الرئيسيةبحث

النفس، علم ( Psychology )



النفس، علم. يدرس علم النفس السلوك والعمليات الذهنية. يدون علماء النفس تصرفات الناس والحيوانات بعضهم تجاه بعض وتجاه البيئة. كذلك يبحثون عن أنماط تساعدهم على تفهم السلوك ويستخدمون أساليب علمية لاختبار صحة أفكارهم. وقد وجدوا ـ بفضل هذه الدراسات ـ أشياء كثيرة من شأنها مساعدة الناس على تحقيق إمكاناتهم وزيادة التفاهم بين الأفراد والجماعات وبين البلدان والثقافات.

وعلم النفس ميدان واسع للدراسة يستقصي طائفة كبيرة من المسائل والأفكار والمشاعر والأفعال. ومن الأسئلة التي يثيرها علماء النفس: كيف تبصر وتسمع وتشم وتتذوق وتحس؟ ما الذي يجعلنا نتعلم ونفكر ونتذكر، ولماذا ننسى؟ وما النشاطات التي تميز البشر عن الحيوانات الأخرى؟ ما القدرات التي تولد معنا؟ وما القــدرات الواجب علينا اكتسابها؟ ما مدى تأثير العقل في الجسد. وكيف يؤثر الجسد في العقل؟ وهل نستطيع تغيير سرعة نبض القلب أو درجة حرارة الجسم بمحض إرادتنا؟ ماذا تستطيع الأحلام أن تنبئنا عن حاجتنا ورغباتنا؟ ولماذا نحب من نحبهم؟ ولماذا يشعر بعض الناس بالخجل وغيرهم لا خجل لديهم إطلاقًا؟ ما أسبـــاب العنــــف؟ ما المــرض العقلي؟ وكيف يمكن شفاؤه؟.

ساعدت نتائج بحوث علماء النفس كثيرًا على تحسين فهمنا لأسرار تصرفات الناس. فعلى سبيل المثال اكتشف علماء النفس الكثير عن كيفية تطور شخصية الإنسان، وتشجيع النمو السليم، ولديهم بعض المعرفة التي من شأنها مساعدة الناس على تغيير عاداتهم السيئة ومساعدة التلاميذ على التعلم. كما يدركون بعض الشروط المؤدية إلى تشجيع العمال على رفع كفاءتهم الإنتاجية. هناك أشياء كثيرة لم تكتشف بعد. لكن الإدراك الذي اكتسبناه بفضل علم النفس بإمكانه مساعدة الناس على تحسين تصرفاتهم.


المجالات الرئيسية لعلم النفس

الإدراك.يعرّف الإدراك في علم النفس بأنه دراسة الطريقة التي يصبح بها أي كائن واعياً بالأشياء والأحداث والعلاقات في العالم حوله باستخدام الحواس. ولذا يحلل علماء نفس الإدراك حقولا مثل البصر والسمع والذوق والشم واللمس والحركة.
التعلم.يبحث هذا الفرع من علم النفس في كيفية حدوث التغيرات الدائمة في السلوك نتيجة الخبرة والممارسة والتدريب. ويُعنى علماء النفس في دراساتهم بأهمية الثواب والعقاب في عملية التعلم، وكيف يتعلم مختلف الأفراد والأنواع. وما العوامل التي تؤثر في الذاكرة.
الدافع.ينصب اهتمام علم النفس على دراسة القوى الواعية وغير الواعية الكامنة وراء تصرفات البشر والحيوانات الأخرى. كما يركز العلماء على تفهم الحاجات الجسدية والدوافع الجنسية والعدوان والانفعال.
الشخصية.تشير الشخصية إلى الخصائص التي تميز الناس بعضهم عن بعض وتفسر سلوكهم. ويدرس علماء نفس الشخصية كيفية تطور شخصية الفرد، وأنماط الشخصية الرئيسية، وقياس سمات الشخصية.
علم النفس الاجتماعي.يبحث هذا العلم في السلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات مع الاهتمام بكيفية تأثر السلوك بمجرد وجود أشخاص آخرين أو بتأثيرهم على السلوك. ويركز علماء النفس الاجتماعي على عمليات مثل الاتصالات والسلوك السياسي وتكون الميول والاتجاهات.
علم النفس التربوي.يحاول هذا العلم تحسين طرق التعليم ومواد التعليم، وحل مشكلات التعلم في هذا الميدان وقياس القدرة على التعلّم ودرجة التقدم التربوي. ويعمل الباحثون في هذا الميدان على وضع اختبارات تحصيل وتطوير طرق تعليمية جديدة، وتقييم درجة فعاليتها أو دراسة كيفية تعلم الأطفال في مختلف أعمارهم.
علم النفس السريري أو الإكلينيكي (الطبي).يستخدم الفهم المستمد من علم النمو وعلم نفس الشواذ لتشخيص الاضطرابات العقلية ومصاعب التكيف بغية معالجتها. ويعمل بعض علماء النفس السريري على تطوير برامج من شأنها منع الأمراض العاطفية، أو يقومون بأبحاث أساسية تساعد الأفراد على مجابهة مشكلات الحياة اليومية على وجه أفضل.
علم نفس الشواذ.يعالج الاضطرابات السلوكية والأفراد المضطربين. فعلى سبيل المثال قد يحقق الباحثون في أسباب السلوك العنيف أو السلوك الهدام للذات، أو فعالية الأساليب المستخدمة في علاج الاضطرابات الانفعالية.
علم النفس الصناعي.يهتم هذا الفرع من علم النفس بدراسة الناس في أماكن العمل. ومن المسائل التي يعنى بها علماء النفس الصناعي في بحوثهم كيفية جعل العمل أجدى معنوياً، وكيفية تحسين أداء العمال. كذلك يدرسون المسائل المتعلقة بانتقاء الموظفين، والقيادة، والإدارة. وعلم نفس المنظمات قريب الصلة بعلم النفس الصناعي.
علم النفس الفسيولوجي.يدرس العلاقة بين السلوك وتركيب الجسم أو وظائفه، ولاسيما عمل الجهاز العصبي ويدرس وظائف الدماغ وكيف تؤثر الهورمونات على السلوك. ويستقصي السلوك والعمليات الجسدية التي تؤثر في التعلم والعواطف.
علم النفس المقارنيستقصي أوجه الاختلاف والشبه في سلوك الحيوانات وأنواعها المختلفة. ويقوم علماء النفس في هذا الميدان بدراسات منهجية حول قدرات مختلف أنواع الحيوانات وحاجاتها ونشاطاتها مع مقارنتها بالجنس البشري.
علم نفس النمو.يدرس التغيرات العاطفية والفكرية والاجتماعية التي تطرأ على الناس في مختلف مراحل العمر. ويتخصص بعض علماء نفس النمو بدراسة مشاكل الأطفال أو المراهقين.

علم النفس والعلوم الأخرى

يتصل علم النفس اتصالا وثيقًا بأحد العلوم الطبيعية، وهو علم الأحياء. فعلماء النفس ـ مثل كثير من علماء الأحياء ـ يدرسون قدرات البشر والحيوانات وحاجاتهم ونشاطاتهم. غير أن علماء النفس يركزون دراستهم على عمل الجهاز العصبي ولا سيما الدماغ.

ولعلم النفس صلة أيضًا بفرعين من العلوم الاجتماعية، هما علم الأجناس وعلم الاجتماع، اللذان يدرسان الإنسان في مجتمعه، إذ يدرس علماء النفس ـ شأنهم في ذلك شأن علماء الأجناس وعلماء الاجتماع ـ ميول البشر وعلاقاتهم في النطاق الاجتماعي. وتدرس هذه الفروع الثلاثة من المعارف الأكاديمية المشكلات ذاتها، ولكن من زوايا مختلفة، بيد أن علماء النفس يركزون دراساتهم على سلوك الفرد، ذلك لأنهم معنيون بصورة خاصة بتفكير الشخص والمشاعر التي تؤثر في أفعاله.

إضافة إلى ذلك يشبه علم النفس فرعًا من فروع الطب يدعى الطب النفسي. ويحمل معظم علماء النفس شهادات جامعية في علم النفس، لكن لا يتخصص إلا القليل منهم في علاج الاضطرابات العقلية. بينما يحمل الأطباء النفسيون شهادات طبية، ويكرسون عملهم لمعالجة الاضطرابات العقلية.

مناهج البحث في علم النفس

يستخدم علماء النفس في أبحاثهم الأساليب ذاتها تقريبًا التي يستخدمها غيرهم من العلماء. فهم يصوغون نظريات، تسمى أيضًا فرضيات، تعبر عن التفسيرات المحتملة لمشاهداتهم، ثم يستخدمون أساليب عملية لاختبار صحة هذه الفرضيات. ومن المناهج الرئيسية المستخدمة في البحوث النفسية: 1ـ المشاهدة الطبيعية. 2ـ التقويم المنهجي. 3ـ التجريب

المشاهدة الطبيعية:

ينطوي هذا المنهج على مراقبة سلوك البشر والحيوانات الأخرى في بيئتها الطبيعية. فمثلاً قد يدرس الباحث تصرفات قرود الشمبانزي في بيئتها الطبيعية، بينما يبحث عالم النفس التمييز بين مسببات الأحداث ونتائجها. كما يبحث عن أنماط السلوك العامة.

يحاول علماء النفس في دراساتهم مراقبة فئة ذات عدد كاف وصفات معينة كافية تؤهلها لتمثيل مجتمعها السكاني تمثيلاً دقيقــًا. وتدعى هذه الفئة العينة النموذجية. ويحاولون ألا تؤثر آراؤهم الشخصية في استنتاجات دراستهم، وألا يؤثر وجودهم في سلوك الكائن الخاضع للملاحظة. فالعالم الحريص على أمانته، إما أن يبتعد عن المشهد أو يطيل أمد بقائه فيه إلى أن يصبح وجوده جزءًا مألوفــًا من المشهد.

وتُعد المشاهدة الطبيعية مصدرًا قيمًا للمعلومات التي يحصل عليها علماء النفس. أما تأثير البحث نفسه في السلوك المراقب فيقل عن تأثير التجربة المنضبطة، غير أنه نادراً ما تنجح المراقبة وحدها في إثبات وجود علاقة سببية بين حدثين أو أكثر. لذا يستخدم علماء النفس المشاهدة الطبيعية بوصفها أسلوبًا استطلاعيًا بصورة رئيسية لاكتساب نظرة وأفكار تعرض على محك الاختبار فيما بعد.

التقويم المنهجي:

يطلق اسم هذا المنهج العلمي على طائفة من الطرق النظامية المستخدمة في الحكم على أفكار الناس ومشاعرهم وسمات شخصياتهم. وتحتوي الأنواع الرئيسية في التقويم المنهجي على الآتي: دراسة تاريخ الحالة، وإجراء المسوح والاختبارات المعيارية.

تاريخ الحالة. أي سيرته المؤلفة من مجموعة معلومات مفصلة عن ماضيه وحاضره. يجمع معظم علماء النفس السريريين تواريخ حياة مرضاهم لتساعدهم على تفهم مشاكلهم وعلاجها. ويتسنى لعالم النفس ـ لدى ملاحظته تجارب متماثلة أو أنماطــًا فكرية متشابهة ـ اكتساب المزيد من الإدراك بأسباب بعض الانفعالات العاطفية.

المُسُوح. تدعى أيضًا استطلاعات الرأي العام، وتنطوي على دراسة ميول الناس ونشاطاتهم بتوجيه الأسئلة إليهم مباشرة. وتزودنا المسوح بمعلومات عن وجهات النظر السياسية وعادات المستهلكين الشرائية ومواضيع أخرى عديدة. ويعد عالم النفس قائمة بأسئلة تُنتقى كلماتها بعناية. وقد يجري الباحث مقابلة شخصية مع المشتركين في الاستطلاع، أو يرسل إلى كل واحد منهم الاستبانة بالبريد. وإذا كان مراد عالم النفس التوصل إلى استنتاجات عامة التطبيق، وجب عليه جمع الردود من أفراد عينة نموذجية.

الاختبار المعياري. اختبار تقررت له في البدء معايير أداء وسطية، وأظهر لدى تطبيقه نتائج ثابتة. وفوق ذلك يشترط وضع أساليب موحدة لإجراء الاختبار وتقويم نتائجه. ويستخدم علماء النفس مثل هذا الاختبار لقياس قدرات الناس واستعدادهم ومواضع اهتماماتهم وسمات شخصياتهم.

وثمة اختبارات أخرى كالاختبارات الإسقاطية وظيفتها سبر أغــوار مشاعر الفرد الداخلية. ففي أحد اختبارات رورشاخ، يصف الشخص تحت الفحص ما يراه في سلسلة من بقع الحبر. وفي اختبار تفهم الموضوع (اختبار إسقاطي) يطلب إلى المفحوص أن يحكي القصة التي توحي بها سلسلة من الصور غير معدة البناء نسبيًا أو موضحة المعالم. فهذا الاختبار مادة ملائمة يمكن للمفحوص أن يسقط عليها حاجاته وانفعالاته وصراعاته. ويستطيع علماء النفس ترجمة إجابات هذه الاختبارات إلى تعبيرات عن شخصية الفرد.

يزود تاريخ الحالة، والمسوح، والاختبارات المعيارية علماء النفس بكثير من المعلومات التي لايتسنى لهم الحصول عليها بالمشاهدة الطبيعية. غير أن دقة المعلومات المجموعة تتوقف على حسن إعداد الدراسات، كما تعتمد على صدق إجابات الأفراد المشتركين فيها وكمال هذه الأجوبة.

التجريب:

يساعد هذا المنهج عالم النفس على البحث عن وجود علاقات سببية في السلوك أو تأكيد وجودها. ففي تجربة نموذجية يقسم الباحث بصورة عشوائية الأشخاص المشتركين في التجربة إلى مجموعتين، تدعى إحداهما المجموعة التجريبية والأخرى المجموعة الضابطة ثم يحدث الباحث تغييرًا في ظرف يمكن أن يؤثر في سلوك أفراد المجموعة التجريبية، مع إبقاء العوامل الأخرى دون تغيير، بينما لا يدخل أي تغيير في ظروف المجموعة الضابطة. فإذا اختلف سلوك المجموعة التجريبية عن سلوك المجموعة الضابطة كان من المحتمل اعتبار الظرف المتغير سببًا للفارق في سلوك المجموعتين.

وثمة تجارب أخرى تُجرى في الغرب تنطوي على تكرار اختبار سلوك الأشخاص تحت ظروف مختلفة. فمثلاً، قد يكون هدف الاختبار معرفة مدى تأثير المسكرات على سائقي السيارات، حيث يمتحن كل سائق بوساطة مشباه مخبري وهو منتبه، ثم يكرر الامتحان بعد تعاطيه قدراً من الكحول. عندها يمكن عزو أي فارق في الأداء إلى الكحول المتعاطى.

ويستطيع العلماء بفضل الأسلوب التجريبي اختبار صحة نظرية ما تحت ظروف ضابطة. ولكن كثيراً من علماء النفس يترددون في قبول استنتاجات مبنية على بحوث مخبرية فقط، إذ أن سلوك الناس في حالات كثيرة يتغير بمجرد علمهم أنهم موضع تجربة نفسية.

نبذة تاريخية

البدايات:

منذ العــهود القديمة يحاول الفلاسفة والناس عامة فهم الأسباب الكامنة وراء تصرفات البشر والحيوانات الأخرى. وتعود أصول علم النفس إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي ركز اهتمامه الرئيسي على قدرة الإنجاز لدى العقل الإنساني. واعتقد أن العقل أو النفس، التي أسماها الإغريق الروح، شيء منفصل عن الجسد. ورأى أن النفس هي التي تمكن الناس من التفكير، فضلاً عن كونها مصدرًا لأسمى الفضائل الإنسانية.

وفي عصور الحضارة العربية الإسلامية أسهم المفكرون والعلماء والأطباء المسلمون في دراسة النفس الإنسانية وتركوا آثارًا بارزة في هذا المجال، منها رسائل لابن سينا وآراء للرازي وابن الهيثم وغيرهم. وفي أوروبا أسهم علماء العصور الوسطى في دراسة السلوك الإنساني. كما أسهم فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر في ذلك. فالفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت اعتبر العقل والجسد شيئين منفصلين، لكل منهما تأثير كبير في الآخر. وأشار إلى أن التفاعل بينهما يحدث في الغدة الصنوبرية وهي عضو دقيق الحجم في الدماغ.

واعتقد ديكارت أيضا أن الناس قد ولدوا ومعهم القدرة على التفكير والتمحيص. غير أن هذا المذهب المسمى المذهب الطبيعي تعرض للرفض في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر الميلاديين من مجموعة من الفلاسفة أطلق عليهم اسم التجريبيين، ومنهم توماس هوبز وجون لوك وديفيد هيوم الأسكتلندي وجورج باركلي الأيرلندي، إذ اعتقد هؤلاء بأن الإنسان يولد معه عقله صفحة بيضاء، وأن معرفته بالعالم الخارجي لا تأتي إلا عن طريق الحواس، وأن أفكار الناس هي حصيلة تجاربهم الحياتية.

علم النفس يصبح علمًا:

في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بدأ عالمان ألمانيان، هما العالم الفسيولوجي جوهانز مولر والفيزيائي والفسيولوجي هيرمان فون هيلمولتز، أولى الدراسات المنتظمة للإحساس والإدراك. وأوضحت هذه الدراسات أنه من الممكن دراسة العمليات الجسدية الكامنة وراء النشاط العقلي بصورة علمية.

غير أن علم النفس لم يتطور إلى علم قائم على أساس الملاحظة والتجريب حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. ففي عام 1875م أسس الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس مختبراً نفسيًا ربما كان أول مختبر من نوعه في العالم. وفي ألمانيا تأسس مختبر مماثل عام 1879م على يد فلهلم فونت، وهو فيلسوف تلقى تدريبًا في علمي الطب ووظائف الأعضاء أيضًا. وتُعد منجزات جيمس وفلهلم بداية علم النفس بوصفه حقلاً منفصلاً ومتميزًا عن علم الفلسفة.

وانقسم علماء النفس فيما بينهم في آواخر القرن التاسع عشر الميلادي إلى الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي حول المواضيع الواجب عليهم دراستها، وكيف ينبغي أن تدرس. وتبعاً لذلك نشأت وتطورت أربعة مذاهب أو مدارس رئيسية. وهذه المدارس هي: 1-المدرسة البنيوية 2- المدرسة السلوكية 3- المدرسة الجشطالتية 4- مدرسة التحليل النفسي.

المدرسة البنيوية:

نشأ هذا المذهب بفضل أعمال جيمس وفلهلم ومعاونيهما. إذ اعتقد علماء النفس هؤلاء بأن الغرض الرئيسي لعلم النفس هو وصف تجارب الإنسان الواعي وتحليلها وتفسيرها. وحاولوا الإتيان بتحليل علمي للتجربة الواعية، وذلك بتجزئتها إلى العناصر المكونة لبنياتها. فقد ميزَّوا ـ على سبيل المثال ـ بين أربعة إحســاسات جلدية أساسية: الدفء والبرد والألم والضغط. واعتبروا إحساس البلل ـ بعد تحليلهم له ـ مزيجًا من إحساسي البرد والنعومة.

واستخدم علماء هذا المذهب أسلوبًا رئيسيًا في البحث يدعى الاستبصار أو الاستــبطان ينطوي على تدريب الأشخاص ـ موضع البحث ـ على الانتباه لعملياتهم الذهنية ومشاعرهم وتجارب حياتهم.

المدرسة السلوكية:

أسس هذا المذهب عام 1913م عالم النفس الأمريكي واطسون جون برودس إذ اعتقد هو وأتباعه أن السلوك الظاهري ـ لا التجربة الباطنة ـ هو مصدر المعلومات الوحيد الممكن الوثوق به. وجاء هذا التركيز على الحوادث المرئية بمثابة رد فعل لتأكيد مدرسة البنيوية على الاستبصار. وقد أكَّد السلوكيون على أهمية البيئة في تكوين السلوك الفردي، وبحثوا بصورة رئيسية العلاقة الكائنة بين السلوك الظاهري والمثيرات البيئية.

وتأثرت حركة الســـلوكية كــثيرًا بأعـــمال عالم النفس الفــيزيولوجي الروسي إيفان بافلــوف. ففي دراسة مشهورة له، يقرع جرسًا كلما قدم طعامـًا إلى كلب وكان لعاب الكلب يسيل كلما شم رائحة الطعام. وبعد تكرار بافلوف لهذه التـــجربة عدة مرات أخذ لعاب الكلب يسيل بمجرد قرع الجرس، حتى ولو لم يكن هنالك طعام. ودلت هذه التجربة على أن انعكاسًا لا إراديًا ـ كسيلان اللعاب ـ يمكن أن يقترن بمثير غير المثير الأول الذي ولّده في الأصل، وهو في هذه الحالة صوت الجرس لا رائحة الطعام. وتدعى عملية التعلم هذه حيث تصبح الاستجابة رد فعل لمثير جديد (الارتباط الشرطي).

وأدرك واطسون وغيره من السلوكيين أنه من الممكن أيضًا تغيير سلوك الإنسان بالإشراط. والواقع أنه اعتقد أن بإمكانه توليد أية استجابة يريدها من خلال التحكم في بيئة الفرد.

وفي منتصف القرن العشرين اجتذب عالم النفس الأمريكي بي إف سكنر كثيرًا من الانتباه بفضل أفكاره السلوكية، ففي كتابه والدن الثاني (عام 1948م) وصف سكنر كيفية تطبيق مبادئ الإشراط من أجل خلق مجتمع مثالي وفقاً لمخطط مرسوم.

المدرسة الجشطالتية:

تعني الكلمة الألمانية، جشطالت، نمطـًا أو صيغة أو شكلاً. نشأ هذا المذهب، مثلما نشأ مذهب السلوكية، بوصفه رد فعل لمدرسة البنيوية. إذ اعتقد علماء نفس الجشطالت أن البشر والحيوانات الأخرى يرون العالم الخارجي وكأنه نمط أو شكل منظم متكامل، لا مجموعة من إحساسات فردية. مثلاً يتألف شريط الفيلم من ألوف الصور الفردية الساكنة. ومع ذلك يبدو لنا تعاقب صوره لدى مشاهدته ـ كأنه سلسلة حركات متواصلة.

وخلافــًا للسلوكيين يعتقد علماء الجشطالت بوجوب دراسة السلوك بوصفه نمطــًا منظمـًا متكاملاً لا مجموعة من مثيرات واستجابات منفردة. ويعبر القول المأثور ¸الكل أكبر من مجموع أجزائه· عن مبدأ مهم من مبادئ حركة الجشطالت.

تأسس علم نفس الجشطالت نحو عام 1912م على يد عالم النفس الألماني ماكس ويرثيمر. وخلال الثلاثينات من القرن العشرين نقل فيرثهايمر مع زميلين له حركة الجشطالت إلى الولايات المتحدة. لمزيد من المعلومات. ★ تَصَفح: الجشطالت، علم نفس.

التحليلي النفسي:

تأسس هذا المذهب في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين على يد الطبيب النمساوي سيجموند فرويد. وهو مبني على أساس النظرية القائلة إن قوى باطنية جبارة، معظمها كامن في خبايا العقل الباطن، هي التي تحدد سلوك الإنسان. ويرى فرويد وغيره من علماء التحليل النفسي أن الناس، منذ طفولتهم المبكرة، يكبتون، أي يطردون من الإدراك الواعي، أية رغبات، أو حاجات، غير مقبولة لديهم، أو لدى المجتمع، إلى العقل الباطن. وأن بإمكان المشاعر المكبوتة خلق اضطرابات في الشخصية أو سلوك هدام للنفس أو حتى عوارض بدنية. وعمل فرويد على تطوير عدة أساليب من شأنها دفع المشاعر المكبوته نحو عالم الوعي، منها أسلوب يدعى التداعي الحر. وبمقتضى هذا الأسلوب يسترخي المريض ثم يتفوه بكل ما يخطر على باله، بينما ينصت الطبيب المعالج، محاولاً التقاط كلمات أو تعابير تنم عن مشاعر المفحوص البـــاطنية. ويحاول علماء التحليل النفسي أيضاً تفسير الأحلام، باعتبارها انعكاساً للدوافع والنزعات اللاواعية. والغاية هي مساعدة المريض على فهم مشاعره المكبوته وتقبلها وإيجاد طرق لمعالجتها.

علم النفس الحديث:

يحتوي هذا المذهب على كثير من تعاليم المذاهب السابقة له. فمثلاً يرفض كثير من علماء النفس اليوم بعض آراء فرويد، لكن معظمهم يقبلون فكرته العامة، وهي أن العقل اللاواعي يؤدي دوراً رئيسيًا في تكوين السلوك الإنساني. كذلك يتفق معظم علماء النفس مع السلوكيين حول تأثير البيئة في السلوك، ووجوب دراسة الأفعال القابلة للمشاهدة بصورة رئيسية غير أن كثيراً منهم يعارضون المدرسة السلوكية البحتة، إذ يعتقدون أنها لا تعير إلا اهتمامـًا يسيرًا لعمليات مثل التفكير وتطور الشخصية.

ومايزال علم النفس اليوم يتطور باستمرار في اتجاهات عديدة. فهنالك مجموعة مكونة من السلوكيين المتطرفين تدعى مدرسة المثير والاستجابة، تعتقد أن السلوك سلسلة من الاستجابات للمثيرات المختلفة. ولذا يمُكن في نهاية المطاف تعريف كل مثير له استجابة، كما يمُكن التكهن بالسلوك والتحكم فيه.

وثمة مجموعة أخرى من علماء النفس هم أصحاب المدرسة المعرفية تعتقد أن الطبيعة الإنسانية تسمو عن كونها مجرد ارتباطات من مثيرات واستجابات. ولذلك يركز أتباعها على العمليات الذهنية مثل التفكير، والتمحيص والإدراك الذاتي، ويودون معرفة الطريقة التي يستخدمها الإنسان في جمع معلوماته عن العالم وكيفية تحليله لها وتخطيط استجاباته.

وهناك مدرسة تدعى علم النفس الإنساني، نشأت وتطورت بديلاً للمدرسة السلوكية ولعلم التحليل النفسي ويعتقد أتباعها أن الأفراد هم قيد قيمهم وخياراتهم لا رهن البيئة إطلاقــًا ـ كما يعتقد السلوكيون ـ ولا رهن الدوافع اللاواعية ـ كما يعتقد علماء التحليل النفسي. وغاية هذه المدرسة مساعدة الناس على العمل بصورة فعالة وتحقيق إمكاناتهم الفريدة. ومن أنصار هذه المدرسة عالما النفس الأمريكيان إبراهام ماسلو وكارل روجرز.

والجدير بالذكر أن كثيراً من علماء النفس لا يعدون أنفسهم أتباعـًا لمدرسة أو نظرية معينة، وإنما يختارون ما يروق لهم من مصـــادر مـتنوعة. ويطلق على هذا النهج اسم الانتقائية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية