... ».

وذكر تمامه، وذكر شق صدره وخياطته، وجعل الخاتم بين كتفيه، قال: فما هو إلا أن وليا عني فكأنما أعاين الأمر معاينة.

ثم أورد ابن عساكر، عن أبي بن كعب بنحو ذلك. ومن حديث شداد بن أوس بابسط من ذلك.

وثبت في صحيح مسلم من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة سوداء فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.

قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.

وقد رواه ابن عساكر من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد، عن ثابت البناني، عن أنس: أن الصلاة فرضت بالمدينة، وأن ملكين أتيا رسول الله ﷺ فذهبا به إلى زمزم، فشقا بطنه فأخرجا حشوته في طشت من ذهب فغسلاه بماء زمزم، ثم لبسا جوفه حكمة وعلما.

ومن طريق ابن وهب أيضا، عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عامر بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس قال: أتى رسول الله ﷺ ثلاث ليال قال: خذوا خيرهم وسيدهم، فأخذوا رسول الله ﷺ، فعمد به إلى زمزم، فشق جوفه ثم أتى بتور من ذهب فغسل جوفه ثم ملئ حكمة وإيمانا.

وثبت من رواية سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس وفي الصحيحين من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس، وعن الزهري، عن أنس، عن أبي ذر، وقتادة، عن أنس، وعن مالك بن صعصعة، عن النبي ﷺ في حديث الإسراء.

كما سيأتي قصة شرح الصدر ليلتئذ، وإنه غسل بماء زمزم، ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين: مرة وهو صغير، ومرة ليلة الإسراء، ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى ولمناجاة الرب عز وجل، والمثول بين يديه تبارك وتعالى.

وقال ابن إسحاق: وكان رسول الله ﷺ يقول لأصحابه: « أنا أعربكم، أنا قرشي، واسترضعت في بني سعد بن بكر ».

وذكر ابن إسحاق أن حليمة لما أرجعته إلى أمه بعد فطامه، مرت به على ركب من النصارى فقاموا إليه عليه الصلاة والسلام فقلبوه، وقالوا: إنا سنذهب بهذا الغلام إلى ملكنا فإنه كائن له شأن، فلم تكد تنفلت منهم إلا بعد جهد.

وذكر أنها لما ردته حين تخوفت عليه أن يكون أصابه عارض، فلما قربت من مكة افتقدته فلم تجده، فجاءت جده عبد المطلب فخرج هو وجماعة في طلبه فوجده ورقة بن نوفل، ورجل آخر من قريش فأتيا به جده، فأخذه على عاتقه، وذهب فطاف به يعوذه، ويدعو له، ثم رده إلى أمه آمنة.

وذكر الأموي من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي - وهو ضعيف - عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قصة مولده عليه الصلاة والسلام، ورضاعه من حليمة على غير سياق محمد بن إسحاق.

وذكر أن عبد المطلب أمر ابنه عبد الله أن يأخذه فيطوف به في أحياء العرب ليتخذ له مرضعة، فطاف حتى استأجر حليمة على رضاعه، وذكر أنه أقام عندها ست سنين، تزيره جده في كل عام، فلما كان من شق صدره عندهم ما كان، ردته إليهم فأقام عند أمه حتى كان عمره ثماني سنين ماتت، فكفله جده عبد المطلب فمات وله عليه الصلاة والسلام عشر سنين، فكفله عماه شقيقا أبيه: الزبير، وأبو طالب.

فلما كان له بضع عشرة سنة خرج مع عمه الزبير إلى اليمن، فذكر أنهم رأوا منه آيات في تلك السفرة، منها أن فحلا من الإبل كان قد قطع بعض الطريق في واد ممرهم عليه، فلما رأى رسول الله ﷺ برك حتى حك بكلكله الأرض، فركبه عليه الصلاة والسلام.

ومنها أنه خاض بهم سيلا عرما فأيبسه الله تعالى حتى جاوزوه، ثم مات عمه الزبير وله أربع عشرة سنة، فانفرد به أبو طالب.

والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير، ثم عادت على هوازن بكمالهم، فواضله حين أسرهم بعد وقعتهم، وذلك بعد فتح مكة بشهر، فمتوا إليه برضاعه فأعتقهم وتحنن عليهم، وأحسن إليهم، كما سيأتي مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى.

قال محمد بن إسحاق: في وقعة هوازن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسول الله ﷺ بحنين، فلما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك.

وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إن ما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك، رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين ثم أنشد:

امنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وندخر

امنن على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير

أبقت لنا الدهر هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك يملؤه من محضها درر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

وقد رويت هذه القصة من طريق عبيد الله بن رماحس الكلبي الرملي، عن زياد بن طارق الجشمي، عن أبي صرد زهير بن جرول - وكان رئيس قومه - قال: لما أسرنا رسول الله ﷺ يوم حنين، فبينا هو يميز بين الرجال والنساء وثبت حتى قعدت بين يديه، وأسمعته شعرا أذكّره حين شب ونشأ في هوازن حيث أرضعوه:

امنن علينا رسول الله في دعة * فإنك المرء نرجوه وننتظر

امنن على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير

أبقت لنا الحرب هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك تملؤه من محضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه * من أمهاتك إن العفو مشتهر

إنا نؤمل عفوا منك تلبسه * هذي البرية إذ تعفو وتنتصر

فاغفر عفا الله عما أنت راهبه * يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر

قال:

فقال رسول الله ﷺ: « أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم ».

فقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله ﷺ. وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية وكانت ستة آلاف ما بين صبي وامرأة، وأعطاهم أنعاما وأناسي كثيرا.

حتى قال أبو الحسين ابن فارس: فكان قيمة ما أطلق لهم يومئذ خمسمائة ألف ألف درهم، فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة؟

البداية والنهاية - الجزء الثاني
ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام | قصة حزقيل | قصة اليسع عليه السلام | فصل في حال بني إسرائيل | قصة شمويل عليه السلام | قصة داود وما كان في أيامه وذكر فضائله وشمائله ودلائل نبوته وإعلامه | ذكر كمية حياته وكيفية وفاته عليه السلام | قصة سليمان بن داود عليهما السلام | ذكر وفاته وكم كانت مدة ملكه وحياته | باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد داود وسليمان | ومنهم ارميا بن حلقيا من سبط لاوي بن يعقوب | ذكر خراب بيت المقدس | ذكر شيء من خبر دانيال عليه السلام | ذكر عمارة بيت المقدس بعد خرابها | وهذه قصة العزير | فصل:حفظ عزيرا التوراة | قصة زكريا ويحيى عليهما السلام | بيان سبب قتل يحيى عليه السلام | قصة عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وابن أمته عليه من الله أفضل الصلاة والسلام | ميلاد العبد الرسول عيسى بن مريم العذراء البتول | باب بيان أن الله تعالى منزه عن الولد تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا | ذكر منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام | بيان نزول الكتب الأربعة ومواقيتها | بيان شجرة طوبى ما هي؟ | ذكر خبر المائدة | فصل توجه عيسى عليه السلام نحو البحر. | ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء | ذكر صفة عيسى عليه السلام وشمائله وفضائله | فصل اختلاف أصحاب المسيح في رفع عيسى إلى السماء. | بيان بناء بيت لحم والقمامة | كتاب أخبار الماضين من بني إسرائيل وغيرهم | خبر ذي القرنين | بيان طلب ذي القرنين عين الحياة | ذكر أمتي يأجوج ومأجوج وصفاتهم | قصة أصحاب الكهف | قصة الرجلين المؤمن والكافر | قصة أصحاب الجنة | قصة أصحاب أيلة الذين اعتدوا في سبتهم | قصة أصحاب القرية | قصة لقمان | قصة أصحاب الأخدود | بيان الإذن في الرواية عن أخبار بني إسرائيل | قصة جريج أحد عباد بني إسرائيل | قصة برصيصا | قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانطبق عليهم | خبر الثلاثة الأعمى والأبرص والأقرع | حديث الذي استلف من صاحبه ألف دينار فأداها | قصة أخرى شبيهة بهذه القصة في الصدق والأمانة | قصة توبة قاتل التسعة وتسعين نفسا | حديث بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها | حديث كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون | حديث إنما هلكت بنو إسرائيل | حديث بينما كلب يطيف بركيه كاد يقتله العطش | حديث عذبت امرأة في هرة | حديث كان في بني إسرائيل امرأة قصيرة | حديث إن مما أدرك الناس | حديث بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي | قصة الملكين التائبين | حديث إن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا | حديث كان رجل يداين الناس | حديث الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل | حديث أتشفع في حد من حدود الله؟ | حديث كلاكما محسن | حديث إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم | حديث لعن الله اليهود | حديث فأمر بلال أن يشفع الأذان | حديث لعنة الله على اليهود والنصارى | حديث لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر | حديث إنما أجلكم في أجل من خلا من قبلكم من الأمم | فصل: بعض القصص من الإسرائيليات | تحريف أهل الكتاب وتبديلهم أديانهم | ليس للجنب لمس التوراة | كتاب الجامع الأخبار الأنبياء المتقدمين | حديث إني خاتم ألف نبي | ذكر أخبار العرب | قصة سبأ | فصل إقامة ست قبائل من سبأ في اليمن. | قصة ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر | قصة تبع أبي كرب مع أهل المدينة | وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن | خروج الملك باليمن من حمير إلى الحبشة السودان | خروج أبرهة الأشرم على أرياط واختلافهما | سبب قصد أبرهة بالفيل مكة ليخرب الكعبة | خروج الملك عن الحبشة ورجوعه إلى سيف بن ذي يزن | ما آل إليه أمر الفرس باليمن | قصة الساطرون صاحب الحضر | خبر ملوك الطوائف | ذكر بني إسماعيل وما كان من أمور الجاهلية إلى زمان البعثة | قصة خزاعة وعمرو بن يحيى وعبادة العرب للأصنام | باب جهل العرب | خبر عدنان جد عرب الحجاز | أصول أنساب عرب الحجاز إلى عدنان | قريش نسبا واشتقاقا وفضلا وهم بنو النضر بن كنانة | خبر قصي بن كلاب وارتجاعه ولاية البيت إلى قريش وانتزاعه ذلك من خزاعة | فصل: تفويض قصي أمر الوظائف لابنه عبد الدار | ذكر جمل من الأحداث في الجاهلية | ذكر جماعة مشهورين في الجاهلية | حاتم الطائي أحد أجواد الجاهلية | شيء من أخبار عبد الله بن جدعان | امرؤ القيس بن حجر الكندي صاحب إحدى المعلقات | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | بحيرا الراهب | ذكر قس بن ساعدة الإيادي | زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه | شيء من الحوادث في زمن الفترة | كعب بن لؤي | تجديد حفر زمزم | نذر عبد المطلب ذبح ولده | تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله من آمنة بنت وهب الزهرية | كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام | فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام | ذكر ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط الشرفات | حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام | رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة | فصل ذكر رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى أمه آمنة بعد رضاعة حليمة | فصل كفالة عبد المطلب للنبي عليه الصلاة والسلام | فصل في خروجه عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلى الشام | قصة بحيرا | فصل في منشئه ومرباه عليه الصلاة والسلام | شهوده عليه الصلاة والسلام حرب الفجار | فصل شهود رسول الله عليه الصلاة والسلام حلف المطيبين مع عمومته | تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد | باب ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة | فصل ذكر خديجة لورقة بن نوفل عن النبي عليه الصلاة والسلام | فصل في تجديد قريش بناء الكعبة قبل المبعث بخمس سنين | فصل تعظيم قريش للحرم تعظيما زائدا أدى إلى الابتداع | مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا وذكر شيء من البشارات بذلك | فصل طلب اليهود من الله تعالى أن يبعث لهم نبيا يحكم بينهم وبين الناس | ذكر أخبار غريبة في ذلك | قصة عمرو بن مرة الجهني | قصة سيف بن ذي يزن وبشارته بالنبي | باب في هواتف الجان