→ بقية كتاب النكاح (مسألة 1881 - 1887) | ابن حزم - المحلى بقية كتاب النكاح (مسألة 1888 - 1889) ابن حزم |
بقية كتاب النكاح (مسألة 1890 - 1892) ← |
بقية كتاب النكاح
1888 - مسألة: ومن تزوج مملوكة لغيره بإذن السيد أو بغير إذنه سواء ادعت أنها حرة أو لم تدع، فكل ما ولدت منه فهم عبيد لسيدها لا يجبر على قبول فداء فيهم، إلا أن ما كان من ذلك بغير إذن سيدها، فعليها حد الزنا وليس نكاحا والولد لاحقون بالرجل إن كان جاهلا.
وقال أبو حنيفة: من تزوج امرأة على أنها حرة فوجدت مملوكة وقد ولدت منه أولادا فأولاده منها أحرار، وعليه قيمة الأحياء منهم يوم الحكم ويرجع بما غرم من ذلك على من غره، إن كان غره غيرهما، أو عليها إن كانت هي غرته، وعليه صداقها لسيدها، ولا يرجع به على من غره، ولا عليها، ولا شيء عليه فيمن مات منهم، إلا أن يكون قتل فأخذ الأب ديته، فإن كان الأب معسرا فلا شيء عليه، ولا على أولاده.
وقال مالك: هم أحرار وعلى أبيهم قيمة الأحياء منهم يوم الحكم، ولا شيء عليه فيمن مات منهم قبل ذلك، فإن مات الأب قبل الحكم فلا شيء على الأولاد وهم أحرار وقال مرة أخرى: عليهم قيمة أنفسهم، وكذلك إن كان أبوهم عديما.
وقال الشافعي: هم أحرار وعلى أبيهم قيمتهم يوم ولدوا، سواء من مات منهم ومن عاش.
قال أبو محمد: اعجبوا لما في هذه الأقوال من الفضائح لا يمكن ألبتة أن تكون الأولاد إلا أحرارا أو مماليك، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فلعمري لئن كانوا أحرارا مذ ولدوا فما يحل لسيد أمهم أخذ قيمة حر، ولا يحل أن يغرم أبوهم في قيمتهم ثمنا أصلا.
روينا من طريق البخاري، حدثنا بشر بن مرحوم، حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ، أنه قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة فذكر فيهم: ورجل باع حرا فأكل ثمنه. وإن كانوا مماليك فما يحل لأحد إجبار إنسان على بيع مماليكه بغير نص من قرآن، أو سنة عن رسول الله ﷺ ثم عجب آخر وهو إلزامه قيمة الأحياء منهم دون من مات منهم، ثم ارتجاعه بما غرم على من غره من قيمة الأولاد، ولا يردونه بما غرم من الصداق فأتوا بغريبة، قالوا: لأنه قد استعاض بعضها .
فقلنا: وقد استعاض أولادا أحرارا، فلا تردوه على من غره بذلك.
قال أبو محمد: وقد جاءت عن السلف في هذا آثار:
روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد قال: باع رجل جارية لأبيه فتسراها المشتري فولدت له أولادا فجاء أبوه فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فردها وولدها إليه، فقال المشتري: دع لي ولدي فقال: دع له ولده. ورويناه بلفظ يدل على أن عمر قضى بالخلاص على البائع.
كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم قال أنا حميد الطويل عن الحسن أن رجلا باع جارية لأبيه وأبوه غائب، فلما قدم أبى أن يجيز بيع ابنه وقد ولدت من المشتري فاختصموا إلى عمر بن الخطاب فقضى للرجل بجاريته وأمر المشتري أن يأخذ بيعه بالخلاص فلزمه فقال أبو البائع: مره فليخل، عن ابني فقال عمر: وأنت فخل، عن ابنه.
قال أبو محمد: هذه شفاعة من عمر رضي الله عنه لأنه قد قضى له بملكهم أو قضى منه بالخلاص.
وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن قاسم بن محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الأعلى، هو ابن عبد الأعلى التغلبي نا سعيد، هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو قال: إن أمة أتت طيئا فزعمت أنها حرة، فتزوجها رجل منهم، فولدت له أولادا، ثم إن سيدها ظهر عليها، فقضى لها عثمان بن عفان أنها وأولادها لسيدها، وأن لزوجها ما أدرك من متاعه، وجعل فيهم الملة أو السنة كل رأس برأسين قال قتادة: وكان الحسن يقول: في كل رأس رأس.
ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة أن امرأة باعت هي وابن لها جارية لزوجها، فولدت الجارية للذي ابتاعها، ثم جاء زوجها فخاصم إلى علي بن أبي طالب وقال: لم أبع ولم أهب، فقال له علي: قد باع ابنك وامرأتك فقال: إن كنت ترى لي حقا فأعطني.
قال علي: فخذ جاريتك وابنها، ثم سجن المرأة وابنها حتى تخلصا له، فلما رأى ذلك الزوج سلم البيع: فهؤلاء عمر، وعثمان، وعلي أئمة الهدى قد قضوا بأولاد المستحقة رقيقا لسيد أمهم، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة، رضي الله عنهم ،. إلا رواية ساقطة عن علي رويناها من طريق ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن مطرف عن الشعبي عن علي في رجل اشترى جارية فولدت منه أولادا ثم أقام رجل البينة أنها له، قال: ترد عليه، ويقوم عليه ولدها فيغرم الذي باعه بما عز وهان، وابن عياش ضعيف وهم يشنعون خلاف مثل هذا إذا وافق أهواءهم، وقد خالفوهم ههنا.
وأما نحن فلا نحتج ههنا، ولا في غير هذا المكان جملة إلا بقرآن، أو سنة عن رسول الله ﷺ وإنما نورد ما نورد من ذلك تبكيتا لمن يحتج به إذا وافق هواه، ولا يحتج به إذا خالفه، وهذا هو التلاعب بالدين.
وقال عز وجل: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}.
وقال رسول الله ﷺ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام وجاء حكم رسول الله ﷺ وكل من بعده بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام بأن ولد ما يملكه المرء من إناث الإماء وسائر الحيوان فإنه ملك لمالك أمه. فنسأل المخالفين عن هذه الغارة أو المبيعة بغير إذن مالكها: أهي زوجة للذي ولدت له، أو ملك يمين له، أم ليست له زوجة، ولا ملك يمين، ولا بد له من أحدهما. فلا يختلفون أنها ليست له زوجة، ولا ملك يمين، وأنها إنما هي ملك يمين مالكها الذي لم يبعها، ولا أخرجها عن ملكه، ولا أذن لها في النكاح، وأنها مال من ماله فإذ لا شك في هذا، فلا يجوز لأحد الحكم بإخراج أمته أو مماليكه بما ولدت عن يده بغير قرآن أو سنة، وهذا غاية البيان. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: وقد جاء عن الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين أشياء نذكر منها إن شاء الله عز وجل ما يصلح لهذا المكان:
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال لي عمر بن الخطاب: اعقل عني ثلاثا: الإمارة شورى، وفي وفد العرب مكان كل عبد عبد، وفي ابن الأمة عبدان.
قال أبو محمد: هذا في الصحة عن عمر رضي الله عنه بمنزلة ما لو سمعناه منه، ولا فرق وبالله لو ظفروا خصومنا بمثل هذا ما ترددوا، ولاستخاروا الله تعالى لو وافق تقليدهم أن يقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، فلا شك في أنه توقيف، كما قالوا في قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في ابتياع زيد بن أرقم العبد وبيعه.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عون عن غاضرة العنبري قال: أتينا عمر بن الخطاب في نساء سعين في الجاهلية، فأمر أن يقوم أولادهن على آبائهم، ولا يسترقوا يعني إماء زنين في الجاهلية فولدن من الزنا.
ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: قضى عمر بن الخطاب في فداء ولد الرجل من أمته قوم مكان كل جارية جارية، ومكان كل غلام غلاما. قال ابن وهب: وأخبرني مالك أنه بلغه ذلك عن عمر أو عن عثمان؛ ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قضى عمر بن الخطاب في فداء سبي العرب بستة فرائض وقضى عمر بن عبد العزيز في ذلك في كل رأس أربعمائة درهم.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن عمر بن الخطاب قضى في فداء سبي العرب في كل رأس أربعمائة درهم ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: سمعت سليمان بن موسى يذكر أن عمر بن الخطاب قضى في ولد الأمة تخبر أنها حرة فينكحها أحدهم فتلد له: أن على آبائهم مثل كل ولد له من الرقيق في الشبر والذرع، قال ابن جريج: فقلت له: فإن كان أولاده حسانا قال: لا يكلف مثلهم في الحسن، إنما يكلف في الذرع. حدثنا حمام، حدثنا ابن مفرج، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا الدبري، حدثنا عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة قال: نكح رجل أمة فولدت له، فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب: أن يفادي أولاده. قال ابن مفرج في غير كتاب ابن الأعرابي: بوصيفين أحمرين، كل واحد باثنين. فهؤلاء كلهم لا يرون الفداء، إلا إما بغلام مكان الذكر، أو بجارية مكان الأنثى، وأما بغلامين مكان غلام ذكر.
وروينا عن عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء في ولد الغارة يقارب أبوهم فيهم.
ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن كثير عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم في الغارة قال: صداقها على الذي غره. وقال حمام بن أبي سليمان مثل ذلك. وقال الحكم فكاك ولدها على الأب، ولا نعلم عن صاحب، ولا تابع غير ما أوردنا فخالف الحنفيون، والمالكيون، والشافعيون، كل هؤلاء، لأختراع لهم فاسد، وبإيجاب القيمة التي لم تأت من أحد نعلمه قبل أبي حنيفة، ثم اتبعه مالك، والشافعي. وقد جاء في ذلك أثران نذكرهما:
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن زكريا، هو ابن أبي زائدة عن الشعبي قال: قضى رسول الله ﷺ في سبي العرب في الجاهلية أن فداء الرجل ثمان من الإبل، وأن في الأنثى عشرا، قال سفيان: فأخبرني مجالد عن الشعبي أن ذلك شكا إلى عمر بن الخطاب، فجعل فداء الرجل أربعمائة درهم.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قضى النبي ﷺ في فداء رقيق العرب من أنفسهم في الرجل إذا سبي في الجاهلية بثمان من الإبل، وفي ابن الأمة بوصيفين وصيفين، لكل إنسان منهم ذكر وأنثى. وقضى في سبية الجاهلية بعشر من الإبل، وفي ولدها من العبد بوصيفين يفديه موالي أمه وهم عصبتها لهم ميراثها وميراثه، ما لم يعتق أبوه. وقضى في سبي الإسلام بستة من الإبل في الرجل والمرأة والصبي فذلك فداء العرب. فإن تعلقوا بما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر عياش قال: أبو حصين عن الشعبي لما استخلف عمر بن الخطاب قال: ليس على عربي ملك، ولسنا بنازعين من يد أحد شيئا أسلم عليه، ولا كنا نقومهم الملة
قلنا: أنتم أول مخالف لهذا، فتوجبون الملك للعلج على أولاد العربي، والقرشي، إذا تزوج أمته بإذنه، ولا يمكنكم دعوى إجماع ههنا، لأن سعيد بن المسيب والأوزاعي، وسفيان الثوري، وأبا ثور، وإسحاق بن راهويه، كلهم يقول عن عمر: في العبد يتزوج أمة رجل بإذن سيدها: أن أولاده منها أحرار لا رق عليهم، ولا على أبيهم فداؤهم.
وهو قول الشافعي بالعراق.
قال أبو محمد: إن من تعلق في رد السنة الثابتة برواية شيخ من بني كنانة عن عمر: البيع عن صفقة أو خيار. وبرواية مجالد عن الشعبي لا يؤمن أحد بعدي جالسا. ثم خالف رواية سفيان بن عيينة عن زكريا عن الشعبي التي ذكرنا، ورواية ابن طاووس عن أبيه، عن ابن عباس عن عمر ومرسل عكرمة: لمنحوس الحظ من الصواب ونعوذ بالله من الضلال. ومن طرائف ما يأتون به: احتجاجهم في هذه المسألة: بأنه إنما أعتق " ولد الغارة، والمستحقة " لأن أباهم على ذلك دخل .
فقلنا: إن هذا لعجب فكان ماذا وفي أي كتاب الله عز وجل وجدتم أم في أي سنة رسول الله ﷺ أن يخرج ملك فرج، وما ولد، عن ملك مالكهم قهرا من أجل أن الواطئ له بغير حق على ذلك دخل، فحسبك بهذا القول هجنة وبالله تعالى نتأيد.
1889 - مسألة: ولا يحل للمرأة التبرج، ولا التزين للخروج إذا خرجن لحاجة
قال الله عز وجل: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
وقد ذكرنا في " كتاب الصلاة " أمر النبي ﷺ إذا خرج النساء إلى الصلاة أن يخرجن تفلات.