وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن الحارث بن كعب لما حضرته الوفاة أقبل على بنيه يوصيهم وهو يقول:
|
| ||
| بنيَّ اهتدوا إني اهتديت سبيله | فأكرمُ هذا النَّاسِ من كانَ هاديا | |
| عييتُ زماناً لستُ أعلمُ ما الهُدى | وقد كان ذاكُم ضِلَّة من ضَلاليا | |
| فلمَّا أرادَ اللهُ رُشدِي وزُلفتيْ | أنارَ سبيلَ الحقّ لي وَهَدانِيا | |
| فألقيتُ عنِّي الغَيَّ للرُّشدِ والهُدى | ويمَّمتُ نُوراً للحنيفةِ بادِيا | |
| وصِرتُ إلى عِيسى بن مريمَ هادياً | رشيداً فسمَّاني المَسيحُ حَوَاريا | |
| سعِدتُ بِهِ دهراً فلمَّا فقدتُهُ | فقدتُ يمينيْ بل فقدتُ شِماليا | |
| بنيَّ اتقوا الله الَّذي هُوَ ربُّكُم | براكُم له فيما بَرَى وبرانيا | |
| لِنعبُدهُ سُبحانَهُ دُونَ غيرهِ | ونستدفِعَ البلوى بهِ والدَّواهيا | |
| ونُؤمِنَ بالإنجيلِ والصُّحُفِ الَّتي | بها يهتديْ من كانَ للوحيِ تاليا | |
| بنيَّ صحِبتُ النَّاسَ ثم خَبَرتُهُمْ | وأفضلهُمْ ألفيتُ من كانْ واعِيا | |
| وألفيتُ أسناهُم محلاًّ ومنصباً | رشيداً عن الفحشاءِ والإفكِ ناهيا | |
| وألفيتُ أوهاهُمْ لدى كُلِّ أمرِهِ | مُضِلاً لضلالِ العَشيرةِ غَاويا | |
| بنيَّ احفظوا للجارِ واجبَ حَقِّهِ | ولا تُسلِمُوا في النَّائِباتِ المواليا | |
| وشُبُّوا على قُرعِ اليفاعةِ ناركُم | ليأتمَّها الضَّيفُ الذي باتَ طاويا | |
| ولا تعتدُوا بالحربِ منْ لم يكُنْ لكُمْ | مِنَ النَّاس بالعُدوانِ والظُّلمِ بادِيا | |
| ومهما زرعتُم يا بنيَّ فإنَّه | سيُحصَدُ نزراً كانَ أو كانَ زاكيا |
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن ولد الحارث بن كعب لم يزل يحفظ وصيته ويعمل بها في الجاهلية والإسلام.
ويقال: إن رسول الله ﷺ قال لبني الحارث يوم وفدوا إليه للإسلام والدخول في الملَّة: يا بني الحارث، بم كنتم تغلبون الناس يا أكثر العرب عدداً ولا عدداً؟ قالوا له: يا رسول الله، نحن قوم لا نبدأ أحداً بمظلمة، فإذا أراد قوم ظلامتنا أو حربنا قلدناهم البغي، وصبرنا على حربهم حتى يحكم الله بما هو حاكم. فقال لهم رسول الله ﷺ: بتلك كنتم تغلبون الناس وتقهرونهم،وهم الذين يقول فيهم الزبير بن عبد المطلب حيث يقول:
|
| ||
| ولقد صحِبتُ النَّاس ثُمَّ خبرتُهُمْ | فوجدّتُ أكرمهُمْ بنيْ الذبيان | |
| قومٌ إذا نزلَ الغرِيبُ بدارهِمْ | تركُوهُ أهلَ صواهِلٍ وقيانِ | |
| لا ينكُثُونَ الأرضَ عِندَ سُؤالِهِمْ | لِتلمُّسِ العِلاَّتِ بالعيدانِ | |
| بل يبسُطُونَ وُجوُههُم فَتَرى لها | عِندَ السُّؤالِ كأحسنِ الألوانِ | |
| وإذا دعوتَهُمُ ليومِ كريهةٍ | سدُّوا شُعاعَ الشَّمسِ بالنِّيرانِ |