الرئيسيةبحث

السلوك ( Behaviour )



السُّلوكُ أسلوبٌ أو طريقة تحكم تصرفات البشر والكائنات الحية الأخرى. يسَتْخدم العديد من الناس كلمة سلوك بقصد التصرف. ويعني ذلك كيفية تناسب تصرفات الشخص مع أفكار المجتمع فيما يتعلق بالخطأ والصواب. ولكن في علم النفس والعلوم السلوكيّة الأخرى، يُعتبر السلوك كأي نشاط لشخص أو لكائن آخر. وتعكس هذه المقالة الاستخدام الأكثر عمومية وتركز على سلوك الإنسان.

دراسة السلوك

ينشأ معظم السلوك من مجموعة مُترابطة من كثير من العوامل، فربما يصرخ شخص ما في وجه شخص آخر وجَّه إليه إهانة. هذه الاستجابة من الممكن أن تكون ناتجة عن سبب أكثر من توجيه الإهانة فقط. ربما يكون السبب إلى حد ما، أن هذا الشخص إما جائع أو مرهق أو أن شخصًا آخر يُشبه ذلك الشخص الذي وجه إليه الإهانة قد آذاه من قبل.

ورغم أن هناك أسباباً عديدة للسلوك، إلا أن معظم العلماء يبحثون في تحديد أسباب منعزلة مما يجعل الدراسة العلمية للسلوك أمرًا صعبًا. وقد استخدم العديد من الباحثين في مجال علم النفس التجارب التي يتم التحكم فيها، والتي من خلالها يمكنهم فحص أثر عامل واحد في فترة معينة ولسلوك معين. وصمم بعض الباحثين تجارب لفحص التأثيرات السلوكية لعوامل متنوعة في مجموعات عديدة. ومازال العديد من الباحثين يدرسون السلوك في واقع الحياة بمراقبة الناس وهم يؤدون أعمالهم اليومية. ومراقبة السلوك خارج التجارب المحكمة لايمكن أن تثبت أن أحد الأشياء يكون سببا للآخر أو موجبًا له. ولكن دراسة الناس في واقع حياتهم غالباً ما تساعد العلماء على تحديد الأساليب التي تم بها تعيين الأسباب في التجارب التي تطبق فعليًا في حياة الناس اليومية.

يقوم الاختصاصيون في العديد من المجالات بدراسة سلوك الحيوان في تجارب يتم التحكم فيها ومراقبتها. ويقوم علماء نفس آخرون بدراسة الأفراد أو المجموعات الصغيرة من الناس في أعمال أو مهام تتم مراقبتها لفهم العديد من مظاهر السلوك، بما في ذلك أسباب مشاعر الناس وأفكارهم ودوافعهم. وتساعد هذه الدراسات في إيجاد قواعد يمكن استخدامها في التوضيح والتنبؤ ومحاور السلوك. ويدرس الباحثون في المجال التربوي كيفية سلوك الأفراد في الفصل المدرسي، كما يركز علم الاجتماع في الدراسة السلوكية بصفة رئيسية على سلوك الناس في مجموعات كبيرة وفي المؤسسات الاجتماعية مثل المؤسسات التجارية وفي المعابد والحكومات والمستشفيات، وربما يعيش علماء الأجناس في مجتمعات معزولة لدراسة الأنماط السلوكية لكل مجموعة. وقد أجرى علماء من مجالات متباينة دراسات مشتركة لمسائل محددة في السلوك ؛ فعلى سبيل المثال، يهتم العديد من علماء النفس،والباحثين التربويين وعلماء الاجتماع وعلماء الأجناس بالطرق التي تربط السلوك بالمرض العضوي. وقد عمل هؤلاء العلماء معا لمعرفة الأسباب التي تؤدي إلى ممارسة الناس لأنماط سلوكية مُضرّة كالتدخين والإفراط في الأكل. كما قام العلماء أيضاً بدراسة كيفية تشجيع السلوك الصحي بصورة أكثر فعالية.

العوامل المؤثرة في السلوك

يتم تحديد السلوك الإنسانى جُزئياً بالوراثة، ومن ناحية أخرى بالبيئة، بالإضافة إلى أنه يمكن تغييره من خلال التعلم والمعرفة.

الوراثة:

يتم تحديد الوراثة بالجينات (المورّثات)، وهي أجزاء صغيرة من تراكيب خلوية تسمى الكُرُومُوزومَات (الصبغيات) ينقلها الأبوان إلى أبنائهما. وتحتوي المورّثات على مواد كيميائية تعطي الابن نزعة نحو خواص سلوكية وعضوية معينة. ومن الصعوبة بمكان تحديد المدى الذي تؤثر فيه الوراثة في السلوك. فعلى سبيل المثال، ربما يُورَّث الشخص مورّثات ليكون عازف بيانو بارعًا، بيد أن الشخص ربما لا يتعلم مطلقًا العزف الجيد على البيانو الذي يمارس عليه العزف. وبهذه الطريقة تتضافر التأثيرات البيئية والوراثية في التطور السلوكي للفرد. ويتفق معظم العلماء على أن المورّثات لها بعض التأثيرات في الذكاء العام والاستعداد والجدارة الخاصة في أنشطة مثل الألعاب الرياضية وعلم الرياضيات والموسيقى والعلوم. ولكن العامل الوراثي لايُعتبر العامل الوحيد الذي يؤدي إلى إبراز تلك الخصائص.

البيئة:

مجموعة الظروف والقوى التي تحيط بالكائن الحي وتؤثر فيه. ويمكن للبيئة أن تحدث سلوكا معينًا. فالبيئات غير المألوفة على سبيل المثال، ربما تُثير فضولاً أو خوفًا استناداً إلى الظروف والملابسات. ويؤدي المستوى المتوسط للإثارة إلى الحصول على أكثر التأثيرات إيجابية على السلوك، والمستويات العالية جدًا والمنخفضة إلى أبعد حد للمثير ربما يكون لها تأثير سلبي. وربما يساعد الشعور الطفيف بالقلق مثلاً في أداء الطالب للاختبار ولكن القلق المُفرط يمكن أن يؤدي إلى أداء ضعيف.

التعلم:

عملية يتغير من خلالها السلوك نتيجة للتجربة والممارسة. يتعلم الإنسان ضروبًا مختلفة من السلوك من خلال البيئات التي تُوضح أمثلة السلوك الجديد وتوفر التوجيه أو الفرص لممارسة السلوك الجديد. وتطبَّق قاعدة الثواب والعقاب على هذا السلوك الجديد. ويحدث التعلم بصورة ثابتة لأن الناس دائمًا يواجهون مشكلات جديدة يجب عليهم حلها أو توضَّح لهم أساليب جديدة لأداء أعمالهم

أنواع السلوك

غالباً ما يُصَّنف السلوك بأنه إرادي أو غير إرادي. فالحديث في اجتماع مثلا، يبدو إراديًا. واحمرار الوجه خجلاً أو الارتباك عند الحديث يبدو غير إرادي. ولكن نوعي السلوك المذكورين قد يتغيران بالتجربة. فقد يحدد قرار مخاطبة بوساطة التجربة السابقة للفرد المخاطبة في الاجتماعات العامة أو الجماهيرية، بالإضافة إلى أن الأفراد قد لاتحمرّ وجوههم ارتباكًا عندما يكتسبون المزيد من الثقة في النفس. لذلك، ربما تكون هناك صعوبة في التمييز بين السلوك الإرادي واللاإرادي عندما تؤخذ مثل هذه العوامل في الاعتبار.

السلوكية

سمي المفهوم الرئيسي لعلم النفس السلوكية. وقد نشأت عن بحوث ودراسات عن عملية التعلّم. وقد برزت السلوكية في عام 1913م بوساطة العالم النفسي جون واطسون الذي شعر بأنه ينبغي على علماء النفس دراسة السلوك الملحوظ فقط بدلاً من دراسة حالات الشعور والوعي أو عمليات التفكير. واعتقد هذا الباحث أن التغيرات في سلوك الشخص الذي تدرس استجاباته أو انتكاساته تنشأ عن الإشراط (الدافع الشرطي) وهو عملية التعلّم التي تكون فيها الاستجابة الجديدة مرتبطة بمنّبه (مثير) معين.

تأثرت طريقة واطسون في السلوكية بصورة فعالة بوساطة الدراسة التي أجراها عالم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) الروسي إيفان بافلوف أوائل القرن العشرين. ولقد برهنت وأثبتت تجارب بافلوف التي أجراها على الحيوان أن الفعل المنعكس يمكن أن يصير فعلاً منعكسًا شرطياً لكل المنبهات الجديدة. على سبيل المثال، يبدأ لعاب الكلب بالسيلان كرد فعل منعكس لا إرادي عندما يشم رائحة اللحم. قام بافلوف بقرع الجرس كلما قَرُب ميعاد إعطاء اللحم للكلب. وأخيرًا بدأ الكلب يسيل لعابه لمجرد قرع بافلوف الجرس. وهكذا أصبح سيلان اللعاب فعلاً أو استجابة منعكسة شرطية لقرع الجرس. وأوضح واطسون أن استجابة الإنسان يمكن أن تكون شرطية بنفس الأسلوب. ففي أحد بحوثه دق واطسون على قضيب معدني بصوت عالٍ في كل وقت يلمس فيه طفل حيوانًا مكسوًا بالفراء. لقد أفزع ذلك الصوت الطفل وروَّعه، وأصبح في ذلك الحين يخاف بمجرد رؤيته لذلك الحيوان. وشعر واطسون أنه بإمكانه إبراز أي استجابة في الطفل إذا استطاع السيطرة والتحكم في بيئة ذلك الطفل.

وخلال منتصف القرن العشرين، صار العالم النفسي السلوكي الأمريكي بي. إف سكنر معروفًا بدراساته حول إمكانية تأثير العقاب والثواب على السلوك وكيفية حدوث تلك التأثيرات. واعتقد أن المكافآت أو التعزيزات الإيجابية تؤدي إلى تكرار السلوك. وقد تحتوي التعزيزات الإيجابية على المدح والثناء أو الطعام أو ـ ببساطة ـ قناعة الشخص ورضاه بمهارته. كما أن العقاب يؤدي لإعاقة السلوك المتَّبَع، ولكن العقاب يشجع الناس أيضاً على تفادي الحالات أو المواقف التي عوقبوا فيها. وخلص سكنر إلى أن التعزيز الإيجابي أكثر فاعلية في تلقين سلوك جديد وأفضل، وقد أدت بحوثه إلى تطوير وسائل التعليم التي تعتمد على التعزيز الإيجابي.

وفي المنهج المسمى تعديل السلوك، يستخدم الاختصاصيون بالمعالجة المعززات الإيجابية لتشكيل السلوك بالصورة المطلوبة. على سبيل المثال، تم استخدام تعديل السلوك لمساعدة طفل متخلف عقليًا ليتعلم المواد المدرسية الأساسية، ربما يحظى الأطفال بالبسمات والعناق والتهاني لأدائهم لواجباتهم المدرسية ويتصرفون بصورة سليمة. وفي برامج تعديل السلوك الأخرى، يعمل الأطفال ويحصلون على المكافأة بالعملات الرمزية أو الدرجات التقديرية، وفيما بعد يمكن استبدال الحلوى أو الدميات أو الألعاب أو أى جوائز أخرى بالعملات الرمزية. لقد أثبت هذا البرنامج فعاليته أيضاً مع الأطفال من ذوي الذكاء العادي ومع الأحداث الجانحين.

في السنوات الأخيرة، وجدت السلوكية تطبيقات مهمة في معالجات الطب النفسي أو العقلي. فالمريض الذي يعاني الرُّهاب (الفوبيا)، وهو هلع مرضي من شيء معين، يمكن أن يخضع لعملية عدم إشراط أو حجز العاطفة باستقراء الاسترخاء العقلي العميق ثم توجيه الأسئلة إِليه لتخيل الأشياء التي ترتبط بالفوبيا التي تنتابه مثل الرعب في المصعد. وبمرور الأسابيع والشهور سيكون قادرًا على تخيل الشيء الفوبي الذي يسبب الهلع المرضي أو الوضع الذي يسبب هذا الهلع بصورة قوية ونشطة حتى يصير قادرًا على مواجهته في واقع الحياة. ويقول العلماء السلوكيون إن المرض في هذه الحالة هو الخوف غير المنطقي، وحيث تُزال الأعراض يزول المرض.

إن المنتقدين للمدرسة السلوكية يقولون إن الاستجابة الفوبية (الرهاب) ليست إلا مجرد دليل على بعض الشذوذ المفهوم ضمنًا، وإن علاج المرض وحده ليس كافيًا.

في مقابل عدم الإشراط هناك مداواة الكراهية حيث يستخدم العلماء هذا الأسلوب في علاج السكارى مدمني الكحول والمنحرفين جنسيًا، فيقوم المعالج بعرض صور أو أشياء على المريض تدخل البهجة على النفس، كصورة الخمر لدى المدمن، مع مرافقة ذلك بعرض غير سار (صدمة كهربائية خفيفة) وهنا يحاول المريض ربط المثير غير السار أو المزعج بذلك الذي أدخل عليه البهجة سابقًا.

وفي أوائل عام 1970م، أصدر بي. إف سكنَر أطروحات فلسفية حول السلوكية هاجمها علماء اللغويات (اللسانيات)، مثل تشومسكي، وهؤلاء هم الذين اهتمت بحوثهم بالتركيب اللغوي وقادتهم إلى نتيجة هي أن الإنسان يتميز عن الحيوان وله أفكار فطرية ناشئة بالسليقة غير مكتسبة عن طريق التجربة.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية