الرئيسيةبحث

التنصير ( Missionary )



التَّنْصِير مصطلح يقصد به قيام مجموعة من النصارى بنشر النصرانية بين الناس في جميع أنحاء العالم بطريقة تنظيمية وبوسائل عدة حتى يعتنقها الكثيرون ويرغبوا عن دينهم الأصلي.

وسائل التنصير المباشرة:

تعتمد هذه الوسيلة على الاتصال الفردي والوعظ العام في الكنائس والأماكن العامة لتعريف الناس بالمسيح وتعاليمه وحوارييه، لإقناعهم باعتناق النصرانية. ويقوم بهذه المهمة منصّرون متفرغون من الجنسين.

وسائل التنصير غير المباشرة:

لم يعد المنصّرون يركزون على الوسيلة المباشرة خارج الكنيسة، فقد عمدوا منذ فجر الاستعمار في القرن التاسع عشر الميلادي إلى وسائل أخرى غير مباشرة تفتح لهم الأبواب المغلقة لكسب الأتباع، لاسيما في قارتي آسيا وإفريقيا بعامة، وفي البلاد العربية بخاصة، ومن أبرز الوسائل غير المباشرة:

التنصير بوساطة التطبيب. يدل على أهمية هذه الوسيلة عند المنصرين قول الطبيب الأمريكي المنصِّر بول هاريسون في كتابه: الطبيب في بلاد العرب "لقد وُجِدنا في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى" وقول المنصر موريسون "نحن متفقون بلا ريب، على أن الغاية الأساسية من أعمال التنصير بين مرضى العيادات الخارجية في المستشفيات أن ندخلهم أعضاء عاملين في الكنيسة.

واهتمت مؤتمرات التنصير بهذه الوسيلة، ودليل ذلك قول المنصِّر هاربر في مؤتمر القاهرة التنصيري سنة 1906م: "يجب الإكثار من الإرساليات الطبية لأن رجالها يحتكون دائمًا بالجمهور ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما لغيرهم من المنصرين".

التنصير بوساطة التعليم. من أبرز الأدلة على هذا قول الكاردينال لافيجري مؤسس جمعيات التنصير الحديثة، "لا حاجة لنا بالدعوة للدين نفسه، بل الحاجة إلى التعليم والتمريض"، وقول المنصر هنري جسب: "إن التعليم في مدارس الإرساليات النصرانية، إنما هو فقط وسيلة إلى غاية، وإن تلك الغاية هي تنصير الناس وليس تعليمهم المهارات المختلفة"، وقول المنصر تاكلي: "يجب أن نشجِّع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني".

ونتيجة للأثر الفعال للتعليم في التغيير العقيدي والثقافي والاجتماعي والسياسي، فقد اهتمت به مؤتمرات التنصير، وأشارت إلى أهمية ووجوب التوسع فيه. وبالفعل توسَّعوا فيه إلى مستوى إنشاء الجامعات أو الكليات مثل الجامعة الأمريكية ببيروت والقاهرة، وجامعة مانيلا، وجامعة القديس جون بالهند، وكلية روبرت بإسطنبول، والكلية الفرنسية بلاهور.

التنصير من خلال المهن المختلفة. عرفت هذه الوسيلة بوسيلة صانعي الخيام. ويعود هذا المصطلح إلى أيام بولس، وقد كان يباشر صنع الخيام لإعاشة نفسه خلال أسفاره للتنصير في القرن الأول للنصرانية. والمفهوم العصري لهذه الوسيلة هو أن يقوم بالتنصير أناس يأتون إلى البلاد المغلقة في وجه التنصير، مثل بعض دول الخليج العربية، بصفة مهنيين يعملون في ميادين متعددة، هدفهم الاحتكاك بالناس لتعريفهم بالسلوك النصراني، وتوزيع الإنجيل والمطبوعات التنصيرية الأخرى عليهم بطريقة خفية. وقد أصدر مجلس الكنائس البريطاني كتابًا نصح فيه هؤلاء بالتزام السرية التامة في أداء مهامهم.

واهتمت مؤتمرات التنصير الأخيرة ـ بالذات ـ بهذه الوسيلة. فقد نبه كاتب البحث رقم (34) من أبحاث مؤتمر كولورادو التنصيري عام 1978م إلى أهمية هذا الأسلوب، ونصح الخيَّامين بتوخي الحذر الشديد وفق إستراتيجية مرسومة وتخطيط دقيق.

التنصير من خلال تقديم المساعدات الإنسانية. يستغل المنصرون ما تعانيه كثير من المجتمعات من كوارث، مثل الزلازل والفيضانات والمجاعات والحروب الأهلية والجفاف والتصحُّر والفقر والأمراض الوبائية، فيقدمون للناس المعونات ليتجاوزوا آثار هذه الكوارث، ويقدمون معها الدعوة إلى النصرانية. ومن أنشط المنظمات التنصيرية الأمريكية في هذا المجال: جمعية أخوة الإيمان، والمجلس الإنجيلي، وصندوق الأطفال المسيحيين، وجمعية محبة العالم. وقامت الأم تيريزا بدور فعال في مجال رعاية الأيتام وتهجير بعضهم إلى الغرب لتربيتهم تربية نصرانية.

التنصير بوساطة الإعلام. استخدم المنصرون ما يتاح لهم من وسائل إعلامية لنشر دعوتهم، مثل الصحف والمجلات والكتب، لاسيما الإنجيل، والنشرات والسينما والمسرح والإذاعة والتلفاز ووكالات الأنباء. وتخصصت بعض الإرساليات في مجال الطباعة والنشر، مثل: رابطة الإيمان لمساعدة الإرساليات، ومنظمة نشر النصرانية في الشرق الأوسط. ومن أشهر وكالاتهم وكالة فرنتيرز، الأمريكية. ومن أشهر إذاعاتهم التي تُعد بالمئات إذاعة راديو الفاتيكان، وإذاعة حول العالم من موناكو، وإذاعة صوت الغفران وصوت الإصلاح من جزيرة سيشل.

التشكيك في الإسلام. قرر المنصرون في مؤتمرات عدة محاربة الإسلام في نفوس المسلمين أنفسهم، واستخدام القرآن الذي هو أمضى سلاح في الإسلام لتحقيق هذه الغاية. وجعلوا وسيلتهم في ذلك أن يبينوا للمسلمين غير المتعمقين في إسلامهم أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد ليس صحيحًا ؛ وجعلوا غايتهم في ذلك إخراج المسلم من الإسلام لا أن يصبح نصرانيًا كما يزعمون.

وتقوم معاهد الدراسة ومراكز البحوث النصرانية الكثيرة بدور فعال في إعداد المادة العلمية اللازمة لهذه الوسيلة ؛ مثل معهد بونتيفكو للدراسات العربية بروما، ومركز دراسات العالم العربي الحديث ببيروت، ومركز دراسات الإسلام في إفريقيا بنيروبي، والمركز النصراني للدراسات بروالبندي، ومعهد زويمر للدراسات الإسلامية بكاليفورنيا.

وسائل أخرى متنوعة. استخدم المنصرون وسائل أخرى كثيرة متنوعة، إلى جانب الوسائل الست الرئيسية غير المباشرة التي ذُكرتْ للوصول إلى أهدافهم، من بينها: أ ـ الدعوة إلى القومية والإقليمية لتفكيك وحدة الأمة الإسلامية والعربية، وإيجاد مجال أوسع للعمل وسط الفرقة الإسلامية، ومثال ذلك قول المنصِّر جب: "نريد أن تولد فينيقية جديدة تكون فيها النصرانية أوسع انتشارًا". ب ـ الدعوة إلى العامية واستعمالها بدل لغة القرآن الفصحى، بما يباعد بين الناس وبين دينهم يومًا بعد يوم، ويُقوِّض أواصر الترابط اللغوي بينهم. ج ـ السعي لإقرار الحرية الدينية المطلقة في الدساتير العربية الإسلامية، أي حرية الارتداد عن الإسلام، وقد رفع المنصِّر واطسون مدير الجامعة الأمريكية ببيروت مذكرة إلى اللورد أللنبي بهذا المعنى. د ـ السعي لفتح أبواب العلاقات الاجتماعية بين المسلمين والنصارى من خلال تبادل الزيارات والتهاني بمناسبة الأعياد الدينية. هـ ـ جذب البسطاء إليهم بانتهاج سبل التأثير النفسي كعلاج الناس، وادّعاء طرد الأرواح الشريرة من الأبدان والشعوذة. و ـ عقد الحلقات الدراسية بالمراسلة مع المسلمين، ومراسلة الشباب المسلم، ووضع النشرات التنصيرية في صناديق بريد المسلمين أو في سياراتهم. ز ـ ولعل أخطر هذه الوسائل جميعًا اتخاذ بعض الجماعات التنصيرية الجنس وسيلة لإغراء الشباب المسلم بالانضمام إلى النصرانية. وتأتي على رأس هذه الجماعات جماعة أبناء الرب وأسرة الحب، التي أنشئت أصلاً في أمريكا عام 1969م، ولها فروع في كثير من الدول العربية والإسلامية.

المؤتمرات. نجدهم يهتمون بعقد المؤتمرات الدورية لمناقشة الدراسات النظرية والتجارب العملية الميدانية والإحصائية وتقويمها، وذلك لوضع الخطط المستقبلية المناسبة في عملهم في البلدان المختلفة، ومن أبرز تلك المؤتمرات: مؤتمر القاهرة سنة 1906م، ومؤتمر أدنبره عام 1910م، ومؤتمر القدس عام 1928م، ومؤتمر مدراس عام 1928م، ومؤتمر مجلس الكنائس العالمي أعوام 1925، 1927، 1928م، ومؤتمر لوزان عام 1974م، ومؤتمر كولورادو عام 1978م، ومؤتمر الدين والعنف بجامعة كولومبيا عام 1982م، ومؤتمر أكسفورد عام 1986م... إلخ.

نبذة تاريخية:

عندما ظهرت النصرانية وقفت الإمبراطورية الرومانية ضد أتباعها لاعتقاد السلطات الرومانية أن النصرانية حركة سرية تريد أن تقوِّض الإمبراطورية الرومانية، ولكن بعد أن اعتنق قسطنطين الأول 275 ـ 337م. النصرانية تغيَّر الوضع في الإمبراطورية، إذ أنه وافق على حرية الأديان في الإمبراطورية، وبذلك أخذت النصرانية في الانتشار.

بدأت البعثات التنصيرية في ارتياد سائر أنحاء العالم القديم تبث النصرانية، وكان جستنيان الأول وزوجته ثيودورا من أكبر المناصرين لتلك البعثات التنصيرية رغم اختلاف مذهبيهما. وكان الغرض الأول من تنصير أمم وشعوب الإمبراطورية الرومانية الحفاظ على ولائها للإمبراطور ووحدة الإمبراطورية. إذن فقد كان من أهم أسباب التنصير السبب السياسي الذي يضمن للإمبراطور شعبًا مواليًا له.

وفي القرون الوسطى وخاصة في عهد الإمبراطور شارلمان، اشتدت حاجة الأباطرة والملوك الأوروبيين إلى وحدة العقيدة بين شعوبهم والأراضي التي كانوا يتملكونها. ولذلك فقد قام شارلمان وغيره من ملوك أوروبا بإ رسال البعثات التنصيرية إلى الأراضي الأوروبية ـ وخاصة الجرمانية لإدخال تلك القبائل الجرمانية وغيرها في النصرانية لتسهل قيادتها والسيطرة عليها.

ولما استيقظت أوروبا من سباتها العميق ونفضت عنها ظلام العهود المظلمة، وشعوذة القرون الوسطى وجهالتها، أخذت في نشر النصرانية في الأراضي التي حول الأراضي الإسلامية مثل الشعوب الإفريقية، وأمم الهند التي كانت تسكن في أراض مازالت نائية عن مسلمي المغول، والهند الصينية والفلبين. وبذلك أوقعت هذه البلاد بين براثنها. أما أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية فقد كانتا لقمة سائغة للبعثات التنصيرية الأوروبية التي بذلت جهدًا تنصيريًا وحربيًا لإدخال الهنود الأمريكيين في النصرانية، وانتهت محاولاتهم بقتل أعداد كبيرة من هؤلاء الهنود.

وصلت بعثات تنصيرية إلى جنوبي الجزيرة العربية وإلى الحبشة في منتصف القرن الرابع الميلادي، وإلى ممالك النوبة بالسودان في النصف الأول من القرن الميلادي الخامس. كما انتشرت حول الحيرة وفارس. وكان الغرض من هذه البعثات جعل هذه المناطق إما خاضعة لروما دينيا، أو واقعة تحت نفوذها السياسي والاقتصادي تحت ستار النصرانية، وبذلك يزداد نفوذ الإمبراطور الروماني النصراني في سائر أنحاء تلك البلاد.

ومع أن النصرانية نشأت في الشرق الأوسط، وفي فلسطين خاصة حيث نشأ المسيح عليه السلام، إلا أن الدول الأوروبية استغلت نفوذ هذا الدين لبسط نفوذها على أجزاء العالم المختلفة، وأرادت بذلك تقوية سيطرتها على تلك البلاد التي أضحت فيما بعد مستعمرات لها بالقوة عند بدء العصور الحديثة في القرن السادس عشر. وهذا يُظهر أن الدول الأوروبية أرادت أن ترث الإمبراطورية الرومانية في مستعمراتها ونفوذها واقتصادها.

وكما هو معروف عند البعض فإن المسيح عليه السلام إنما أُرِسل لليهود الذين تركوا تعاليم موسى عليه السلام، فأراد الله هدايتهم ولكنهم لم يقبلوا رسالة المسيح عليه السلام واضطهدوه وتلاميذه. وبدلاً من أن يتم تنصير اليهود فإن أوروبا تركت ذلك وعمدت إلى تنصير سائر الشعوب غير النصرانية المغلوبة على أمرها، ولم يرسلوا أي منصرين لليهود لا في العصور القديمة ولا في العصر الحاضر.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية