الرئيسيةبحث

أمريكا اللاتينية ( Latin America )



أيقونة تكبير خريطة أمريكا اللاتينية
أمريكا اللاتينية منطقةكبيرة تغطي كل المساحة التي تقع جنوب الولايات المتحدة الأمريكية وتشمل كلاً من المكسيك وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وجزر الهند الغربية. تنقسم هذه المنطقة إلى 33 قطرًا مستقلاً و 13 وحدة سياسية أخرى. وتعتبر البرازيل أكبر الأقطار في أمريكا اللاتينية مساحة وسكانًا، وتشغل البرازيل أكثر من 40% من المساحة، ويعيش عليها ثلث سكان القارة.

بدأ عدد من سكان أوروبا الجنوبية، وخاصة أسبانيا والبرتغال، يستقرون في أمريكا اللاتينية، خلال سنوات نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وقد انتقل هؤلاء إلى هذه البقاع حاملين معهم لغاتهم الخاصة، ومعتقداتهم الدينية وتقاليدهم. ولهذا كان لابد أن يكون تأثيرهم على المنطقة قويًا وواضحًا بعد إقامتهم فيها طوال هذه القرون. يتكلم غالبية سكان أمريكا اللاتينية اليوم الأسبانية أو البرتغالية أو الفرنسية، وهي اللغات التي ترجع في أصولها إلى اللغة اللاتينية. أما المناطق الأخرى التي استعمرتها بريطانيا أو هولندا فإن اللغة الإنجليزية أو اللغة الهولندية تعتبر اللغة الرسمية لكل منها. ويختلف العلماء بشأن هذه المناطق من حيث أنها تشكل جزءًا من أمريكا اللاتينية أم لا.


دول أمريكا اللاتينية المستقلة

الدولةالعاصمةاللغة الرسمية
الأرجنتينبيونس إيريسالأسبانية
أروجوايمونتفيديوالأسبانية
الإكوادوركويتوالأسبانية
إلسلفادورسان سلفادورالأسبانية
أنتجوا وباربوداسانت جونالإنجليزية
باراجويآسنسيونالأسبانية
باربادوسبريدجتاونالإنجليزية
البرازيلبرازيلياالبرتغالية
بليزبيلموبانالإنجليزية
بنمابنماالأسبانية
البهاما، جزرناسوالإنجليزية
بوليفيالاباز، سوكريهالأسبانية، الكيشوا
بيروليماالأسبانية، الكيشوا
ترينيداد وتوجاوبورت أوف سبينالإنجليزية
تشيليسانتياجوالأسبانية
جامايكاكنجستونالإنجليزية
جريناداسانت جورجالإنجليزية
جواتيمالاجواتيمالاالأسبانية
دومينيكاروسوالإنجليزية
جمهورية الدومينيكانسانت دومينجوالأسبانية
سانت فينسنت والجرينادينكنجستاونالإنجليزية
سانت كيتس ونيفيسباستيرالإنجليزية
سانت لوسياكاستريسالإنجليزية
سورينامبارامريبوالهولندية
غاياناجورج تاونالإنجليزية
فنزويلاكاراكاسالأسبانية
كوباهافاناالأسبانية
كوستاريكاسانت هوزيهالأسبانية
كولومبيابوجوتاالأسبانية
المكسيكمكسيكو سيتيالأسبانية
نيكاراجوامانجواالأسبانية
هاييتييبورت أو برنسالفرنسية
هندوراستيجوسيجالباالأسبانية
قبل أن تطأ أقدام أوائل الأوروبيين أرض أمريكا اللاتينية ويستقروا فيها، كان يسكن المنطقة الهنود الأمريكيون (الذين تعودنا أن نطلق عليهم الهنود الحمر). لقد عاش الهنود في الأمريكتين لآلاف السنين قبل المستوطنين الأوروبيين وما لبث الأوروبيون، بعد استقرارهم، أن بدأوا في استجلاب العديد من الأفارقة السود لخدمتهم وخاصة إلى جزر الهند الغربية وإلى بعض مناطق القارة الساحلية. تزاوج العديد من البيض والهنود والسود عبر القرون، وعلى كل، فلقد أصبح معظم سكان أمريكا اللاتينية اليوم من أصول مختلفة. وتعود أصول معظم السكان إلى تزاوج الهنود مع البيض أو البيض مع السود. أما سكان أمريكا اللاتينية الآخرون فيرجعون إما إلى أصول هندية، أو سوداء، أو بيضاء لم تختلط مع غيرها من الأجناس الأخرى.

يشترك سكان أمريكا اللاتينية في الكثير من التقاليد والقيم التي تنبع من تراثهم الاستيطاني المشترك. ومع ذلك فإن هناك اختلافات محلية كثيرة في كل مكان من أمريكا اللاتينية. تعكس هذه الاختلافات إلى حد كبير مجموعات التراث الثقافي التي تكونت من تمازج الثقافات الإفريقية والهندية الأمريكية والأوروبية. تنبع الاختلافات في أساليب الحياة أيضًا من الاختلافات في العوامل الجغرافية وفي درجة النمو الاقتصادي من منطقة إلى أخرى في أمريكا اللاتينية. وقد وجدت هذه الاختلافات بين الهنود الحمر حتى قبل وصول الأوروبيين الذين سكنوا المرتفعات، والقبائل الرعوية التي سكنت الأراضي المنخفضة.

وصل كِريْستُوفَر كولمبوس، وهو بحار إيطالي كان في خدمة ملك أسبانيا، إلى أمريكا اللاتينية عام 1492م. وفي تلك الفترة كان الهنود الحمر يعيشون في تلك المنطقة منذ اَلاف السنين وقد استطاعت جماعات الهنود الحمر مثل الأزتك والمايا إقامة حضارات وصلت إلى درجة عالية من التقدم منذ اَلاف السنين. كما استطاعت مجموعات الأوروبيين التي قدمت بعد كولمبوس إلى أمريكا اللاتينية أن تنتصر بسرعة على الهنود الحمر وتقيم المستعمرات. وقد دام الحكم الأوروبي لأمريكا اللاتينية حوالي ثلاثة قرون.

حصل عدد كبير من مستعمرات أمريكا اللاتينية على الاستقلال خلال السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، وتحولت المستعمرات إلى جمهوريات ومع ذلك فإن قادة هذه الجمهوريات الجديدة كانت تنقصهم الخبرة الضرورية للتعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة، ونتيجة لذلك فإن الجمهوريات الجديدة لم تستطع أن تدير شؤونها بالمستوى الذي كان يأمله كثير من الناس. ففي بعض بلاد أمريكا اللاتينية استولى على السلطة حكام عسكريون. وكانت هناك أقطار أخرى تُحكم بوساطة عدة أسر قوية، استخدمت موقعها وسلطاتها في زيادة ثرواتها الخاصة. كانت حركات الاحتجاج المعادية للحكومة، بل وحتى الثورات العنيفة، تتكرر كثيرًا في عدد كبير من أقطار أمريكا اللاتينية. حاول كثير من الزعماء المدنيين والقادة العسكريين خلال القرن العشرين، أن يبسطوا الاستقرار السياسي على المنطقة. ولكن خلال هذه المحاولات والعمليات قام كثير من هؤلاء القادة بفرض القيود على الحقوق المدنية لشعوبهم.

عاش غالبية سكان أمريكا اللاتينية، حتى منتصف القرن العشرين، في مناطق ريفية. أما اليوم فإن معظم هؤلاء يعيشون في مناطق حضرية. إن صعوبة الحصول على ما يكفيهم من الطعام من التربة الفقيرة حَدَا بالملايين من سكان الريف إلى الهجرة بحثًا عن عمل في المدن. وبالطبع فإن الكثير من هؤلاء الناس أميون وغير مهرة. ونتيجة لهذا فإنهم لا ينجحون في الحصول على عمل ذي عائد، ولذا يستمرون في حياة الفقر المدقع. إن الفقر السائد وزيادة السكان والظلم، كل هذا ساعد في خلق جو من الاضطراب السياسي والاجتماعي اليوم في معظم أقطار أمريكا اللاتينية.

يتناول هذا المقال أسلوب حياة الناس والفنون والتاريخ في أمريكا اللاتينية. ولفهم أكثر عمقًا للمنطقة. ★ تَصَفح: بلاد أمريكا الأخرى. ★ تَصَفح أيضًا: أمريكا الجنوبية ؛ جزر الهند الغربية.

الحياة في الريف والمدينة
في أمريكا اللاتينية تتباينان تباينًا شديدًا. يعيش كثير من سكان المدينة ويعملون في مبان حديثة وأنيقة. يقوم المزارعون باستئجار أو امتلاك قطع صغيرة من الأراضي الزراعية أو يعملون أُجراء في المزارع الواسعة. وقد هاجر الكثير من فقراء المزارعين إلى المدن بحثًا عن وظائف أفضل
عمال ينقلون حبوب البن في كوستاريكا
شاطئ الكوبا كابانا في ريو دي جانيرو بالبرازيل
مركز تجاري حديث بالقرب من مكسيكو سيتي
أرض زراعية على شاطئ بحيرة اتيتلان في جواتيمالا

السكان

سكان أمريكا اللاتينية يتوزعون توزيعاً غير متوازن. وتوضح هذه الخريطة أن معظم السكان يعيشون بالقرب من السواحل ومناطق المرتفعات في المكسيك وجبال الأنديز الواقعة في غرب أمريكا الجنوبية. وتظهر الأماكن الأكثر كثافة سكانية بالألوان الداكنة.

عدد السكان:

يبلغ عدد سكان أمريكا اللاتينية حوالي 521 مليونًا. ويزيد السكان بنسبة 2% سنويًا تقريبًا.

تضاعف سكان أمريكا اللاتينية ثلاث مرات تقريبًا منذ عام 1960م. وتعزى هذه الزيادة إلى ارتفاع معدل المواليد والتحسينات التي طرأت على العناية الصحية، والتي أدت بدورها إلى انخفاض معدل الوفيات في المنطقة. إن حوالي ثلث سكان أمريكا اللاتينية لم يبلغوا الخامسة عشرة من العمر بعد.

تبلغ مساحة أمريكا اللاتينية 21 مليون كم² تقريبًا. ولو كان السكان موزعين توزيعًا متساويًا على هذه المساحة الشاسعة لكان عدد الذين يسكنون في الكيلو متر المربع الواحد 25 شخصًا تقريبًا. ولكن توزيع السكان لايزال بعيدًا عن التوزيع المتساوي. إن هناك مناطق داخلية شاسعة في أمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية يسكنها عدد قليل من الناس أو تكاد تكون خالية من السكان. إن معظم المناطق الداخلية في المنطقة مغطاة بالغابات الاستوائية. كما أن بعض الأعشاب الجافة أو المناطق الصحراوية أو المناطق الجبلية المرتفعة إما خالية من السكان أو يسكنها عدد قليل من الناس. ويعيش معظم سكان هذه القارة بالقرب من شواطئ البحار أو الأنهار حيث تتوافر المزارع الخصبة الجيدة.

تزدحم بعض أجزاء أمريكا اللاتينية بالسكان. مثل باربادوس وبُورتوريكو وبعض جزر الهند الغربية الأخرى التي تعتبر مناطق ذات كثافة سكانية عالية على مستوى العالم. أما مناطق أمريكا اللاتينية الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية فتشمل جنوب شرق البرازيل ومعظم ساحل البرازيل، وشرق وسط الأرجنتين ووسط المكسيك والمناطق الشمالية في فنزويلا وكولومبيا.

أيقونة تكبير سكان أمريكا اللاتينية

الأسلاف:

يعود سكان أمريكا اللاتينية إلى أصول متنوعة الأسلاف. تتكون مجموعات السكان الرئيسية من: 1- الهنود الحمر (الهنود الأمريكيون). 2- الأجناس البيضاء. 3- الأجناس السوداء. 4- ذوي الأصول المختلطة.

يوجد لدى معظم أقطار أمريكا اللاتينية نظام طبقي مبني على الأصول العرقية إلى حد كبير. إن الطبقة العليا الصغيرة الحجم نسبيًا تتكون أساسًا من الأجناس البيضاء. غالبية الطبقة الوسطى تتكون من ذوي الأصول المختلطة. أما الطبقة الدنيا الضخمة العدد فتتكون أساسًا من الهنود والسود. ومع ذلك فإن الوضع الاجتماعي لا يتحدد على أساس الأصول العرقية فقط. إن انتماء الشخص إلى أصول هندية أو زنجية أو مختلطة لا يقيد هذا الشخص بالضرورة إلى مكانة اجتماعية دنيا. فعلى سبيل المثال نجد في البرازيل وجزر الهند الغربية عددًا كبيرًا من السود أصبحوا من ذوي المراكز البارزة في الفنون أو قطاع رجال الأعمال أو السياسة أو العلوم. إن الانتماء إلى أصول هندية في المكسيك مصدر فخر لجماعات ينتمون إلى مختلف قطاعات المجتمع. ومن جانب اَخر فإن كون الشخص أبيض فقط لا يضمن له مكانة اجتماعية عالية فمن الممكن أن نجد ذوي الأصول البيضاء في كل الطبقات. والنسبة المئوية للبيض عالية في الأقطار التي يقل فيها عدد السكان من ذوي الأصول الهندية أو السوداء.

الهنود الحمر. عاش الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية لسنوات طويلة، قبل أن يصل إليها أوائل المستوطنين البيض في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي. وتعود أصول الهنود الحمر إلى القوم الذين هاجروا من اَسيا إلى أمريكا الشمالية قبل اَلاف السنين. واستطاعت مجموعات منهم مثل الأزتك والإنكا والمايا بناء وتطوير حضارات وصلت إلى مستويات عالية من التقدم. ولكن البيض مالبثوا أن أخضعوا معظم هؤلاء الهنود وأرغموهم على العمل في المناجم والمزارع الكبيرة. مات ملايين الهنود من المعاملة القاسية أو الحروب أو الأمراض التي جلبها البيض معهم والتي لم يكن لدى الهنود الحمر مناعة ضدها. تلاشى الهنود الحمر من بعض مناطق أمريكا اللاتينية بالكامل تقريبًا. واضطرت أعداد كبيرة من الهنود الحمر إلى النزوح إلى المرتفعات أو مناطق الغابات النائية لكي ينجوا بأنفسهم من الإبادة. ويكوِّن الهنود الحمر اليوم نسبة عالية من سكان بوليفيا والإكوادور وجواتيمالا وبيرو.

البيض. ينتمي معظم البيض في أمريكا اللاتينية إلى أصول أوروبية. استقر عدد كبير من الفرنسيين والألمان والبريطانيين والهولنديين والبولنديين في أمريكا الجنوبية، واليوم ينتمي معظم سكان الأرجنتين وكوستاريكا وأروجواي إلى الجنس الأبيض، كما أن هناك نسبة عالية منهم في البرازيل وتشيلي.

السود. جُلب السود إلى أمريكا اللاتينية من إفريقيا كرقيق منذ القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر. أحضر الأوروبيون ملايين السود للعمل في المزارع الكبيرة بجزر الهند الغربية وفي المناطق الساحلية لأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. واليوم يشكّل السود أغلبية سكان باربادوس وهاييتي وجامايكا. كما أن هناك أعدادًا كبيرة من السود في كثير من مناطق جزر الهند الغربية، بالإضافة إلى بعض منخفضات المناطق الاستوائية في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.

ذوو الأصول العرقية المختلطة. تزاوجت أعداد كبيرة من البيض والسود والهنود في أمريكا اللاتينية طوال القرون الماضية. ونتيجة لهذا التزاوج نجد أن غالبية سكان أمريكا اللاتينية يعودون إلى أصول عرقية مختلطة. وأكبر المجموعات المختلطة هي المستيزو (المولدون) وهم الذين يرجعون إلى أصول مختلطة من الهنود والبيض، ثم يليهم المولاتو (المولدون الخلاسيون) وهم الذين يرجعون إلى أصول السود المختلطة من البيض والسود. وتنتمي غالبية السكان في إلسلفادور وهندوراس ونيكاراجوا وكولومبيا والمكسيك وباراجواي وفنزويلا إلى مجموعة المستيزو. بينما يكثر المولاتو في البرازيل وبنما وجزر الهند الغرببية.

اللغات:

يتكلم معظم سكان أمريكا اللاتينية لغات البلاد الأوروبية التي كانت تستعمر بلادهم. ويتكلم ثلثا السكان تقربيًا اللغة الأسبانية، وهي اللغة الرسمية لكل من كوبا وجمهورية الدومينيكان والمكسيك ومعظم أقطار أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. ويتكلم ثلث سكان أمريكا اللاتينية اللغة البرتغالية التي تعتبر اللغة الرسمية للبرازيل. أما اللغة الفرنسية فهي لغة سورينام الرسمية. وتعد اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية لكل من بليز وغايانا ودول جزر الهند الغربية التي كانت سابقًا تحت حكم بريطانيا. ويتكلم معظم سكان أمريكا لهجات محلية مشتقة إما من لغة بلادهم الرسمية أو من خليط من اللغات الرسمية لبلاد أخرى.

يتكلم معظم هنود أمريكا اللاتينية لغاتهم الأصلية التقليدية. وفي باراجواي تعتبر اللغة الهندية التي تسمى جواراني لغة رسمية بالإضافة إلى الأسبانية. كما أن اللغة الهندية في بيرو التي تسمى كُوِتْشوا هي أيضًا اللغة الرسمية بالإضافة إلى الأسبانية. أما في بوليفيا فهناك ثلاث لغات رسمية هي الأسبانية والكوتشوا ولغة هندية أخرى تسمى أيمارا.

أنماط المعيشة

تتباين أنماط المعيشة في مدن أمريكا اللاتينية تباينًا جذريًا عن مثيلاتها في المناطق الريفية. تسير الحياة في المدينة بسرعة والمدن الكبرى هي مراكز الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية. وتتوفر في هذه المدن تشكيلة من الأنشطة الثقافية والترفيهية المفعمة بالإثارة المتنوعة. وعلى الرغم من أن أعدادًا كبيرة من سكان المدن فقراء إلا أن أعدادًا متزايدة منهم تتمتع بمستوى معيشي جيد. أما في المناطق الريفية فإن التغيير كان محدودًا جدًا طوال القرون الماضية. تمتلك أقلية من الأثرياء أو من المؤسسات الكبيرة غالبية الأراضي الزراعية في معظم أقطار أمريكا اللاتينية. ويعمل معظم السكان الريفيين الساعات الطويلة في المزارع الكبرى نظير أجور منخفضة. ويعيش كثير منهم في فقر مدقع.

حياة المدن:

في عام 1940م، كان حوالي 65% من سكان أمريكا اللاتينية يعيشون في مناطق ريفية. أما اليوم فإن حوالي 70% منهم يعيشون في مناطق حضرية. وتصنف أربع مدن وضواحيها في أمريكا اللاتينية ضمن أكبر المراكز الحضرية في العالم. والمدن هي: مكسيكو سيتي في المكسيك وساو باولو في البرازيل، وبوينس إيريس في الأرجنتين وريو دي جانيرو في البرازيل.

وتشبه المدن الكبيرة في أمريكا اللاتينية ـ من زوايا متعددة ـ مدن غرب أوروبا وأمريكا الشمالية. وترتفع ناطحات السحاب الضخمة في المناطق التجارية والمالية النشطة. كما تصطف العمارات السكنية العالية على جانبي الشوارع العريضة ذات الأشجار العالية على الجانبين. وتجتذب المحلات الأنيقة والمطاعم والحانات والأندية الليلية أعدادًا كبيرة من الرواد. وتزدحم الطرق الواسعة في ساعات الذروة نتيجة الأعداد الكبيرة من السيارات. وتنقل الحافلات الجديدة وقطارات مترو الأنفاق ملايين السكان من أعمالهم وإليها.

إسكان الطبقة الوسطى في أمريكا اللاتينية يتكون من شقق بعمارات حديثة أو بيوت مريحة تصلح لأسرة واحدة. وهذه الصورة لحي من أحياء الطبقة الوسطى في مدينة لاباز في بوليفيا والذي يتكون من شقق صغيرة وأخرى كبيرة.
وتصطف المباني ذات النمط الأسباني في الشوارع الضيقة المرصوفة بالأحجار، وفي الأقسام القديمة لكثير من مدن أمريكا اللاتينية. ومعظم المباني في هذه المناطق مبنية بالأحجار أو بالطين، كما أن نوافذ هذه المنازل مغطاة بالشبكات الحديدية. اشترت بعض المصالح الحكومية عددًا من هذه المنازل وقامت بصيانتها لكي تُستخدم كمتاحف للمعمار القديم.

تضم مجموعة أثرياء سكان المدن في أمريكا اللاتينية المصرفيين ورجال الصناعة والقادة العسكريين والسياسيين وملاك المشاريع الزراعية الكبرى الذين يفضلون الحياة في المدن. ويمثل هؤلاء الناس نسبة مئوية قليلة من السكان ولكنهم يتحكمون تمامًا في النظم الاقتصادية والسياسية في معظم الأقطار. ويعيش الأثرياء في شقق فخمة داخل المدينة أو يمتلكون قصورًا واسعة بها أحواض سباحة في الضواحي. ويسافر عدد كبير من الأثرياء كثيرًا إلى مختلف أنحاء العالم ويرسلون أبناءهم إلى الخارج للدراسة بالجامعات الأجنبية المشهورة.

وفي كل من مدن أمريكا اللاتينية طبقة وسطى أعدادها في تزايد مستمر. وتتكون هذه الطبقة من المهنيين وموظفي الدولة والعمال المهرة في المكاتب والمصانع والذين يملكون مشروعات الأعمال الصغيرة. تعيش معظم عائلات الطبقة الوسطى في شقق مريحة أو بيوت الأسر الصغيرة في الضواحي. وتستطيع هذه العائلات أن تمتلك سيارة وملابس أنيقة وتستمتع بالسفر في العطلات.

تواجه مدن أمريكا اللاتينية الكبيرة مثل المدن الكبرى في العالم مشاكل خطيرة مثل تلوث الهواء والمياه والازدحام السكاني ونسبة الجريمة المرتفعة، كما ينتشر الفقر والبطالة في مدن أمريكا اللاتينية فنتج عن ذلك زحف الملايين من فقراء الريف إلى المدن بحثًا عن العمل. ولا ينجح الكثير من هؤلاء المهاجرين في العثور على وظائف لأنهم يفتقدون الخبرات الضرورية والتعليم. كما أن معظم الذين يجدون وظائف يحصلون على دخول منخفضة.

الأحياء الفقيرة المنتشرة حول مدن أمريكا اللاتينية الكبيرة. وقد توسعت هذه المناطق نتيجة زحف ملايين الفقراء من الريف بحثًا عن حياة أفضل. وتوضح الصورة كيف أن العديد من الأسر الفقيرة تتكدس في أكواخ خشبية بائسة في أحد أحياء ساو باولو الفقيرة في البرازي
يعيش معظم سكان المدن في الأحياء الفقيرة، وتتكدس معظم العائلات في أكواخ من الكرتون والخشب والصفيح يقيمونها في أراض ٍلا يملكونها، وتفتقر معظم هذه الأحياء الفقيرة إلى الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والمجاري. هجر الآباء ملايين من أبنائهم لأنهم لا يستطيعون إطعامهم أو شراء الملابس لهم. ويجوب هؤلاء الأطفال المشردون الشوارع ولا يجدون أمامهم وسيلة للعيش إلا الشحاذة أو السرقة أو ممارسة مهن شاذة.

قامت عدة حكومات في أمريكا اللاتينية بهدم الأحياء الفقيرة واستبدلت بها مساكن قليلة التكلفة على نفقة الدولة. ولكن جهود البناء هذه لاتستطيع في مدن كثيرة أن تتماشى مع الأعداد الكبيرة من سكان المدن المتزايدة دائمًا. وتحاول حكومات كثيرة أن تشجع نمو الصناعة في المدن الصغيرة لكي تقلل ضغط السكان على المدن الكبيرة. وتحاول مراكز الشباب أن تقدم الملجأ لهؤلاء الأطفال. لكن تظل الأحياء الفقيرة والازدحام والفقر بمثابة المشاكل الخطيرة في هذه البلاد.

حياة الريف:

يسكن حوالي 30% من سكان أمريكا اللاتينية في المناطق الريفية، وغالبية هؤلاء السكان من المزارعين الفقراء الذين يسمون كَامبِسيِنو باللغة الأسبانية. يعيش معظم هؤلاء الكامبسينو حياة بائسة في المزارع الكبيرة التي يمتلكها الأثرياء أو الشركات الخاصة. وتسمى الواحدة من هذه المزارع هاسييندا في الأقطار التي تتكلم الأسبانية وتسمى فازيندا في البرازيل التي تتكلم البرتغالية. ويعمل هؤلاء في مزارع الموز وقصب السكر أو القطن. ينتمي معظم الكامبسينو الذين يعيشون في داخل القارة الخاضعة إلى فئة المستيزو (المولدين). ويعمل البعض الآخر في مزارع البن بينما يستأجر البعض أو يمتلك القليل منهم قطعًا صغيرة من الأرض الزراعية يزرعون فيها المحاصيل أو يربون الماشية من أجل توفير لقمة العيش لأسرهم وأطفالهم. ولا يستطيع معظم هؤلاء المزارعين مواجهة تكلفة المعدات الزراعية الحديثة، ولهذا فإنهم يستخدمون المعدات اليدوية.

تعيش غالبية الكامبسينو في قرى صغيرة. وفي الصباح الباكر يمشون على أرجلهم أو يركبون الحافلات أو الشاحنات من منازلهم القروية إلى حقولهم. وتتكون بعض القرى من عدد صغير من المنازل تتكدس بجوار بعضها البعض. أما القرى الكبرى فتوجد بها كنائس وعدد قليل من المحلات التجارية والمباني الحكومية حول ميدان يسمى البلازا.

يتجمع الناس في البلازا للتآنس والتسلية أيام الاحتفالات. ونجد في كثير من القرى أسواقًا مفتوحة يتجمع فيها الناس في نهاية الأسبوع لبيع أو شراء الطعام والمصنوعات اليدوية وتبادل الأخبار.

لا يوجد في معظم المنازل الريفية في أمريكا اللاتينية إلا غرفة واحدة أو غرفتان، وفي المناطق الاستوائية تقام حوائط المنازل من الخشب أو تبُنى من الطين وأعواد القش وتظل أرضية الغرف ترابية، وتغطى الأسقف بالقش والقصب أو بالصفيح. أما في القرى الجبلية فإن معظم المنازل تُبْنَى من الحجر أو الطوب ولها أسقف من القرميد الأحمر. ويعيش ملاك الأرض الأثرياء في قصور فاخرة يبنونها في مزارعهم الكبيرة. ولكن عددًا كبيرًا من ملاك الأرض يستأجرون مديرين لإدارة هذه المزارع بينما يقضون معظم أوقاتهم في المدن الكبيرة.

على العموم فإن مستوى حياة الريفيين أدنى كثيرًا من مستوى حياة سكان المدن. ولا تمتلك معظم الأسر الريفية الوسائل المريحة مثل الكهرباء أو المياه داخل المنازل أو الهاتف بالإضافة إلى هذا فإن قرى كثيرة تفتقر إلى المدارس والخدمات الاجتماعية. وقد أدى التوزيع غير المتساوي للثروة في المناطق الريفية في أمريكا اللاتينية إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة. وفي معظم أقطار أمريكا اللاتينية يمتلك عدد قليل من الأثرياء تقريبًا معظم الأراضي الزراعية الجيدة. ومعظم هذه الأراضي كان يمتلكها في الأصل أجداد هؤلاء الملاك من المستعمرين الذين هاجروا لهذه البلاد. وتستخدم الأرض لزراعة الموز والبن والذرة الشامية وقصب السكر والمحاصيل الأخرى التي تُزرع بهدف التصدير. ولا يمتلك غالبية الكامبسينو أراضي زراعية، أما الأقلية التي تمكنت من امتلاك أو استئجار قطع صغيرة من الأرض فإنهم يحصلون على مايقيم أودهم بشق الأنفس من الأرض ذات التربة الفقيرة. وقد اندفعت أعداد كبيرة من فقراء الريف إلى المدن بحثًا عن عمل بعد أن يئست من أن تعيش حياة معقولة في القرى.

حاولت كثير من حكومات أمريكا اللاتينية منذ منتصف هذا القرن أن تحسِّن الحياة في الريف حتى لا ينتقل الناس إلى المدن التي تعاني من الازدحام. وقد تبنت بعض الحكومات برامج الإصلاح الزراعي وذلك بشراء المزارع الكبرى وتقسيمها إلى مزارع صغيرة لتوزيعها على فقراء الفلاحين. كما قامت كثير من الحكومات ببناء الطرق ومد شبكات التيار الكهربائي، والخدمات الحديثة إلى اَلاف المدن الصغيرة والقرى. وفتحت الطرق المحسنة للوصول إلى المناطق النائية والاستقرار فيها. انتقلت كثير من الأسر منذ الستينيات من المناطق الريفية الفقيرة إلى المناطق الجديدة. ولكن عددًا من هذه الأماكن الجديدة، فشلت نظرًا للتكلفة المرتفعة لعمليات إصلاح الأرض المجدبة.

الحياة العائلية:

كانت العائلة ومازالت دائمًا ذات أهمية فائقة في ثقافة وتقاليد أمريكا اللاتينية. إن شعورًا قويًا بالولاء والتعاون يربط الجميع لا الأباء وأبناءهم فقط، بل يتعداه إلى الأجداد والعمات والخالات والأعمام والأخوال وأولاد وبنات الأعمام والأخوال كذلك. وغالبًا ما نجد هذه المشاعر مشتركة بين الأصدقاء وشركاء العمل والتجارة ويتعلم الأطفال طاعة وإجلال والديهم.كما يظهر الأطفال والكبار الاحترام لمن هم أكبر منهم سنًا. وتقدم هذه الأسرة الممتدة إلى أعضائها المساعدة المالية والأمن والأمان والحياة الاجتماعية.

يتكون النمط التقليدي للأسرة في أمريكا اللاتينية من الوالدين والأبناء والأجداد وقد يتكون أعضاء الأسرة من آخرين. وعادة ما يكون الرجل الذي يقدم أكبر إسهام مادي هو رب الأسرة. ولكن مع ذلك فإن النساء هن اللائي يقمن باتخاذ القرارات التي تخص الأسرة ومازالت معظم النساء ـ وخاصة في الريف ـ تتبع هذا التقليد. ولكن منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين توفرت فرص أكثر في التعليم والعمل للنساء. ونتيجة لهذا الأمر فإن أعدادًا أكبر من النساء وخاصة في المناطق الحضرية بدأت في الارتباط بأعمال خارج المنزل. ومنذ بداية الستينيات من هذا القرن فإن النساء في كل أقطار أمريكا اللاتينية حصلن على حق التصويت في الانتخابات. كما أن بعض النساء اخترن المشاركة في الحياة السياسية في البلاد، وتقلدت بعضهن وظائف حكومية قيادية في عدد كبير من أقطار أمريكا اللاتينية.

يمتد الشعور بالولاء والقرابة عميقًا بين الأفراد في أوساط الهنود والسود في أمريكا اللاتينية إلى مستويات تتعدى نطاق الأسرة لتشمل مجتمع كل من هاتين الجماعتين. إن معظم زنوج وهنود أمريكا اللاتينية يعتزون جدًا بتراثهم العرقي، فأعداد منهم يعيشون في مجتمعات صغيرة ويهبون حياتهم للعمل من أجل تحقيق الأهداف المشتركة لمجتمعاتهم بدلاً من العمل من أجل مغانم شخصية. إن كثيرًا من السود والهنود يظهرون اعتزازًا بكونهم ينتمون إلى مجموعاتهم العرقية أو قبائلهم أكثر من أعتزازهم بأنهم مواطنون ينتمون إلى الدولة.

الملابس:

. تتباين أزياء اللباس الوطني في أمريكا اللاتينية من منطقة إلى أخرى تبعًا لتباين كل من المناخ والتقاليد. يرتدي الكثير من سكان المدن ملابس مثل تلك التي يرتديها الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية. ولكن يفضل كثير من الريفيين الملابس التقليدية. أما في الأعياد والمناسبات الخاصة الأخرى فإن سكان أمريكا اللاتينية يرتدون الملابس التقليدية، التي تمتاز عادة بالألوان البراقة والأزياء الصارخة. وللاطلاع على صورة لهذه الأزياء التقليدية. ★ تَصَفح: الملابس.

يفضل سكان الريف في أمريكا اللاتينية الذين يعيشون في مناخ استوائي أن يلبسوا الملابس القطنية الخفيفة، ويرتدي الرجال قمصانًا واسعة فضفاضة، وترتدي النساء تنورات طويلة وصديريات ذات أكمام طويلة، ويحتاج سكان القرى الجبلية ملابس ثقيلة للوقاية من البرد. ويلبس كل من الرجال والنساء البونشو وهو بطانية ذات فتحة مستديرة في منتصفها لإدخال الرأس. وتلبس النساء أيضًا تنورات كاملة وصديريات ذات أكمام طويلة ويتلفَّعَن عادة بشالات زاهية الألوان حول أكتافهن، ويلبس الفلاحون قبعات من القش أو اللباد للحماية من أشعة الشمس أثناء العمل في الحقول. ويمشي سكان الريف في العادة حفاة أو يلبسون الخفاف وكثير منهم لا يلبسون إلا خفًا صنعوه من إطارات السيارات القديمة.

يمتاز سكان بعض مناطق أمريكا اللاتينية بارتداء أزياء مميزة إلى حد بعيد. فعلى سبيل المثال ترتدي الهنديات اللاتي يعشن في مرتفعات بوليفيا قبعات سوداء مستديرة. كذلك يرتدي رعاة البقر الغاوشو في الأرجنتين وأروجواي البنشو وسراويل فضفاضة يُدخلون أطرافها السفلى في أطراف الأحذية ذات الرقبة المنخفضة ويلبسون كذلك القبعات ذات الحافة الواسعة. ويلبس كثير من الهنود ملابس زاهية الألوان ذات أشكال تقليدية. ووسط كل هذه المجموعات، فإن لكل قرية ألوانًا وتصميمات ملابس خاصة تستخدمها منذ مئات السنين. وكثير من الهنديات يرتدين حول خصورهن أحزمة خاصة مجدولة، وتستخدم النساء هذه الأحزمة في كثير من الأحيان كنطاق للرأس يثبتن بها الحزم أو الصرر التي يحملنها فوق رؤوسهن.

إعداد التورتيا وهي رغيف خبز مفرود من الذرة الشامية والقمح يعتبر مهمة يومية لنساء المكسيك. أعداد كبيرة في المكسيك وبلاد أمريكا الوسطى يأكلون التورتيلا في كل الوجبات. والحبوب هي الغذاء الرئيسي للسكان لأنهم لا يستطيعون شراء اللحم.

الطعام والشراب:

يعد القمح الغذاء الرئيسي لمعظم سكان أمريكا اللاتينية، ويقدم كثير من سكان المكسيك وأمريكا الوسطى التورتيا وهو رغيف خبز مفرود مصنوع من دقيق الذرة الشامية أو القمح في معظم الوجبات، وتشكل الفاصوليا والأرز الجانب الرئيسي من طعام معظم الزنوج الذين يسكنون جزر الهند الغربية. إن سكان المناطق الجبلية في أمريكا الجنوبية يأكلون عادة البطاطس، أما سكان المناطق الاستوائية فيأكلون المينهوت (الكسافا) وهو طعام يصنع من درنات نباتات تحتوي على نسبة عالية من النشويات. أما سكان الأرجنتين وأروجواي فإنهم يأكلون أنواعًا عديدة من أطعمة تُصنع من القمح ويأكل معظم سكان أمريكا اللاتينية القليل من اللحوم لأنهم لا يقدرون على أسعارها العالية. غير أن سكان الأرجنتين وأروجواي يستهلكون كميات كبيرة من اللحوم حيث أنهم يعيشون في بلاد تتوفر فيها أعداد كبيرة من الأبقار. كما أن الناس الذين يعيشون على شواطئ الأنهار أو بالقرب من سواحل المحيطات يأكلون في العادة الأسماك والمحاريات. وتتبل عدة من أطباق الطعام السائدة في أمريكا اللاتينية بالبصل والفلفل.

أحد الأسواق الشعبية التي تقام في الهواء الطلق. وهو سوق شعبي في ريو بامبا بالإكوادور. ويوجد مثل هذا السوق في كل أنحاء أمريكا اللاتينية.
يأكل الناس في المناطق الاستوائية أنواعًا من الفواكه الاستوائية مثل الموز والمانجو والبرتقال والأناناس. كما أن سكان أمريكا اللاتينية يشربون القهوة وأنواعًا متنوعة من عصير الفواكه ونوعًا من الشاي يسمونه الماتيه، كما يتعاطون المشروبات الكحولية المتنوعة.

يستمتع أفراد الطبقتين الوسطى والعليا بأنواع متعددة مما هو فوق قدرة الطبقات الفقيرة. فهم يأكلون بانتظام أنواعًا متعددة من اللحوم، بالإضافة إلى أنواع من الطعام مصنعة وطازجة. إن غذاء معظم فقراء أمريكا اللاتينية يتكون من النشويات ويفتقر إلى عناصر التغذية المهمة، ويعاني كثير من الفقراء في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة في المدن من سوء التغذية.

الترويح:

يستمتع سكان أمريكا اللاتينية بتشكيلة كبيرة من الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق. إن لعبة كرة القدم هي أكثر الألعاب شعبية في القارة. ويبدأ كثير من الأولاد والبنات في ممارسة كرة القدم بمجرد أن يتعلموا المشي. ويحتشد مئات الآلاف من المتفرجين في الملاعب الضخمة في كل مدن أمريكا اللاتينية لمشاهدة اللاعبين المحترفين في مباريات كرة القدم. وقد أصبح نجوم كرة القدم أبطالاً قوميين وقد حصل النجم البرازيلي بيليه على الشهرة كأعظم لاعب كرة قدم في العالم في الستينيات من القرن العشرين.

كرة القدم هي الرياضة المفضلة في أمريكا اللاتينية وتوجد ملاعبها في معظم المدن الكبرى. وهذه صورة لملعب في مدينة مكسيكو سيتي. وتجذب هذه الرياضة حشوداً من المشاهدين خاصة في منافسات البطولات.
اكتسبت لعبة كرة القاعدة (البيسبول) شعبية كبيرة خاصة في جزر الهند الغربية وفي الأقطار التي تقع على البحر الكاريبي وأصبح عدد من لاعبي المنطقة نجومًا في فرق البيسبول في الولايات المتحدة وكندا. كما أن للعبة الكريكيت شعبية في جزر البهاما وجامايكا وترينيداد وتوباجو. كما تجتذب مصارعة الثيران أعدادا ضخمة من المتفرجين في كولومبيا والمكسيك وبيرو وفنزويلا. وتشمل الألعاب المشهورة الأخرى سباق السيارات وكرة السلة وسباق الخيل وكرة الشبكة.

أما في المناطق الساحلية فإن جموعًا غفيرة تذهب بانتظام إلى الشواطئ في عطلة نهاية الأسبوع. وتشمل الأنشطة المفضلة ركوب الزوارق، وصيد السمك، والسباحة، وركوب الأمواج والتزحلق على سطح البحر. وتذهب كثير من العائلات لقضاء الليل في رحلات خيام يقيمونها في الغابات. وخلال شهور الشتاء تتمتع الأسر الغنية بالتزلج على الجليد في المنتجعات الجبلية. وتعد زيارة الأهل والأصدقاء من النشاطات الترفيهية الرئيسية، ويستمتع كثير من الناس بالاستماع إلى المذياع أو مشاهدة التلفاز. أما في المدن فإن النشاطات الترفيهية الشائعة تشمل الذهاب إلى الحدائق والمتاحف وحضور المسرحيات والحفلات الموسيقية والسينما. ويساهم عدد كبير من سكان أمريكا اللاتينية في المهرجانات البهيجة التي تعقد في المناسبات الوطنية والدينية. وتتضمن كثير من هذه المهرجانات استعراضات يحمل فيها الناس أعلامًا ذات ألوان بهيجة ويملأ الراقصون الذين يلبسون ملابس تقليدية مميزة، الشوارع ويعزفون موسيقى جميلة ويقيمون مباريات وألعابًا نارية.

الدين:

غالبية سكان أمريكا اللاتينية مسيحيون. والأغلبية المطلقة منهم ينتمون إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. ولكن من ينتمون إلى الكنائس البروتستانتية في تزايد مستمر. وتضمن قوانين معظم أقطار أمريكا اللاتينية حرية العقيدة، على الرغم من أن بعض الدول تدعم رسميًا الكنيسة الكاثوليكية. وهناك مجموعات دينية أخرى في أمريكا اللاتينية تشمل المسلمين والبوذيين والهندوس واليهود. كما أن بعض الزنوج وهنود أمريكا الأصليين مازالوا يعبدون اَلهة دياناتهم وثقافتهم القديمة.

الكنيسة الكاثوليكية. لقد نشر المكتشفون الأسبان والبرتغاليون الديانة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية ونجحوا في إقناع أو إرغام عدد كبير من السكان الأصليين على اعتناق الكاثوليكية. وينتمي حوالي 80 % من السكان إلى الكنيسة الكاثوليكية. مع ذلك فإن عدد الكاثوليك الذين يمارسون شعائر الدين فعلاً يختلف من قطر إلى اَخر. إن كثيرًا من الذين ينتمون إلى أصول هندية أو إفريقية يمزجون الشعائر الكاثوليكية مع العقائد الروحية لثقافاتهم التقليدية. وتمارس الكنيسة الكاثوليكية تأثيرًا كبيرًا على حياة الناس اليومية في بعض أقطار أمريكا اللاتينية. يمثل موظفو الكنيسة مختلف الأفكار السياسية ويشاركون في كل مستويات النشاط الحكومي، ولهم دور فعال في مجالس الإدارة للهيئات المختصة بكل التخطيط والأعمال الخيرية. وبالإضافة إلى قيامهم بممارسة واجبات شعائرهم الدينية. فإن قساوسة الأحياء والقرى يعملون من أجل الإصلاح الاجتماعي بالنيابة عن الفقراء في مناطقهم.

مارست الكنيسة الكاثوليكية سلطة سياسية كبيرة أثناء الحكم الاستعماري الأوروبي في كل بلاد أمريكا اللاتينية. وقد سيطرت الكنيسة على التعليم وامتلكت ضيعات شاسعة المساحة، وممتلكات غيرها. وقد حصلت كثير من مستعمرات أمريكا اللاتينية على الاستقلال في بداية القرن التاسع عشر الميلادي. أيد بعض رجال الدين حركات الاستقلال هذه، ولكن عددًا كبيرًا منهم عارض هذه الحركات. ولهذا فإن كثيرًا من الحكومات المستقلة حديثًا اتخذت خطوات لتقليل سلطات ونفوذ الكنيسة الكاثوليكية. قامت هذه الحكومات بمصادرة كثير من أملاك الكنيسة الكاثوليكية كما قامت بتقليل سيطرتهم على التعليم، والمستشفيات، والمقابر ولجان جمع التبرعات العامة، كما أن بعض الحكومات قامت بإلغاء هذه السيطرة تمامًا.

في بداية القرن العشرين ارتبطت الكنيسة الكاثوليكية ارتباطًا وثيقًا بالقيادات العسكرية والأثرياء من كبار ملاك الأراضي الذين تحكموا في كثير من حكومات أمريكا اللاتينية. ولكن مع ذلك ومنذ نهاية الستينيات من القرن العشرين ازداد نشاط الكنيسة في النضال من أجل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وقد قام كثير من قيادات الكنيسة بنقد حكومات أمريكا اللاتينية بشدة لفشلها في توفير الخدمات المناسبة للفقراء. وقد أدى هذا النقد إلى صدامات خطيرة بين القيادات الدينية والقيادات السياسية في عدد من الأقطار.

البروتستانتية. يصل عدد البروتستانت في أمريكا اللاتينية إلى حوالي 5% من سكان المنطقة، ويتكونون من أتباع الكنيسة المعمدانية، والكنيسة الأسقفية (الأبسكوبية)، والكنيسة اللوثرية، والكنيسة المنهجية (الميثودية). ويعيش معظم البروتستانت في جزر الهند الغربية التي كانت بريطانيا تحكمها سابقًا وفي جزر الأنتيل التي كانت تحكمها هولندا.

منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين بدأ ملايين من سكان أمريكا اللاتينية في الانضمام إلى أعداد متنوعة من الكنائس اعتمادًا على البنتكوستالية وهي شكل عاطفي من الطقوس النصرانية التي تركز على الصلاة. ومعظم الأعضاء الجدد في الكنائس البنتكوستالية كانوا أعضاء سابقين في الكنيسة الكاثوليكية ثم تخلوا عنها. وقد اختلف كثير منهم مع الكنيسة الكاثوليكية بسبب ارتباطها النشط بحركات الإصلاح الاجتماعي، كما اكتسبت كنيسة يسوع المسيح للقديسين العصريين عددًا كبيرًا من الأتباع، ويعتبر أعضاء هذه الكنيسة وكنائس البنتكوستالية المجموعات الأكثر نموًا وانتشارًا في أمريكا اللاتينية الآن.

الفنون

تعود التقاليد الفنية في أمريكا اللاتينية إلى آلاف السنين، أي إلى ثقافات هنود المنطقة القدماء. ولا تزال حتى الآن بقايا المعابد والهياكل التي شيدتها حضارات الهنود المتقدمة في المكسيك وبيرو وجواتيمالا قائمة. كما أنتج هؤلاء الهنود منسوجات مميزة وحليًا، ومصنوعات خزفية، وأشغالاً يدوية بالغة الجمال. والجدير بالذكر أنه عندما بدأ المستعمرون الأسبان والبرتغاليون في الوصول إلى أمريكا اللاتينية حملوا معهم تقاليدهم الفنية الأوروبية التي عمت أرجاء المنطقة لمئات السنين. ولكن عندما بدأ المستعمرون الأوروبيون في استيراد الرقيق من إفريقيا، بدأت التقاليد الفنية الإفريقية تؤثر في الفنون السالف ذكرها مثل الموسيقى والرقص الشعبي. ولقد بدأت خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين الفنون في أمريكا اللاتينية تتطور حيث أصبحت لها شخصيتها الوطنية القوية بدلاً من الصبغة الأوروبية.

المعمار:

قامت الحضارة الهندية القديمة في أمريكا اللاتينية بتشييد مبان ضخمة وبناء مدن تبهر الناظرين قبل وصول الأوروبيين الأوائل إلى البلاد. ولقد بزغ نجم فنانين مميزين في قبائل هندية في أمريكا اللاتينية مثل كل من قبائل الأزتك والتولتك في المكسيك، والمايا في المكسيك وأمريكا الوسطى، والإنكا في جبال الأنديز التي تقع في غربي أمريكا الجنوبية. إن الهياكل الرائعة التي شيدتها كل من قبائل الأزتك والمايا والتولتك، كانت أهرامات حجرية ضخمة تعلوها المعابد. وقد صمم معماريو الإنكا مدنًا شيدت على حواف الجبال. وقد استخدم الإنكا في مبانيهم أحجارًا قُطعت بدقة شديدة حتى أنها تلتصق ببعضها البعض دون استخدام الأسمنت.

لقد كان للمباني الرئيسية التي أقامها الأوروبيون في أمريكا اللاتينية أهداف دينية أو أغراض حكومية تتضمن كنيسة أو مصلى أو مناطق سكنية أو ساحات تحيط بها أسوار عالية وسميكة من الحجر. وابتداءً من نهاية القرن السابع عشر انتشر تقليد بناء الكاتدرائيات والقصور وقصور الريف بأسلوب الباروك المعماري. وتميز هذا الأسلوب بالأعمدة المنقوشة بدقة والتماثيل المنمقة والاستخدام المسرف للبلاط الملون والذهب والفضة.

يجمع المعمار الحديث في أمريكا اللاتينية بين الأشكال الهندسية البسيطة مع الزخرفة الواضحة والأشكال المنقوشة المستوحاة من تراث المنطقة الهندسي والباروكي. يغطي كثير من المعماريين كل المباني أو جزءًا منها برسومات مذهلة أو بالفسيفساء (تصميمات أو صور مصنوعة من قطع من الحجر أو المواد الأخرى)، ويمكن العثور على أمثال هذه المباني في أماكن مختلفة مثل مبنى جامعة المكسيك الوطنية المستقلة في مكسيكو سيتي وجامعة فنزويلا في كاراكاس. وقد قام المهندس المعماري الشهير أوسكار نيمير بعمل تصميمات حديثة لمبانٍ في برازيليا عاصمة البرازيل.

الآداب:

تشمل آداب أمريكا اللاتينية أعمالاً لكتاب من البلاد التي تتكلم الأسبانية وبورتو ريكو ومن البرازيل التي تتكلم البرتغالية. من أجل مناقشة تقاليد المنطقة الأدبية الجميلة. ★ تَصَفح: أمريكا اللاتينية، الأدب.

فن النحت الحديث في أمريكا اللاتينية يختلف اختلافًا كبيرًا عن أسلوب النحت المزخرف في العهد الاستعماري. هذا العمل الرخامي المسمى ميتيور قام بنحته الفنان البرازيلي برونو جيورجي في ستينيات القرن العشرين.

التصوير التشكيلي:

شمل التصوير التشكيلي في أمريكا اللاتينية في فترة ما قبل الاستعمار اللوحات الجدارية الجميلة الألوان التي أبدعها الفنانون الهنود. وتزين بعض هذه اللوحات الجدارية المعابد، وتصور أشخاصًا من البشر وهي تحارب في معارك أو تؤدي الصلوات في الاحتفالات، وقامت بعض مجموعات الهنود بالرسم والزخرفة على الفخار والتماثيل.

قلد كثير من رسامي أمريكا اللاتينية، في فترة الاستعمار الأساليب الأوروبية، فقام معظم الفنانين برسم أشكال أشخاص في إطار مواضيع دينية لاستخدامها في الكنائس والكاتدرائيات، وكانت المراكز القيادية لفن التصوير التشكيلي خلال الفترة الاستعمارية هي مكسيكو سيتي في المكسيك، وكويتو في الإكوادور ومدينة كسكو في بيرو.


لوحة جدارية ملوَّنة اكتسبت سمعة عالمية في القرن العشرين في دول أمريكا اللاتينية. قام بتنفيذ هذه اللوحة الجدارية الفنان ديفيد سكويروس لتزيين حائط مبنى الإدارة بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة في مكسيكو سيتي.
ومع بداية القرن العشرين بدأ فنانو أمريكا اللاتينية في تطوير أساليب تصوير تشكيلي كانت تحمل بوضوح طابع أمريكا اللاتينية. وتبنّى كثير من هؤلاء الفنانين الألوان الزاهية والتصميمات الجريئة التي نبعت من تراث المنطقة الهندي. اشتهر فنانون مكسيكيون من أمثال خوزيه كليمنتي أوروزكو، ودياغو ريفيرا، وديفيد سكويروس نتيجة لوحاتهم الجدارية الضخمة. وتحمل اللوحات الجدارية مناظر من تاريخ المكسيك خاصة صور أحداث النضال من أجل الاستقلال وثورة المكسيك عام 1910م. استخدم الرسام البرازيلي كانديدو بورتيناري الأساليب التجريدية الحديثة لرسم لوحات مستقاة من الحياة اليومية في البرازيل. وفي هاييتي أنتجت مجموعة بارزة من الفنانين ـ الذين قاموا بتعليم أنفسهم فن التصوير التشكيلي ـ لوحات خيالية مستقاة من الحياة المحلية والفنون الشعبية، ومن أشهر هؤلاء الفنانين هكتور هيبوليت وفلوميه أوبين.

النحت:

قبل قدوم الأوروبيين أبدع هنود أمريكا اللاتينية العديد من المنحوتات ابتداءً من التماثيل الصغرى، والأقنعة، والقطع الخشبية الصغيرة، التي تُحفر عليها المناظر بطريقة فنية إلى النصب التذكارية الضخمة. قام النحاتون الهنود بنحت عدد كبير من أعمالهم من الحجر ولكنهم استخدموا أيضًا الطين والأحجار الكريمة والذهب والخشب. وتمثلت معظم تماثيلهم وأعمالهم الفنية في الآلهة الوثنية التي كانوا يعبدونها والرموز الدينية التي كانت تستخدم لتزيين المعابد والمراكز الدينية.

تركزت مادة معظم أعمال النحت في الأيام الأولى للاستعمار الأوروبي أساسًا في الزخرفة المعمارية للكنائس. كان معظم النحت يتم بأسلوب البلاتريسك (صياغة الفضة) وهذا شكل من أشكال تصميم الحجر التي تشبه الأعمال الفنية الدقيقة لصائغي الفضة. أبدع النحات البرازيلي أنطونيو فرانسيسكو ليسبوا ـ المعروف باسم أليادينهو ـ بعض أجمل الأعمال في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. قام بنحت أشكال دينية من الخشب والحجر للكنائس في مقاطعة ميناس جيراس البرازيلية.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ومعظم أعمال النحت في أمريكا اللاتينية تعكس شعورًا قويًا بالعزة القومية واهتمامًا متزايدًا بالتراث الهندي للمنطقة. فقد أبدع كثير من النحاتين تماثيل لأبطال ثورات أمريكا اللاتينية وحروب الاستقلال بها.

الموسيقى:

يستمتع سكان أمريكا اللاتينية بأنواع متعددة من الموسيقى. إن عزف الموسيقى الحية في الشوارع شائع في المنطقة، كما أن أداء الموسيقى التقليدية، وموسيقى السود والموسيقى الأوروبية الكلاسيكية تجذب أعدادًا كبيرة متحمسة من الجماهير. كما أن لموسيقى الروك شعبية في أوساط أمريكا اللاتينية.

ويعود تاريخ موسيقى هنود أمريكا اللاتينية إلى عصر ما قبل الاستعمار. وقد قامت تلك الموسيقى بدور رئيسي في معظم احتفالات الهنود ومازالت محتفظة بأهميتها في المناطق التي تقطنها أعداد كبيرة منهم. وقد أدخل المستوطنون الأوروبيون أشكالاً من الموسيقى الأوروبية وكذلك الآلات الموسيقية إلى أمريكا اللاتينية. وتجمع موسيقى المستيزو الألحان الهندية ممزوجة بالأنغام الأسبانية الحية. كما تعكس الموسيقى في جزر الهند الغربية ومناطق الشريط الساحلي الرئيسي، تقاليد الموسيقى الإفريقية التي أدخلها الأرقاء السود الذين كانوا يعملون في المزارع الكبرى. ويمكن سماع الأنغام الإفريقية المعقدة في موسيقى الكاليبسو في ترينيداد وألحان السامبا والبوسا نوفا في البرازيل.

ويستخدم الموسيقيون في عزفهم لموسيقى أمريكا اللاتينية التقليدية اَلات موسيقية خاصة ومتنوعة. وتتضمن هذه الآلات الطبول الخشبية والمعدنية والكوترو (الغيتار ذا الأوتار الأربعة) والماريمبا ( أداة موسيقية تشبه آلة الزيلفون الخشبية)، والماراكاس ( أدوات قرع من نبات القرع الجاف). وتسود معظم الموسيقى التقليدية آلات الناي والقيثارة التقليدية والبوق والكمان والدفوف الصغيرة.

توجد في كثير من مدن أمريكا اللاتينية الكبيرة فرق موسيقية كبرى (أوركسترا) لعزف المعزوفات الموسيقية الكبرى وأخرى للمعزوفات الصغرى بالإضافة إلى الفرق الأوبرالية الكبرى. تعزف هذه الفرق والجمعيات أعمال المؤلفين الأوروبيين الكبار الكلاسيكية. وقد أثرت الألحان الكلاسيكية الأوروبية تأثيرًا واضحًا على الموسيقى السيمفونية المحلية حتى القرن التاسع عشر، ثم بدأ عدد من مؤلفي الموسيقى اللاتين في التعبير عن تراثهم القومي في موسيقاهم. ففي بداية القرن العشرين بدأ عدد من المؤلفين الموسيقيين العالميين من أمثال هيتور فيلا ـ لوبوس من البرازيل، وكارلوس شافيز من المكسيك في إدخال الميلوديات والألحان الشعبية في موسيقاهم، كما أدخلوا أيضًا بعض الأدوات الموسيقية التقليدية في عزف بعض أعمالهم الفنية.

الرقص:

لقد كان الرقص ذا أهمية كبيرة في حياة سكان أمريكا اللاتينية. وقام الهنود الحمر والسود بتطوير رقصاتهم لكي تصاحب العبادات الدينية والاحتفالات ببعض مناسبات الحياة مثل أعياد الميلاد، وحفلات الزواج، والحداد على الموتى. كذلك قام المهاجرون الأوروبيون بإدخال رقصاتهم الشعبية التي أتوا بها من بلادهم إلى أمريكا اللاتينية. ويظل الرقص يؤدي دورًا رئيسيًا في الاحتفالات الدينية والمهرجانات القروية في كثير من أقطار أمريكا اللاتينية، كما أن الرقص شكل من أكثر أشكال المرح شعبية في البلاد. ويوجد في كثير من البلاد كثير من فرق الرقص الشعبي التي تقدم على المسرح رقصات شعبية تقليدية. ومن أشهر هذه الفرق فرقة الباليه الفولكلوري المكسيكي التي قدمت حفلاتها في كثير من أقطار العالم.

ولكل قطر من معظم أقطار أمريكا اللاتينية رقصاته الخاصة به. ويتضمن كثير من هذه الرقصات خطوات من الرقصات الشعبية الأسبانية أو البرتغالية. وعلى سبيل المثال نجد الحركة الأسبانية الراقصة زابَاتيدو (خطوات الضرب بالكعب على الأرض) تكون جزءًا من رقصة الكيوكا في بوليفيا وتشيلي والهوروبو في فنزويلا وجاربو تباتيو ورقصة القبعة المكسيكية في المكسيك. أما في جزر الهند الغربية فقد امتزجت التأثيرات الإفريقية والأسبانية في رقصات القاعات الرومبا والتشاتشا وقد اكتسبت رقصات مثل الرومبا والتشاتشا والرقصات الأخرى مثل التانغو الأرجنتينية والسامبا البرازيلية والكونغا الكوبية، شعبية عالمية واسعة في دول أمريكا كلها ومعظم الدول الغربية.

الحرف اليدوية تنتشر انتشاراً واسعاً في أمريكا اللاتينية. يشتهر الهنود الحمر بالحرف المعدنية والفخار والنسيج. إن هذا الهندي الأحمر من قبائل الزابوتيك من المكسيك يقوم بنسج قماش زاهي الألوان.

الحرف اليدوية:

تمتاز كثير من أدوات الحرف اليدوية التي يصنعها سكان أمريكا اللاتينية بأنها تجمع الجمال الفني مع الفائدة العملية التطبيقية. إن هذا النوع من الفن يسمى الفنون الشعبية وعملها أصبح جزءًا من الحياة اليومية في معظم أقطار المنطقة. ومن الممكن أن نجد في المعدات والأدوات المنزلية مستوى عاليًا من الإتقان والجمال مثل تلك الموجودة في أدوات الزينة والمواد الموجودة في المعابد الدينية. وقد اشتهر سكان أمريكا اللاتينية بقدرتهم العالية في إنتاج الأواني الزجاجية والصناعات المعدنية والفخار والنسيج.

ومعظم هذه الأشغال اليدوية رخيصة. كما أن معظم الذين يقومون بعملها يصنعونها في بيوتهم من خامات محلية. فعلى سبيل المثال يقوم هنود جبال الأنديز بنسج الصوف من شعر حيوانات مثل الألبكة واللاما التي ينتجون منها قطعًا جميلة من العباءات والصديريات. أما في جزر الهند الغربية فإنهم يصنعون أَواني لطبخ المأكولات البحرية من الأصداف البحرية ويشكلون ثمار جوز الهند لكي تصبح أطباقا تصلح لتقديم الطعام. أما في أراضي المنخفضات الاستوائية بأمريكا الوسطى فإن الأهالي يصنعون قمصانًا خفيفة من الألياف النباتية القوية.

وتزخرف معظم منتجات هذه الأشغال اليدوية بأشكال شائعة في الفنون الشعبية مثل أشكال الدجاج والكلاب والضفادع أو برموز دينية هندية. ونجد على معظم الجدران رسمًا يسمونه عين الإله وهو رمز ديني هندي قديم شائع يتكون من خيوط ملونة منسوجة في نمط ثابت حول عيدان خشبية متقاطعة.

نبذة تاريخية

هذا القسم الخطوط العريضة لتاريخ أمريكا اللاتينية. إذا رغبت في الاطلاع على تاريخ قطر معين، فبإمكانك الرجوع إلى المقال الخاص بالقطر، وفي نهاية هذه المقالة قائمة بمقالات هذه الدول الواردة في الموسوعة.

السكان الأوائل:

كان الهنود الحمر هم أول السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية. يعتقد العلماء أن أسلاف هؤلاء الهنود قدموا إلى أمريكا الشمالية من آسيا منذ ما يزيد على 20,000سنة حيث كان هناك برزخ يصل بين آسيا وأمريكا الشمالية عبر ما يعرف الآن باسم مضيق بيرنج وهذا المضيق يفصل الآن بين آسيا وألاسكا. ومن المحتمل أن يكون بعض الناس من آسيا قد عبروا هذا البرزخ وهم يتابعون بعض حيوانات الصيد. وقد أصبحت سلالة هؤلاء يعرفون باسم الهنود الحمر، وفي حوالي عام 6000 قبل الميلاد انتشر هؤلاء الهنود في معظم أرجاء الأمريكتين حتى الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية.

ظل الهنود الحمر لآلاف السنين يعيشون في مجموعات صغيرة. كانوا يتحركون باستمرار بحثًا عن حيوانات الصيد والنباتات البرية كطعام لهم. ثم قام بعض الهنود، في النهاية بزراعة الأرض. كان الهنود هم أول شعب زرع الكاكاو والذرة الشامية والفاصوليا والفول السوداني والبطاطس والقرع والتبغ والطماطم. كان بإمكان الهنود، الذين مارسوا الزراعة العيش في بقعة واحدة حيث ينتجون طعامًا يكفيهم ويكفي غيرهم. قام المزارعون منهم بالاستقرار في مكان واحد وإنتاج طعام لكثير غيرهم. وقام هؤلاء ببناء المنازل الدائمة والاستقرار في قرى صغيرة. ومع زيادة السكان الهنود نمت بعض القرى وتحولت إلى مدن صغيرة ثم مدن كبيرة وعواصم وأدى هذا التطور إلى نمو حضارات متقدمة.

ومن المحتمل أن تكون حضارة الهنود المبكرة في أمريكا تعود جذورها إلى الأولمك، تقع حضارة الأولمك في المنطقة التي تعرف الآن بشرق المكسيك فيما بين القرنين الثالث عشر والخامس قبل الميلاد. أما حضارة المايا التي نشأت في منطقة جنوب المكسيك وشمال أمريكا الوسطى فقد وصلت إلى قمة ازدهارها فيما بين منتصف القرن الثالث والقرن العاشر الميلاديين. أنتجت حضارة المايا مجموعة رائعة من المعمار والتصوير التشكيلي والخزف والنحت. كما توصلت هذه الحضارة إلى اختراع التقويم السنوي وكذلك نظامًا متقدمًا للكتابة. كما امتلك المايا معرفة متقدمة بالفلك مما ساعدهم على التنبؤ بدقة بمواسم زراعة محاصيلهم. كما استطاعوا بناء شبكات متشعبة من قنوات الري تحت الأرض.

استطاع التولتك التحكم في وسط المكسيك من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الميلاديين. ولكن الأزتك في بداية القرن الخامس عشر الميلادي استطاعوا أن يحلوا محل التولتك ويصبحوا أقوى شعوب المنطقة. استمرت حضارة الأزتك مزدهرة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي. واستطاع كل من التولتك والأزتك بناء أهرامات ضخمة ومبانٍ مازالت بقايا كثير منها موجودة حتى الآن. كما أن شعب الإنكا استطاع أن يحكم إمبراطورية ضخمة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي. أتقنت شعوب الإنكا الزراعة ووصلوا إلى درجات عالية في المعمار. وبنوا شبكة واسعة من الطرق عبر جبال الأنديز لكي يربطوا مدن إمبراطوريتهم المتباعدة مع بعضها البعض. استطاع مزارعو الإنكا بناء مصاطب زراعية في منحدرات الجبال ثم جلبوا المياه إلى هذه القطع بواسطة قنوات الري.

أيقونة تكبير الكشوف الأولى لأمريكا اللاتينية

الاكتشاف الأوروبي واستكشاف المنطقة:

في عام 1492م أصبح كريستوفر كولمبوس ـ وهو بحار إيطالي يعمل في خدمة ملك أسبانيا ـ أول أوروبي يصل إلى أمريكا اللاتينية. وقد أبحر كولمبوس غربًا من أسبانيا على أمل العثور على طريق بحري أقصر يوصل إلى شرق آسيا. ونزل إلى اليابسة في جزيرة سان سلفادور في جزر الهند الغربية.

بعد عودته إلى أسبانيا أثارت أنباء اكتشافه للطريق الجديد موجة واسعة من الحماس في أوروبا. وقد قام البابا ألكسندر السادس برسم خط حدودي يقسم أمريكا الجنوبية بالطول لتحديد مناطق النفوذ بين أسبانيا والبرتغال وذلك لتفادي النزاع بين الدولتين حول السيادة على الأراضي الجديدة المكتشفة. ويقع هذا الخط الوهمي الذي يمر من الشمال إلى الجنوب حوالي 560كم إلى الغرب من مجموعتي جزر في شمال المحيط الأطلسي وهي جزر الآزور وكيب فيرد. وأصبحت كل الأراضي التي تقع غرب هذا الخط تابعة لأسبانيا بينما تبعت كل الأراضي التي تقع شرق هذا الخط إلى البرتغال. ولكن حكام البرتغال شعروا بالغبن لأنهم اعتقدوا أن هذا الخط منح أسبانيا أراضي أكثر من حقهم. وقد قامت الدولتان بتوقيع اتفاقية تورديسيلاس في عام 1494م حيث اتفقت الدولتان على إزاحة خط التقسيم 2,084كم إلى الغرب. ونتيجة لذلك قامت البرتغال بضم القسم الشرقي وهو مايعرف حاليًا باسم البرازيل. وقد ضمت البرتغال هذه المنطقة فعلاً إلى أملاكها في عام 1500م عندما نزل ملاح برتغالي يدعى بيدرو ألفاريز كابرال على الساحل الشرقي للبرازيل.

قام كولمبوس في الفترة ما بين 1492م إلى 1502م بأربع رحلات إلى أمريكا اللاتينية. قام خلال هذه الرحلات باكتشاف عدة جزر من جزر الهند الغربية وشواطئ المنطقة التي أصبحت تعرف الآن بهندوراس وكوستاريكا ونيكاراجوا وبنما وفنزويلا. وقام مكتشفون آخرون بعد ذلك بمتابعة رحلات كولمبوس إلى أمريكا اللاتينية. أدرك الأوروبيون بسرعة أن هذه الأراضي ليست آسيا بل أرض جديدة. وقام رسامو الخرائط بتسمية هذه المنطقة أمريكا إحياءً لذكرى البحار الإيطالي المولد أميريغو فسبوتشي. وقد قام فسبوتشي بعدة رحلات إلى أمريكا اللاتينية في أواخر تسعينيات القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين لحساب كل من أسبانيا والبرتغال. كان فسبوتشي هذا هو أول رحالة أكد على أن هذه المنطقة هي دنيا جديدة.

وفي عام 1513م قام المغامر الأسباني فاسكو نونيز دي بالبوا بعبور برزخ بنما وأصبح أول أوروبي يشاهد الساحل الشرقي للمحيط الهادئ. وكان اكتشافه دليلاً على أن أمريكا قارة منفصلة تقع بين أوروبا وآسيا. وفي عام 1520م أصبح البحار البرتغالي فرديناند ماجلان أول أوروبي يكتشف الممر المائي الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي في الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية. وقد أبحر ماجلان بجوار الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية ثم عبر المضيق الذي يحمل الآن اسم ماجلان.

إخضاع الهنود الحمر:

بعد وصول الأوروبيين إلى أمريكا اللاتينية مباشرة، وفي منتصف القرن السادس عشر الميلادي، كانت مجموعة صغيرة من المغامرين الأسبان يعرفون باسم الكُونْكِسَتَادُورز (الغزاة) قد هزمت الحضارات الهندية الكبرى ومنحوا أسبانيا سيطرة قوية على معظم أمريكا اللاتينية. وقد هزموا بسهولة قوات الهنود الكثيرة التي لم تر المدافع ولا الحصان.

بدأت حملات الإخضاع الأولى في المكسيك وأمريكا الوسطى، وهبط هيرناندو كورتيز شاطئ المكسيك عام 1519م. وحتى عام 1521م كان كورتيز قد اكتسح إمبراطورية الأزتك الكبرى. وفي العام الثاني كان قائد آخر يسمى بدرارياس دافيلا قد انتصر على هنود المناطق التي تسمى الآن كوستاريكا ونيكاراجوا. وفي عام 1523م قام بيدرو دى الفارادو ـ وهو واحد من ضباط كورتيز ـ بفتح المنطقة التي تسمى الآن إلسلفادور وجواتيمالا. وقام هؤلاء، بالإضافة إلى بالبوا، في بنما، بضمان انفراد أسبانيا باحتلال أمريكا الوسطى.

قام فرانسيسكو بيزارو عام 1531م بالإبحار جنوبًا من بنما إلى المنطقة التي تعرف حاليًا باسم بيرو. خلال العامين التاليين اندفع جيشه حوالي 4,800كم عبر جبال الأنديز وأخضع إمبراطورية الإنكا الضخمة. وأنشأ بيزارو مدينة ليما عام 1535م. وأصبحت المدينة عاصمة بيرو ومركز الحكومة الأسبانية في أمريكا الجنوبية. وكانت منطقة جنوب تشيلي من المناطق القليلة التي فشلت الجيوش الأسبانية في فتحها حيث ظل هنود الأرواك يقاومون هذه الجيوش مقاومة باسلة لما يزيد على ثلاثمائة عام.


دول أمريكا اللاتينية غير المستقلة

الدولةالعاصمةدولة السيادة
أروباأورنجستادهولندا
الأنتيل الهولنديةولمستادهولندا
أنجويلافاليالمملكة المتحدة
بورتويكوسان خوانالولايات المتحدة
جزر تيركس وكايكوسجران تيركالمملكة المتحدة
جزر الفوكلاندستانليالمملكة المتحدة
جزر الكيمنجورجتاونالمملكة المتحدة
جزيرة المارتنيكفورت-دي-فرانسفرنسا
غوادالوبباس-تيرفرنسا
غيانا الفرنسيةكاينفرنسا
فيرجين أيلاندز الأمريكيةتشارلوت أماليالولايات المتحدة
فيرجين أيلاندز البريطانيةرودتاونالمملكة المتحدة
مونتسيرات-المملكة المتحدة

الحكم الاستعماري:

بدأ المستوطنون الأسبان والبرتغاليون يتدفقون إلى أمريكا اللاتينية حتى قبل أن تكتمل الحملات العسكرية على المنطقة، وقدم الكثيرون منهم حُبًّا في المغامرة والثروات المعدنية. أما الآخرون فقد أنشأوا المزارع الكبيرة التي زرعوا فيها قصب السكر والتبغ والمحاصيل الأخرى لكي يصدروها إلى أوروبا. وتم استعمار أمريكا اللاتينية في الوقت الذي بدأ فيه أوائل المستوطنين الأوروبيين في الوصول إلى الساحل الأطلسي لأمريكا الشمالية في منتصف القرن السادس عشر. وفي خلال القرن السابع عشر بدأ الهولنديون والبريطانيون والفرنسيون في إقامة مستعمرات صغيرة في أمريكا اللاتينية، وعلى وجه الخصوص جزر الهند الغربية.

ماتت أعداد كبيرة من هنود أمريكا اللاتينية بسبب الأمراض الجديدة التي جلبها الأوروبيون معهم كما قتل الكثيرون في الحروب. أسست أسبانيا في بداية القرن السادس عشر النظام الإقطاعي في أمريكا اللاتينية. حسب هذا النظام كانت السلطة الاستعمارية تمنح المستوطنين الجدد مساحة واسعة من الأرض لامتلاكها وامتلاك الهنود الذين يقومون على هذه الأرض، وكان المستوطنون يجمعون من الهنود إتاوات حيث سخروهم للعمل دون مقابل إما في مزارع السادة أو في المناجم. كان على السادة في مقابل هذا أن يحموا الهنود ويدخلوهم في النصرانية. لكن كثيرًا من هؤلاء المستوطنين كان يعامل الهنود بقسوة. ومات ملايين الهنود من الإرهاق وقسوة المعاملة. وعندما بدأ عدد السكان الهنود في الانقراض بدأ الأوروبيون في استجلاب السود من إفريقيا كعبيد.

تركزت السلطة في أمريكا اللاتينية المستعمرة في ثلاث مجموعات، تكونت المجموعة الأولى من موظفي الحكومة الاستعمارية التي قامت بتعيين حكام أوروبيين، حيث قام هؤلاء الحكام في كل مستعمرة بالسيطرة على سلطة ذات مركزية عالية. إن هذا النوع من الإدارة، حيث تتركز القوة في يد أفراد معدودين، مكَّن الأوروبيين من حكم المستعمرات من أجل هدف واحد هو استغلال ثروات البلاد الطبيعية إلى أقصى حد.

وكان قساوسة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية هم المجموعة الثانية القوية في البلاد حيث سيطر القساوسة على التعليم في المستعمرات كما كُلّفوا بمهمة نشر النصرانية وسط الهنود والزنوج.

أما المجموعة الثالثة صاحبة السلطة والنفوذ في أمريكا اللاتينية المستعمرة فكانت تتكون من كبار ملاك الأرض وأصحاب المناجم. نشأت مستوطنات في أمريكا اللاتينية حول الأراضي الزراعية الجيدة أو مصادر الثروات المعدنية الهامة، ونتيجة لذلك فإن العديد من أماكن التجمع البشري كان يقع بعيدًا عن مراكز الإدارة الاستعمارية. وفي كثير من هذه الحالات كان التحكم الاقتصادي والسياسي في يد أصحاب الأرض والمناجم المحليين. استخدم بعض كبار ملاك الأرض وأصحاب المناجم سلطاتهم بطريقة عادلة، أما البعض الآخر فقد كانوا طغاة قاسين.

جنت أوروبا أرباحًا طائلة من ثروات أمريكا اللاتينية المعدنية ومنتجاتها الزراعية. وكانت السفن تبحر بانتظام من موانئ أمريكا اللاتينية إلى أوروبا محملة بالفضة والذهب. أما الصادرات الزراعية فكانت تشمل البن والقطن وقصب السكر والتبغ. وخلال السنوات المتتابعة أصبح الاقتصاد الأسباني يتزايد في اعتماده على أمريكا اللاتينية. ولكن أسبانيا كانت تعاني من أزمات اقتصادية نتيجة لغرق بعض سفنها القادمة من أمريكا اللاتينية محملة بالبضائع الثمينة نتيجة للعواصف التي تجتاح المحيط الأطلسي أو بسبب غارات القراصنة على تلك السفن.

بداية السخط العام في المستعمرات:

استمر الحكم الاستعماري الأوروبي في أمريكا اللاتينية حوالي ثلاثة قرون. وخلال هذه الفترة بدأ السخط ينمو تدريجيًا بين السكان. كان كثير من السكان في أمريكا اللاتينية يتوقون إلى مزيد من إطلاق أيديهم في التحكم في أمورهم السياسية والاقتصادية. غير أن القوى الأوروبية تجاهلت رغبات السكان فأصبحت حركة الدعوة إلى الاستقلال قوية ومن المستحيل إيقافها.

وقد نبعت الرغبة في الاستقلال في أوساط سكان أمريكا اللاتينية لعدة دوافع من أهمها: لم يرض الكريولوس، وهم أولئك الذين انحدروا من أصل أسباني وولدوا في أمريكا اللاتينية، عن احتكار الموظفين المرسلين من أسبانيا لكل الوظائف القيادية في الدولة وكان هؤلاء ـ كبار الموظفين ـ يحتقرون بدورهم الكريولوس لأنهم ليسوا من مواليد أوروبا.

ولكن السخط كان أكثر حدة وسط المستيزو (المولّدين) الذين جنى بعضهم ثروات وأملاكًا كثيرة وكانوا يطمعون في دور نشط في الإدارة الاستعمارية. ولكن هؤلاء المستيزو كانت مكانتهم الاجتماعية أو السياسية متدنية عند الأوروبيين المتحكمين في أمريكا اللاتينية.

كما أن التدفق المستمر لثروات المنطقة إلى أوروبا قد أغضب كثيرًا من سكان أمريكا اللاتينية. وكانت أسبانيا والبرتغال لا تسمحان لمستعمراتهما بالتجارة إلاّ مع الوطن الأم في أوروبا. ولم يكن يسمح للمستعمرات حتى بالتبادل التجاري فيما بينها في العالم الجديد. بالإضافة إلى هذا، فإن أسبانيا والبرتغال قد أضعفتا من فرص هذه الأقطار في النمو الاقتصادي نتيجة عدم تشجيعها حركة التطوير الصناعي هناك. لقد كانت الحكومات الاستعمارية الأوروبية تود أن تجبر بلاد أمريكا اللاتينية على شراء المنتجات الأوروبية الصنع بدلاً من تصنيع هذه السلع بأنفسهم.

أدت المظالم السياسية والاقتصادية التي عانى منها أبناء المستعمرات إلى ظهور رغبة قوية للاستقلال في بلاد أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أن أسبانيا والبرتغال قامتا بإحداث عدد من الإصلاحات في المستعمرات قبل بداية القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أن عددًا كبيرا من سكان المستعمرات كانوا يرغبون في الاستقلال.

في عام 1790م

حروب الاستقلال:

اشتعلت حروب الاستقلال أخيرًا في أمريكا اللاتينية نتيجة أحداث في أمريكا الشمالية وأوروبا. إن نجاح الثورة الأمريكية (1775م- 1783م) ومُثل الحرية والمساواة التي وعدت بها الثورة الفرنسية (1789م- 1799م) كانت مصدر وحي لسكان المستعمرات البؤساء. كما أن أسبانيا والبرتغال كانتا تفقدان مكانتهما وأهميتهما كقوى دولية كبيرة. فقد اجتاحت قوات نابليون بونابارت الفرنسية عام 1807م البرتغال واحتلتها. وفي العام التالي قام نابليون بتنحية الإمبراطور فرديناند السابع من عرش أسبانيا وقام بتعيين أخيه جوزيف بونابارت مكانه. ولهذا كان من الطبيعي أن تضعف قوة تحكم أسبانيا في مستعمراتها، ولذا انتهز عدد كبير من سكان هذه المستعمرات الفرصة وبدأوا النضال من أجل الاستقلال.

المكسيك بدأت ثورتها ضد أسبانيا عام 1810م. وفي البداية قاد النضال اثنان من قساوسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، هما مغويل هيدالغو أي كوستيلا وخوزيه ماريا موريلوس أي بافون، ولكن هذه الثورة الأولى فشلت. وقامت القوات الأسبانية بإعدام القائدين هيدالغو وموريلوس. ولم تنل المكسيك استقلالها إلا في عام 1821م.

أمريكا الوسطى نالت حريتها من أسبانيا عام 1821م ولم تكن لأمريكا الوسطى أهمية اقتصادية تذكر، لهذا فإن أسبانيا تجاهلت المنطقة إلى حد كبير. ولهذا نجح سكان المنطقة في الحصول على الاستقلال بدون إراقة دماء، وفي عام 1822م أصبحت كل من كوستاريكا وإلسلفادور وجواتيمالا وهندوراس ونيكاراجوا جزءًا من المكسيك. ولكن في عام 1823م، انفصلت عن المكسيك وكونت وحدة سياسية عرفت باسم اتحاد أقاليم أمريكا الوسطى. ولكن منافسات إقليمية حادة أدت إلى بداية انهيار هذا الاتحاد عام 1838م وبحلول عام 1841م كانت كل دولة منها قد أصبحت جمهورية مستقلة. وكان إقليم بنما جزءًا من كولومبيا من عام 1821م وحتى عام 1903م، عندما ثارت كولومبيا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت في النهاية قطرًا مستقلاً. وكانت بليز ـ التي عرفت باسم هندوراس البريطانية حتى عام 1973م ـ مستعمرة بريطانية من 1862م وحتى عام 1981م حين أصبحت دولة مستقلة.

أمريكا الجنوبية الأسبانية. كان أبرز بطلين في النضال من أجل استقلال أمريكا الجنوبية الأسبانية هما الجنرال الفنزويلي سيمون بوليفار والقائد الأرجنتيني خوزيه دي سان مارتن. وقد ساعد بوليفار كلاً من بوليفيا وكولومبيا وإكوادور وبيرو وفنزويلا على نيل استقلالها. كما حارب سان مارتن من أجل استقلال الأرجنتين وتشيلي وبيرو. وفي عام 1806م قاد الثوري الفنزويلي فرانسيسكو دي ميراندا ثورة لم يُكتب لها النجاح ضد الأسبان. ثم قام بوليفار، وكان من أنصار ميراندا، بقيادة حملة جديدة ضد الأسبان كذلك في عام 1813م. ولقد حاربت قواته القوات الأسبانية لمدة تناهز العشر سنوات قبل أن تنتزع النصر النهائي منها في أياكوشو، بيرو، عام 1824م. ولقد أتى هذا النصر بالاستقلال للمستعمرات الأسبانية في شمال أمريكا الجنوبية.

أما في الجنوب فإن ملاك الأراضي في تشيلي أعلنوا استقلال بلادهم من الاستعمار الأسباني عام 1810م. ولكن القوات الأسبانية تمكنت من قهرهم. وأخيرًا تمكنت جيوش تحت قيادة كل من سان مارتن والبطل التشيلي برناردو أو هيغنز من انتزاع الاستقلال. وكما نعرف فإن سان مارتن فيما مضى، وذلك عام 1816م، قد حرر الأرجنتين من حكم الأسبان. وبعد ذلك حاربت جيوشه من أجل استقلال بيرو.

البرازيل حصلت على حريتها من البرتغال دون إطلاق طلقة واحدة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن حاكم البرتغال الأمير جون كان قد هرب من بلاده إلى البرازيل عندما احتل نابليون البرتغال 1807م. وعند هزيمة نابليون بعد أربعة عشر عامًا عاد الأمير جون إلى البرتغال وترك ابنه بيدرو حاكمًا على البرازيل. ولكن البرازيليين لم يعودوا راغبين في أن تحكمهم أوروبا. لذا طالبوا بالاستقلال عن البرتغال. وفي عام 1822م أعلن بيدرو البرازيل إمبراطورية مستقلة وتولى عرش البلاد باسم الإمبراطور بيدرو الأول.

جزر الهند الغربية. في عام 1791م قاد تسوين لوفرتير العبيد السود في هاييتي في ثورة ضد الحكام الفرنسيين. ونالت هاييتي استقلالها عام 1804م وأصبحت أول دولة مستقلة في أمريكا اللاتينية. وأعلنت الدومينيكان استقلالها عام 1844م. ثم نشبت ثورة ضد الحكم الأسباني في كوبا عام 1895م. وساندت الولايات المتحدة الأمريكية ثوار كوبا مما أدى إلى نشوب الحرب الأسبانية الأمريكية عام 1898م بين أسبانيا والولايات المتحدة. وانتصرت الولايات المتحدة في هذه الحرب وأصبحت كوبا جمهورية عام 1902م. ووفقًا لشروط معاهدة الصلح تنازلت أسبانيا عن مستعمرة بورتوريكو إلى الولايات المتحدة. ولكن ظلت معظم جزر الهند الغربية تحت الحكم البريطاني أو الهولندي أو الفرنسي حتى منتصف القرن العشرين. ونالت معظم هذه الجزر استقلالها منذ هذه الفترة. بينما نالت معظم الجزر الصغيرة الأخرى مزيدًا من السيطرة على شؤونها.

حرب الحدود حدثت بين دول أمريكا اللاتينية بعد الاستقلال. في حرب الحلف الثلاثي ( 1865م - 1870م )، استطاعت دول التحالف المكون من الأرجنتين والبرازيل وأروجواي أن تهزم باراجواي.

مشاكل الاستقلال:

خضع سكان أمريكا اللاتينية ـ خلال فترة الاستعمار ـ لقوانين ملوك أوروبا البعيدين، ولم يكن لهؤلاء السكان حق إبداء الرأي في الأمور التي تمس صميم حياتهم، لذا فإنهم لم يشاركوا في الإدارة. وعندما تمردوا وأسسوا دولهم المستقلة كانت تجاربهم في الحكم والإدارة محدودة إلى أبعد الحدود. لهذا السبب ظن بعض القادة أن ليس من الحكمة إقامة حكومات جمهورية في أمريكا اللاتينية. لكن الوطنيين المتحمسين متأثرين بأفكار الثورتين الفرنسية والأمريكية، أصروا على المطالبة بحكومات جمهورية.

بعد الحصول على الاستقلال، أدرك المواطنون والقادة أن إقامة حكومة جمهورية وإعلانها أسهل كثيرًا من تحويلها إلى حقيقة واقعة. وأدى افتقار القادة الجدد لهذه الدول إلى الخبرة إلى صراعات عنيفة في طول البلاد وعرضها. واغتصب السلطة عدد من الحكام وانفردوا بها مقيمين حكومات ديكتاتورية. وقامت الجيوش التي حاربت من أجل الاستقلال بالوقوف مع الحكام الديكتاتوريين ودعم سلطاتهم. وفي بلاد أخرى سيطر كبار ملاك الأرض الأثرياء على الحكومة.

بمجرد الحصول على الحرية والاستقلال قامت جمهوريات أمريكا اللاتينية بإلغاء الرق. وشهد نهاية القرن التاسع عشر تحرير كل الأرقاء في المنطقة. ولكن الاستقلال لم يأت إلا بالقليل من التحسن في حياة معظم المواطنين. انقض الكريولوس الأثرياء والمستيزو على المؤسسات الاجتماعية التي كانت قائمة واحتووها كلها. أما فقراء المستيزو والهنود والسود فلم يحصلوا إلا على القليل من السلطة والنفوذ وحتى هذا كان نادرًا. أصبحت الحياة بالنسبة لمعظم الناس أكثر صعوبة وقسوة مما كانت عليه في السابق.

النزاعات الحدودية:

تدهورت العلاقات بين عدد من أقطار أمريكا اللاتينية منذ الاستقلال إلى حد كبير بسبب الاختلافات حول الحدود الوطنية. فقد نشبت الحرب عام 1825م بين الأرجنتين والبرازيل بسبب منطقة متنازع عليها تقع على حدود الدولتين. وقد وقَّعت الدولتان بعد ثلاث سنوات اتفاقية قامت بموجبها دولة أروجواي المستقلة في المنطقة المتنازع عليها. وفي حرب الحلف الثلاثي (1865- 1870م) هزمت الأرجنتين والبرازيل وأروجواي دولة باراجواي. وقد أدت الحرب إلى الاتفاق النهائي على الحدود المشتركة لهذه الأقطار. ولكن حوالي نصف سكان باراجواي ماتوا في معارك هذه الحرب. وفي حرب الباسفيك (1879- 1883م) حاربت تشيلي كلاً من بوليفيا وبيرو بسبب منطقة غنية بالنترات محاذية للمحيط الهادئ. وقد انتصرت تشيلي في هذه الحرب وامتلكت المنطقة تاركة بوليفيا بدون ساحل على المحيط. ومنذ ذلك التاريخ وبوليفيا دولة بلا منفذ على البحر.

وفي الفترة ما بين 1932م وحتى 1935م اندلع القتال بين بوليفيا وباراجواي للسيطرة على جران تشاكو وهي منطقة منخفضة تقع على الحدود بين البلدين. وفي النهاية منحت معظم المنطقة المتنازع عليها إلى باراجواي. اندلع القتال عدة مرات بين بيرو والإكوادور في بداية القرن العشرين حول منطقة برية غير محدودة في حوض نهر الأمازون تقع بين الإكوادور والبرازيل. وقامت بيرو بضم المنطقة إليها فى الأربعينيات. وفي أواخر يناير 1995م، بدأت اشتباكات مسلحة بين الدولتين تم بعدها التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار تضع نهاية لصراعهما الحدودي الذي سقط فيه عشرات القتلى والجرحى. وكانت مجموعة الوساطة الرباعية المؤلفة من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي والولايات المتحدة، وهي الدول الضامنة لاتفاقية ريو، قد رعت تلك الاتفاقية الجديدة الموقعة في فبراير 1995م. ومن المنازعات المستمرة ادعاء جواتيمالا ملكية أرض خاضعة لدولة بليز كما أن فنزويلا تطالب بحوالي ثلاثة أرباع دولة غايانا.

العلاقات التجارية والنمو الاقتصادي:

اعتمدت اقتصاديات معظم أقطار أمريكا اللاتينية منذ العهد الاستعماري على تصدير عدد قليل من المنتجات الزراعية والمعدنية. كما أن صادرات بعض الأقطار تتكون أساسًا من منتج واحد، على سبيل المثال الموز في هندوراس والبن في كولومبيا والنحاس في تشيلي والنفط في كل من الإكوادورا والمكسيك وفنزويلا، والسكر من كوبا وجمهورية الدومينيكان والقصدير من بوليفيا. إن أي انخفاض في أسعار السوق، بالنسبة لهذه الصادرات يخلق أزمات اقتصادية قاسية. وقد أنفقت كثير من الدول منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين كميات ضخمة من الأموال لتطوير صناعات جديدة بهدف تقليل اعتمادها على صادرات زراعية ومعدنية محددة. وقد حصلت كثير من هذه الأقطار على قروض من مؤسسات اقتصادية إقليمية ودولية لتحقيق تطوير الصناعات الجديدة الأخرى. كما حصلت بعض الأقطار على مساعدات اقتصادية من أقطار أخرى.

كانت معظم أقطار أمريكا اللاتينية تستورد في الماضي معظم السلع المصنعة من أوروبا والولايات المتحدة. وقد كانت التجارة فيما بين دول أمريكا اللاتينية قليلة نسبيًا لأنها كانت تنتج سلعًا متشابهة. ولكن مع نمو التصنيع تكونت تنظيمات اقتصادية متعددة لتشجيع التجارة الإقليمية. وتشمل هذه التنظيمات رابطة أمريكا اللاتينية للتكامل، والسوق المشتركة لوسط أمريكا، والمجتمع الكاريبي والسوق المشتركة، وحلف الأنديز. وتعمل هذه التنظيمات لتقليل الحواجز التجارية بين الأقطار المشتركة وعلى ازدهار النمو الاقتصادي في المنطقة.

كانت الشركات الأمريكية والأوروبية تمتلك قبل ستينيات القرن العشرين معظم الصناعات الرئيسية في أمريكا اللاتينية. وكان كثير من مواطني المنطقة يعتقدون أن هذه الشركات الأجنبية كان هدفها الوحيد جني الأرباح الطائلة ولم تكن تهتم إطلاقا بمستوى معيشة شعوب المنطقة. ومع نهاية الستينيات، قامت بعض الأقطار بإصدار تشريعات تمنع الأجانب من تملك بعض الصناعات الرئيسية. وقد قامت حكومات أقطار مثل بوليفيا وغايانا وبيرو وفنزويلا بالاستيلاء على صناعات كانت تمتلكها شركات أمريكية وأوروبية من قبل. ومع ذلك فإن معظم الدول تشجع الاستثمار الأجنبي في صناعات تحتاج إلى التحديث.

وفي عام 1975م، انضمت معظم أقطار الإقليم المستقلة إلى منظمة نظام أمريكا اللاتينية الاقتصادي. والأهداف الرئيسية لهذا التنظيم هي الرقي بمصالح المنطقة الاقتصادية وتأسيس الشركات التي تملكها رؤوس الأموال المحلية لتوازن بها نفوذ الشركات والأعمال الأوروبية واليابانية والأمريكية.

الحركة من أجل الوحدة:

تعود الحركة من أجل الوحدة بين شعوب أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والتي تعرف باسم عموم أمريكا أو الجامعة الأمريكية، إلى أوائل القرن التاسع عشر.

دعا القائد الفنزويلي الشهير سيمون بوليفار في عام 1826م إلى اجتماع يضم دول أمريكا اللاتينية التي استقلت حديثًا. وتبع هذا عدة مؤتمرات أخرى. كان بوليفار يؤمن بأن هذه الجمهوريات تحتاج إلى العمل معًا لحل المشاكل المشتركة. لكن المشاعر الوطنية القائمة على الغيرة بين هذه الدول منعت هذه الدول من تحقيق التعاون الإقليمي.

أقامت الولايات المتحدة وثمانية عشر قطرًا من أقطار أمريكا اللاتينية الاتحاد الدولي للجمهوريات الأمريكية. وقد سمي المكتب المركزي لهذا التنظيم المكتب التجاري للجمهوريات الأمريكية. ثم أعيدت تسميته عام 1910م فأصبح اتحاد عموم أمريكا، وقد كان الهدف منه إيجاد تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي بين الدول الأعضاء. وقد تأسست منظمة الدول الأمريكية عام 1948م ثم أصبح اتحاد الجامعة الأمريكية الهيئة القيادية التنفيذية الدائمة للمنظمة (أو. أيه. إس) ويتكون من الولايات المتحدة وكل أقطار أمريكا اللاتينية المستقلة ماعدا بليز وغايانا. وتهدف المنظمة إلى الحل السلمي للمنازعات بين دول المنظمة.

وفي عام 1947م وقعت الولايات وكل جمهوريات أمريكا اللاتينية تقريبًا معاهدة تبادل المساعدات. وقد تم الاتفاق على المعاهدة والتوقيع عليها في ريو دي جانيرو بالبرازيل وتسمى عادة باسم معاهدة ريو. وقد ورد في نص المعاهدة أن أي هجوم مسلح على أي قطر من الأقطار الموقعة على المعاهدة يعتبر هجومًا على كل الأقطار الأخرى.

الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت ( في الوسط ) يزور أعمال حفر قناة بنما عام 1906م. وقد منحت دولة بنما حق إدارة منطقة القناة إلى الولايات المتحدة عام 1903م.
الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ( إلى اليسار ) في احتفال عام 1977م يوقع معاهدة يمنح بموجبها دولة بنما الإدارة الكاملة للقناة اعتباراً من 31 ديسمبر 1999م.

الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية:

إن العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة في أحوال كثيرة معقدة. وقد دعمت الولايات المتحدة باستمرار مستعمرات أمريكا اللاتينية في انتفاضاتها وحروبها لنيل الاستقلال. وقد أصدر جيمْس مُونْرُو في عام 1823م تصريحه الذي عرف باسم مبدأ مونرو، وفيه حذر الرئيس الأمريكي الدول الأوروبية من التدخل في الشؤون الداخلية لدول نصف الكرة الغربي. ولكن إعلان هذا المبدأ أثار كثيرًا من الاستياء وسط أقطار أمريكا اللاتينية. وقد أحست كثير من دول أمريكا اللاتينية أن الولايات المتحدة إنما تفرض سيادتها على المنطقة بإعلان نفسها الدولة الحامية لها.

إن العديد من دول أمريكا اللاتينية لاتثق في الولايات المتحدة بسبب ثرواتها الكثيرة وقوتها الضخمة. وفي كثير من الأحيان كانوا يشْكُون من أنها تحاول السيطرة على نصف الكرة الغربي كله. وقد نبعت هذه الشكوك بعد الحرب المكسيكية (1846-1848م ) بعد ضم تكساس إليها عام 1845م. كما أبدت دول أمريكا اللاتينية قلقها أيضًا عندما قامت الولايات المتحدة بالتحكم في بورتوريكو عام 1898م بعد الحرب الأسبانية الأمريكية.

ازداد وجود القوات العسكرية الأمريكية على أراضي أمريكا اللاتينية منذ بداية القرن العشرين، فقد قامت القوات الأمريكية بمساعدة بنما في الحصول على استقلالها من كولومبيا عام 1903م. وقد منحت بنما في مقابل هذه المساعدة للولايات المتحدة حق التحكم في منطقة من أراضيها حفرت فيها قناة بنما في وقت لاحق. وقد انزعجت دول أمريكا اللاتينية فعلاً عندما قامت الولايات المتحدة بإنزال مشاة بحريتها ـ المارينز ـ في نيكاراجوا وظلوا فيها من عام 1912م إلى عام 1933م وكذلك أقاموا في هاييتي من 1915م حتى 1934م، وفي جمهورية الدومينيكان من عام 1916م إلى 1924م. وقد أرسلت الحكومة الأمريكية جنود بحريتها إلى هذه البلاد لحماية المصالح الأمريكية خلال فترات الاضطرابات السياسية. وأثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) وقف العديد من دول أمريكا اللاتينية مع الولايات المتحدة ضد ألمانيا ولكن الغالبية وقفت على الحياد.

لكن شعور دول أمريكا اللاتينية بعدم الثقة تجاه الولايات المتحدة قد بدأ في الزوال تدريجيًا بعد انعقاد المؤتمر الذي جمع كل دول الأمريكتين عام 1933م وسمي بمؤتمر جامعة الدول الأمريكية. والتزمت كل دول المنطقة باتباع سياسة الجار الطيب التي وضع خطوطها العامة الرئيس فرانكلين روزفلت. وتضمنت هذه السياسة التزام كل دولة بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى. وفي خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) ساعدت كل أقطار أمريكا اللاتينية الحلفاء. غير أن البرازيل والمكسيك فقط هما اللتان أرسلتا الجنود واشتركتا في الحرب فعلاً.

ومنذ منتصف القرن العشرين قامت الولايات المتحدة بإرسال العديد من الخبراء الفنيين ومنح بلايين الدولارات لأقطار أمريكا اللاتينية لمساعدتها على حل مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية. وساعدت برامج المساعدات هذه، مثل التحالف من أجل التقدم، وفيالق السلام، على تحسين وتطوير الزراعة والصناعة والنظم التربوية والخدمات الصحية في أقطار أمريكا اللاتينية.

شهدت العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة علامات توتر خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات. فقد قامت الولايات المتحدة بقطع معوناتها عن بعض دول أمريكا اللاتينية التي انتهكت الحقوق المدنية لرعاياها. ولكن كثيرًا من هذه الدول ظنت الظنون في الدوافع التي تكمن خلف تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية وبرامج مساعداتها. وقامت بعض شعوب هذه الدول بمعارضة هيمنة النفوذ الأمريكي في بلادهم، وطالبوا بنصيب أوفر من التحرر من الهيمنة، وعلى العكس من ذلك طالب حكام بعض الدول من الولايات المتحدة مزيدًا من المساعدات الاقتصادية والعسكرية وذلك بسبب زيادة انتشار العنف بين مواطنيها المطالبين بالإصلاحات.

سعت الولايات المتحدة إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، فتعهدت عام 1977م بمنح بنما حق السيادة الكاملة على منطقة قناة بنما اعتبارًا من ديسمبر 1999م. لكنها دعمت أيضًا انقلابًا عسكريًا أطاح برئيس تشيلي المنتخب سلفادور اليندي عام 1973م.

فيدل كاسترو يلوح للجماهير في هافانا ـ كوبا عام 1959م بعد أن قاد ثورة ناجحة ضد الدكتاتور فولهينسيو باتيستا. وأصبحت كوبا دولة شيوعية تحت قيادة كاسترو.

عصر عدم الاستقرار السياسي:

اندلعت خلال أوائل ومنتصف القرن العشرين حركات احتجاج واسعة في العديد من بلاد أمريكا اللاتينية مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية رئيسية. وقد تمكنت الثورات من الإطاحة بعدد من الحكام المستبدين. ولكن مع ذلك فإن نهاية الحكومات الاستبدادية لم تأت بالاستقرار ولا بالحكومات التي تمثل شعوبها في كثير من الأقطار.

وخلال منتصف القرن العشرين كان العنف كثيرًا ما يعصف بالحياة السياسية نظرًا لصراع الجماعات السياسية من أجل السلطة. وانتشرت الانفجارات والاختطافات والاغتيالات في كثير من الأقطار. سيطر العسكريون على الكثير من حكومات أمريكا اللاتينية. وغالبًا ما انتهك هؤلاء القادة الحقوق المدنية للجماهير، مدعين أن هذه الخطوة ضرورية من أجل تحقيق الاستقرار والإصلاح. قام هؤلاء الحكام بإغلاق الجامعات والصحف وإصدار قوانين صارمة للرقابة. وأودعوا الآلاف من مواطنيهم في السجون بدون محاكمة باعتبارهم متهمين بالإرهاب.

الحروب الأهلية وحركات الاحتجاج مزقت الأمن والسلام في أمريكا اللاتينية. توضح الصورة سيارات عسكرية مسلحة تجوب شارعًا في إلسلفادور حيث كانت تحارب القوات الحكومية المتمردين اليساريين.
ولكن واحدًا من أهم التطورات السياسية البارزة في أمريكا اللاتينية حدث عام 1959م. ففي هذا العام قاد فيدل كاسترو ثورة في كوبا أدت إلى الإطاحة بالدكتاتورية العسكرية التي كان على رأسها فولهينسيو باتيستا. وقد أقام كاسترو على أنقاض النظام السابق دكتاتورية شيوعية وأقام تحالفًا وثيقًا مع الاتحاد السوفييتي السابق. وتعهد بتقديم المساعدات إلى الثوار الشيوعيين فى أقطار أمريكا اللاتينية الأخرى ليتمكنوا من الاستيلاء على السلطة.

بعد نجاح ثورة كاسترو، زادت أنشطة الشيوعيين والتنظيمات اليسارية الأخرى زيادة كبيرة في أمريكا اللاتينية. وفي عام 1979م نجحت ثورة قادها أعضاء جبهة الساندينيستا للتحرير القومي، وهي جماعة شيوعية دعمتها كوبا، في الإطاحة بدكتاتور نيكاراجوا أنستازيو سوموزا ديبايل. وقد استولت هذه المجموعات التي تسمى عادة الساندينيستيين على السلطة في البلاد.

التطورات الحديثة:

تطورت اقتصاديات أمريكا اللاتينية خلال الستينيات وبداية السبعينيات. ولكن عدة عوامل تضافرت على إبطاء سرعة هذا التطور. فقد ارتفعت أسعار السلع الضرورية المستوردة مثل النفط والأسمدة الكيميائية وآلات ومعدات المصانع ارتفاعًا حادًا. وفي الوقت نفسه انخفضت الأسعار التي كانت تحصل عليها دول أمريكا اللاتينية مقابل صادراتها الزراعية والمعدنية. ولذا اضطرت دول كثيرة إلى اقتراض مبالغ ضخمة بأسعار فائدة عالية وذلك لتمويل مشاريع التنمية. وقد واجهت بعض هذه الدول صعوبات ومشاكل لجمع الأموال الضرورية لتسديد هذه القروض.

توسعت في الثمانينيات وانتشرت حركات الاحتجاج والرفض للحكومات العسكرية في كثير من الدول. نتيجة لهذه الحركات قامت حكومات مدنية انتخبتها الجماهير بديلاً عن الحكومات العسكرية في بلاد مثل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي. كما جرت انتخابات في نيكاراجوا وفشلت حكومات الساندينيستيين في الحصول على الأغلبية وأتت حكومة غير شيوعية إلى الحكم.

واليوم، تواجه أمريكا اللاتينية مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة. وتستمر الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتزداد اتساعًا. ويعيش ملايين من أبناء أمريكا اللاتينية في فقر مدقع. إن الزيادة المطردة والسريعة في سكان الأقاليم تجعل من الصعب على الحكومات توفير وظائف وأعمال كافية وتوفير السكن المناسب والخدمات الحيوية إلى السكان. وتستمر المطالب المتزايدة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وتنفجر أحيانًا على هيئة احتجاجات صاخبة وعنيفة أو حروب أهلية.

إختبر معلوماتك :

  1. كيف تختلف حياة المدينة عن حياة الريف في أمريكا اللاتينية؟
  2. من هم المستيزو؟ ومن هم المولاتو؟
  3. كيف تؤثر الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على الحياة اليومية لسكان أمريكا اللاتينية في بعض الأقطار؟
  4. ما الذي كان يعرف بخط الحدود في أمريكا اللاتينية؟
  5. لماذا يفشل عدد كبير من أطفال أمريكا اللاتينية في إكمال تعليمهم الابتدائي؟
  6. لماذا بدأ عدد الهنود الحمر من السكان يتناقص بعد وصول المستعمرين الأوروبيين إلى البلاد؟
  7. ما الفنون الشعبية في أمريكا اللاتينية؟
  8. لماذا انتقل ملايين الناس من الريف إلى المدن في أمريكا اللاتينـية؟
  9. ما الأسباب الرئيسية التي من أجلها أراد المستوطنون في أمريكا اللاتينـية الاستقـلال عن البـلاد الأوروبـية التي كانت تحكمهم؟
  10. لماذا لا يثق بعض سكان أمريكا اللاتينية بالولايات المتحدة؟
المصدر: الموسوعة العربية العالمية