الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الرابعة والثلاثون

بقية كتاب النكاح

اللعان

1950 - مسألة: وإذا كانت مملوكة لها زوج عبد أو حر ولو أنه قرشي فأعتقت في واجب، أو تطوع، أو بتمام أداء مكاتبتها، أو بأي وجه عتقت، فإنها تخير، فإن اختارت فراقه فلها ذلك، وإن اختارت أن تقر عنده فلها ذلك، وقد بطل خيارها، وعليها العدة في اختيارها فراقه كعدة الطلاق وليس في شيء من وجوه الفسخ عدة أصلا إلا في هذا المكان وعدة الوفاة في موت الزوج فقط، فإن أرادا جميعا أن يتناكحا لم يجز إلا برضاهما، وبإشهاد، وصداق، وولي، وله ذلك في عدتها، وليس ذلك لغيره حتى تتم عدتها، ولا يسقط خيارها إذا أعتقت طول بقائها معه، ولا وطؤه لها برضاها، أو بغير رضاها، ولا علمها بأن الخيار لها فإذا أوقفت فلا بد لها من أن تختار فراقه أو البقاء معه، ولا تترك تتأنى في ذلك أصلا.

برهان ذلك: فعل رسول الله ﷺ في تخييره بريرة إذ أعتقتها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. وفي سائر ما ذكرنا خلاف: قال قوم: إنها تخير تحت العبد، ولا تخير تحت الحر.

وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: إن أعتقت تحت حر فلا خيار لها. وصح عن الحسن، والزهري، وأبي قلابة، وعطاء، وصفية بنت أبي عبيد، وعروة بن الزبير، وينسب قوم ذلك إلى ابن عباس، ولا نعلم هذا عنه وهو قول ابن أبي ليلى، والأوزاعي، ومالك، والليث، والشافعي وأبي ثور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي سليمان، وجميع أصحابهم.

وقالت طائفة كقولنا.

كما روينا من طريق أبي داود، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة أم المؤمنين قالت " إن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت وخيرت فقالت: ما أحب أن أكون معه، وأن لي كذا وكذا ".

ومن طريق أحمد بن شعيب، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد، حدثنا عبيد الله بن عمر مذ ستين سنة عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن بريرة أنها قالت: كانت في ثلاث سنين فذكرت الحديث وفيه: فقال رسول الله ﷺ لعائشة اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق فأعتقتني فكان لي الخيار.

قال أبو محمد: فعمت بريرة ولم تخص تحت عبد من حر.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا ابن أبي ليلى عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يجعل لها الخيار على الحر .

وبه يقول هشيم.

ومن طريق الحجاج بن المنهال :، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: قال عمر بن الخطاب " إذا أعتقت الأمة فلها الخيار ما لم يطأها زوجها " فعم عمر ولم يخص عبدا من حر.

ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي، أنه قال في الأمة تعتق تحت زوج: فهي عليه بالخيار حرا كان أو عبدا ولو أنه هشام بن عبد الملك.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاووس عن أبيه في الأمة تعتق تحت زوج أنها تخير ولو كانت تحت قرشي.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عاصم عن الشعبي قال " إذا أعتقت تحت حر فلها الخيار ".

ومن طريق معمر عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين إذا أعتقت عند حر فلها الخيار.

ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال: كان زوج بريرة حرا.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن حسين بن مسلم قال: إذا أعتقت عند حر فلها الخيار.

قال أبو محمد: واحتج من لم يوجب لها الخيار إلا تحت العبد: بما روينا من طريق البخاري، حدثنا قتيبة بن سعيد نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان زوج بريرة أسود يقال له مغيث عبدا لبني فلان كأني أنظر إليه وذكر باقي الخبر :، حدثنا يوسف بن عبد الله النمري، حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن وضاح نا يوسف بن عدي، حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب السختياني، وقتادة، كلاهما عن عكرمة، عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان عبدا حين أعتقت.

ومن طريق أبي داود، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين في قصة بريرة وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله ﷺ فاختارت نفسها ولو كان حرا لم يخيرها.

ومن طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم، هو ابن راهويه نا المغيرة بن سلمة، حدثنا وهيب عن عبيد الله بن عمر عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت " كان زوج بريرة عبدا ".

ومن طريق أحمد بن شعيب، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، هو ابن راهويه، حدثنا حماد بن مسعدة، حدثنا ابن موهب عن القاسم بن محمد، قال: كان لعائشة أم المؤمنين غلام وجارية، قالت: فأردت أن أعتقهما، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: ابتدي بالغلام قبل الجارية.

ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عبد الواحد، حدثنا مروان، حدثنا الليث، حدثنا عبيد الله بن أبي جعفر عن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري أنه حدثه: أن رجالا من أصحاب رسول الله ﷺ حدثوه أن رسول الله ﷺ قال: أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها. وقالوا: من طريق النظر: كل عقد نكاح صحيح فلا يجوز فسخه إلا بيقين. وقال أصحاب القياس منهم: إنما جعل لها الخيار لفضل الحرية على الرق فإذا ساواها فلا خيار لها هذا كل ما احتجوا به.

قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه: أما الآثار بأنه كان عبدا، فقد اختلف في ذلك عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كما أوردنا وإنما روى هذا الخبر عنها ثلاثة الأسود، وعروة، والقاسم:

فأما الأسود فلم يختلف عنه عن أم المؤمنين أنه كان حرا.

وأما عروة فروي عنه كما أوردنا أنه كان عبدا وقد روي عنه أيضا خلاف ذلك :، حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم، حدثنا جدي قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن يزيد المعلم، حدثنا موسى بن معاوية، حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين، قالت: كان زوج بريرة حرا فتعارضت الرواية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين.

وأما القاسم بن محمد فروينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن إسماعيل بن علية، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة، فذكرت أن زوج بريرة كان عبدا ثم قال عبد الرحمن بعد ذلك: ما أدري فاضطربت الرواية عن أم المؤمنين وبقيت رواية ابن عباس: أنه كان عبدا حين أعتقت وقد عارضتها الرواية عن أم المؤمنين أنه كان حرا حين أعتقت فتركنا الكلام في ذلك حتى نتكلم في: حديث عبيد الله بن أبي جعفر. وحديث ابن موهب عن القاسم بن محمد إن شاء الله عز وجل.

قال أبو محمد: أما الخبر الذي فيه: أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت، فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها فإنما هو من طريق حسن بن عمرو بن أمية وهو مجهول لا يعرف فسقط التعلق به. ثم لو صح لما كان فيه حجة أن لا تخير تحت حر، إنما فيه حكم عتقها تحت العبد فقط، وسكت فيه عن عتقها تحت الحر فإن صح في خبر آخر ما يوجب عتقها تحت الحر وجب المصير إليه.

وأما حديث ابن موهب عن القاسم بن محمد عن عائشة: أنه كان لها عبد وجارية فأمرها رسول الله ﷺ أن تبدأ في العتق بالغلام قبل الجارية فإنه خبر لا يصح:

روينا عن العقيلي، أنه قال وقد ذكر هذا الخبر فقال: هذا خبر لا يعرف إلا لعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب وهو ضعيف فسقط التعلق به:

قال أبو محمد: ثم لو صح لما كان فيه حجة، لأنه ليس فيه: أنهما كانا زوجين فإقحام القول بالدعوى كذب. ثم لو صح أنهما كانا زوجين، فليس فيه: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بذلك ليسقط خيار الزوجة وإقحام هذا في ذلك الخبر كذبة بائنة هذا عظيم لا يستجيزه من يهاب الكذب، لا سيما على رسول الله ﷺ فإنه يوجب النار. وقد يمكن لو صح الخبر أن يكون أمرها أن تبدأ بعتق العبد، لقول الله عز وجل {وللرجال عليهن درجة} لقوله تعالى حاكيا عن أم مريم {وليس الذكر كالأنثى} وللخبر الذي رويناه من طريق أبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط، أنه قال لكعب بن مرة أو مرة بن كعب: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله ﷺ فذكر كلاما، وفيه أيما امرئ أعتق مسلما وأيما امرأة أعتقت امرأة وأيما رجل أعتق امرأتين مسلمتين إلا كانت فكاكه من النار يجزي بكل عظم منها عظما من عظامه فالأجر في عتق الذكر مضاعف فسقط هذا الخبر جملة. ونحن نوقن بلا شك أنه عليه الصلاة والسلام لا يتحيل في إسقاط حق أوجبه ربه تعالى للمعتقة فبطل تعلقهم به بيقين لا إشكال فيه.

وأما قولهم: لا يحل فسخ عقد نكاح صحيح إلا بيقين فصدقوا، ولولا اليقين ما

قلنا به، وأما قول أصحاب القياس: إنما جعل لها الخيار تحت العبد لفضل الحرية على الرق فهذه دعوى كاذبة، لا يجدونها أبدا عن رسول الله ﷺ ونعوذ بالله من الإقدام على أن ننسب إلى رسول الله ﷺ ثم إلى الله تعالى أنه إنما فعل أمر كذا من أجل أمر كذا، مما لم يخبر الله تعالى به، ولا رسوله ﷺ ألا إن هذا لهو الكذب على الله تعالى، وعلى رسوله ﷺ بلا شك ونسأل الله العافية.

قال أبو محمد: فلم يبق إلا تعارض الرواية، عن ابن عباس: كان زوج بريرة عبدا إذ أعتقت، للرواية عن أم المؤمنين " كان زوج بريرة حرا إذ أعتقت ". وكلا الروايتين صحيحة، لا سيما رواية الأسود عن عائشة أم المؤمنين، وتعارض الرواية عن عروة في ذلك، وكل ذلك معارض لرواية القاسم، فوجدنا كل ذلك متفقا لا تكاذب فيه، وما دام يمكن تأليف روايات الثقات فلا يحل أن ينسب الكذب إلى بعضهم، أو الوهم. فاعلموا أن من قال: كان عبدا، ومن قال: كان حرا، يصح على أنه كان عبدا قبل ثم أعتق، فصار حرا، إلا أنه لا يخرج هذا في الرواية، عن ابن عباس: أنه كان عبدا حين أعتقت، لكنه يخرج على أنه كان يدريه عبدا، أو لم يعلم بحريته. وروت عائشة رضي الله عنها ما كان في علمها من الزيادة أنه كان حرا حين أعتقت وليس في رواية عثمان بن أبي شيبة: ولو كان حرا ما خيرها: أنه من كلام أم المؤمنين، وقد يمكن أن يكون من قول من دونها فإذ ذلك كذلك فلا يجوز أن ينسب إليها قول بظن، ولا يختلف مالكي، ولا شافعي، ولا حنبلي، ولا ظاهري، في أن عدلين لو شهدا بأن هذا نعرفه عبدا مملوكا، وشهد عدلان آخران: أننا ندريه حرا، فإن الحكم يجب بقول من شهد الحرية، لأنه شهد بفضل علم كان عنده. ثم ندع هذا كله، فنقول: هبكم أنه لم يرو أحد أنه كان حرا، بل لم يختلف الرواة في أنه كان عبدا حين أعتقت هل جاء قط في شيء من الأخبار الثابتة أن رسول الله ﷺ قال: إنما خيرتها؛ لأنها تحت عبد، ولو كان زوجها حرا ما خيرتها هذا أمر لا يجدونه أبدا عن رسول الله ﷺ لا في رواية صحيحة، ولا سقيمة، فإذ لا سبيل إلى وجود هذا أبدا فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام لما أعتقت بريرة خيرها في البقاء مع زوجها أو فراقه، فهذا لا شك فيه، فلا يجوز تعديه، ولا زيادة حكم فيه. ولا فرق بين من ادعى أنه عليه الصلاة والسلام إنما خيرها؛ لأنه كان عبدا، وبين آخر ادعى أنه لم يخيرها إلا لأنه كان أسود، وبين ثالث ادعى أن تخييرها إنما كان، لأن اسمه مغيث. وكل هذه ظنون كاذبة لا يحل القول بها، ولا الحكم بها، وإنما الحق أن المعتقة خيرها رسول الله ﷺ بين فراق زوجها، والبقاء معه، ولا مزيد، فواجب أن تخير كل معتقة، ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق.

ومما اختلف فيه: هل ينقطع خيارها بوطء زوجها لها أم لا فروينا من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب قال في أمر بريرة: إن غشيها زوجها فلا خيار لها وهذا منقطع.

ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سليمان بن يسار قال: أعتقت حفصة أم المؤمنين جارية يقال لها " زبراء " ثم قالت لها: اعلمي أنه إن وطئك فلا خيار لك وبه كان يقول سليمان بن يسار وصح عن قتادة، والزهري، ونافع مولى ابن عمر. وذهب آخرون إلى أنها إن وطئها وهي لا تعلم أن لها الخيار: لم يسقط بذلك خيارها، وإن علمت فقد سقط خيارها:

روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب قال: إذا جامعها بعد أن تعلم أن لها الخيار، فلا خيار لها وهذا منقطع.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرت عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن ابن عمر قال: إن أصابها وقد عرفت فليس لها خيار، وإن أصابها ولم تعرف فإن لها الخيار إذا علمت، وإن أصابها ألف مرة حتى يشهد العدول: أنها قد علمت: أن لها الخيار وهذا منقطع.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرت، عن ابن مسعود، أنه قال: إن أعتقت عند عبد ولم تعلم أن لها الخيار، أو لم تخير حتى عتق زوجها، أو يموت أو تموت: توارثا وهذا شديد الأنقطاع.

وبه يقول سعيد بن المسيب. وقول آخر، وآخر في درجة:

روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: إذا أعتقت وزوجها معها في مجلس وهي تعلم حتى تقوم فلا خيار لها، فإن ادعت: أنها لم تعلم استحلفت، ثم خيرت، قال سفيان :.

وبه يقول ناس أن لها الخيار أبدا حتى يقفها الإمام فيخيرها، بلغني هذا عنه

قال أبو محمد: فهذا سفيان الثوري يذكر مثل قولنا عمن معه، أو من قبله، وقد قال ابن مسعود كما أوردنا أنها قد تبقى معه، ولا تختار حتى يموت أو تموت.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: لها الخيار ما لم تعلم: فإذا علمت فلا خيار لها إلا ما دامت في المجلس، فوجدناهم يحتجون بالخبر الذي ذكرناه قبل: من طريق الحسن بن عمرو بن أمية وقد بينا سقوطه. وذكروا أيضا أثرا آخر: من طريق أبي داود، حدثنا عبد العزيز بن يحيى هو أبو الأصبغ الحراني حدثني محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر، وأبان بن صالح، وهشام بن عروة، قال أبو جعفر: إن بريرة، وقال أبان عن مجاهد: إن بريرة، وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: إن بريرة عتقت. ثم اتفقوا كلهم: أن رسول الله ﷺ: خيرها وقال لها: إن قربك فلا خيار لك

قال أبو محمد: أبو الأصبغ الحراني ضعيف منكر الحديث

قال أبو محمد: وقد صح أن رسول الله ﷺ جعل لها الخيار، فلا يجوز أن يسقطه وطؤه، ولا طول مقامه معها إذ لم يصح بذلك نص، ولا يبطل حكمه عليه الصلاة والسلام بالآراء، ولا حجة في أحد دونه عليه الصلاة والسلام وبالله تعالى التوفيق. .

وقال قوم: لا تخير المكاتبة إذا أعتقت. صح عن إبراهيم النخعي: إن أعانها زوجها في كتابتها فلا خيار لها. وصح عن الحسن: لا خيار للمكاتبة إذا أعتقت.

وهو قول عطاء، وأبي قلابة، والزهري. وصح، عن ابن سيرين، والشعبي. ورويناه عن جابر بن زيد: أن لها الخيار.

وبه يقول أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهم وبه نقول وقال سفيان الثوري: إن تزوجها بعد الكتابة فلا خيار لها، وإن تزوجها قبل الكتابة، أو كانت معه فلها الخيار.

قال أبو محمد: خير رسول الله ﷺ المعتقة، ولم يخص مكاتبة من غيرها، فلا يجوز أن يخص معتقة من معتقة. ومما اختلفوا فيه: هل اختيارها فراق زوجها فسخ أو طلاق فصح عن قتادة أنها واحدة بائنة ورويناه عن عمر بن عبد العزيز.

وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وأصحابهما، وعن عطاء أنها طلقة واحدة وصح أنه فسخ لا طلاق عن حماد بن أبي سليمان، وإبراهيم النخعي. ورويناه عن طاووس،

وهو قول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي سليمان، وأصحابهم.

قال أبو محمد: التسمية في الشريعة ليست إلا لرسول الله ﷺ ولم يسم رسول الله ﷺ قط فراق المعتقة لزوجها طلاقا، ولا جعل له من أحكام الطلاق غير العدة وحدها، فلا يحل تسميته طلاقا قال تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} فصح أنه ليس طلاقا، لكنه فراق، أو فسخ، أو نقض نكاح وكل اسم يعبر به عن بطلان عصمة النكاح فقط وبالله تعالى التوفيق. ومما اختلفوا فيه إن تخيرت قبل الدخول فراقه: ماذا لها من الصداق فقال قوم: لا صداق لها صح ذلك عن الزهري. وصح عن قتادة: لها نصف الصداق وقال أصحابنا: لها الصداق كله.

قال أبو محمد: إذ قد بينا أنه ليس طلاقا، فقد بطل قول من قال: لها نصف الصداق، لأن الله عز وجل لم يجعل لها نصف الصداق إلا في الطلاق قبل المس فقط. ووجدناه عز وجل قال: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}

فصح أن الصداق لها فلا يسقطه شيء، ولا شيئا منه إلا حيث أسقط الله عز وجل، النصف في الطلاق قبل المس، وما عدا ذلك فظلم لا شك فيه.

فإن قيل: إن رسول الله ﷺ قال: هو لها بما استحللت من فرجها.

قلنا: نعم، وعقد نكاحها استحلال لفرجها، ولم يقل عليه الصلاة والسلام إنه لها بوطئك لها، فوجب أن لها جميع الصداق.

وكذلك في كل منفسخة النكاح قبل الدخول بلعان، أو بأن تصير حريمته برضاع، أو بأن يطأها أبوه، أو جده، أو ابنه بجهالة، أو بزنى، أو بأن تسلم هي وهو كافر أو بأن يسلم هو وهي غير كتابية أو بأن ترتد هي، أو هو، أو كلاهما، أو بأن تموت هي، أو هو وقد اختلف في إسلامها دونه: فأبطل قوم صداقها بذلك وهذا عون للشيطان، وصد عن الإسلام وهل صداقها إلا كدين لها قبله من سائر ديونها، ولا فرق.

قال أبو محمد: ولا متعة لها في شيء من ذلك، لأن الله تعالى لم يجعل المتعة إلا في الطلاق فقط ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.

1951- مسألة: ومن كانت تحته أمة فملكها، أو بعضها قل الجزء الذي ملك منها أو كثر بأي وجه ملك ذلك، من ميراث؛ أو ابتياع، أو هبة؛ أو إجارة، أو غير ذلك، فقد انفسخ نكاحه منها إثر الملك بلا فصل، وسواء أخرجها عن ملكه إثر ذلك بعتق؛ أو غير ذلك، أو لم يخرجها.

وكذلك من كانت متزوجة بعبد فملكته، أو بعضه، بأي وجه ملكت ذلك من وجوه الملك: فقد انفسخ نكاحها منه بلا فصل، وسواء أخرجته عن ملكها إثر ذلك بعتق أو غير ذلك، أو لم تخرجه. فلو ملك الأمة ابن زوجها، أو أبو زوجها، أو أم زوجها؛ أو عبد زوجها، أو ملك العبد أبو امرأته، أو ابنها؛ أو أمها؛ أو عبدها، أو أبوها لم ينفسخ النكاح بشيء من ذلك.

وكذلك لو ابتدأ الرجل نكاح أمة أبيه التي لم تحل لأبيه قط، أو أمة ابنه التي لم تحل لأبنه قط، أو أمة أمه، أو أمة ابنته، أو أمة أمته، أو أمة عبده، أو ابتدأت امرأة نكاح عبد أبيها، أو عبد ابنها، أو عبد أمها، أو عبد ابنتها، أو عبد عبدها، أو عبد أمتها: لكان كل ذلك حلالا جائزا.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} فلم يبح الله تعالى إلا زوجة، أو ملك يمين وفرق بينهما. وكل اسمين فرق الله عز وجل بينهما، فلا يجوز أن يقال: هما شيء واحد إلا بنص يوجب ذلك، أو ضرورة توجبه، ولا نص هنا، ولا ضرورة توجب وقوع اسم الزوجة، واسم ملك اليمين على امرأة واحدة لرجل واحد. وبهذا الأستدلال حرم على الرجل أن يتزوج أمته دون أن يعتقها، أو يخرجها عن ملكه وحرم على المرأة أن تتزوج عبدها دون أن تعتقه، أو تخرجه عن ملكها وكذلك محال أن يكون بعضها زوجة له، وبعضها ملك يمين له، لما ذكرنا من الآية. فإذ قد صح ما ذكرنا فقد وجب أن الملك ينافي الزوجية، فلا يجوز أن يجتمعا، فوجب من هذا أنه إذا ملكها، أو بعضها، فهي ملك يمين له، أو بعضها، فلا يكون زوجا لها، ولا يكون بعضها زوجة له فصح انفساخ النكاح بلا شك.

وكذلك قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} إلى قوله: {أو ما ملكت أيمانهن} ففرق عز وجل بين الزوج وبين ملك يمين المرأة، فوجب أن لا يكون ملك يمينها زوجها أصلا وبالله تعالى التوفيق.

وروينا من طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن مكحول في امرأة ورثت زوجها وهو عبد عن بعض ولدها قال: لا تحل له وقال علي بن أبي طالب: يؤمر بطلاقها. وقد صح عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وإبراهيم النخعي: إن أعتقته بعد أن ملكته فهما على نكاحهما.

قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه لو كان ذلك لكان النكاح صحيحا ولو طرفة عين ولو صح طرفة عين لصح بعد ذلك وأمة الأبن ليست أمة لأبيه، ولا لأبنه، لأن الله تعالى قال: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فلو كانت أمة الولد لأبيه لكانت حراما على الولد وهكذا نقول في أمة العبد وعبد الأمة لا يكون شيء من ذلك ملكا للسيد إلا أن ينتزع ذلك من ملك العبد فيصير ملكا له حينئذ. فإن احتج محتج بالخبر الثابت عن رسول الله ﷺ: أنت ومالك لأبيك.

قلنا: هذا منسوخ بالمواريث وبالآية التي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق. كمل كتاب النكاح، والحمد لله رب العالمين.

1952 - مسألة: ولا عدة في شيء من وجوه الفسخ الذي ذكرنا إلا في الوفاة وفي المعتقة التي تختار فراق زوجها، لأمر رسول الله ﷺ لهما بالعدة، ولم يأمر غيرهما بعدة، ولا يجوز أمرها بذلك؛ لأنه شرع لم يأذن به الله تعالى. ولا يجوز قياس الفسخ على الطلاق، لأنهما مختلفان، لأن الطلاق لا يكون إلا بلفظ المطلق واختياره، والفسخ يقع بغير لفظ الزوج أحب أم كره فكيف والقياس كله باطل.

وروينا من طريق البخاري، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج قال: قال عطاء، عن ابن عباس: كانوا إذا هاجرت امرأة من دار الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح. فهذا ابن عباس يحكي: أن هذا فعل الصحابة جملة فلا يجوز خلافه، وبذلك جاء النص، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} إلى قوله {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن}، فلم يوجب عز وجل عليهن عدة في انفساخ نكاحهن من أزواجهن الكفار بإسلامهن وبالله تعالى التوفيق.