الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ( Roman Catholic Church )
☰ جدول المحتويات
الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تمثل أكبر تجمع نصراني في العالم، ويُقدَّر أتباعها بنحو بليون يمثِّلون خُمْسَ سكان العالم. ويقود الكنيسة البابا، وهو أسقف روما، من مقره بمدينة الفاتيكان التي تُعدُّ دُويلة صغيرة مستقلة داخل مدينة روما. ويساعده في تصريف شؤون الكنيسة وإدارتها في العالم بعض الإدارات التي يُطلق عليها رومان كوريا.
يعيش معظم الكاثوليك في أوروبا والأمريكتين الشمالية والجنوبية، وفي فرنسا وجمهورية أيرلندا وإيطاليا وأسبانيا. وينتمي معظم السكان في معظم أقطار أمريكا اللاتينية إلى الكنيسة الكاثوليكية. وتقوم الكنيسة بإدارة المدارس والجامعات والمستشفيات والملاجئ ودور العجزة في تلك البلدان. وكوَّن الكاثوليك في بعض الأقطار التي تسكنها غالبية كاثوليكية أحزابًا سياسية قوية. وكان للكنيسة الكاثوليكية أثر كبير في تاريخ أوروبا السياسي والثقافي والأدبي والفني.
معتقدات الرومان الكاثوليك
تكونت عقائد الكاثوليك، بناءً على المجامع الكنسية على النحو التالي: 1ـ الثالوث والخلق. 2ـ الخطيئة والخلاص. 3ـ طبيعة الكنيسة. 4ـ البعث أو الحياة بعد الموت.
الثالوث والخلق:
يعتقد الكاثوليك بالثالوث فيقولون بإله واحد فيه ثلاثة أشخاص: الأب والابن (المسيح) وروح القدس، وهو مايعرف بالأقانيم الثلاثة، ويعتقدون أنّ كل واحد من الثلاثة متميز، وأنه إله حقيقي. ويقولون إن الله خلق العالم باختياره وإنه يستمر وفقًا لعنايته.الخطيئة والخلاص:
يعتقد الكاثوليك، وفقًا لما ورد في الإنجيل، أن آدم ارتكب الخطيئة وعصى الله، وأن خطيئته سرت في كل مولود في هذا العالم، وأن الله قد أرسل ابنه (الشخص الثاني في الثالوث) لإنقاذ البشر من كل الخطايا سواء كانت الخطيئة الأصلية التي ورثها الأفراد، أم الخطايا التي ارتكبوها في حياتهم عن طريق خرق القانون الإلهي.طبيعة الكنيسة:
الكنيسة جماعة نصرانية تهدف إلى جذب النصارى إلى الوحدة والمحافظة على العقيدة والنظام والعبادة التي أرادها المسيح. ويعتقدون أن ذلك استمرار عيسى (عليه السلام) في الخلاص.الحياة بعد الموت:
إن الحياة في مفهوم الكاثوليك لا تنتهي بموت الجسد، بل إن النفس تترك الجسد وتصعد إلى السماء أو المَطْهَر، وهو مكان تتصل فيه النفوس التي لم تصل إلى درجة النقاء الكامل، وتظل تعذب حتى تطهر، وعندئذ يسمح لها بدخول الملكوت.العبادة والطقوس
يعبد الكاثوليك إلهًا واحدًا فيه ثلاثة أشخاص، ولكنهم يقدِّسون أيضًا بعض الأشخاص كمريم أم المسيح، وبعض الأماكن كبيت لحم موطن المسيح، وبعض الأشياء كالصليب.
القُرْبان أو القُدّاس:
وهو الاحتفاء بعشاء السيد المسيح. وفي القُدّاس يرمز الخبز إلى جسد المسيح والنبيذ إلى دمه، كما يعتقدون، وتسمى العشاء الرباني المقدس وتُنال بذلك الرحمة.تمثل أهم طقوس الكاثوليك: 1- التعميد 2- التثبت 3- القربان المقدس 4- الكفارة والاعتراف 5- الدرجات الكهنوتية 6- الزواج 7- دهن المرضى والعجزة.
وظائف الكنيسة:
تتمثَّل وظائف الكنيسة في: 1- مساعدة النصارى على التحلِّي بالفضائل عن طريق الوعظ والعبادة. 2- معرفة التعاليم النصرانية. 3- إرشاد النصارى إلى الله.يقوم رجال الدين النصراني بقيادة النصارى وخدمتهم في ممارسة الطقوس والقدَّاس والوعظ وإلقاء التعاليم الدينية. وينقسم رجال الكنيسة إلى درجات ثلاث: المطارنة والقسس والشمامسة، ويشارك العامة في أداء بعض وظائف الكنيسة من نشر لتعاليمها والقيام بالتدريس في مدارسها والعمل في مستشفياتها ومؤسساتها.
إدارة الكنيسة
البابا:
يمثل البابا قمة الهيكل الإداري، وهـو مسـؤول عن كل ما يتعلق بالكنيسة من الناحـية الإداريـة والروحـيـة.أما الكرادلة فهم مستشارو البابا، وهم جماعة يكونون مجمع الكرادلة الذي تقع عليه مسؤولية اختيار البابا الجديد وقت الضرورة.
الإدارة البابوية:
تتكون من أمين سر وعدد من اللجان: لجنة الكرادلة وبها فريق يُطلق عليهم أمناء السر (السكرتارية) ويشرفون على المسائل الخاصة بالكنيسة لاسيما القانونية والإدارية واللاهوتية.المطارنة:
(الأساقفة). وهم مسؤولون أمام البابا، ويتكون مجمع المطارنة من الأساقفة بمن فيهم البابا الذي يرأس المجمع. والمجمع مسؤول عن قيادة الكنيسة.الأسقفيات:
منطقة حدودية من الكنيسة يديرها أسقف يتولى شؤونها الإدارية والدينية.الكنيسة في عهدها الأول
كان النصارى الأوائل من يهود بني إسرائيل قد آمنوا بعيسى رسولاً، ولكن حدث تطور للنصرانية عقيدةً ودعوةً على يد بول الذي قام بنقل النصرانية إلى غير اليهود، وأنشأ عددًا من الكنائس لهذا الغرض. وبعد موته عام 67م، زاد عدد الكنائس وانتقل مركز النصرانية من القدس إلى أنطاكية بسوريا، والإسكندرية وروما.
واجهت الكنيسة خلال القرون الثلاثة الأولى الاضطهاد من جانب الرومان، وظهرت حركات فكرية وفلسفية مناهضة لتعاليم الكنيسة. ولكن الكنيسة استطاعت التغلب على خطر الفكر الغنوصي (مذهب العرْفان) وتحمُّل اضطهاد الرومان.
كان اعتناق قسطنطين النصرانية نقطة تحول في مسار الكنيسة، إذ إنه منح في عام 313م حرية العبادة والحقوق المتساوية لكل الجماعات الدينية في الإمبراطورية. وأصبحت النصرانية بنهاية القرن الرابع الديانة المحبَّبة في الإمبراطورية. ولكن هذا الاعتراف أدى إلى دخول جماعات كبيرة غير مخلصة في النصرانية، وتدخل الإمبراطور في شؤون الكنيسة، الأمر الذي كان له أثر سيّء في تاريخ مستقبل النصرانية. وقد شهدت هذه الفترة انعقاد العديد من المجامع النصرانية لحل المشكلات العقدية الخلافية بين النصارى. وقد كان للطريقة التي حُسمت بها المسائل الخلافية أثر كبير في ظهور كنائس شرقية مخالفة لكنيسة روما، فانفصلت الكنيسة الأرمنية، والكنيسة القبطية في مصر، والكنيسة الأثيوبية، والكنيسة السورية اليعقوبية. وبدأت هذه الكنائس تبتعد عن سلطة روما والكنيسة الغربية لعوامل جغرافية واقتصادية وثقافية وسياسية.
الكنيسة في العصور الوسطى
تمتد القرون الوسطى من القرن الخامس إلى القرن الرابع عشر الميلادي. وقد شهدت هذه الفترة انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية وظهور ممالك صغيرة. وأدَّى هذا إلى ظهور الكنيسة وسلطتها البابوية مركزًا للسلطة وطريقًا لوحدة أوروبا الغربية بدلاً من الإمبراطورية الرومانية. وقوي نفوذ الكنيسة وانتشرت النصرانية في العديد من الدول الأوروبية، كما شهدت هذه الفترة الانفصال الرسمي بين الكنيسة الغربية والكنائس الشرقية، الذي بدأ منذ فترة مبكرة. وشهدت هذه الفترة أيضًا إنشاء محاكم التفتيش واستخدامها لقمع حركات الهرطقة (البدع) ومنع ظواهر الانشقاق عن الكنيسة. ظهرت في هذه الفترة الحركة العلمية المعروفة بالسكولاستية (المدرسية)، والتي سعت إلى وضع أسس عقلية للعقيدة النصرانية والدفاع عنها وحل المشكلات الخلافية في اللاهوت النصراني. وكان من أعلامها ألبرتُس ماجنُس الألماني، وروجر بيكون الإنجليزي، والقدِّيس بونافنتورا وتوما الأكويني الإيطاليان.
بدأت خلال هذه الفترة بوادر الصراع بين الكنيسة أو البابوية وبين الملوك والأباطرة، وحاول البابوات إخضاع الأباطرة والملوك لسلطانهم، بينما حاول الآخرون التمرد على السلطة البابوية. وصاحب هذا القرار انشقاق داخل الكنيسة وتنافس بين رجالها حول مركز البابوية، وجدال بين البابوات وبين المنظمات الإدارية والدينية الكنسية. وقد كان لهذا كله آثار سيئة أضعفت من سلطة الكنيسة، وأساءت إلى مركزها الديني والأخلاقي. وبدأت حركات تدعو إلى الإصلاح الداخلي والعودة بالمؤسسة إلى مركزها الديني، ولكن لم تستمر هذه الدعوات أمام مقاومة السلطات الكنسية.
الإصلاح والحركة الإصلاحية المضادة
طغى على البابوية الاهتمام بالأمور الدنيوية والفساد الإداري، واستحداث ما عُرف بصكوك الغفران. وقد جرت محاولات للإصلاح ولكنها باءت بالفشل. ومن ثم جهر مارتن لوثر (1483-1546م) عام 1517م بأطروحاته التي هاجم فيها معتقدات الكنيسة حول الغفران والمفاسد التي تنشأ عنه. وكان إعلانه بداية لثورة دينية أدت إلى ظهور حركة البروتستانت، وأدَّت إلى انقسام أوروبا الغربية بين الكاثوليك والبروتستانت مع نهايات القرن السادس عشر. وبدأت صراعات وحروب بين الطائفتين. ففي إنجلترا مثلاً، أعلن الملك هنري الثامن نفسه رئيسًا للكنيسة، وأصدر عام 1534م مرسوم سيادة أصبحت بموجبه إنجلترا بروتستانتية. وتعرَّض الكاثوليك للاضطهاد وفقدان حقوقهم المدنية، وسنَّت الحكومة فيما بعد قوانين لقمع الكاثوليك. ورغم أن الكاثوليك استطاعوا استرداد حقوقهم الدينية والسياسية في وقت لاحق، إلا أنَّ الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا أصبح جزءًا من الصراع من أجل القومية الأيرلندية. ويوجد الآن نحو خمسة ملايين ونصف مليون كاثوليكي في بريطانيا وأكثر من ثلاثة ملايين في جمهورية أيرلندا.
حركة الإصلاح المضادة:
ظهرت هذه الحركة كَرَدّ فعل لحركة الإصلاح وقادتها طوائف دينية أُسِّست بين عامي 1524-1530م كالبرنابيين والكبوشيين والسياتيين وغيرهم من الذين حاولوا إصلاح الحياة الكاثوليكية. ولقد أدَّت الجمعية اليسوعية التي أنشأها أغناطيوس لويولا عام 1534م دورًا مهمًا في ذلك الصراع الطائفي ؛ إذ استطاعوا إيقاف تقدم البروتستانت، واكتسبوا مناطق كبيرة كانت تحت سيطرة البروتستانت في بلجيكا ولوكسمبرج وهولندا وفرنسا وشرق أوروبا ووسطها.كما أسهمت قرارات مجمع ترنت (1545- 1563م) حول القدَّاس وصكوك الغفران وتدريب القُسس، في تجديد الحياة الكاثوليكية وبعض الإصلاحات في الكنيسة.
رافق حركة الإصلاح المضادة هذه عدة حروب دينية شرسة بين الطائفتين، كان من أشدها الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت الفرنسييين خلال الأعوام (1562-1598م) وحروب الثلاثين عامًا (1618- 1648م) التي شملت معظم أقطار أوروبا، وانتهت باتفاق وستفاليا الذي نص على أن كل سكان دولة ينبغي أن يتِّبعوا ديانة حاكمهم.
ولربما كان أشهر نموذج لتجديد دور الكنيسة خلال القرن السابع عشر هو ذلك النموذج الذي حدث حدث في فرنسا، حيث قامت مؤسسات نصرانية وجمعيات خيرية بخدمة الفقراء ونشر الخير والتركيز على الجانب الروحي والشعور الديني النصراني.
ثورة الملوك الكاثوليك
يطلق على الفترة الواقعة بين حرب الثلاثين عامًا 1648م ونشوب الثورة الفرنسية (1789-1799م) ثورة الملوك الكاثوليك، وقد تميزت بالصراع بين الكنيسة والدولة والنزاعات العقدية التي مزَّقت الكنيسة.
الحركة الغاليكانية:
يُسمى الصراع الذي دار بين الدولة والكنيسة بالغاليكانية. وتقوم على القول بأن سلطة الكنائس القومية ينبغي أن تزاد على حساب السلطة البابوية. وقد ظهرت هذه الحركة في فرنسا وأيدها معظم رجال الدين الذين أكدوا على قومية كل بلد أوروبي يحكمه ملك كاثوليكي، وأن المجلس العام للكنيسة أسمى سلطة من البابا، وقد حذا حكام نابولي وسردينيا وأسبانيا والبندقية حذو فرنسا.النزاعات الجانسينية:
تمثلت هذه النزاعات داخل الكنسية في حركة الجانسينية التي ظهرت في فرنسا أيضًا في منتصف القرن السابع عشر ؛ ودعت إلى عقائد حول الفضل الإلهي. قلّلت هذه الحركة من شأن حرية الإنسان وأنكرت دعوى أن المسيح مات من أجل البشرية جمعاء. وقد هاجمت الكنيسة هذه الحركة التي مزّقت النصارى في فرنسا، وجعلت كثيرًا من أساقفة فرنسا ينشقون عن روما.عصر العقل:
يُطلق على الفترة التي تمتد ما بين نهاية القرن السابع عشر ونهاية القرن الثامن عشر الميلاديين. تميزت هذه الفترة بالهجوم على الدين عمومًا وعلى الكاثوليك على وجه الخصوص، ونادت بأن خضوع رجال الدين لروما يُعد خرقًا لسيادة فرنسا. وقد قاد هذه الحركة كبار مفكري فرنسا من أمثال دينس ديدرو، وجان جاك روسو، وفولتير.اضطهاد اليسوعيين:
شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر اضطهاد اليسوعيين وقمع حركتهم في العديد من الدول مثل أسبانيا وفرنسا والبرتغال وغيرها. ورغم أن الاضطهاد لم يقض على الحركة إلا أنه أدّى إلى تدهور خطير في نشاط الكاثوليك التعليمي والتنصيري.القومية والكنيسة
انتشرت في أوروبا منذ بداية الثورة الفرنسية وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي الدعوة إلى الديمقراطية والقومية مصحوبة بمشاعر العداء القوية ضد الكنيسة الكاثوليكية. وقد كان للثورة الفرنسية أثر خطير على الكنيسة إذ اختفت معظم الأديرة الكبيرة في أوروبا، واختفى معها نفوذ الطوائف الرهبانية. وفقدت الكنيسة نصف رجال الدين فيها أثناء الثورة وأُودع بعض القسس السجن وماتوا فيه. وترك آخرون الكنيسة، وتخلت الكنيسة عن ممتلكاتها للدولة العلمانية الجديدة. وبنهاية القرن الثامن عشر، انحصرت حدود البابوية في مدينة الفاتيكان. وفقدت الكنيسة السيطرة على الحياة العامة، وأصبحت معاهدها العلمية وجامعاتها خاضعة لنظام التعليم الذي تموله الدولة.
حاولت الكنيسة رغم هذه الانتكاسات تنشيط الحياة الدينية، فأسهمت بعض الجمعيات النسائية والمنظمات الدينية كاليسوعيين في تطوير القيم النصرانية، في الحياة الاجتماعية. كما دعا البابا بيوس التاسع (1846- 1878م) إلى عقد مجمع الفاتيكان الأول (1869- 1870م). وفيه أُعلنت سيادة البابا على الكنيسة وعصمته، وحُدِّدت فيه بدقة مسائل العقيدة والأخلاق. ثم جاء البابا ليو الثالث عشر وبدأ عصرًا جديدًا في تاريخ الكنيسة، إذ حاول إقناع الحكومة اللبيرالية بإمكانية التعايش مع الكنيسة في سلام. ولكن الحكومة الليبرالية قابلت اقتراحاته هذه بمشاعر عدائية في كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا، لدرجة أن الحكومة الفرنسية أجازت عام 1880م قوانين مناهضة للكنيسة، طردت بموجبها الطوائف الدينية من فرنسا، ومُنع التعليم الديني في المدارس. وتكررت نفس هذه المشاعر العدائية للكنيسة في إيطاليا التي خرجت فيها المظاهرات ضد النصرانية والبابوية.
الكنيسة حول العالم
حقَّقت الكنيسة الكاثوليكية نجاحًا كبيرًا في العالم الجديد في الوقت الذي تخلَّت فيه عن أراضيها في أوروبا للبروتستانت. وقد ارتبط ذلك النجاح بموجة الاستعمار الأسباني والفرنسي والإنجليزي آنذاك. وتبعًا لذلك انتشرت النصرانية في آسيا وأمريكا اللاتينية.
في آسيا:
استطاع الكاثوليك نشر النصرانية في الفلبين، واليابان والهند.في أمريكا اللاتينية:
ادَّعت أسبانيا والبرتغال ملكيتهما لتلك المناطق منذ أن اكتشفها كريستوفر كولمبوس عام 1492م. وصاحبت الكنيسة المكتشفين والمستعمرين فتنصَّر معظم سكان تلك البلاد نتيجة للضغوط الاستعمارية. ولذلك تدهورت الكنيسة في أمريكا اللاتينية خلال القرن التاسع عشر بعد أن نالت معظم المستعمرات استقلالها عن أسبانيا والبرتغال. وكان للكنيسة علاقات وثيقة بالقوى الاستعمارية، وعارض معظم رجال الدين حركات الاستقلال. ونتيجة لذلك أصبح معظم الأمريكيين اللاتينيين أعداء للكنيسة، وفقدت الكنيسة معظم نفوذها في الحياة الأمريكية اللاتينية.وهناك اليوم حركة إحياء للكاثوليكية في أمريكا اللاتينية، وذلك نتيجة لاهتمام الأساقفة بالمشكلات الاجتماعية وإسهامهم في تكوين جمعيات تسعى لسد حاجات الناس المادية من طعام وماء وكهرباء وصرف صحي. ولما كانت تلك الحركات الاجتماعية الإصلاحية يقودها أناس عاديون، فقد اتُّهم القساوسة بأنهم يدعمون الثورة الاجتماعية العنيفة.
في الولايات المتحدة:
تعود أصول الكاثوليكية في أمريكا إلى الأقليات الكاثوليكية في المستعمرات الإنجليزية التي كانت تتسم بإتاحة الحرية الدينية في الغالب، مما أعطاها فرص نجاح أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية.نشأت الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية خلال القرن العشرين ونسَّق الأساقفة الأمريكيون أنشطتهم المختلفة عن طريق تكوين أنفسهم ومراجعة ذلك التكوين من خلال مؤتمرات عقدوها في الأعوام (1917، 1919، 1922، 1966م). وقد نشطت الكنيسة في التصدي للقضايا الاجتماعية والمشاركة في حلها، رغم أنها لم تبدأ بمعالجة قضية التمييز العنصري ضد السود إلا في الأربعينيات من القرن العشرين. ومما يدل على ازدياد نمو الكنيسة الكاثوليكية أن عدد الإرساليات الأمريكية إلى الدول الأخرى زاد من 14 إرسالية، عام 1906م إلى 6000 في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين. كما انتشر التعليم الكاثوليكي وشمل جميع المراحل في جميع الولايات، وأصبح الكاثوليك عاملاً سياسيًا قويًا لا سيما في المدن الكبرى. وكان جون كنيدي الكاثوليكي قد انتخب رئيسًا للولايات المتحدة عام 1960م.
الكنيسة اليوم
تعدُّ فترة تولي بيوس العاشر البابوية (1903- 1914م) أبرز فترة نشاط كنسي منذ مجمع ترنْت في القرن السادس عشر الميلادي، إذ شملت النشاطات التي قام بها، الطقوس الدينية والعشاء الرباني، والتعليم في المعاهد اللاهوتية والدراسات الإنجيلية وقانون الكنيسة. وإضافة إلى ذلك، فقد عارض بيوس، بقوة الحداثة وهي الحركة النصرانية التي سعت إلى تأويل تعاليم الكنيسة وتفسيرها في ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وقد عقدت الكنيسة خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين عدة اتفاقيات مع دول عديدة لضمان حريتها وسلطتها الروحية على الكاثوليك في تلك الدول. كما طوَّرت الكنيسة من وسائل نشاط بعثاتها النصرانية الإرسالية في أنحاء العالم.
واجهت الكنيسة الحكومات الاستبدادية في ألمانيا وإيطاليا والاتحاد السوفييتي (سابقًا)، ودول شرق أوروبا.
وعمل البابا بيوس الثاني عشر جاهدًا من أجل الحفاظ على الحرية الدينية للكاثوليك الذين كانوا يعيشون في ظل تلك الحكومات. حدثت نقطة تحول كبير في تاريخ الكنيسة حينما دعا البابا يوحنا الثالث والعشرون مجمع الفاتيكان الثاني للانعقاد (1962-1965م)، وأصدر المجمع 16 وثيقة اهتمت بالحركة المسكونية وتوحيد كل النصارى في العالم. كما أصدر البابا جون بول الثاني عام 1983م مجموعة من القوانين أظهرت الكثير من التغيُّرات التي بدأت بمجلس الفاتيكان الثاني، ومن ذلك زيادة دور العامة في المجالس الاستشارية للأبرشيات والأسقفيات.
إختبر معلوماتك :
- ما الغفران؟
- ما أشهر الحروب الدينية التي رافقت حركة الإصلاح المضادة؟
- ما الإدارة البابوية؟
- لماذا انشقت الكنائس الشرقية عن الكنائس الغربية؟
- كيف أثرت الثورة الفرنسية على الكنيسة؟