الرئيسيةبحث

أمريكا الوسطى ( Central America )



أيقونة تكبير خريطة أمريكا الوسطى
أمريكا الوسطى هي الجزء الضيق من الأرض الواقعة في الطرف الجنوبي من أمريكا الشمالية. تحدها المكسيك من الشمال وكولومبيا من الجنوب. ويقع المحيط الهادئ إلى الغرب، والبحر الكاريبي ـ وهو امتداد للمحيط الأطلسي ـ إلى الشرق. تتألف أمريكا الوسطى من سبع دول وهي: بليز وكوستاريكا، وإلسلفادور، وجواتيمالا، وهندوراس، ونيكاراجوا، وبنما. وتبلغ مساحة المنطقة كلها حوالي 521,000كم²، وعدد السكان 38 مليون نسمة.

يوجد على سواحل أمريكا الوسطى أراضٍ منخفضة، أما في الداخل فتتقاطع جبال وعرة في المنطقة مما يجعل التنمية الاقتصادية عسيرة وكذلك النقل، وبها براكين نشطة، وأحياناً تضرب الزلازل الحادة والثورات البركانية أمريكا الوسطى وتسبّب الكثير من الأضرار وبعض الخسائر في الأرواح.

ويتباين سكان أمريكا الوسطى، فأغلب سكان جواتيمالا من أصل هندي، أما سكان هندوراس والسلفادور فمعظمهم من المستيزو، (المولدون من مزيج من العرقين الأوروبي والهندي) بينما نجد أعداداً كبيرة من السود يعيشون في بليز، ونيكاراجوا، وبنما، أما سكان كوستاريكا فأغلبهم من أصل أوروبي.

اللغة الرسمية هي الأسبانية في كل بلدان أمريكا الوسطى باستثناء بليز حيث أن الإنجليزية هي اللغة الرسمية، غير أن الكثير من الهنود في جواتيمالا يتكلمون لغاتهم القبلية الخاصة.

يعيش معظم السكان في المزارع الصغيرة بمرتفعات المناطق الجبلية، لكن مصادر الدخل الرئيسية في أمريكا الوسطى تأتي من المزارع الكبيرة ومن الغابات والمناجم فالمرتفعات تنتج 10% من محصول البن العالمي، وفي المنخفضات 10% من إنتاج الموز في العالم. وتمتلك نسبة ضئيلة من سكان أمريكا الوسطى ثروات كبيرة. وتوجد في المنطقة طبقة متوسطة نامية، ومع ذلك فإن أعداداً كبيرة من السكان تعيش في حالة فقر. ويساهم المعدل العالي للنمو السكاني في زيادة البطالة، خاصة بين الشباب.

يضمن دستور كل بلد من بلدان أمريكا الوسطى إجراء انتخاب ديمقراطي للنواب، لكن في كثير من الحالات، تهمل الحكومات دساتيرها، وفي بعض تلك البلدان تقوم على رأس الحكم سلطات عسكرية مستبدة، وقد أدت المشكلات الاقتصادية، والحروب الأهلية في أواسط وأواخر القرن العشرين، إلى معاناة الناس على نطاق واسع في أنحاء كثيرة من أمريكا الوسطى.

تتناول هذه المقالة تاريخ أمريكا الوسطى، لكن بغية الحصول على معلومات إضافية عن المنطقة. ★ تَصَفح: أمريكا اللاتينية ؛ أمريكا الشمالية.

التاريخ المبكر

قبل آلاف السنين هاجر أسلاف الهنود الذين يعيشون اليوم في أمريكا الوسطى إلى هذه المنطقة من آسيا. وفي القرن الخامس قبل الميلاد، ظهر هنود المايا، وقد ازدهرت ثقافتهم خصوصاً بين منتصف القرن الثالث والقرن العاشر الميلاديين وبرعوا في الهندسة والعمارة فبنوا كثيرًا من المدن الرائعة، التي ما زالت آثارها من قصور وأهرامات ومعابد قائمة إلى الآن. وإضافة إلى ذلك فقد شق المايا شبكة واسعة من القنوات لري حقولهم التي كانوا يزرعون فيها الذرة الشامية والفاصوليا والكورجيت. وقد كان المايا مهرة في علوم الفلك، والرياضيات، وطوَّروا تقويماً شمسياً ونظاماً للكتابة الهيروغليفية. وفي حوالي عام 900م، هجر المايا مدنهم لسبب غير معروف. أما اليوم فيعيش أحفادهم في جبال المكسيك وفي أمريكا الوسطى، وكثير من هؤلاء ما يزالون يلبسون أزياءهم التقليدية ويتكلمون لغات المايا.

الفترة الاستعمارية

في عام 1501م، أصبح رودريجو دِي باستيداس وخُوان دِي لاَكُوزا من أسبانيا أول أوروبيين يكتشفان شاطئ أمريكا الوسطى. وفي عام 1502م، أبحر المكتشف الإيطالي كريستوفر كولمبوس على طول الشاطئ الكاريبي من هندوراس إلى بنما، وادعى حق ملكيتها لأسبانيا، الراعية، ثم شرع المستعمرون الذين يسمون باسم الكونكستادورز، وعلى مدى الثلاث عشرة سنة التالية، في اجتياح أمريكا الوسطى مقاتلين الهنود في كل أرجاء المنطقة. وبحلول عام 1525م كان الأسبان قد احتلوا كل المنطقة. وفي ذلك التاريخ، كان كثير من الهنود قد قُتلوا أو سيقوا عبيداً إلى المزارع الكبيرة في جزر الهند الغربية.

أقام الأسبان مركزاً إدارياً في جواتيمالا عام 1570م وسموه أودينسيا. وحكمت أودينسيا الجواتيمالية هذه أمريكا الوسطى كلها، عدا بنما، حيث كانت فرعاً تابعاً لأسبانيا الجديدة التي كانت تحكم معظم المستعمرات الأسبانية في أمريكا الشمالية ومقرها مدينة المكسيك.

أولت أسبانيا اهتماماً خاصاً بالمكسيك وبيرو، فقد كانت فيهما كنوز من الذهب والفضة، أما أمريكا الوسطى فقد كانت الثروة المعدنية فيها أقل. وغالباً ما كانت المسائل الإدارية تُنْجَزُ محلياً في أمريكا الوسطى. لكن شيئاً فشيئاً بدأ المنصرون ينشئون جهازاً تنصيريًا في أمريكا الوسطى، ويدعون الهنود إلى اتباع المذهب الكاثوليكي، كما طور المستعمرون نظاماً للزراعة يقوم على المزارع الكبيرة. وتدين بنما بتطورها المبكر إلى موقعها الاستراتيجي وأرضها الممتدة على شكل برزخ ضيق. فقد أقام الأسبان طريقاً حجرياً عبر البرزخ قُرب موقع قناة بنما الحالية، وبذلك أصبحت بنما تحت حكمهم، كما أقاموا طريقاً مهمًّا للسفن التي تزود مستعمرات الشاطئ الغربي من أمريكا الجنوبية بالمؤن وتزود أسبانيا بالذهب والكنوز الأخرى. وأصبحت مركزاً مهماً لتوزيع العبيد السود في العالم الجديد، ومع ذلك تركت أسبانيا بنما تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي في معظم الأمور.

الاستقلال

في عام 1808م، غزا نابليون الأول إمبراطور فرنسا، أسبانيا وأجبر الملك الأسباني على العيش في المنفى، ونتيجة لذلك، ضعفت قبضة أسبانيا، على مستعمراتها في أمريكا الوسطى، وبقي المحافظون موالين لأسبانيا ومع ذلك كان الليبراليون مستائين من الضرائب والقيود التجارية التي كانت أسبانيا قد فرضتها. ورأوا في صراع أسبانيا مع فرنسا فرصة للانفصال عن الوطن الأم. في 15 سبتمبر عام 1821م أعلنت أودينسيا الجواتيمالية استقلالها وأبعدت بذلك الحكم الأسباني من أمريكا الوسطى كلها باستثناء بنما الحالية. وفي السنة ذاتها انفصلت بنما أيضاً عن الحكم الأسباني، وأصبحت مقاطعة من بلاد كولومبيا المستقلة حديثاً. وقد نجحت حركة الاستقلال في أمريكا الوسطى كلها بقليل من إراقة الدماء.

إن ما يُعرف الآن ببليز ينتمي لأودينسيا الجواتيمالية، لكن الأسبان لم يكونوا قد أقاموا مستوطنات هناك ولم يفعلوا إلا القليل لبسط سيطرتهم على المنطقة. وفي عام 1638م أقام بحارة بريطانيون كانت سفينتهم قد تحطمت قريباً من شاطئ بليز، أول مستوطنة أوروبية معروفة في المنطقة، ثم أقام البريطانيون مستوطنات أخرى في المنطقة خلال المائة والخمسين سنة التي تلت تلك الفترة. وفي أواسط القرن التاسع عشر، أخذوا اعترافاً رسمياً بملكيتهم لمنطقة بليز، فجعلتها بريطانيا مستعمرة عُرفت باسم هندوراس البريطانية، ولم تُصبح بليز بلداً مستقلة إلا عام 1981م.

وخلال السنوات الأولى التي أعقبت الاستقلال كان سكان أمريكا الوسطى يفضلون بصورة عامة الاتحاد مع المكسيك المستقلة حديثاً لشعورهم بالولاء تجاه المقر الأم لنائبية الملك في مدينة المكسيك. وهكذا بدءًا من يناير عام 1822م وحتى مارس عام 1823م، غدت كوستاريكا وإلسلفادور، وجواتيمالا، وهندوراس ونيكاراجوا، قانونياً جزءًا من المكسيك. وفي عام 1823م، انفصلت هذه الدول عن المكسيك وشكَّلت اتحاداً فيما بينها عُرف باسم المقاطعات المتحدة لأمريكا الوسطى لكن كانت هناك خلافات بين أولئك الذين يفضلون حقوق الدول وأولئك الذين يريدون حكومة مركزية قوية. وفي نوفمبر عام 1824م، اكتمل الدستور الذي يضمن للدول حقوقها، وحرر الاتحاد العبيد، كما أنهى الامتيازات الخاصة لملاك الأراضي الأقوياء والكنيسة الكاثوليكية. وبعد ذلك بدأ الاتحاد بين تلك الدول تحت مختلف الضغوط، بما في ذلك الجهود التي بذلها الملاك الأغنياء، ورجال الدين لاستعادة امتيازاتهم السابقة. وازدادت المنافسات بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية، وفي أواخر الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، انهار الاتحاد وأصبحت كل ولاية جمهورية مستقلة بذاتها.

وفي أوائل القرن العشرين، أرادت الولايات المتحدة أن تشق قناة عبر بنما. وهكذا بدعم منها، انفصلت بنما عن كولومبيا سنة 1903م وشكَّلت دولة مستقلة ومنحت الولايات المتحدة شريطاً من الأرض عرضه 16كم لإقامة القناة، وفي سنة 1914م اكتملت قناة بنما.

محاولات على طريق التوحيد

منذ مطلع القرن التاسع عشر، قامت عدة مجموعات من بلدان أمريكا الوسطى بنحو 25 محاولة لتحقيق التوحيد السياسي ولم تدم هذه الاتحادات طويلاً. ولم يطل العهد بأي واحدة منها. ففي سنة 1842م، على سبيل المثال، أقامت إلسلفادور وهندوراس ونيكاراجوا ما سُمى باتحاد أمريكا الوسطى لكن ذلك الكيان برهن على أنه أضعف بكثير من أن يبسط سيطرته فانهار الاتحاد عام 1845م.

وفي عام 1907م، أقامت كوستاريكا وإلسلفادور، وجواتيمالا، وهندوراس، ونيكاراجوا محكمة العدل الأمريكية الوسطى التي أنيط بها حق النظر في القضايا التي تنشب بين تلك الدول، لكنها انحلت عام 1918م بعد أن تجاهلت نيكاراجوا أحكامها في نزاعٍ حول حقوق شق القناة. وفي عام 1921م أقامت إلسلفادور وجواتيمالا وهندوراس اتحاداً فيما بينها، وحكومة مركزية باسم اتحاد أمريكا الوسطى، لكن المنافسات والخلافات بين أعضائه أدت إلى انهيار الاتحاد خلال أقل من سنة.

المنظمات الإقليمية

في عام 1948م، انضمت بلدان أمريكا الوسطى كلها، ما عدا بليز إلى بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى والولايات المتحدة لتشكل منظمة الدول الأمريكية وتعمل على تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء. وفي عام 1951م، أقامت كوستاريكا، وإلسلفادور، وجواتيمالا وهندوراس ونيكاراجوا منظمة دول أمريكا الوسطى وتعمل هذه المنظمة على تطوير التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الدول الأعضاء.

وفي عام 1960م، شكلت إلسلفادور وجواتيمالا، وهندوراس، ونيكاراجوا ما يُعرف بالسوق المشتركة لأمريكا الوسطى وفي عام 1963م انضمت إليها كوستاريكا، وتضمن هذه المنطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء، وقد أقامت مصرف أمريكا الوسطى للتكامل الاقتصادي. ومهمة هذا المصرف تطوير التعاون الاقتصادي والاستثمار في الصناعات المطلوبة لتمويل المنطقة ككل.

التطورات الحديثة

عرفت بلدان أمريكا الوسطى النمو الاقتصادي خلال الستينيات من القرن العشرين ومطلع السبعينيات، لكن في وقت لاحق اجتمعت عدة عوامل لتضع حداً لذلك النمو، إذ كان على بلدان أمريكا الوسطى أن تدفع أسعاراً أعلى بكثير لكي تستورد النفط والمواد الكيميائية الزراعية، وكانت الأسعار التي تتلقاها في ذلك الوقت لقاء صادراتها قد هبطت هبوطاً شديداً، كما كانت هذه الدول قد استدانت مبالغ هائلة من المال بمعدلات فوائد عالية لتمويل عملية التنمية لديها. وهكذا، في مطلع الثمانينيات بدأت تواجه صعوبات في تسديد تلك الديون. وفي عام 1977م، وفي محاولة منها لتخفيف التوتر ومساعدة اقتصاد بنما، وقعّت الولايات المتحدة معاهدات لإعادة منطقة القناة إلى بنما، وفي عام 1973م، غيرَّت هندوراس البريطانية اسمها إلى بليز، ثم منحتها بريطانيا الاستقلال الكامل عام 1981م، لكن جواتيمالا احتجت بشدة على ذلك العمل إذ كانت دائماً تدعى أن بليز جزء من أراضيها. وفي عام 1983م قصرت ادعاءها على الخُمس الجنوبي من بليز.

وفي سنة 1979م، أطاح ثوار يُعرفون باسم الساندينيستا بحكومة نيكاراجوا، واندلع القتال بين الحكومة الجديدة والنيكاراجويين المعروفين باسم الكونترا الذين كانت الولايات المتحدة تقدم لهم الدعم، فيما تقدم كوبا والاتحاد السوفييتي (سابقاً) الدعم للحكومة. كذلك جرى قتال واسع النطاق بين الثوار والحكومة في إلسلفادور. وكانت الولايات المتحدة تقدم العون لحكومة إلسلفادور فيما تقدم كوبا والاتحاد السوفييتي (السابق) الدعم للثوار.

وفي مارس عام 1988م وقعت حكومة نيكاراجوا والكونترا اتفاقية لوقف إطلاق النار. مهدت تلك الاتفاقية لإجراء محادثات بين الجانبين حول الإصلاحات السياسية والشروط الأخرى بغية تأمين سلام دائم. وقد شجعت حكومات أمريكا الوسطى المحادثات إثر خطة سلام عام 1987م التي عرفت باسم مبادرة سلام آرياس وهي الخطة التي كانت تهدف إلى تحسين السلام في المنطقة، وقد وقَّعت عليها كوستاريكا، وإلسلفادور، وجواتيمالا، وهندوراس، ونيكاراجوا.

وفي عام 1989م، أصبح الجنرال مانويل أنطونيو نورييجا، حاكم بنما، عدوانياً على نحو متزايد تجاه الولايات المتحدة. وفي ديسمبر من ذلك العام غزت قوات أمريكية بنما فأسرت نورييجا وساقته إلى الولايات المتحدة ليواجه تهم الاتجار بالمخدرات، وابتزاز الأموال في تلك البلاد.

وفي عام 1990م هُزم الساندينيستا على يد خصومهم في انتخابات عامة، ونتيجة لذلك انحلت قوات الكونترا في الحال.

شهدت إلسلفادور حربًا أهلية في الفترة بين 1979 و1992م. ساندت الولايات المتحدة حكومة إلسلفادور في هذه الحرب بينما ساندت كوبا والاتحاد السوفييتي السابق الثوار.

ظلت دول أمريكا الوسطى تعاني من كثير من المشاكل رغم أنها استبدلت بحكوماتها العسكرية حكومات مدنية انتخبها الشعب. فالفقر المدقع منتشر في أرجائها، ومعدلات البطالة مرتفعة جداً، واقتصادات دولها تعاني الأمرين، ودمرت الأنشطة الصناعية والزراعية البيئة. وفي نوفمبر 1998م زادت الكوارث الطبيعية الأمر سوءاً، فقد ضرب إعصار ميتش الممطر كل المنطقة، فقتل الآلاف في هندوراس ونيكاراجوا، وأصبح الملايين بلا مأوى. وقدرت مصادر رسمية قيمة المساعدات التي تحتاجها دول أمريكا الوسطى بمليارات الدولارات الأمريكية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية