الإنكا ( Inca )
☰ جدول المحتويات
خريطة الإنكا |
حكم أباطرة الإنكا أراضيهم المترامية الأطراف بنظام سياسي معقُّد. وقد امتدّ سلطانهم إلى عدد كبير من المناطق بالقوّة العسكرية. وحافظ نظامهم السياسي على توازن بين سلطة الإمبراطور المركزيّة وسلطة الحُُكّام المحليّين. واسم إنكا، في الأصل، هو لقب الإمبراطور. وكانت الشعوب التي حكمها الإمبراطور ذات أسماء عديدة. ولكن بعد الاحتلال الأسباني أُطلق اسم الإنكا على الشُّعوب التي كانت تحت حكم الإمبراطور.
كان الإنكا مهرة في الهندسة والإنتاج الحرفي. وأقاموا شبكةً من الطرق ربطت أقاليم الإمبراطورية المتباعدة. وكانت عمارتهم معروفة بكبر الحجم ومهارة البناء. وصنع الحرفيون عددًا كبيرًا من القطع الفنية الرائعة من الذهب والفضة والمعادن الأخرى. كما نسجوا ثيابًا قطنيّة وصوفيّة رائعة الجمال.
أسلوب الحياة
تُعدّ البقايا الأثريّة المصدر الرئيسي للمعلومات عن حضارة الإنكا. ذلك لأنّ الإنكا لم يعرفوا نظامًا للكتابة، وبالتّالي لا توجد أية مصادر مكتوبة عنهم قبل الاحتلال الأسباني. لكن العلماء والمؤرّخين أعادوا بناء صورة حياة الإنكا وتاريخهم من البقايا الأثرية التي حُفظت بحالة جيدّة في بيرو، وتقدّم المواد المكتوبة، من فترة الحكم الأسباني وما بعده، مصدرًا مهمًا آخر من المعلومات عن حضارة الإنكا.
الإنكا حكموا إمبراطورية واسعة وثرية في أمريكا الجنوبية، ويظهر في الصورة أعلاه إمبراطور الإنكا وهو يدخل معبد الشمس في كسكو العاصمة. وتقف النساء المختارات اللّواتي يقمن بإعداد الطعام والقرابين المستخدمة في الطقوس بجانب مومياء الإمبراطور السّابق (مؤخ |
الغذاء والكساء والمأوى:
استخدم الإنكا طرقًا متعدّدة لجعل مزارعهم أكثر إنتاجيّة رغم أنهم لم يستخدموا العجلات أو المحاريث التي تجُّرها الدّواب. وقد بنوا شبكات للري في الصحراء السّاحلية. وشقوا في الأراضي المرتفعة، مصاطب في جوانب التّلال ليخففوا من عملية التعرية من ناحية وليجعلوا عملية الري أكثر سهولة. وقسَّم الإنكا حقولَهم إلى ثلاث مجموعات. وكان موسم أحد الحقول الثلاثة يُوزّع على السُّكان المحلّيين في حين كانت تذهب مواسم الحقلين الآخرين لدعم الدولة ونشاطاتها الدينيّة.كانت المحاصيل الرئيسية، عند الإنكا، هي الذرة الشامية والقطن والبطاطس، وجذور صالحة للأكل سُميت بالأوكا، وحبوب عُرفت باسم الكوينوا. وكانت البطاطس المجفّفة المحفوظة بالجليد، وتُدعى تشونو، طعامًا مفضلاً في الأراضي المرتفعة.
كان لأهل كل منطقة في إمبراطورية الإنكا زي خاص يرتدونه. فمعظم ملابس سكان الأراضي المرتفعة كانت تُصنع من صوف الألبكة واللاّما. أمّا على السّاحل فقد كانت الثّياب القطنية هي المفضّلة. وكان لدى النبلاء أثواب مصنوعة من الأقمشة الفاخرة وحلي مصنوعة من المعادن الثّمينة. وكان رجال الإنكا يلبسون المئزر ورداء وقميصًا بكم قصير يبلغ الركبة، إضافة إلى العباءات الفضفاضة في الطقس البارد. أما النساء فكن يلبسن فساتين طويلة ويضعن على أكتافهن شالات مربعة الشّكل تدعى المانتا وكان الرجال والنساء ينتعلون الصنادل والأحذية الملونة.
المنحدرون من الإنكا يعيشون اليوم كما عاش أسلافهم في الماضي. يبني هنود الكيرو (أعلاه) أكواخًا بأسقف من القش ويقيمون حفلاتهم التقليدية الدينية. |
الأسرة والحياة الاجتماعيّة:
كانت المكانة الاجتماعية هي التي تحدّد شكل الحياة العائلية والاجتماعيّة في مجتمع الإنكا. ومكانة العائلة لدى الإنكا هي التي كانت تقرر الوضع الاجتماعي للرجل أو المرأة طَوال الحياة. ووضع الرجل الاجتماعي يمكن أن يتغيّر فقط عن طريق أداء بعض الخدمات المهمة للإمبراطور.كان الشعب يتألف من وحدات تعرف بالإيلوس، وكانت هذه الوحدات تقوم على أساس القرابة وملكية الأرض معًا. وكان أفراد هذه الوحدة يمتلكون قطعة من الأرض بصورة مشتركة وكان زعيم الوحدة يُعطي كل عائلة الأرض التي تحتاجها لإنتاج الطعام الخاص بها.
كان باستطاعة الرجال من طبقة النبلاء أن يتزوجوا أكثر من زوجة. وتُعقد الكثير من الزيجات لأسباب سياسية. وكان الأباطرة يمنَحون، في بعض الأحيان، نساءً مختارات، للنبلاء أو لرجال قدّموا خدمات للإمبراطور. وكانت النساء، اللائي يقوم باختيارهن موظفو الحكومة، على جانب كبير من الجمال والذكاء. وكان على النبلاء أن يتزوّجوا من داخل طبقتهم الاجتماعية، في حين كان على أفراد طبقة العامة أن يتزوّجوا من داخل الوحدة. وكان يُتوقّع من الأزواج والزوجات مساعدة بعضهم بعضًا في العمل بالحقول والمهام الأخرى.
الدين:
أدى الدّين دورًا مهماً في حياة الإنكا العامة والخاصة. واعتقد الشّعب أن إلههم، فيراكوتشا، هو الذي خلق الطبيعة. هو بلا شك اعتقاد باطل. وكانت عائلة الإنكا تصلي، بصورة رئيسية، إلى إنتي إله الشمس عندهم. وكانت لهم إلاهات مهمة، منها إلاهة الأرض وإلاهة البحر. واعتقد شعب الإنكا أن إرادة آلهتهم يمكن إدراكها من خلال العِرافة (الكهانة) وهي محاولة لمعرفة المجهول من خلال إشارات سحرية، وهذه كلها معتقدات وثنية باطلة.لم يكن الإنكا يتّخذون قرارًا، في أية مسألة، مهما صغرت، دون استخدام العرافة، واستخدموا، مثلاً، طقوس العرافة لتوجيه قرارات الحكومة كافة. واعتمدوا على العرافة أيضًا لتحديد اليوم الصالح للقيام بنشاطات مثل زراعة المحاصيل أو الذهاب إلى الحرب. واشتملت طرق العرافة على تأمل أعضاء الحيوانات وألسنة اللّهب وحركات الحيوانات.
التجارة والنقل:
لم يعرف الإنكا نظامًا للنّقد، وغالبًا ما كانوا يستخدمون القماش كوساطة للتبادل والهبات. وهيمنت الحكومة على القسم الأكبر من التجارة، وبصفة خاصة تجارة المعادن والأحجار الكريمة والنباتات والحيوانات الغريبة ومواد نادرة أخرى. وكان بإمكان العامة المتاجرة بكثير من المنتجات في الأسواق المحلية الموسمية، مثل المصنوعات اليدوية والأغذية والمنسوجات.ربطت شبكة طرق جيدة الإنشاء كلّ أجزاء إمبراطورية الإنكا ببعضها. وامتدّت جسور معلّقة فوق الأنهار والوديان الضيّقة. ولاتزال بعض أجزاء الطرق وهياكل الجسور قائمة إلى يومنا هذا.
كان السُّكان يتنقلون غالبًا مشيًا على الأقدام، ويحملون هم وحيوانات اللاّما كلّ الحمولة. ولكن النبلاء كانوا ينقلون في محفَّات بها مقاعد تُحمل على أكتاف الرجال. وكان الإنكا يستخدمون القوارب والطوّافات فوق الأنهار الرئيسية، وفوق بحيرة تيتيكاكا، وعلى طول الساحل.
نظام الحكم:
حكم إمبراطورية الإنكا أبناء الأسرة الملكيّة. وتقليديًا كان الإمبراطور، الذي يدعى سابا إنكا يتزوج أخته. وكان الإمبراطور يختار خليفته من بين أبنائه الذين أنجبهم من أخته. وكان يساعد الإمبراطور، في إدارة دفّة الحكم، مجلسٌ من النبلاء الذين كانوا يخدمون بمثابة حُكّام على ولايات الإمبراطورية. وكان الإمبراطور يستشير الكاهن الأكبر الذي كان إما شقيقه أو عمّه، كما كان يستشير القادة العسكريّين الذين كانوا أيضًا أقرباءه.كان الإمبراطور مسؤولاً عن مصالح الإمبراطورية وشعبها. وتضمّنت واجباته توسيع الإمبراطورية والتأكُّد من أنّ الشّعب يتّبع الطُّقوس الدّينية الصّحيحة. وكان واجب إمبراطور الإنكا منع النبلاء من استغلال العامة أيضًا.
وكان الإنكا يحاولون الإبقاء على الحُكّام المحليين الموجودين في السُّلطة بعد احتلال أراضيهم. ويسمحون لهم بأن يحكموا بصورة مستقّلة مالم يعصوهم وماداموا يدفعون الضرائب ويبقون المخازن مملوءة بالمؤن. وبهذا الأسلوب كان الإنكا يحافظون على روابط قوّية داخل الإمبراطورية.
كان العامة، جميعًا، يدفعون الضرائب بالقيام بأعمال للحكومة وكذلك بإعطاء الحكومة جزءًا من محاصيلهم أو مواشيهم أو أسماكهم. وكانت الحكومة تُلزم النّساء بحياكة كميّة معيّنة من القماش. وكان على الرجال أن يعملوا في مشاريع البناء الحكومية، وفي المناجم، أو الخدمة في الجيش. وكان هناك طاقم من المفتّشين يعملون للتأكُّد من أنّ الشّعب يقوم بدفع الضرائب الواجبة عليه.
عباءة الإنكا (البونشو) مزخرفة بأشكال دقيقة وتصاميم هندسية. وقد عثر على هذه العباءة في جزيرة ببحيرة تيتيكاكا في بوليفيا. |
التّفاهم اللُّغوي والتّعليم:
كان الإنكا يتكلمون لغة تُدعي كويتشوا.كما تكلمت الشُّعوب المختلفة، التي كانت تعيش داخل الإمبراطورية، العديد من اللُّغات الهنديّة الأخرى. وكان التفاهم بين النّاس يتمّ من خلال لغة المحادثة فقط. لأنه لم يكن لديهم لغة مكتوبة. وكانت الرّسائل تنقل بوساطة سعاة يتمركزون على الطرقات أو عن طريق إشعال النيران أو إشارات دخان.كان الإنكا يدرسون النُّجوم والكواكب، ويستخدمون مشاهداتهم للتنبؤ بفصول السّنة. وكانوا يعرفون إجراء بعض الحسابات الرّياضيّة، التي يستخدمونها في تصميم الأبنية والطرقات وإنشاء مدرَّجات الحقول.
قام موظفون متخصصون بحفظ السجلات باستخدام الكويبو، وهي أداة تتألفّ من حبل تتدلى منه خيوط، مليئة بالعُقَد، وذات أطوال وألوان مختلفة. وكان كلّ لون أو عُقَدة يمثل موضوعًا مختلفًا، في حين تُشير العُقَد، التي كانت بأحجام مختلفة وبينها فواصل معيّنة، إلى أرقام محدّدة.
جرة من السيراميك اكتشفت بين أطلال باتشكماك بالقرب من ليما في بيرو. استخدم شعب الإنكا الجرار الكبيرة لحفظ الماء والتشيتشا ضرب من الجعة المصنوعة من الذرة. |
الفنون والحرف:
أنتج الإنكا مصنوعات يدوية جميلة تتدرّج بين تماثيل لآلهتهم وسلع يستخدمها النبلاء في حياتهم اليومية. وكانت النساء المختارات يحكن القماش الفاخر الذي يتضمّن تصاميم هندسّية متقنة.اشتهر معماريو الإنكا ببنائهم المعابد المتينة والمنازل المصنوعة من الحجر. وكانت الكُتل الحجريّة الكبيرة -التي استخدمت في هذه المباني ـ تُقطع بشكل رائع جدًا، بحيث يتناسب بعضها مع بعضها الآخر بدقة متناهية، ودون استخدام الملاط. وكان خزف الإنكا جميلاً وحسن الصُّنع. وكان صانعو الخزف يطلون خزفهم بتصاميم هندسية، يستخدمون فيها اللّون الأسود والبُنّي والأحمر والأبيض والأصفر.
نبذة تاريخية
الأيام الأولى:
المعروف عن التاريخ المبكر للإنكا ضئيل للغاية. وكان الإنكا، أصلاً، قبيلة أو مجموعة من القبائل، عاشت فيما يعرف الآن بمنطقة كسكو. وبدأت منذ القرن الثالث عشر الميلادي، بتوسيع سلطتها على حساب مجموعات القبائل المجاورة.الإمبراطورية:
بدأت إمبراطورية الإنكا نحو سنة 1438م، عندما تمكّن الحاكم التّاسع للإنكا واسمه باتشاكوتي، من صّد غارة قام بها اتحاد تشانكا المجاور. وكان باتشاكوتي أول حاكم من حُكّام الإنكا، يجمع في شخصه صفة القائد العسكريّ والحاكم الإداريّ في آن واحد. وفتح مناطق متعدّدة في جنوبي كسكو، وأعاد بناء المدينة مركزًا للإمبراطورية ورمزًا لسلطة الإنكا. كما أعاد تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية للإنكا، كي يجعل من الممكن إدارة الإمبراطورية بصورة فاعلة.وسَّع باتشاكوتي وابنه توبا إنكا يوبانكوي إمبراطورية الإنكا باتجاه الشّمال الغربيّ نحو وسط بيرو وشمالها. ولماّ أصبح توبا إنكا يوبانكوي إمبراطورًا وسَّع الإمبراطورية جنوبًا حتى بوليفيا الغربية وشمال غربي الأرجنتين وتشيلي وشمالاً حتّى غربي الإكوادور. ثم قام ابن توبا إنكا يوبانكوي واسمه هواينا كاباك بتوحيد المناطق المفتوحة المتضّمنة أعالي بلاد الإكوادور وأجزاء من كولومبيا الجنوبيّة.
مات هواينا كاباك حوالي سنة 1527م واندلعت الحرب الأهلية بين الجماعات المتنافسة من أتباع ولديه هواسكار وأتاهوالبا. كان هواسكار وارث الإمبراطورية ولكن أتاهوالبا كان له جيش قوّي تحت إمرته في الإكوادور. وضعفت إمبراطورية الإنكا بشكل خطير بسبب الحرب الأهلية التي هزم فيها أخيرًا أتاهوالبا شقيقه هواسكار سنة 1532م.
الاحتلال الأسباني:
بعد أن ألقى جيش أتاهوالبا القبض على هواسكار بوقت قصير سنة 1532م اصطدم المكتشف الإسباني فرانسيسكو بيزارو بأتاهوالبا في كاجاماركا الواقعة في بيرو. وكان مع بيزارو حوالي 167 رجلاً، قاموا بنصب كمين لجيش أتاهوالبا وهزموه، وقبض بيزارو على أتاهوالبا وأسره رغبة في الحصول على فدية. ودفع الإمبراطور الفدية التي كانت غرفة مملوءة بالذّهب وأخرى مرّتين بالفضّة. ومع ذلك أقدم الأسبان على إعدامه.وقبل ذلك كان هواسكار قد أُسر وقُتل بناء على أمر أخيه. ولذلك لم يَعُد للإنكا زعيم معترف به بعد إعدام أتاهوالبا. فاستولى الإسبان بسهولة على إمبراطورية الإنكا.
أطلال سكاساهومان قلعة من قلاع الإنكا، تقبع بالقرب من كسكو. وقد بنيت من صخور ضخمة ويبلغ طول الكثير منها خمسة أمتار. جمع العمال الصخور من محاجر تبعد حوالي أكثر من 55كم. |
تراث الإنكا:
مازال تراث الإنكا واضحًا حتى اليوم. وحاول الأسبان أن يمحوا عادات الإنكا كلّها ولكنّهم لم يتمكنوا من ذلك.إن الحياة اليوميّة للهنود في مرتفعات بيرو، وبعض البلاد الأخرى، لاتزال كما هي في معظمها عبر القرون. ويتحدّث بعض الهنود لغة كويتشوا، ويقومون بالطقوس الرُّوحية التقليدية في علاج الأمراض.كما أنّ طرق الزّراعة في المرتفعات لاتزال تُشبه طرق الإنكا الزراعية أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك لاتزال ثقافة الإنكا باقية في العباءة وأنماط أخرى من الثياب وفي المنسوجات التي ينسجها الهنود قاطنو المرتفعات.
أعلنت الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية في يونيو 2002م أن باحثين أمريكيين وبريطانيين قد اكتشفوا بقايا مدينة تسمى كوتاكوكا ظلت مدفونة طوال خمسة قرون في غابات كثيفة بواد في جنوب شرقي بيرو.