→ كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم | البداية والنهاية – الجزء الثاني باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن كثير |
صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام ← |
ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين لما رواه مسلم في صحيحه من حديث غيلان بن جرير بن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة أن أعرابيا قال: يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين؟
فقال: « ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين. تفرد به أحمد.
ورواه عمرو بن بكير، عن ابن لهيعة وزاد: نزلت سورة المائدة يوم الاثنين { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] . وهكذا رواه بعضهم عن موسى بن داود به. وزاد أيضا وكانت وقعة بدر يوم الاثنين. وممن قال هذا يزيد بن حبيب، وهذا منكر جدا.
قال ابن عساكر: والمحفوظ أن بدرا، ونزول { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يوم الجمعة. وصدق ابن عساكر.
وروى عبد الله بن عمر، عن كريب، عن ابن عباس: ولد رسول الله ﷺ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين.
وهكذا روي من غير هذا الوجه عن ابن عباس أنه ولد يوم الاثنين، وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد ﷺ يوم الاثنين، وأبعد بل أخطأ من قال: ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع الأول. نقله الحافظ ابن دحية فيما قرأه في كتاب (أعلام الروي بأعلام الهدى) لبعض الشيعة.
ثم شرع ابن دحية في تضعيفه وهو جدير بالتضعيف إذ هو خلاف النص، ثم الجمهور على أن ذلك كان في شهر ربيع الأول، فقيل: لليلتين خلتا منه، قاله ابن عبد البر في (الاستيعاب) ورواه الواقدي، عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني.
وقيل: لثمان خلون منه، حكاه الحميدي، عن ابن حزم، ورواه مالك، وعقيل، ويونس بن يزيد، وغيرهم، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه (التنوير في مولد البشير النذير)
وقيل: لعشر خلون منه، نقله ابن دحية في كتابه، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، ورواه مجالد عن الشعبي كما مر.
وقيل: لثنتي عشرة خلت منه، نص عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن عفان، عن سعيد بن مينا، عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات، وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم.
وقيل: لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة.
وقيل: لثمان بقين منه، نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمد بن حزم عن أبيه. والصحيح عن ابن حزم الأول أنه: لثمان مضين منه، كما نقله عنه الحميدي وهو أثبت.
والقول الثاني: أنه ولد في رمضان، نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قول غريب جدا، وكان مستنده أنه عليه الصلاة والسلام أوحى إليه في رمضان بلا خلاف، وذلك على رأس أربعين سنة من عمره، فيكون مولده في رمضان، وهذا فيه نظر والله أعلم.
وقد روى خيثمة بن سليمان الحافظ، عن خلف بن محمد كردوس الواسطي، عن المعلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن جعفر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ يوم الاثنين في ربيع الأول، وأنزلت عليه النبوة يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول، وأنزلت عليه البقرة يوم الاثنين في ربيع الأول، وهذا غريب جدا، رواه ابن عساكر.
قال الزبير بن بكار: حملت به أمه في أيام التشريق في شعب أبي طالب، عند الجمرة الوسطى. وولد بمكة بالدار المعروفة بمحمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عثمان بن عقبة بن مكرم، عن المسيب بن شريك، عن شعيب بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: حمل برسول الله ﷺ في يوم عاشوراء في المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل.
وذكر غيره أن الخيزران وهي أم هارون الرشيد لما حجت أمرت ببناء هذه الدار مسجدا، فهو يعرف بها اليوم.
وذكر السهيلي أن مولده عليه الصلاة والسلام كان في العشرين من نيسان، وهذا أعدل الزمان والفصول وذلك لسنة اثنتين وثمانين وثمانمائة لذي القرنين، فيما ذكر أصحاب الزيج. وزعموا أن الطالع كان لعشرين درجة من الجدي، وكان المشتري وزحل مقترنين في ثلاث درج من العقرب، وهي درجة وسط السماء، وكان موافقا من البروج الحمل، وكان ذلك عند طلوع القمر أول الليل. نقله كله ابن دحية والله أعلم.
قال ابن إسحاق: وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وهذا هو المشهور عن الجمهور.
قال إبراهيم بن المنذر الحزامي - وهو الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا - أنه عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل، وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل.
وقد رواه البيهقي من حديث أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله ﷺ عام الفيل، كنا لدين قال: وسأل عثمان رضي الله عنه قباث بن أشيم أخا بني يعمر بن ليث أنت أكبر أم رسول الله ﷺ؟ فقال: رسول الله ﷺ أكبر مني، وأنا أقدم منه في الميلاد.
ورأيت خزق الفيل أخضر محيلا.
ورواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق به.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله ﷺ عام عكاظ ابن عشرين سنة.
وقال ابن إسحاق: كان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة، وكان بناء الكعبة بعد الفجار بخمسة عشر سنة، والمبعث بعد بنائها بخمس سنين.
وقال محمد بن جبير بن مطعم: كانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبناء الكعبة بعد عكاظ بعشر سنين، والمبعث بعد بنائها بخمس عشرة سنة.
وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد العزيز بن أبي ثابت المديني: حدثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله ﷺ؟ قال: رسول الله ﷺ أكبر مني، وأنا أسن منه.
ولد رسول الله ﷺ عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله، وتنبأ رسول الله ﷺ على رأس أربعين سنة
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال، حدثنا نعيم يعني - ابن ميسرة - عن بعضهم، عن سويد بن غفلة أنه قال: أنا لدة رسول الله ﷺ، ولدت عام الفيل.
قال البيهقي: وقد روي عن سويد بن غفلة أنه قال: أنا أصغر من رسول الله ﷺ بسنتين.
قال يعقوب: وحدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، حدثني عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان النوفلي، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل، وكانت بعده عكاظ بخمس عشرة سنة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله ﷺ على رأس أربعين سنة من الفيل.
والمقصود أن رسول الله ﷺ ولد عام الفيل على قول الجمهور، فقيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يوما، وقيل: بخمسين يوما - وهو أشهر -.
وعن أبي جعفر الباقر: كان قدوم الفيل للنصف من المحرم، ومولد رسول الله ﷺ بعده بخمس وخمسين ليلة.
وقال آخرون: بل كان عام الفيل قبل مولد رسول الله ﷺ بعشر سنين، قاله ابن أبزى، وقيل: بثلاث وعشرين سنة.
رواه شعيب بن شعيب عن أبيه، عن جده كما تقدم.
وقيل: بعد الفيل بثلاثين سنة. قاله موسى بن عقبة عن الزهري رحمه الله، واختاره موسى بن عقبة أيضا رحمه الله.
وقال أبو زكريا العجلاني: بعد الفيل بأربعين عاما. رواه ابن عساكر، وهذا غريب جدا. وأغرب منه ما قال خليفة بن خياط: حدثني شعيب بن حبان، عن عبد الواحد بن أبي عمرو، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: ولد رسول الله ﷺ قبل الفيل بخمس عشرة سنة.
وهذا حديث غريب ومنكر وضعيف أيضا، قال خليفة بن خياط والمجتمع عليه أنه عليه السلام ولد عام الفيل.