وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وصى بنيه - وكانوا اثني عشر رجلاً - فقال: يا بني، ما اجتمع اثنان متآزران متعاضدان على أربعة نفر أو خمسة من أشتات الناس إلا غلباهم وملكا أسرهم وقيادهم، وما اجتمع خمسة نفر متآزرون متعاضدون على عشرة أنفار من أشتات الناس إلا غلبوهم وملكوا أسرهم وقيادهم، وما اجتمع عشر أنفار متآزرون متعاضدون على الجماعة التي يكون ميلهم عدد أوزان الأنفس من أشتات الناس إلا غلبوهم وملكوا أسرهم وقيادهم. وأيُّما عصابة غلبت أربعين رجلاً يوشك لها أن تغلب الثمانين والمائة وما فوق ذلك، وغلاب المائة حريُّون أن يغلبوا المائتين. وغلاب المائتين حريون أن يغلبوا الألف. ومنتهى العز للفرقة أن لا يطمع فيها الألف ألف رجل. وما من رجل أطاعه رجل فقام بالمجازاة له على ذلك إلا أطاعه عشرة، وما من رجل أطاعه عشرة أنفار فقام بالمجازاة لهم على طاعتهم له إلا أطاعه مائة رجل، ومن أطاعه مائة رجل فقام لهم بالمجازاة على طاعتهم له إلا أطاعه ألف رجل، وما من رجل أطاعه ألف رجل إلا وقد ساد لا محالة..
يا بني، أطيعوا الأرشد فالأرشد منكم، ولا تعصوا أخاكم الهميسع فإنه خليفتي بعد الله فيكم وأميني فيما بينكم، وإنه لسيفكم وأنتم حد ذلك السيف، وإنه لرمحكم، وأنتم سنان ذلك الرمح وما السيف لولا الحد، وما الحد لولا السيف، وما السنان لولا الرمح، وما الرمح لولا السنان، أنتم بالهميسع وله، والهميسع بكم ولكم. ثم أنشد يقول:
| ||
هميسعُ لم تجهلْ معَ الناسِ سيرتي | فسرْ لي بِها في النَّاسِ بعدي هميسعُ | |
بنيَّ بهمْ أوصيكَ خيراً فإنَّهمْ | تضرُّ بهم من شئتَ يوماً وتنفعُ | |
وعمك وابن العمِّ دونكَ بعده | مردُّ الأعادي الكاشحينَ ومدفعُ | |
همُ لكَ كهفٌ بل هُمُ لكَ موئلٌ | وهمْ لكَ من دونِ البريةِ مفزعُ | |
وليسَ عُقابُ الطير يوماً وإن لها | يذِلُّ وتنقادُ البغاثُ وتخضعُ | |
تؤولُ إلى وكرٍ سوى وكرهَا الذي | تؤولُ إليهِ للمبيتِ وترجعُ | |
هميسعُ إنَّ الناسَ وحشٌ وإنهم | إلى الرِّفق من خمس القوارب أسرعُ | |
هميسعُ جُدْ بالخيرِ تُجز بمثلهِ | فكُلُّ امرئٍ يُجزى بما هو يصنعُ | |
هميسعُ دارِ الناسَ تُعطَ قيادَهُمْ | فحظُّكَ منهم أن يُطيعوا ويسمعوا | |
هميسعُ لا والله إن أنتَ حاصد | طوالَ الليالي غيرَ ما أنتَ تزرعُ | |
فأُوصيكَ بالإفضالِ مثلَ وصيَّتي | بإخوتِكَ القُربى فهلْ أَنتَ تسمعُ |
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن الهميسع حفظ وصية أبيه حمير، وثبت عليها، وعمل بها، وأجرى الناس على ما كان يجريهم أبوه حمير حين ولي الملك بعده، وسار فيهم بسيرته، وكذلك ابنه أيمن بن الهميسع الذي يقول فيه عمه مالك بن حمير:
| ||
نطيعُ ولا نعصي أخانا الهميسعا | وأيمنَ ما غنَّى الحمامُ وسَجَّعا | |
لقد سادَ أملاكَ البلادِ هميسعٌ | وما كَملتْ خمساً سنوهُ وأَربعا | |
وأيمنُ شِمنا فيهِ ما في هميسعٍ | ربَتْهُ بنو هُودٍ فطيماً ومرضعا | |
فوالله لا ينفكُّ يجمعُ أمرنا | على ما عليهِ الرأيُ والأمرُ أجمعا | |
ونُوصي بَنِينا أن تكونَ جموعُهُمْ | لأيمنَ ما عاشُوا وما عاشَ تُبَّعا |
وحدثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن أيمن بن الهميسع لما ولي الملك بعد أبيه الهميسع بن حمير سار في الناس بسيرة أبيه وجده، وحفظ جميع ما تناهى إليه من وصايا آبائه وأسلافه التي يعملون عليها ويوصون بها ويحفظونها لسياسة الملك وصيانة الدولة،وولي الملك بعده زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر، وهو الذي يقول أخوه الغوث بن أيمن فيه:
| ||
أبى المُلكُ إلا أن يكونَ وليُّهُ | ومالِكُهُ بعدَ الهميسعِ أيمنُ | |
وأن يتلقَّاهُ زُهيرٌ وراثةً | وللتِّبرِ في مبسوطةِ الأرضِ معدنُ | |
قد استوطنَ المُلكَ الأثيلَ محلُّهُ | وللجذر أغصان وللملك موطنُ | |
أرى لزُهيرٍ أذعنَ الناسُ كلُّهمْ | كما لأبيهِ أو لِجدَّيهِ أذعنُوا |