على الرغم من إشارة الأبحاث العلمية إلى العديد من الأسباب التي تقف خلف الإصابة بالأمراض العقلية، إلا أن أسْباب هذه الأمراض مازالت غير مفهومة بصورة كاملة. فمثلا تحدث بعض الأمراض نتيجة لبعض إصابات الدماغ، وبعضها نتيجةً لعدم التوازن الكيميائي في الدماغ، والأخرى تُسبِّبُها بعض العوامل البيئيّة مثل المرور بطفولة معذبة شقية، أو المعاناة من كرْبٍ عاطفيّ شديد. وقد تحدث بعض هذه الأمراض نتيجة لتضافر أكثر من سبب من هذه الأسباب.
اختبار رورشاخ يَسْتخدم عشر بقع (صور) مقَّننة من الحبر، لتساعد في تشخيَص الأمراض العقلية، حيث يقوم المريض بوصف مايراه في كل بقعة من الحبر، ومن ثَمَّ يقوم الفاحص بتفسير ماوصفه المريض. |
يقوم الأطباء النّفسيون بتشخيص وعلاج معظم الأمراض العقلية. ففي البدء، يَفْحص الطبيب النفسي المريض للتأكّد من وجود أو عدم وجود أيِّ مرضٍ عضوي وراء الإصابة بالمرض العقلي، ويتحدث مع المريض وبعض أقاربه لمحاولة فهم أعراض الاضطراب العقلي.
وقد يساعد عالمُ النفس الطبيب النفسي في تشخيص المرض العقلي، إذ يُعطي علماءُ النفس للمَرْضَى اختباراتٍ خاصةً لمعرفة بعض سماتهم الشخصية، وقدراتهم العقلية. ففي اختبار رورشاخ، يعطي المُعالِجُ للمرْضَى عددًا من الأوراق بها بقع مقننَّة من الحبر، ويطلب من كل مريض وصْف مايراه في هذه البقع (الصور). وتساعد هذه الأعراض الطبيب في معرفة أيّ ميول نفسية غير طبيعية لدى المريض.
وبعد تشخيص المرض العقلي يعالجُ الطبيب النفسي المرض بعدة طرق رئيسية منها:
1- المُعالجة الدوائية 2- المعالجة النفسية 3- المعالجة الكهربائية 4- الجراحة النفسية.
هذا وتسبب أدوية علاج الأمراض العقلية الكثير من التأثيرات الجانبية، فمثلا تُسبِّبُ مضادات القلق نُعَاسًا وضعفًا في العضلات. وتُسبِّب مضادات الذُّهان تململاً وتشنجات عضلية. وتجدر الإشارة إلى أن المعالجة الدوائية تتطلب استمرار المريض في تعاطي العلاج، وإلا فسيعود المرض بمجرد التوقف عن العلاج.
الدِّراما النفسية أسلوب يستعمله المعالِجُون النفسيون لمساعدة المرْضَى في التأمّل والتمعُّن في مشاكلهم بصورة واضحة. ففي التمثيل النفساني يقوم المَرْضى أمام المعالج بتمثيل أنفسهم وتمثيل الأشخاص القريبين منهم على طريقة إعادة تمثيل الأحداث من جديد. |
أنواع المعالجة النفسية تشمل: 1- المعالجة التحليلية 2- المعالجة السلوكية 3- المعالجة الإنسانية.
وقد يَسْتعمل المعالجون طريقة واحدة من هذه الطرق لكل المرضى، وقد يُنوِّعون في طرقِِ العلاج اعتمادًا على حالة المريض.
وتَعْتَمِد المعالجةُ النفسيةُ التحليليّة على نظرية حدوث الأمراض العقلية تبعًا للتناقض بين قوى الوعي واللاّوعي في الدماغ، ومن أشهرها التحليل النفسي. ففي هذا العلاج، يحث المحلِلّون النفسانيون المرضى على إدراك مابهم من تناقضات عقلية لاشعورية، ويساعدونهم على إيجاد بعض الحلول لها. وقد يَسْتخدِم المحللون طريقة التداعي الحر، حيث يطلبون من المريض قول كلِّ شىء يأتي على باله، وقد يُسأل المريض عن بعض أحلامه وذكرياته منذ عهد الطفولة، مما يساعد على إدراك وتَبصُّر بعض ما يجول في عقله اللاّواعي من أفكار وأحاسيس.
وتركز المعالجة النفسية السلوكية على تخفيف الأعراض الحالية للمريض دون الاهتمام بمعرفة ما يدور في عقله غير الواعي من تناقضات. وتَعْتمد النظرية السلوكية على عدم معرفة وخبرة المرضى عقليًا في كيفية تعاملهم وحلهم لمشاكلهم اليومية. ولذلك يعمل المعالِجون السلوكيّون على مساعدتهم في تنمية وتطوير سلوكهم بمكافأتهم على سلوكهم المرغوب فيه، وعقابهم على سلوكهم غير المرغوب فيه.
أما المعالجة النفسية الإنسانية، فتركِّزُ على الحوادث الحديثة والعلاقات الشخصية في حياة المريض. ففي هذه المعالجة، يعمل كل من المعالج والمريض كفريق واحد لحل المشاكل العملية الناتجة عن المرض العقلي، ويساعد المعالجون المرضى على تقدير وقبول أنفسهم، ويشجعونهم على مناقشة أحاسيسهم. ومن ثَمَّ تَتِمُّ طمأنتهم وتُقَدَّمُ لهم النصائح العملية.
طرق خاصة تستعمل بالإضافة لأنواع المعالجات النفسية المختلفة، تُستعمل مثل: 1- الدراما النفسية 2- العلاج باللعب 3-العلاج الجماعي.
ففي الدراما النفسية تمثل مجموعة من المرضى مشكلاتها. وقد يمثل المرضى أدوارهم أو أدوار غيرهم ممن هم قريبون منهم. ويشجع هذا التمثيل المرضى على التَّمعُّن في مشكلاتها من عدة جوانب، مما يساعدهم على فَهْم وإدراك اضطراباتهم العقلية.
ويُستَعمل العلاج باللعب والدّمى لعلاج الأمراض العقلية عند الأطفال، فيعُطى الطفلُ عددًا من اللّعب والدّمى ويطْلُبُ منه المعالج سرد قصة عنها. ويقوم الطفل باستخدام الدمى لتمثيل تناقضاته الشخصية، ومن ثمَّ يساعده المعالج على إيجاد العلاقة بين ماقَصَّه ومثّله وبين حالته الشخصية.
أما العلاج الجماعيّ، فهو نوع ٌمن المعالَجَة النفسيّة تشملُ مجموعةً مُكوَّنة من ستّة مرضى أو أكثر، حيث يتعلمون الكثير عن مشكلاتهم، بمشاركتهم في تجارب بعضهم بعضًا، ممن يُعانُون من المشاكل والتناقضات نفسها وكذلك يُشجَّع أعضاءُ المجموعة بعضهم بعضًا أثناء حدوث المصاعب الشخصية.
وتُستعمل هذه الطريقة لعلاج المرضى الذين يُعانُون من الحالات الشديدة والمُؤْلمة من الاكتئاب، والقسر، والقلق بعد فشل كل الطرق المتاحة للعلاج. ويُدرك العديد من الأطباء النفسانيين خطورةَ هذا العلاج، ولايشجعونه في علاج الأمراض العقلية.
ففي المستشفيات يتلقى المرضى علاجًا خاصًا، ويقوم المعالجون بوصف الأدوية والإشراف على جلسات المُعَالجة النفسانية، وعلى إعطاء المعالجة الكهربائية الاختلاجية. ويتعاون العاملون بالمستشفى في تخطيط وترتيب سير العمل، مما يساعد على تهيئة المرضى لأداء نشاطاتهم اليومية بصورة طبيعية بعد مغادرتهم المستشفى.
الكرسيّ الدوّار استُعمل في خلال القرن الثامن عشر لعلاج المرضى عقليًا. وكان الاعتقاد السائد هو أن هذه الطريقة تزيد من سريان الدم إلى الدماغ، مما يساعد على إزالة أو تخفيف المرض العقلي. |
واعتقد قدماء الإغريق أن الأمراض العقلية عِقَابٌ من آلهتهم، ولذلك لجأوا للصلاة وإجراء الاحتفالات الدينية للعلاج. وفي حوالي 400ق.م، ادّعَى الطبيب الإغريقي أبقراط حدوث الأمراض العقلية تبعًا لاختلال أربعة من سوائل الجسم هي الدم، والبلغم، والصفراء الصفراء، والصفراء السوداء. فقد اعتقد أن حدوث مرض الاكتئاب، نتيجة لزيادة الصفراء السوداء التي تعرف في الإغريقيّة باسم melan chole (ملان كول) ومنها اشتُقتْ كلمة ماليخوليا أو مالنخوليا أو ما يعرف باسم السوداوية والتي تعني الحُزن.
عرف الأطباء العرب الأمراض العقلية، وكتب بعضهم رسائل تبحث في علل هذه الأمراض، ومنهم على سبيل المثال ابن عمران الذي ألف كتابًا باسم المالخوليا، وابن ميمون كتب رسالة بعنوان الرسالة الأفضلية تبحث في الحالات النفسية كالغضب والسرور والحزن وأثرها في الصحة. ★ تَصَفح: العلوم عند العرب والمسلمين (الطب).
وخلال العصور الوسطى، انتشر الاعتقاد بوجود السِّحر في أوروبا، حيث عُدّ كل من يصاب بمرض عقلي ساحرًا يستحق الموت حرقًا أو شنقًا أو غرقًا. أما من يَنْجو من تهمة السحر فمصيره السِّجن أو المستشفيات.
وفي خلال القرن السادس عشر الميلادي، أنْشأت العديد من الأمم الأوروبية مُجَمَّعات خاصة للمرضى عقليًا، ومن أشهرها مُجَمَّع سانت ماري بمنطقة بثلهم في مدينة لندن، وهو شهير باسم بدلام. وهناك يعاني المرضى من أوضاع ٍغير صحية ومعاملاتٍ سيئة ومن ضَرْب المواطنين، والآن تعني كلمة بدلام الاضطراب والارتباك والبلبلة.
وفي بداية القرن العشرين، أَدْخَلَ الطبيبُ النِّمساوي النَّفسيّ سيجموند فرويد نظرية قوى العقل الباطني ـ غير الواعي ـ في تحديد شخصية وسلوك الإنسان، واعتقد بأن التناقضات التي يعيشها الفرد في طفولته تؤدي لنمو وتقوية العقل الباطني. وأصبحت هذه النظريات من أساسيّات التحليل النفساني والمعالجة النفسية.
وقد أدّى نجاح المعالجة الدوائية إلى تشجيع البحث عن طرق أخرى لعلاج الأمراض العقلية مثل دراسة العلاقة بين الأمراض العقلية والعيوب الوراثية والاضطرابات الجسدية الأخرى.