الرئيسيةبحث

الطلاق ( Divorce )



الطَّلاق انفصال شرعي بين الزوج والزوجة وحرمة المعاشرة الزوجية بينهما وإنهاء عقد زواج على وجه مخصوص، بالكتابة أو باللفظ صراحة وكناية، أو بالإشارة المفيدة لذلك، ويقع في الحال، كما يمكن أن يقع في المآل، إذا أضيف إلى زمن المستقبل، أو عُلّق على حدوث أمر معين فيه.

وتفريق القاضي بين الزوجين يُقال له: تطليق، وهو يختلف عن إبطال الزواج، حيث يحكم القاضي بعدم صحة الزواج ابتداءٍ ؛ لوجود مانع قبل عقد الزواج لا يصح معه عقد الزواج أساسًا، كزواج غير المسلم بالمسلمة. وقريب من هذا ما يقال له: فسخ الزواج.

شرع الإسلام الزواج لتحقيق الحاجات الفطرية والمطالب الإنسانية التي منها: الاستقرار النفسي والمودة الأسرية، قال تعالى: ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ الروم:21.

والمشاهد أن هذه الحاجات الفطرية والأمور التي من أجلها شرع الزواج لا تتحقق في بعض الأحيان، وتصير متعذرة أو متعسرة الاستمرار ؛ حيث يكتشف الزوجان أو أحدهما أنه أخطأ في اختيار صاحبه، وأن هذا الزواج انقلب إلى مصدر للشقاء والتعاسة، بدلاً من أن يكون منهلاً للهناء والراحة، وأنه لا يمكن لأحدهما الاستمرار مع الآخر ؛ لما فيه من طباع وسلوك لا تتغير، أو لكون مقومات الإنجاب مفقودة بينهما، أو للعجز عن القيام بالحقوق الزوجية، سواء منها الجنسية أو المالية أو غيرها. وهكذا يصبح الزواج لا معنى له لعدم توافر أسباب السعادة والاستقرار.

ولعلاج هذه الحالات التي تقع في الحياة الأسرية الإنسانية، أحاط الإسلام الطلاق بأحكام خاصة، وتدرَّج في اعتبار آثارها النهائية، وحدَّد الهيئات المشروعة في الطلاق، وحذر مما سواها واعتبر فعلها معصية وإثمًا. كل ذلك للحد من تفشي الطلاق، وتجنيب الزوجين والمجتمع الحد الأدنى من الضرر الذي قد يقع.

لقد سمح الإسلام بالطلاق للحاجة إليه، إلا أنه كرهه وعدّه من أبغض التصرفات الإنسانية المباحة، قال النبي ﷺ: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر) رواه مسلم. والفرك: البغض أي لا يكن البغض لخلق من المرأة حاملاً على طلاقها فلعله في إطار ما يتغاضى عنه شرعًا، وعساه إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا أو أخلاقًا أخرى. ونظرًا لما قد يترتب عليه من أضرار اجتماعية وأسرية، يكون الأطفال بسببها أول الضحايا، فضلاً عما في الطلاق من تمزيق لعرى الأسرة التي هي الخلية الأساسية في بناء المجتمعات.

لكن ينبغي القول أيضًا بأن تشريع الإسلام للطلاق في الحالات الأسرية المستعصية، يدل على واقعيته ومرونته ومواكبته وقائع الحياة البشرية ومتطلباتها العادلة، في الوقت الذي لا يعتبر مسؤولاً عن حالات الطلاق الظالمة التي تقع من بعض الناس بسبب حماقاتهم وجهالاتهم ؛ لأنهم استعملوا هذا العلاج في غير موضعه الذي ُشرع من أجله، وهو تصرف شاذ منهم يحتاج إلى تبصير وإرشاد. فقد ذُكر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يستشيره في طلاق زوجته ؛ لأنه ما عاد يحبها، ويميل إليها كما كان من قبل، وصارت نفسه تملها وتسأم منها، فقال له عمر مؤنبًا: وأين الرعاية والوفاء والعشرة في السراء والضراء؟

جعل الإسلام الطلاق ـ في الأصل ـ حقًا للزوج ؛ لأنه أصبر على المشكلات والخلافات الزوجية، فلا يسارع إلى الطلاق لكل غضبة يغضبها ؛ حيث يعلم أنه إن طلق زوجته فسيتحمل ما يترتب على ذلك من مهر مؤجل، ومن تأمين السكن لها والنفقة عليها في أثناء عدّتها، فضلاً عن نفقة الأطفال وحضانتهم، وهم تحت إشرافها ورعايتها، ونفقات أخرى ـ مثلها أو أكثر منها ـ إذا هو أراد الزواج بامرأة أخرى.

ومع أن الطلاق ـ في الأصل ـ للزوج، فقد منحه الإسلام أيضًا للزوجة وللقاضي. أما الزوجة، فتملكه إذا اشترطته في عقد الزواج، أو فوّضها الزوج به في العقد أو بعده، بحيث لا يمكنه الرجوع عنه بعدئذ إلا بتنازل الزوجة عنه، كما يمكن للزوجة أيضًا إنهاء عقد الزواج بالمخالعة، وذلك حين تبذل للزوج مقدارًا من المال مقابل إنهاء الحياة الزوجية المتعسر استمرارها بينهما، لقوله تعالى: ﴿فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به﴾ البقرة: 229 . وقد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله ﷺ وقالت: (يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن لا أطيقه بغضًا، فسألها عما أخذت منه، فقالت: حديقة، فقال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال ﷺ لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري والنسائي.

وأما القاضي، فقد منحه الإسلام سلطة تقديرية للتفريق بين الزوجين حين المساس بحقوق الشريعة التي هي بمثابة النظام العام، كأن يرتد أحد الزوجين عن الإسلام، أو حين المساس بالحقوق الزوجية وتضرُّر الزوجة بذلك وطلبها الطلاق، كما لو اكتشفت عجز الزوج عن المعاشرة الجنسية، أو أنها تتضرر بغيبته الطويلة عنها أو بسجنه، أو بإدمانه المخدرات والمسكرات، أو بضربه الظالم لها.

أهلية المطلِّق:

يُشترط في المطلق أن يكون عاقلاً بالغًا مكلفًا، فلا يقع الطلاق من المجنون وغير البالغ ولا من المعتوه والنائم والمكره على الطلاق، كما لا يقع طلاق السكران بغير إرادته واختياره، ولا طلاق المدهوش ومثله المذعور الذي أصابته مصيبة أو كارثة تجاوز معها حدّ الوعي المطلوب في أمثاله.

حرص الإسلام على الحد من وقوع الطلاق، وذلك بتقسيمه إلى طلاق سُني مشروع، وإلى طلاق بِدْعي مذموم، فالطلاق السني المشروع الذي يرتضيه الإسلام هو أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة في وقت الطُهْر (انعدام الحيض بغير الحمل) الذي لم يعاشرها فيه جنسيًا. ونظرًا لوجود التجاذب الفطري والجنسي المتجدد ـ غالبًا في هذه الفترة- بين الزوجين، فإنه يُستبعد ـ عادة ـ أن يكون عقب هذا التجاذب طلاق، إلا لسبب متمكن في النفس يسوغ الطلاق شرعًا، وبهذا تقل فرص وقوع الطلاق، وبخاصة عند حرص الزوجين المسلمْين على تجنب مخالفة الشرع.

أما الطلاق البدعي المذموم، فهو أن يطلق الزوج زوجته ثلاث طلقات مجتمعة معًا، أثناء الطهر الذي لم يعاشرها فيه جنسيًا، أو يطلقها طلقة واحدة مفردة أو أكثر أثناء الطهر الذي عاشرها فيه جنسيًا، أو يطلقها طلقة واحدة مفردة أو أكثر أثناء الحيض.

وقد نهى الإسلام عن الطلاق البدعي، وعدّ فاعله عاصيًا وآثمًا، ودعاه إلى الرجوع عنه إن أمكن ذلك، ولم يرتب على بعض صوره وحالاته ـ عند فريق من العلماء ـ أي أثر شرعي ؛ لأن الهدف من ذلك تقليل حالات الطلاق، وتفادي الإضرار بالزوجة التي قد يطول عليها زمن العدة.

عمل الإسلام على منع وقوع الطلاق ابتداء، وذلك بتشريع الوسائل العلاجية المناسبة لذلك، كفسح المجال أمام الزوجين أو أهلهما وأصدقائهما لمراجعة أسباب الخلاف، والعمل على إزالتها، ومحاولة رأب الصدع والحفاظ على كيان الأسرة موحدًا.

يضاف إلى هذا أن الإسلام وضع في طريق الطلاق ما يمكن تسميته بالقيود والعراقيل ـ التي لا يتجاوزها إلا المصرّ عليه ـ وذلك للحد من وقوعه وانتشاره، والحيلولة دون تمزق الأسرة وتفككها، وجعل كل هذه الأحكام ضمن خطوات متدرجة، حتى إذا انتهت الحياة الزوجية بعدئذ، عُلم أن الطلاق هو العلاج الذي لا بد منه.

وأول الخطوات التي شرعها الإسلام في هذا المجال عند بروز الخلافات بين الزوجين، العمل على توسيط حَكَم يمثل الزوج وحَكَم يمثل الزوجة، فيستمعان إليهما ويبذلان النصح لهما في إمكانية إصلاح ما بينهما، والحفاظ على وحدة الأسرة، واستمرار العيش مع بعضهما. قال الله تعالى: ﴿ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرا﴾ النساء: 35 .

فإن فشلت محاولات التوفيق بينهما، وتحدد الطلاق ـ بحسب تقدير الزوجين أو الحَكَمين ـ كعلاج مطلوب، فإنه يُشرع للزوج أن يطلق طلقة رجعية واحدة في طُهْر لم يعاشر زوجته فيه جنسيًا بحسب ما تقدم آنفًا. فإن فعل هذا، فإن الإسلام ـ من منطلق حرصه على استمرار وجود الأسرة موحدة ـ يتابع الزوجين، ويمنحهما فرصة زمنية إضافية لاحقة تسمى العدَّة، يمكنهما فيها الرجوع إلى بعضهما ـ بغير مهر ولا عقد زواج جديدين ـ إن هما سكن غضبهما، وتعدّلت مواقفهما وتبين لهما أن الطلاق قام على أساس خاطئ.

فإن عادا إلى بعضهما، ثم وقع الطلاق ثانية على النحو السابق، فإن الإسلام لا يضيق بهذا ذرعًا، بل يفتح الباب للمرة الثانية والأخيرة أمام الزوجين للعودة إلى بعضهما بغير مهر ولا عقد زواج جديدين، ما دامت العدة قائمة، ويقال لهذا الطلاق الطلاق الرجعي، وهو يتكرر مرتين فقط.

أما إن أصر الزوجان على موقفيهما، ولم يستفيدا من وقت العدة في الرجوع إلى بعضهما، ثم بدا لهما بعده أن بإمكانهما التعايش الحميد مستقبلاً، فإن الإسلام يرحب بهذا أيضًا، ويطلب منهما إثبات صدق العزيمة وحسن النية، وذلك بعقد زواج جديد بينهما وتقديم مهر جديد للزوجة، إذا كانت قد طلقت طلقة واحدة بائنة أو طلقتين بائنتين لا أكثر، ويقال لهذا الطلاق الطلاق البائن بينونة صغرى، وهو يتكرر مرتين فقط إن وقع طلقة واحدة بائنة في كل مرة. أما حين يصل الأمر إلى ثلاث طلقات، وهو ما يسمى بالبينونة الكبرى، فهذا يدل على أن الخلاف عميق ومستحكم الجذور في نفسي الزوجين أو أحدهما، وأنه لا أمل يُرْجى منهما في المدى المنظور، فليذهب كل منهما وقتئذ حيث يشاء، وليكن له ما يريد، قال الله تعالى: ﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ البقرة: 229 . ثم قال بعدئذ: ﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله﴾ البقرة: 230 . وفي آية أخرى ﴿ وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته﴾ النساء:130 . وذلك بأن يرزقها الله خيرًا ممن طلقها، ويرزقه هو خيرًا من مطلقته.

هذا هو منهج الإسلام في تشريع الطلاق: حرص متكرر على بقاء كيان الأسرة موحدًا، وأحكام تشريعية متلاحقة في كافة مراحل الخلافات الزوجية ـ حتى بعد حالات معينة من الطلاق ـ لرأب الصدع بين الزوجين وإنقاذ هذه الخلية الاجتماعية الفطرية من التفكك والانهيار والتشتت. ولا شك أن هذا الأسلوب التشريعي هو خير ما عرفه الناس ؛ لأنه يعطي الوسيلة الواقعية الصحيحة لإنهاء الحياة الزوجية حينما تصير مصدرًا للآلام والقلق والنزاع، كما أنه يعطي الفرصة المعقولة للذين يطلِّقون، ثم يندمون على تسرعهم وتعجلهم في إنهاء الحياة الزوجية وفصم عرى الأسرة.

لا يتوقف الطلاق في الإسلام على الكتابة أو التوثيق في الدوائر الحكومية، كما لا يتوقف على إشهاد الشهود عليه، حيث لم يُنقل عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة ما يدل على وجوب ذلك، بل الذي ورد وقوع حالات من الطلاق لم يشهد عليها أصحابها، ولم يوثقوها رسميًا. غير أنه يُستحب شرعًا، بل يجب التوثيق والإشهاد إذا تعيَّنا كلاهما أو أحدهما وسيلة لحفظ الحقوق، وبخاصة عند التنازع والجحود، وهذا معنى الآية: ﴿أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ الطلاق:2 .

عمل الإسلام على ترتيب بعض أحكام الطلاق وآثاره، وترك ترتيب بعضها الآخر إلى ما يتفق عليه الزوجان، انطلاقًا من مرونة أحكامه ومراعاة منه للمصالح الفردية الخاصة.

وأول آثار الطلاق وأهمها تحريم الاتصال الجنسي بل مجرد الخلوة بين الزوجين السابقين، إذا وقع الطلاق بائنًا بينونة صغرى أو بينونة كبرى ـ بحسب ما تقدم ـ حتى يتم عقد زواج جديد بمهر جديد في البينونة الصغرى، وحتى تنكح الزوجة زوجًا آخر، ثم يطلقها وتنتهي عدتها، ثم يعقد عليها الزوج الأول صاحب البينونة الكبرى.

ومن آثار الطلاق أيضًا المستحقات المالية، حيث يجب على الزوج وفاء مطلقته البائن بينونة صغرى أو كبرى ما تبقى لها من مهر غير مستوف أو مؤجل، إضافة إلى مبالغ مالية أخرى، تناسب حالات مثيلاتها في المستوى الاجتماعي، مما يسمى بمتعة الطلاق ونفقة العدة، والنفقة على الأطفال الذين سيبقون في حضانتها. ★ تَصَفح: حضانة الطفل. أما المطلقة طلاقًا رجعيًا فتجب لها النفقة في العدة حتى يتبين حالها فيما بعد.

وأما ما يتعلق بالميراث أو التركة، فإن المطلقة طلاقًا رجعيًا أو بائنًا بينونة صغرى ترث حصتها المقررة لها شرعًا، إذا مات مطلقها أثناء العدة. وإن كان طلقها طلاقًا بائنًا بينونة كبرى، ثم توفي أثناء عدة الطلاق فلا ترث شيئًا منه، نظرًا لزوال عقد الزوجية زوالاً باتًا، لا يمكنهما بعده الرجوع إلى بعضهما. أما المريض مرض الموت إذا طلق زوجته طلاقًا بائنًا بينونة كبرى، ثم مات أثناء عدتها، فإنها ترث منه حصتها الشرعية، دفعًا لمضارته إياها، ومعاملة له بنقيض قصده حينما حاول حرمانها من الميراث بتطليقها في مرض موته.

ومن آثار الطلاق كذلك، تملك الزوجة المطلقة حق حضانة الأطفال تحت سن معينة وبشروط خاصة، إلا إذا تراضى الزوجان على غير هذا.

ويمكن للزوجين أن يتنازلا لبعضهما عن جميع حقوقهما أو جزء منها، كما يمكن للطرفين الاتفاق على الاشتراك في تحمل مسؤولية رعاية الأبناء وإعالتهم، بدون أن تكون هناك محظورات شرعية.

وكثيرًا ما يترتب على الطلاق آثار بعيدة المدى بالنسبة للأطفال الصغار ومستقبلهم، لكن من المسلّم به أن عيش هؤلاء الأطفال مع أحد والديهم أخف ضررًا من العيش مع والدين تحيط بهما أسباب الشقاق والنزاع باستمرار.

الطلاق في القوانين المعاصرة

تستمد قوانين الطلاق المعاصرة أحكامها من مفاهيم القواعد الدينية السائدة في كلِّ مجتمع. ففي دول مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، تقوم قوانين الطلاق أساساً على التقاليد النصرانية. كان الطلاق في هذه الدول مسموحًا به، حتى منتصف القرن العشرين، للطرف البريء فقط. وتشمل أسباب التطليق الخطأ أو "الجريمة الزوجية" التي ارتكبها الطرف الآخر، وذلك مثل ارتكاب الزنا أو الهجر أو القسوة. وفي كثير من الحالات، يكون طلب التطليق محلاً للنزاع، إذ يدَّعي كلٌّ من الخصمين أن الخصم الآخر هو المذنب. وأدى هذا الضرب من إجراءات التقاضي إلى إطالة أمد النزاع، وتمسك كل من الزوجين بادعاءات سمجة، وتحمله لمصروفات باهظة.

وفي الستينيات من القرن العشرين، قام جمهور كبير من الناس بحملة نحو مدخل متحرر للطلاق، اعتقاداً منهم أن الخطأ قد لايقع بالضرورة من أحد الطرفين فحسب، وأنه لامعنى للحفاظ على زواج لن تتوافر له أسباب السعادة على الإطلاق. لذلك تقوم أسباب التطليق، في العصر الحديث، في كلِّ من أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة، على مجرد ثبوت انهيار في العلاقة الزوجيّة تستحيل معه المعاشرة أو التوفيق بين الزوجين. ويمكن إثبات ذلك بأنَّ كلاًّ من الزوجين يعيش مستقلاً عن الآخر عددًا معينًا من السنين. ومع ذلك، لايزال من الممكن في المملكة المتحدة، تقديم أسباب مماثلة للأسباب المعروفة في القانون القديم، لإثبات انهيار الحياة الزوجية.

وفي بعض الأحيان، تُوجّه للزوجين ـ قبل السير في إجراءات طلب التطليق ـ نصائح للنظر في إمكانية إصلاح العلاقة الزوجيّة بينهما. وفي كثير من الدول، جرى تغيير اسم المحاكم التي كانت تنظر قضايا الطلاق، لتصبح محاكم العائلة التي تنظر أيضًا في المسائل المتعلقة بالزواج والحضانة وغيرها من مسائل الأسرة.

وفي الهند، تعتنق أكثرية السكان الديانة الهندوسية وغيرها من الديانات التي لاتسمح تقاليدها بالطلاق. ولكن في عام 1956م، صدر قانون ينظم أحكام الطلاق بين الهندوس. أمَّا الجماعات الأخرى، مثل المسلمين والنصارى والسيخ والزِرادِشْت والطوائف اليهودية، فهي تخضع للشرائع الدينية الشخصية التي ينتمون إليها.

تدابير الطلاق

في العالم الغربي، يجب على الزوجين اللذين يرغبان في التطليق، وضع ترتيبات لحضانة الأبناء وإعالتهم، وتقسيم الأموال بين الزوجين، وإنفاق أحدهما على الآخر، متى كان ذلك ضروريًا.

ويمكن للزوجين الوصول إلى اتفاق على كلِّ هذه الترتيبات عن طريق المحامين الموكلين من كلِّ طرف. ومتى اقتنع القاضي بعدالة الاتفاق، صدَّق عليه. وإذا لم يصل الزوجان إلى اتفاق في هذا الشأن، تولّى القاضي بيان الكيفية التي ينبغي أن تتمَّ بها الترتيبات.

الترتيبات المالية:

كان القاضي في الزمن الماضي يُصدر أمرًا بأن يدفع الزوج المُطلِّق نفقة زوجية كافية لإعالة زوجته المطلّقة.

وكان على الزوج أيضًا التنازل عن جزء من أمواله للزوجة، وتحمل العبء الأكبر من مسؤولية إعالة الأبناء.

وقام هذا الوضع على سببين رئيسيين: الأول: أن عددًا كبيرًا من المطلّقات لم يكنَّ يعملن خارج المنزل، ومن ثَمّ يحتجْن لإعالة أنفسهنّ، فضلاً عن إعالة أطفالهن. والسبب الثاني: التقاليد التي بُنيت عليها النصوص القانونية بشأن افتراض خطأ أحد الزوجين فحسب، جرت على اعتبار أنه لايجوز للمخطئ أن يحصل على نفقة من الطرف الآخر.

وفي معظم الحالات، كان يُقضى بأنّ الزوج هو الطرف المخطئ، لأن الزوجة هي التي كانت تقوم عادة بطلب التطليق، حتى لو كان الواقع ينبئ عن رغبة كلٍّ من الزوجين في الحصول عليه.

أمّا في الوقت الحاضر، فإنَّ المحاكم تُصدر أحكامها فيما يتعلق بالترتيبات المالية بالنظر إلى الحالة المالية لكل من الزوجين، في الاعتبار الأول. ذلك أن القضاة يدركون أنَّ كثيرًا من النساء لديهن مؤهلات للعمل خارج المنزل، ولم يعدن في حاجة ماسة لإعالتهنّ إعالةً كاملةً من جانب الزوج السابق. لذلك، إذا كان لكلِّ من الزوجين دخل يكفي لإعالة نفسه، فإنه يجوز للمحكمة ألاّ تحكم بالنفقة على أي منهما. وإذا ثبت أنّ دخل الزوجة أعلى من دخل الزوج، يجوز أن يُحكم عليها بقدر من النفقة له. وفضلاً عن ذلك، يجوز للوالدين الاشتراك في تحمل مسؤولية إعالة الأبناء. ويجوز للمحكمة أن تقسّم الأموال المشتركة للزوجين، وفقًا للحالة المالية لكلِّ منهما.

الترتيبات الخاصة بحضانة الصغار:

كان القضاة في الغرب في أوائل القرن العشرين ومنتصفه يصدرون عادة وتلقائيًا الحكم بحضانة الأطفال الصغار لصالح الزوجة في معظم قضايا الطلاق، اعتقادًا منهم أنه لايجوز فصل الصغار عن والدتهم.

أمّا في الوقت الحاضر، فقد تبين لكثير من القضاة أنه ربما يكون من مصلحة بعض الصغار العيش تحت رعاية الأب. لذلك يجوز الحكم، لأيٍّ من الوالدين، بالحق في حضانة الصغير. كما يجوز للقاضي أن يقرر لغير الحاضنة زيارة الصغير، ويُعرف هذا الحق بحق الزيارة.

ويجوز للقاضي أن يأخذ في اعتباره رغبة الطفل في تفضيل العيش مع أي من الوالدين، ويحرص عادة على أن يظلَّ كلُّ الأطفال من زواج واحد معًا

وقد يتردد الوالدان المطلقان على المحكمة لأن أحدهما يعترض على حكم حضانة الصغير. فإن غيرّت المحكمة حُكمَها، فربما ترتّب على ذلك انتقال الأطفال من حضانة أحد الوالدين إلى الآخر، الأمر الذي قد يؤدّي إلى إيذاء مشاعر الأطفال، لذلك تميل بعض المحاكم إلى الممانعة في نقل حضانة الصغار من أحد الوالدين إلى الآخر، مالم يكونوا عرضة للخطر.

ولقد تصاعدت نسبة الطلاق في الغرب بشكل مأساوي منذ الستينيات من القرن العشرين. وأبدى الخبراء أسبابًا لذلك، تتلخص فيما يلي: 1- أضحى الطلاق أمرًا مألوفًا من الناحية الاجتماعية أكثر مما كان عليه من قبل 2- كثير من الأزواج يتوقعون السعادة من الزواج أكثر مما كانت الأجيال السابقة تتوقع منه، لذلك كان التعرض للإحباط أيسر وأسرع 3- ازدياد فرص النساء في الحصول على أعمال ذات دخل مرتفع، وهذه الفرص جعلت الزوجة أقل اعتمادًا من الناحية الاقتصادية على الزوج مما اعتادت عليه المرأة من قبل 4- تغيير قوانين الطلاق جعل الحصول على الطلاق أمرًا ميسورًا.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية