العلاج النفسي ( Psychotherapy )
☰ جدول المحتويات
العلاج النفسي معالجة الاضطرابات الذهنية والانفعالية باستخدام وسائل علم النفس. وتنطوي المعالجة النفسية في معظم الحالات على تبادل الحديث بين المعالج ومريض أو أكثر.
وهنالك ثلاثة أنواع من المعالجين النفسيين 1- أطباء النفس 2- علماء النفس 3- المتخصصون في الخدمة الاجتماعية النفسية. يحمل الأطباء النفسانيون عادة شهادة طبية ويتلقون تدريبًا عاليا يؤهّلهم لتشخيص الاضطرابات النفسية وعلاجها. ولا يسمح لسواهم بوصف المهدئات وغيرها من العقاقير في سياق العلاج. ويحمل علماء النفس شهادة في علم النفس، كما يتلقَّون تدريبًا عمليًا فيه. ويَحمل معظم المتخصصين في الخدمة الاجتماعية النفسية شهادة، ويتلقَّون تدريبًا على استعمال وسائل العلاج النفسي. وقد يؤدي الممرضون النّفسيّون والممرضات النّفسيّات أيضًا دورًا في العلاج النفسي.
تنطوي المعالجة النفسية على استخدام شتى الوسائل المرتكزة على مختلف الأفكار والنظريات التي تدور حول أسباب الاضطرابات النفسية. فهناك معالجون يستخدمون شكلاً واحدًا من العلاج مع جميع مرضاهم، لكن كثيرًا من المعالجين يُنوعون وسائلهم تبعًا لتباين طبيعة مشاكل مرضاهم.
وهنالك خلاف بين العلماء حول مدى فاعلية العلاج النفسي للأفراد المصابين باضطراب نفسي، غير أن معظمهم يرون فيه بعض المنفعة. وليس ثمة دليل على أن شكلاً ما من أشكال العلاج أفضل فاعلية من غيره، إذ يعتمد ذلك كثيرًا على مدى خبرة المعالج ومهارته ودفء شخصيته، كما يتوقف على العلاقة التي يوجدها مع كل مريض على انفراد.
ويمكن تصنيف معظم تقنيات المعالجة النفسية وفق ثلاثة مداخل عامّة 1- المدخل التحليلي، 2- المدخل السُّلوكي، 3- المدخل الإنساني، وهنالك أشكال أخرى من المعالجة النفسية لا يمكن تصنيفها ضمن أي من هذه الفئات الرئيسية الثلاث. وقد يستخدم المعالج النفسي تقنية أخرى تسمى العلاج الجمعي إضافة إلى استعماله أحد الأساليب الثلاثة.
العلاج النفسي التحليلي:
يُدعى أشهر أنواع هذا العلاج التحليل النفسي وهو أسلوب في المعالجة نشأ وتطوّر على يد الطبيب النمساوي سيجموند فرويد، ويرتكز على النظرية القائلة: إن الاضطرابات النفسية تنشأ نتيجة الصراع الدائر بين المؤثرات الواعية والمؤثرات غير الواعية. فالدوافع الجنسية للشخص مثلاً، تتعارض مع القيم الأخلاقية. ويقول علماء التحليل النفسي إن الناس يطورون حيل دفاعية عندما يعسر عليهم حلُّ المتناقضات التي يواجهونها في حياتهم. ومن الحيل الدفاعية الشائعة عملية الكبت، أو طرد المشاعر المزعجة والذكريات المؤلمة من الجزء الواعي إلى الجزء غير الواعي من العقل. ويحاول علماء التحليل النفسي إماطة اللّثام عن النزاعات المكبوتة بنقلها إلى عالم الوعي. عندها قد يتسنى للمريض تفهمها ومجابهتها.ويستخدم هؤلاء العلماء وسائل عديدة لاختراق الحيل الدفاعية للشخص، منها أسلوب التداعي الحرّ. وينطوي هذا الأسلوب على جعل المريض يسترخي ويقول كل ما يخطر على باله، بينما يُنصِت الطبيب المعالج محاولاً التقاط كلمات وتعابير تنمّ عن حوافز الفرد اللاواعية. ويحاول علماء التحليل النفسي تفسير الأحلام أيضًا إذ هي لديهم بمثابة رموز تنبئ عن مشاعر ونزاعات لا واعية مهمة. وفضلاً عن ذلك يستقصون تاريخ حياة المريض، ولا سيما ذكريات طفولته.
وعدا التحليل النفسي، هنالك أيضًا أساليب أخرى متنوّعة يستخدمها العلاج النفسي التحليلي. على سبيل المثال صيغت أشكال رئيسية متنوّعة لأفكار فرويد وأساليبه على أيدي ألْفرد أدلر النمساوي وإرك فروم الألماني، وكارن هورفي الألمانية، وكارل يونج السويسري، غير أن جميع المعالجين بالتحليل النفسي يركّزون على الحوار القائم بين الجزء الواعي والجزء اللاواعي من العقل.
العلاج النفسي السلوكي:
منشأ هذا النوع من العلاج هو المفهوم القائل إن المشاكل النفسية وليدة عملية أساسية في التّعّلم تسمى الإشراط. ففي الإشراط يتعلم المرء الاستجابة بردود معيّنة لتأثيرات البيئة. وتعزو النظرية السلوكية منشأ المشاكل النفسية التي يعانيها الأفراد إما إلى إخفاقهم في تعلّم استجابات فعّالة للمنبهات أو لتعلمهم ضروبًا سلوكية خاطئة لدى مواجهتهم متاعب الحياة.ويستخدم المتخصّصون في المعالجة السلوكية وسائل عديدة لتغيير تصرفات المريض المُحبطة للذات. مثلاً قد يُثيب المعالج الاستجابات المرغوبة، بينما لا يلتفت إلى ماعداها أو يعاقبها، كذلك قد يحاول تغيير سلوك المريض ونظرته إلى نفسه، فيعمل على زيادة ثقته بقدرته على التصرف بصورة فاعلة. كما قد يحاول وضع أهداف معقولة للمريض عوضًا عن أهدافه غير المعقولة.
العلاج النفسي الإنساني:
يؤكّد هذا النوع من العلاج قدرة الناس على النمو وتحقيق مطالب الذات، بدلاً من التركيز على نزاعاتهم غير الواعية أو تصرّفاتهم المُحبطة للذات. ويحاول المتخصصون في العلاج النفسي الإنساني مساعدة المريض على تكوين وعي شخصي وفهم ذاتي وتقدير نفسي. ولا يسبُر المعالج غور ماضي المريض ـ كما يفعل عالم التحليل النفسي ـ أو يحاول تغيير سلوك معيّن ـ كما يفعل المتخصصون بالعلاج السلوكي ـ وإنما يهيئ للمريض جوًا ملؤه القبول والدعم، ثم يمكّنه من استكشاف مشاكله بنفسه.وهناك عدة أنواع من العلاج النفسي الإنساني، أكثرها استخدامًا على الأرجح ما يدُعى بالعلاج المركّز على زائر العيادة. تطّور هذا الضرب من العلاج على يد عالم النفس الأمريكي كارل رُوجَرزْ الذي خشي أن تعني كلمة المريض ضمنًا عِلة أو مرضًا، ولذا استعاض عنها بكلمة زائر العيادة. ويفترض هذا الشكل من العلاج أن الشخص المضطرب ذهنيًا أدرى من غيره بحل مشاكله، ولذا يكرر المعالج ذِكر مشاعر زائر العيادة وأفكاره ليساعده على تبصُّر مشكلته بنفسه. ولا يحاول المعالج شرح المشكلة لزائر العيادة أو الإشارة عليه بفعل شئ ما، إذ إن بإمكانه ـ وفق نظرية روجرز ـ أن يتعلم بنفسه كيفية انتقاء حلول ناجحة إذا أصبح أكثر دراية بحقيقة عواطفه.
أشكال أخرى من العلاج النفسي:
هنالك أشكال أخرى من العلاج النفسي منها 1- العلاج الجشطالتي 2-علاج التعامل مع الآخرين 3- علاج بالواقع. تطوّر العلاج الجشطالتي على يد الطبيب النفسي الألماني فريدرّيك بيرُلس، ويستهدف التوفيق ما بين أفكار المرضى وأفعالهم من ناحية وأعمق مشاعرهم من ناحية أخرى. وفي الشكل الثاني، وهو علاج التعامل مع الآخرين، يساعد المعالج المرضى على تحليل علاقاتهم مع أفراد عائلاتهم وفي الأوضاع الاجتماعية. أما العلاج بالواقع فيعد المريض مسؤولاً عن سلوكه، ويُحمل على قبول عواقب هذا السلوك.العلاج الجمعي:
يشمل هذا العلاج مجموعة من المرضى تتألف عادة من ستة أشخاص أو أكثر. ويُمكن تطبيق أي مدخل من مداخل العلاج النفسي الفردي على العلاج الجمعي. فمثلاً هنالك علاج نفسي تحليلي جماعي، وعلاج سلوكي جماعي، وعلاج جشطالتي. وللعلاج الجمعي عدة مزايا ؛ إذ يتسنى للمعالج خدمة عدد أكبر من الناس في جلسة واحدة. ويستطيع أفراد الجماعة أن يشاركوا في تجاربهم وأن يتعلم بعضهم من بعض. وتُقدِّم الجماعة دعمًا عاطفيًا واجتماعيًا إلى أفرادها في أوقات الإجهاد.وهنالك شكل خاص من أشكال المعالجة الجماعية يُدعى العلاج العائلي. حيث يعمل المعالج أو المعالجون مع مجموعة مكونة من أفراد عائلة واحدة. ولكن قد يعقد المعالجون جلسات منفردة مع كلِّ عضو من العائلة على حدة. وهم يعتقدون أن جميع أفراد العائلة لهم ضلع في الأمر، حتى ولو بدا أنه لا يوجد بينهم سوى واحد فقط لديه مشكلة.