وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن التبع بن عمرو ذي الأذعار وصى ابنه حسان ملك يكرب، وهو الثاني من التبابعة، فقال له: يا بني، إن الملك صنعة والملك صانع، فإن قام الصانع حق قيامه على صنعته استجادها الناس له، واستحكم أمره فيها فكسب بها المال والجاه وكانت له عدة وذخيرة. وإن استهان بها ولم يقم حق قيامه عليها ذهبت الصنعة عن يده، وانقطعت منافعها عنه، واكتسب الذم لنفسه والحرمان، وكل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت،وأنشأ يقول : " من البسيط "
| ||
ما زِلتُ بعدَ أبي بالمُلكِ مُنفرِداً | أسُوسُهُ بعد أسلافي وأجداديْ | |
أَحميْ محاسِنَهُ جهدي وأكلؤُهُ | دَهرِيْ وأحكمهُ بعديْ لأولاديْ | |
وقدْ ضربتُ لكَ الأمثالَ فِيهِ وقدْ | عَرفَتَ في المُلكِ إصداريْ وإيراديْ | |
فاعمَلْ بما لم أَزَلْ مُذْ كُنتُ أَعمَلُهُ | في المُلكِ يرشِدكَ يا حَسَّانُ إرشاديْ |
ويقال: إن حسان هو الأقرن. توفي بأرض المغرب، فولي الملك بعده إفريقيس. ويقال: إنه اسمه إفريقيش، كل ذلك قد قيل. ويقال إنه هو الذي بنى بالمغرب مدينة، يقال لها إفريقية، منسوبة إلى اسمه. وهو الثالث من التبابعة.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن إفريقيس وصى أخاه أسعد أبا كرب، فقال له: قد علمت ما عهد إلي أبونا مما عهد إليه أبوه من وصايا الآباء والأجداد في سياسة هذا الملك الذي أوتينا من دون غيرنا، فعليك بالتمسك بما وجدتني عليه من بث العدل واصطناع الرجال ومكابدة العدو والصفح عند الاقتدار وسد الثغور وإتقاء الخلل،وأنشأ يقول:
| ||
لمْ يروِ عنكَ ذخيرةً ممَّا بها | مَلِكُ البلادِ أَخوكَ إفريقيسُ | |
لا تعدِلَنَّ وَصِيَّةً وَصَّاكَهَا | إن الوصيَّةَ مَقصَدُ مأنوسُ | |
كُلَّ امرئٍ وبُلُوغُهُ في قومِهِ | الكُلُّ كُلٌّ والرَّئِيسُ رئيسُ | |
والنَّاسُ كالأغصانِ غُصنٌ ناضِرٌ | مِنها وذاوٍ قد علاهُ البُوْسُ | |
أَوصِيكَ خيراً بالأنامِ فإنَّما | لَكَ مُلكُهُمْ والمنصِبُ القُدمُوسُ |
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن أسعد وهو الرابع من التبابعة ولي الملك بعد أخيه إقريقيس بن حسان بن تبع بن عمرو ذي الأذعار، فسار في الناس سيرة الأوائل من آبائه وأجداده، وملك من البلاد ما لم يملك أحد قبله، وأعطي من العدد والعدد ما لم يعط ملك، وهو الذي يقول: " من السريع "
| ||
يا أَيُّها السَّائِلُ عن خَيلِنَا | ما العَالِمُ المُخبِرُ كالجاهلِ | |
تسعُونَ ألفاً عَدداً بُلقُها | وَدُهمُها كالعارضِ الوابلِ | |
عن مُلكِنَا النَّاس لم تَعصِنَا | في الأرضِ من حافٍ ومن ناعلِ | |
أَدَّتْ لنا الخَرجَ أحابيشُها | والسِّندُ والهِندُ مع كابُلِ | |
والصِّينُ قد أدَّتْ لنا خرجَهَا | في عاجِلٍ مِنْهَا وفي آجلِ | |
وكَمْ لنا في الشَّرقِ والغَربِ مِنْ | مُستخرِجٍ جابٍ وَمِنْ عَامِلِ | |
في أرضِ كرمانَ وفي فارسٍ | وفي خُراسانَ وفي بابلِ | |
كُلاً فتحناها لَنَا عُنوةً | تحفِلُ مِثلَ الدَّبَى السَّائلِ |
ويقال: إن أسعد الكامل مرض مرضة أشرف منها على التلف، وذلك عند انصرافه من سفره الذي سافر فيه حين دخل الظلمات، وكان له ولد يقال له حسان الأصغر، سماه باسم أبيه، ويقال: إنه لم يملك شيئاً، وهو الذي ذكره أبوه أسعد الكامل في شعره، يوصيه فيه عند مرضته تلك، حيث يقول:
| ||
حَضَرتْ وفاةُ أَبِيكَ يا حَسَّانُ | فانظُر لِنَفسِك والزَّمانُ زمانُ |
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن أسعد الكامل وصى، وهو عم أبيه، وهو المعمر من التبابعة، وهو تبع بن زيد بن رفيدة بن عمرو ذي الأذعار، وهو الخامس من التبابعة، فقال له: ما من شيء إلا وله أصل وأساس، وأصل الملك وأساسه الرجال، وأساسها الاحسان إليها، ومن أحسن إلى الرجال أطاعته وسمعت له، ومن سمعت له الرجال دانت له البلاد ومن فيها، وما دانت البلاد ومن فيها إلا لمالكها بعد الله عز وجل، وحكم لمالكها أن يستديم له الملك فيها بالعدل والإحسان، فإنه لا طاعة لمن لا عدل له، ولا ملك لمن لا إحسان له. ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
| ||
لا مُلكَ إلا الرِّجالُ المُحضِرُونَ لَهُ | بالمَشرَفيَّةِ والصُّمِّ المَدَاعِيسِ | |
في الخافقينِ لهُمْ ضربٌ تَطِيُر لَهُ | أيديْ الحُماةِ وهَامَاتُ القناعيسِ | |
فَهُمْ أساسُ العُلا والمكرُمَاتِ | وهُمْ لرائِم المُلكِ عِزٌّ غيرُ مَنْكوسِ | |
متى أَطاعوهُ وانهَلَّتْ تبابِعَةٌ | في الرَّحلِ منها وفي الخيلِ الكراديسِ | |
نالَ العُلا وحوى المُلكَ العظيمَ بهِمْ | والحظُّ في المُلكَ جاءَ غيرَ منحُوسِ | |
وَمَنْ عَصَوهُ فمدحُورٌ وَمُنَكشفُ | ومَنْ أطاعُوهُ عالٍ غيرَ مَنخُوسِ | |
وعدة المَرءِ دُونَ النَّاس أُسرتُهُ | وهَلْ تُشادُ العُلا إلا بتأسيسِ |
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال : ابن التبع بن زيد بن رفيدة بن عمرو بن أبرهة بن الرائش، ولي الملك بعد أسعد بن حسان المعروف بملكيكرب الأقرن، فأحسن سيرته في الناس، وملك ما ملك الأوائل من آبائه وأجداده، ويقال إنه وصى ابنه ياسر ينعم بن تبع بن زيد بن رفيدة بن ذي الأذعار، وهو السادس من التبابعة، فقال له: يا بني إن الملك مصباح، والملك واقد ذلك المصباح، فإن حفظه من ريح يطفئه أو من ذبالة لا تساعفه أو من وقود يقطع به منه أو من مستوقد لا يخونه دام له ذلك المصباح وسلم ضياؤه ونوره ما شاء أن يضيء له، وإن هو غفل عنه بعد أن أوقده، ولم يقم حق قيامه عليه أطفأته الريح، فإن سلم من الريح لم يسلم أن يطفأ عند انقطاع الوقود عنه، فإن سلم من انقطاع الوقود لم يسلم من أن يطفأ عند احتراق الذبالة، ولا يؤمن عند احتراق الذبالة من مستوقد الصباح أن يطير المستوقد قلقاً؛ فلا النور ساطع، ولا المستوقد صحيح، ولا الذبالة سالمة، ولا الواقد محمود. ثم أنشأ يقول:
| ||
ضَربتُ لكَ الأمثالَ ياسرُ ينعمُ | وأنتَ بما يُوحى إليكَ خبيرُ | |
وأنت غداً للمُلكِ مِنْ دونِ كُلِّ من | يُحاولُ مُلكاً في البلادِ جديرُ | |
أَعِنْ واستَعِنْ ما دُمتَ للعِزِّ راكِباً | وفي كفِّكَ المُلكُ اللَّقاحُ جَريرُ | |
فإنِّيْ رأيتُ المُلكَ مِصبَاحَ سامرٍ | إذا نالَهَ أمرٌ فليسَ ينيرُ | |
فإن لم يخنه بُؤسُهُ ووقُودُهُ | ويسلمَ مِنْ ريحٍ عليهِ تدورُ | |
يُضِيُء ومِنْ تحتِ الظَّلامِ سِرَاجُهُ | يُضيءُ له الديجور فهو بصيرُ |
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال إن ياسر ينعم بن تبع بن زيد بن ذي الأذعار بن ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر ثبت بعد أبيه على وصايا آبائه وأجداده، وحفظها، وعمل بها في سياسة الملك ما ثبته بين الناس، ولم يتعد سيرة أسلافه وسنن أوائله.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ياسر ينعم بن تبع بن زيد بن رفيدة بن عمرو وصى ابنه شمر ذا الجناح، فقال له: يا بني، دبر الملك، فإن التدبير ثباته، والإحسان أساسه، والعدل قوامه والرجال عزه، والمال نجدته، والعشيرة عدته. ولا ملك لمن لا تدبير له، ولا ثبات لمن لا إحسان له، ولا إحسان لمن لا عدل له، ولا عدل لمن لا قوام له، ولا قوام لمن لا رجال له، ولا رجال لمن لا بذل له،ثم أنشأ يقول:
| ||
أُوصِيكَ شَمَّرُ ذا الجناحِ وصيَّةً | ما زِلتُ أحفظُها لِجَدِّك تُبَّعِ | |
ما لاحَ لي دَرْكُ العُلا إلا بِهَا | وبها اهتديتَ إلى السبيل المهيعِ | |
ولقد ملكتُ بها البلادَ وحُزتُها | ما بينَ مغربِ شمسِها والمَطلعِ | |
فاحفظْ لِملكِكَ ذا الجناحِ وصيَّتي | وعليكَ شَمَّرُ بالخِصالِ الأرفعِ | |
حشد الرِّجال وإنهُم لكَ عُدَّةٌ | وبِهِم تُدافِعُ كلَّ أمرٍ مُفظِع | |
وعليهمُ وبهِمْ تدورُ رحى العُلا | والمكرُمَاتُ وَكُلُّ أمرٍ ميفعِ | |
واعدِلْ فإنَّ العدلَ يُحمدُ غِبُّهُ | والخيرُ مهما اسطَعتَ مِنهُ فاصنعِ | |
كُلُّ امرئٍ يُجزَى بما سَبَقتْ لهُ | فإذا أردتَ حصادَ زَرعِكَ فازرعِ |
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن شمر ذا الجناح ولي الملك بعد أبيه، وهو آخر التبابع وأعظمهم ملكاً وسلطاناً، وهو الذي يقال له الُتَّبع الأكبر، وهو الذي سار في الظلمات بعد أسعد الكامل في منقطع الأرض، يطلب فيها ما طلب ذو القرنين وأسعد الكامل، وهو الذي بنى مدينة سمرقند وإليه نسبت. وكتب على باب مدينة مرو كتابه الذي يعرف به وله إلى اليوم، وكذلك كتب على صنم المغرب الذي ليس وراءه إلا الرمل الذي تتغطمط أمواجه كما تتغطمط أمواج البحر، ويجري كما تجري السيول الطامة في أوديتها. وقد ذكر ذلك الدعبل بن علي الخزاعي في شعره الذي يقول فيه: " من الوافر "
| ||
وهُمْ سمَّوا سمرقنداً بِشِمرٍ | وهُم غَرَسُوا هُناك التُّبتينا | |
وَهُم كتبُوا الكتابَ ببابِ مروٍ | وباب الصِّين كانُوا كاتِبينا | |
وفي صنمِ المغاربِ فوقَ رملٍ | مسيلُ تُلُولهِ تحكي السَّفِينا |
وهذا الُتَّبع المذكور هو أول ملك بشَّر بمحمد النبي ﷺ بعد أسعد الكامل وآمن به، وحج واعتمر وطاف بالبيت سبوعاً، ونحر البدن، وكسا الكعبة، وجعل لها باباً وحلقاً. وقد ذكر ذلك في شعر له حيث يقول: " من الخفيف "
| ||
وكسونا البيتَ الَّذي حَرَّمَ الل | هُ ملاءً مُعضَّداً وبُرُودا | |
ثُمَّ طُفنا بهِ من السَّيرِ سبعاً | وجعلنا لبابهِ إقليدا | |
ونحرنَا بالشِّعب تسعينَ ألفاً | فترى النَّاسَ حولهُنَّ وُرُودا |
وقد ذكر ذلك حكم بن عباس الكلبي في شعره الذي يقول فيه: " من الوافر "
| ||
وتُبَّعُنا الَّذي قد طافَ سبعاً | وزارَ البيتَ قبلَ الزَّائرينا | |
وآمنَ بالنَّبيِّ وما رآهُ | فكانَ من الهُداةِ الفائزينا |
ويقال: إنه زين الملوك وأبناء الملوك من قومه من قبائل العرب والعجم ومدائنها وأمصارها. فكان لكل قبيلة من العرب ولكل حي من العجم ملك من قومه إما حميري وإما كهلاني، يسمع له ويطاع. ويقال إنه جمع الملوك وأبناء الملوك الأوائل وأبناء المقاول من قومه فقال لهم: أيها الناس، إن الدهر قد نفد أكثره، ولم يبق إلا أقله، وإن الكثير إذا قل إلى نقصان أحرى منه إلى زيادة، فسارعوا إلى المكارم، فإنها تقربكم إلى الفلاح، واعملوا على أن من سلم من يومه لم يسلم من غده، ومن سلم من غده لم يسلم مما بعده. وإنكم لتؤوبون مآب الآباء والأجداد، وتصيرون إلى ما صاروا إليه الأولون، وكل يوم الموت أقرب إلى المرء من حياته منه، ولكل زمان أهل، ولكل دائرة سبب، وسبب عطلان هذه الفترة التي من عزَّ فيها بزمن هو دونه ظهور نبي، يعزُّ الله به دينه، ويخصه بالكتاب المبين على يأس من المرسلين، رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين، فليكن ذلك عندكم وعند أبنائكم من بعدكم وأبناء أبنائكم قرناً فقرناً وجيلاً فجيلاً، لتتوقعوا ظهوره، ولتؤمنوا به، ولتجتهدوا في نصرته على كافة الأحياء، حتى يفيء الناس له إلى أمر الله،ثم أنشأ يقول: " من المتقارب "
| ||
شَهِدتُ على أحمدٍ أنَّهُ | رسولُ منَ اللهِ باري النَّسمْ | |
فلو مُدَّ دهري إلى دهرِهِ | لكُنُتُ وزيراً لهُ وابنَ عمْ | |
وَألزمتُ طَاعتَهُ كُلَّ مَنْ | على الأرضِ منْ عَرَبٍ أو عجمْ | |
فأَحمَدُنا سَيَّدُ المُرسَلِين | وأُمَّتهُ تلكَ خيرُ الأممْ | |
هو المُرتَضَى وهُو المُصطَفَى | وأكرَمُ مَنْ حملتْهُ القَدَمْ |
ويقال: إن الملوك وأبناء الملوك من حمير وكهلان لم تزل تتوقع ظهور النبي ﷺ، وتبشر به، وتوصي بالطاعة له والإيمان به والجهاد معه والقيام بنصرته من ذلك العصر إلى أن ظهر رسول الله ﷺ، فكانوا له حين بعث من أحرص الناس على نصرته وطاعته؛ فمنهم من سمع له وأطاعه وآمن به قبل أن يراه، ومنهم من وصل به كتابه فسمع له وأطاع وآمن وصدق، ومنهم من وازره ونصره وأيَّده وجاهد في سبيل الله دونه حتى أتاه اليقين. نطق بذلك كتاب رب العالمين في قوله جلَّ شأنه: " والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " . وقوله تبارك وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم " . يقال إنهم همدان. وقد كان من خبر سيف بن ذي يزن الحميري في أمر النبي ﷺ وكلامه وإلقائه إلى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عند وفوده على سيف بن ذي يزن ما كان. ويقال: إنه لم يكن لسيف بن ذي يزن ذلك العلم في أمر النبي ﷺ إلا من جهة تبع، وما تناهى إليه مما كان ألقاه إليهم تُبَّع وعرّفهم به من أمر النبي ﷺ.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن يوسف ذا نواس لما انتقل الملك إليه ظهر له الحسد من بعض قومه وبلغه عنهم قوارص مما يلفظون به ويخوضون فيه من أمره، قال فأقبل عليهم وقال: يا أيها الناس، ما من رئيس حقد فأفلح، ولا من رائم أمر يستعجل فيه فأنجح، ألا وكأني بمن يقول: إن يوسف ذا نواس ملك هذا الأمر وليس من ورثته ولا من أبناء من حازه من قبله. وكلا ، ليس الأمر كما زعم الزاعم، ولكن للملك أساس، من حازه حاز الملك،ثم أنشأ يقول: " من الوافر "
| ||
أساسُ المُلكِ ويحكُمُ رِجَالٌ | إذا ما المُلكُ زالَ عنِ الأساسِ | |
بلِ المُلكُ الأثيلُ لهُم مُثنَّى | وفيهم كل ذي عزٍّ وباسِ | |
ومنْ يُعطِ الرِّجالَ | ويُطعنَ دونهُ يومَ الحماسِ | |
ينالُ بها من الدُّنيا الذِي قد | حواهُ المرءُ يوسفُ ذُو نُواسِ | |
فَكَمْ من تاجِ مُلكٍ قد رأيتُمْ | تحوَّلَ من أُناسٍ في أناسِ | |
ألا يا للقبائِلِ أنصِتُوا ليْ | لأُخبركُم فإنَّ الطَّبَّ آسِ | |
وإنَّ وصيتيْ ما زِلتُ قِدماً | لها يا للقبائلِ غيرَ ناسِ | |
أطيعُوا الرَّأسَ مِنكُمْ كي تسُودُوا | وهل ذنبٌ يَسُودُ بغيرِ راسِ | |
فإنَّ النَّاس مِثلُ الأرضِ أرضٌ | وإنَّ مُلُوكهمْ مثلُ الرَّواسيْ | |
ولولا الرَّاسياتُ إذاً لمادتْ | روابيْ الأرضِ حقَّاً | |
وأجناسُ الرَّواسي الشُّمِ ستٌّ | فذو تبرٍ يصانُ وذو نُحاسِ | |
وذو ماءٍ وذُو زرعٍ وضرعٍ | وذو ثقلٍ كأمثالِ |
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا رعين واسمه يريم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس أقبل على أهل بيته وولده، وكان عُمِّر عمراً طويلاً حتى ضعف بصره وقصر خطاه وكلَّ سمعه، فقال لهم: يا بني، قد حفظت من وصايا الأوائل من أسلافي، وسلكت مسلك آبائي وأجدادي، وأفادني الدهر بالكبر والشباب من الأدب والزيادة في المعرفة ما يصلح به المرء دنياه ومعيشته فيما اشتهى فيها، وما يحيي به المآثر والمفاخر والمكارم أكثر مما أورثني الآباء والأجداد من ذلك،وأنشأ يقول: " من الوافر "
| ||
لئن أمسيتُ لا آلو نهوضاً | وأنَّي يا بنيَّ كما تروني | |
كبرتُ وهدّني مرُّ الليالي | وصرتُ من الزَّمانِ إلى الرمين | |
وودّعني الشبابُ ودقَّ عظمي | فلستُ أنوءُ إلا باليدينِ | |
وأصبحَ كالمُبيردِ عظمُ ساقي | ولازمني ارتعاشُ الركبتينِ | |
وأظلَم ما على عينيَّ مما | تهدّلَ من سُقوطِ الحاجبينِ | |
فما ذمَّتْ بنو قحطان يوماً | إذا ذكرتْ مساعي ذي رُعينِ | |
نشأتُ مع الملوكِ وكنتُ فيهم | أسوسُ لهم أمورَ الخافقينِ | |
وكنتُ لمعشري إذ كنتُ ركناً | وزيناً في الحوادثِ غيرَ شينِ | |
بنيَّ وإخوتي إن حانَ يوميْ | وشاهدتمْ مع الأشهادِ حيني | |
سبيلي في العشيرةِ فاسلكوهُ | لتحمدهُ العشيرةُ بعد عيني | |
ولا تسمُوا لمجهلةٍ فتغووُا | غوايةَ ساقطٍ ما بينَ بينِ | |
فإنَّ العقلَ مفتاحُ المعالي | وإن الجهلَ شينُ غيرُ زينِ |
وحدثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا مقار أقبل على عشيرته وولده، فقال لهم: ما الاثنان منكم وإن قرب أمرهما مثل الواحد وإن عظم أمره، اجتمعوا تعزُّوا، ولا تتفرقوا فتذِلُّوا، فإن القداح واحدها يهون كسره، والاثنان منها يصعب أمرهما وكسرهما، والثلاثة منها يمتنع عن الكسر، ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
| ||
ما يغلِبُ الواحدُ الاثنينِ في سببٍ | ولا يحيدُ عن النَّجدِ الضعيفانِ | |
ما ساعدٌ أبداً كالساعدينِ وإنْ | لم يبلُغاهُ ولا كالقدحِ قدحانِ | |
فردُ الرِّجالِ ذليلٌ لا نصيرَ له | وذُو الشَّراكة في عزٍّ وسلطانِ | |
إن القِداح إذا لا ويتهُنَّ معاً | عزَّتْ ولما تحُكْ فيها الذِّراعانِ | |
ولا تقرَّ إذا ما إن فرَقتَ لها | تحتَ الرَّواجبِ من مثنى ووحِدانِ | |
هاتا ضزبتُ لكُمْ قومي بِها مثلاً | وقد عِلمتم لكُمْ سِرِّيْ وإعلاني | |
أُوصيكُمُ بالَّذي ما للرِّجال بهِ | أوصى الأوائِلُ من أملاكِ قحطانِ |
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا جوال واسمه عامر بن حرب بن ذي مقار أقبل على إخوته وولده، فقال لهم: ما كل موصٍ يبلغ فيما يوصي. ولا كل موميء يصيب فيما يوميء. للبلاغة دليل، وللإصابة مواقع والحكم لا يعدو المهيع ولا يضل النهج السوي. أطيعوا الأرشد منكم تعزوا، ولا تعصوا أمره فتذلوا، واجتمعوا تهابوا وترجوا، ولا تتفرقوا فتعادوا وتجووا. وأنصفوا الناس واعدلوا فيما يفضى إليكم من أمورهم تحمدوا وأحسنوا أخلاقكم معهم تسودوا، فالشرف مع الحمد حيث كان، والعفو في الإنصاف حيث استبان، والطاعة مع السؤدد،ثم أنشأ يقول:
| ||
متى ما اجتمعتُمْ نِلتُمُ العزَّ كُلَّهُ | وأُعطِيتُمُ المُلكَ اللقاح المؤثلا | |
وأضحَى مُواليكُم عزِيزاً مُؤيداً | وأمسى مُعادِيكُم مُهاناً مُذلَّلاً | |
وصارَ لكُمْ أمرُ الأنامِ ونهيهُمْ | وصِرتُمْ لهُمْ رُكناً وكهفاً وموئلا | |
بكُمْ يهتدي من يطلُبُ القَصدَ مِنهُمُ | ويسطو بِكُمْ منهُمُ على من تطوَّلا | |
وما يستوي السَّيفانِ ماضٍ يهُزُّهُ | شجاعٌ ومُلقى صار جُنحاً مُفَلَّلا | |
وما القاهِرُ المخصُوصُ بالنَّصرِ كالذي | يَضِلُّ ويُمسيْ خائِفاً مُتوجِّلا | |
وما مَنْ يُنادي قَومَهُ فَتُجِيبهُ | ثمانونَ ألفاً جحفلاً ثم جحفلا | |
كَمَن لو تنادى آخِرَ الدَّهرِ لم يَجِدْ | لهُ ناصراً إلا غوِيَّاً مُذلَّلا |
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي أن ذا مناخ دعا إخوته وقومه من بني عبد شمس فقال لهم: لا يسود المرء إلا بكرمه ولا ينال منتهى العز إلا بقومه، ولا يرزق محبته الناس إلا بإحسانه، ولا ينال الملك إلا ببذله المال للخاصة والكافة من نصرته ورجاله، ولا يدوم له الملك إلا بعدله فيهم وإنصافه لهم، ثم أنشأ يقول: " من البسيط "
| ||
ما سادَ فيمنْ مضى من قبِلنا أحدٌ | إلا المُشَهَّرُ والمعروفُ بالكرمِ | |
ولا حوى المُلكَ مأمولٌ ومُرتغِبٌ | إلا بمعشرِةِ العالين في الفخم | |
ومحسنُ القومِ لم يعدِمْ مودَّتهُمْ | ومنْ ودادهمُ المذمومُ في العدمِ | |
ولا ينالُ امرؤٌ مُلكَ الملوكِ إذا | لم يبذُلِ المالَ للأشياعِ والخدمِ | |
ولا يدومُ لهُ مُلكٌ ولا شرفٌ | إلا بإنصافِهِ والعدلِ في الأُممِ |