ينتقل القمح من مخزن الحبوب بالطريق البرّي، أو بالسِّكك الحديدية إلى صوامع نهائية تقع في سوق قمح كبير أو مركز للنقل البحري. وقد تُخلط شحنات في المستودع النهائي لإنتاج مخاليط تطلبها مطاحن الدقيق. فإذا كانت الحبوب ستصدَّر، يجري فحصها ووضع درجة لها. وكثيرًا ما تسع الصوامع النهائية من 35,000 إلى 350,000 طن متري من القمح، كما أن بعضها يمكن أن يتسع لأكثر من ذلك. ★ تَصَفح: صومعة الغلال.
يُحَمَّل القمح من المحطة النهائية في سفن ضخمة للتصدير. ويحمل معظم القمح المتبقى في الشاحنات، والسكك الحديدية، ومراكب نقل البضائع إلى المطاحن كي تطحنه إلى دقيق. أما ما يتبقى فيشحن إلى مُصنِّعين آخرين لاستعماله في علف الحيوان، أو منتجات صناعية أخرى. للحصول على وصف لطحن الدقيق. ★ تَصَفح: الدقيق.
وقد يبتاع المشترون القمح الموجود فعلاً في المستودع، كما أن البورصات الأكبر لها أيضًا سوق البيع الآجل حيث يُبرم التجار عقود شراء وبيع القمح بسعر محدد وتاريخ لاحق. وتساعد السوق المستقبلية شركات المطاحن وغيرها من المصنعين بأن تؤمِّن لهم موردًا مستمراً من الحبوب بأسعار تقررت قبل التسليم بمدة طويلة. ★ تَصَفح: سوق المقاصة.
يُسوق القمح أحيانًا بمعرفة وكالات حكومية، مثل مجلس القمح الكندي (سي. دَبْليو. بي)، الذي يمثل المزارعين والمستهلكين والدولة. وهو يشتري ويبيع القمح بأسعار تحددها الدولة، كما أنه يُحدِّد حصص المشتريات من مزارعي القمح، وينظم الصادرات، ويدفع لمزارعي القمح مستحقاتهم عندما يُسلِّمون محصولهم للصوامع، ثم يجمع القمح ويباع بمعرفة مجلس القمح. وقد يتسلّم المزارعون دفعات إضافية بعد بيع المحصول. ويقضي هذا النظام بأن يتسلّم جميع المزارعين نفس السعر للقمح ذي الرتبة المتساوية، كما يضمن لهم نصيبًا عادلاً من التسويق.
ويعتبر مجلس القمح الأسترالي منظمة لا تستهدف الربح. وهو مسؤول عن تسويق القمح والحصول على أفضل سعر ممكن لزارعي القمح. ويتضمن ذلك القيام بتحميل حوالي 600 سفينة في أكثر من 18 ميناء، بما يقرب من 16 مليون طن متري من القمح، وشحنها إلى 50 مركزاً من مراكز الأسواق المحتملة. كما أن تشريعات تسويق القمح تفوِّض المجلس في أن يكون مسؤولاً عن تسويق جميع القمح في أستراليا وماوراء البحار.
وتتضمن الدول الرئيسية المشترية للقمح الأسترالي كلاًّ من الصين ومصر وإيران وروسيا. كما تشمل أسواق التصدير الأخرى بنغلادش واليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية.
وأحيانًا تنخفض الأسعار إلى أقل من سعر تكلفة الإنتاج. وإذا استمرت أسعار القمح في الانخفاض، فإن ذلك قد يؤدي بالمزارعين إلى زراعة قمح أقل، أو التحول عنه إلى محصول آخر. وفي سنوات الإنتاج المنخفض قد يكون القمح الموجود أقل كثيرًا من المطلوب لإطعام الناس.
وفي كثير من الدول يكون لدى الحكومة بعض البرامج الزراعية التي تستهدف توفيق مستويات الإنتاج مع المتطلبات المتوقعة للسوق، وبذلك تمنع حدوث فائض أو نقص كبيرين. وتدعم بعض الحكومات أسعار القمح بأن تضمن شراء الفائض بسعر محدود إذا انخفض سعر السوق أقل من ذلك السعر. وقد تلجأ الدولة إلى تخزين فائض القمح وبيعه فيما بعد عندما يرتفع السعر.
وتهدف برامج حكومية أخرى إلى زيادة أو خفض مساحة الأرض المزروعة، تبعاً لاحتياجات الدولة. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، لديها فائض في كل عام. ومن عام 1962م وحتى أواخر السبعينيات من القرن العشرين، حاولت حكومة الولايات المتحدة الحد من مساحة الأرض التي تُزرع قمحًا وذلك بأن تدفع للمزارعين تعويضات مالية نظير ترك حقولهم بدون زراعة. كما عرضت برنامجًا للدفع العَيْني في عامي 1983م، 1984م يقضي بأن المزارعين الذين يُحِدون من زراعاتهم يستطيعون الحصول على دفعة من فائَض قمح سبق للحكومة أن خزّنته من أعوام سابقة، وبإمكان المزارعين بيع هذا القمح أو تخزينه. وقد بدأ برنامج الدفع العيني المُعدَّل عام 1986م في السماح للمزارعين بتسلّم دفعات من سلع أخرى بجانب القمح.
ومن المتوقع أن تبلغ تجارة القمح في العالم بحلول عام 2000م حوالي 140 مليون طن متري. ومع ذلك، فمن الصّعب التكهّن بحجم تجارة الحبوب في المستقبل لأنّها تعتمد على عدد من العوامل التي تشمل: السّياسة، والاقتصاد، وعدد السكان، والنمط الغذائي، والظروف الجوية. فالتغيرات في أيّ من هذه العوامل قد تؤثر تأثيرًا جذريًا في حجم ومدى المشاركة في تجارة القمح.
إن أقل من 20% من الإنتاج العالمي للقمح يجري الاتجار فيه دولياً. والدول المصدرة دول غنية أساسًا، وقد اضطُّرت هذه الدول بين وقت وآخر إلى عقد صفقات على أساس غير تجاري للإغاثة من المجاعات. وقد جعلت مثل هذه الصفقات من موارد القمح في العالم قضيّة سياسية لها بعض الأهمية.
وقد كان القمح من أوائل النباتات التي زُرعت. ويعتقد العلماء أن المزارعين زرعوا القمح لأول مرة منذ حوالي 11000 عام مضت، حيث وَجد علماء الآثار في الشّرق الأوسط بقايا حبوب قمح يرجع زمنها إلى حوالي 9000ق.م. عند موقع قرية جارما قرب دمشق في سوريا.
كما أنهم وجدوا كذلك معزقات من العظام، ومناجل من الصوان، ومعدات طحن حجرية ربما تكون قد استعملت لزراعة وحصاد وجرش الحبوب.
أدت زراعة القمح والمحاصيل الأخرى إلى تغيرات هائلة في حياة الناس الذين أصبحوا غير مضطرين إلى التجول الدائم بحثًا عن الغذاء. وأصبحت الفلاحة توفر مصدرًا للغذاء أيسر، ويُعوّل عليه بدرجة أكبر، كما مكنت الناس من إنشاء مستوطنات دائمة. وباتساع إنتاج القمح، تحرر أناس كثيرون من إنتاج الغذاء واستطاعوا إتقان مهارات أخرى. ومع تحسن طرق الزراعة والتجهيز، زرع الناس في بعض المناطق ما يكفي من الحبوب لغذاء أناس آخرين.
وبهذه الطريقة، تطورت التجارة، وحلّت مدن مزدهرة محل قرى ضئيلة. وقد ساعدت هذه التغيرات في إمكانية تطور الحضارات العظمى القديمة.
انتقل القمح إلى الأمريكتين بوساطة المكتشفين والمستوطنين من دول أوروبية عديدة. وفي عام 1493م، أدخل كريستوفر كولمبوس القمح إلى العالم الجديد في رحلته الثانية إلى جزر الهند الغربية، ثم انتقل القمح من أسبانيا إلى المكسيك عام 1519م، وإلى الأرجنتين بحلول عام 1527م، كما حمل المنصِّرون الأسبان معهم فيما بعد قمحًا إلى جنوب غربي الولايات المتحدة. كذلك بدأ المستوطنون الفرنسيون في كندا زراعة القمح في نوفا سكوتيا عام 1605م.
أعطى إدخال القمح الشتوي إلى الولايات المتحدة دفعة كبرى في تصنيع منتجات القمح. وفي السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، هاجر أعضاء طائفة دينية تسمى المانونيت من روسيا إلى كنساس، وحملوا معهم صنفًا من القمح الشتوي يسمى التركي الأحمركان ملائمًا أشد الملاءمة للأمطار القليلة التي تسقط على السهول العظمى. وفي زمن قصير زرع الصنف التركي الأحمر والأصناف التي اشتُقَّت منه في جميع حقول القمح تقريبًا في كنساس والولايات القريبة منها. وتعود أصناف كثيرة من القمح التي تزرع في الوقت الرّاهن بالولايات المتحدة إلى الصنف التركي الأحمر.
دراسة تدار بالبخار استعملها مزارعو القمح في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لفصل الحب من السنابل وتذرية القشور من الحب. وقد كانت الدَّرَّاسات غالية الثمن لدرجة أن مجموعة من المزارعين اشتركوا في شراء ماكينة واحدة. |
كانت الماشية تدرس السنابل أو يضربها المزارعون بعصا معقوفة يطلق عليها مِدَق الدِّراس. وبعد فصل الحب عن السنابل، كان القمح يُقذف في الهواء فينفصل التبن بعيدًا تاركًا الحبوب. وتُسمى هذه العملية التَّذْريَة، وهي لا تزال مستعملة في كثير من الدول النامية في جميع أنحاء العالم. ويتلف كثير من الحب نتيجة للوقت الطويل الذي يستغرقه حصاده ودِراسُه.
أدت آلالات التي طُوِّرت في القرن التاسع عشر الميلادي إلى رفع كفاية زراعة القمح إلى درجة عالية. وكانت آلات الدّراس مستعملة في المملكة المتحدة في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي حين كانت الدَرَّاسة تقوم في بضع ساعات بالعمل الذي كان يستغرق عدة أيام. ثم سجَّل المخترع الأمريكي سايروس ماكورميك أول آلة حصاد ناجحة في 1834م. وبحلول التسعينيات من القرن نفسه، كانت معظم الحصادات مُزودة بوصلة لربط السيقان في حزم. وتم تطوير حصادة ودرّاسة معًا في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر الميلادي بمعرفة هيرمان مور، وجون هاسكول من ميتشيجان. ومع ذلك، فقد استمر معظم المزارعين في استعمال حصادات ودرّاسات منفصلة. وفي العشرينيات من القرن العشرين الميلادي، أدى نقص العمالة الزراعية مصحوبًا بتحسينات في الحصادات الآلية إلى لجوء عدد أكثر من المزارعين إلى استعمالها.
وحتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، كانت معظم تجهيزات المزارع والحقول تستخدم طاقة حيوانات المزرعة أو الأيدي العاملة. وخلال الثمانينيات من ذلك القرن، حلَّت الآلات البخارية تدريجياً محل الحيوانات في كثير من الدول الصناعية. وبحلول أوائل العشرينيات من القرن العشرين، استعملت آلات الاحتراق الداخلي لتشغيل الجرارات وآلات المزرعة الأخرى.
لقد أدى استخدام الآلات في جميع أنحاء العالم إلى خفض كبير في مقدار الجهد البشري اللازم لزراعة القمح. وقبل عام 1830م، كان المزارع يحتاج إلى أكثر من 64 ساعة لإعداد التربة، وزراعة التقاوي، وحش ودراس 0,4 هكتارات من القمح. أما اليوم، فإن ذلك يحتاج إلى أقل من 3 ساعات من العمل. كما أن استخدام الآلات قد مكن المزارعين من زراعة مساحات أكبر. وباستعمال المعدات اليدوية، يمكن لأسرة ريفية أن تزرع حوالي هكتار واحد من القمح، ولكن باستخدام الآلات الحديثة يمكن لهذه الأسرة أن تزرع حوالي 405 هكتارات من القمح.
أنواع القمح الجديدة مكنت بلدانًا كثيرة من زيادة إنتاجها من الحبوب. نال العالِم الأمريكي نورمان إيرنست بورلوج، الذي يرتدي القبعة الصفراء، جائزة نوبل للسلام لعام 1970م لبحوثه التي أدت إلى استنباط أصناف قمح عالية الإنتاج. |
وخلال منتصف القرن العشرين، بذل العلماء الزّراعيون في جميع أنحاء العالم جُهدًا كبيراً لزيادة إنتاج الحبوب في الدول النامية. وقد كان نجاح هذا الجهد متميّزًا لدرجة أن أطلق عليه اسم الثورة الخضراء. وقد اعتمد نجاحه بالدرجة الأولى على استعمال الأصناف عالية الإنتاج.
وفي عام 1970م مُنح العالم الأمريكي نورمان بورلوج جائزة نوبل للسلام عن أبحاث القمح التي أدت إلى استنباط هذه الأنواع. ★ تَصَفح: بورلوج، نورمان إيرنست.
لقد أدّت الثورة الخضراء إلى تقليل خطر المجاعة في كثير من الدول النامية. فقد ساعدتها على أن تصبح أقلّ اعتمادًا على القمح الذي تستورده للأعداد المتزايدة من سكانها. كما أنّها ساعدت في تركيز الانتباه إلى معوقات زيادة موارد الغذاء في العالم. فعلى سبيل المثال، قد تكون الموارد المائية محدودة، والأراضي من نوعية رديئة، إلا أن بعض الدول تغلبت على ذلك وأنتجت كميات كبيرة بل صدّرت فائض إنتاجها، وخير مثال على ذلك تجربة المملكة العربية السعودية، إذ بلغ إنتاجها في عام 1991م نحو 3,8 مليون طن بعد أن كان لا يتجاوز 3000 طن في عام 1970م. واستحقت المملكة على ذلك تقدير دول العالم ممثلة في منظمة الأغذية والزراعة الدولية. ★ تَصَفح: السعودية.
ومع ذلك، فهناك مشاكل تقلل من مكاسب الثورة الخضراء، ومن هذه المشاكل عدم مقدرة المزارعين على توفير الكم والنوع المناسبين من أنظمة الري والمخصبات والمبيدات ووسائل النقل، وحماية المحاصيل. كما أن معدلات نمو السكان تفوق معدلات إنتاج الموارد الغذائية في كثير من الدول. ★ تَصَفح: الثورة الخضراء.