→ بقية كتاب النكاح (مسألة 1898 - 1902) | ابن حزم - المحلى بقية كتاب النكاح (مسألة 1903) ابن حزم |
بقية كتاب النكاح (مسألة 1904 - 1907) ← |
بقية كتاب النكاح
أحكام العنين
1903 - مسألة: ومن تزوج امرأة فلم يقدر على وطئها سواء كان وطئها مرة أو مرارا أو لم يطأها قط فلا يجوز للحاكم، ولا لغيره أن يفرق بينهما أصلا، ولا أن يؤجل له أجلا، وهي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك. وفي هذا خلاف قديم وحديث .
وروينا عن عثمان بن عفان أنه أمره بفراقها دون توقيف، ولا تأجيل وهو منقطع: سليمان بن يسار أن عثمان.
وروينا من طريق أبي عبيد، حدثنا يزيد بن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه حضر سمرة بن جندب قد شكت إليه امرأة أن زوجها لا يصل إليها: فكتب في ذلك سمرة إلى معاوية، فكتب إليه معاوية: أن يزوجه امرأة ذات جمال ودين ويدخله عليها، ثم يسألها فإن ذكرت أنه لا يطؤها أمره بفراق التي شكت به، ففعل فحكت: أنه لا يجامع، فأمره بفراقها وقول ثالث صح من طريق شعبة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي، قال في العنين يؤجل، قلت: كم يؤجل قال: يؤجل، فكلما كرر عليه: كم يؤجل لم يزده على: يؤجل وقول رابع رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أجل رجلا لم يستطع أن يأتي امرأته عشرة أشهر وقول خامس رويناه من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب جعل للعنين أجل سنة، وأعطاها صداقها وافيا
وروينا عن عمر بن الخطاب، أنه قال: إن لم يصبها في السنة فرق بينهما، ولا يصح عن عمر هذا أصلا، لأنها إما عن ضعفاء، وأما منقطعة ومن جملتها أن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود قضيا في العنين: أن ينتظر به سنة ثم تعتد بعد السنة عدة المطلقة، وهو أحق بأمرها في عدتها وعن ابن مسعود أيضا تؤجل سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينه وبين امرأته، ولا يصح وروينا أيضا عن المغيرة بن شعبة: أنه يؤجل سنة ثم يفرق بينهما، ولها الصداق، وعليها العدة، ولا يصح ذلك وعن علي أيضا أنه أجله سنة ثم فرق بينهما، ولا يصح ذلك وصح عن الحسن البصري، وإبراهيم النخعي: يؤجل سنة، ولها الصداق كاملا وصح عن سعيد بن المسيب أنه يؤجل سنة، فإن مسها وإلا فرق بينهما.
وروي هذا عن القضاة هكذا جملة، وربيعة، وشريح القاضي، وعمرو بن دينار، وحماد بن أبي سليمان وهو قول الأوزاعي، والليث، والحسن بن حي، وأبي حنيفة ومالك، والشافعي، وأصحابهم ثم اختلفوا، فقال أبو حنيفة: هذا إن صدقها،
وأما إذا خالفها، فإن كانت بكرا نظر إليها النساء، وإن كانت ثيبا، فالقول قول الزوج، ولا يؤجل لها، ولا يفرق بينهما.
وقال المالكيون: القول قوله مع يمينه إن ادعى أنه يطؤها.
وقال الشافعي: القول قول الزوج مع يمينه، فإن نكل حلفت هي، وفرق بينهما، وإن قال النساء: هي بكر حلفت مع ذلك وفرق بينهما، فإن نكلت حلف هو وبقيت معه ثم اختلفوا: فقال هؤلاء: إن كان قد وطئها ولو مرة فلا كلام لها، ولا يؤجل لها وقال أبو ثور: متى عن عنها أجل سنة ثم فرق بينهما وإن كان قد وطئها قبل ذلك
وروي عن طائفة مثل قولنا:
كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أن رجلا زوج ابنته من ابن أخ له وكان عنينا، فقال له عمر: قد آجرك الله ووفر لك ابنتك
ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي، قال: سمعت هانئ بن هانئ قال: رأيت امرأة جاءت إلى علي بن أبي طالب فقالت: هل لك في امرأة ليست بأيم، ولا بذات بعل قال: وجاء زوجها فقال: لا تسأل عنها إلا مبيتها فقال له علي: ألا تستطيع أن تصنع شيئا قال: لا، قال: ولا من السحر قال: لا، قال له علي: هلكت وأهلكت أما أنا فلست مفرقا بينكما اتقي الله واصبري
ومن طريق سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، حدثنا أبو إسحاق عن هانئ بن هانئ قال: كنت عند علي بن أبي طالب، فقامت إليه امرأة فقالت: له: هل لك إلى امرأة، ولا أيم، ولا ذات بعل قال: وأين زوجك فقالت: هو في القوم فقام شيخ يجنح فقال: ما تقول هذه المرأة قال: سلها هل تنقم في مطعم أو ثياب.
فقال علي: فما من شيء قال: لا، قال: ولا من السحر قال: لا، قال: هلكت وأهلكت قالت فرق بيني وبينه قال اصبري، فإن الله تعالى لو شاء لابتلاك بأشد من ذلك ومن طريق أبي عبيد، حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر بن أبي نجيح عن مجاهد :، أنه قال في الرجل يتزوج المرأة، ثم يعرض له الداء قال: هي امرأته لا تنزع منه وروي عن الحكم بن عتيبة: أنها امرأته، لا تؤجل له، ولا يؤجل لها، ولا يفرق بينهما.
وبه يقول أبو سليمان، وأصحابنا.
قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى مثل قول عثمان: أنه أمره بفراقها دون توقيف بخبر رويناه من طريق أبي داود، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي ﷺ عن عكرمة، عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة وإخوته، ونكح امرأة من مزينة، فجاءت النبي ﷺ فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت رسول الله ﷺ حمية: فذكر الحديث وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام قال له: طلقها ففعل، قال: راجع امرأتك أم ركانة وإخوته فقال: إن طلقتها ثلاثا يا رسول الله، قال: قد علمت، أرجعها وتلا يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحتجوا بفعل عثمان، وقالوا: إنما تزوجته للوطء، فإذا عدمته فهو ضرر بها، والضرر ممنوع لا حجة لهم غير ما ذكرنا.
قال أبو محمد: أما الخبر فضعيف، لأنه عمن لم يسم، ولا عرف من بني أبي رافع فهو لا يصح، وأيضا فإن عبد يزيد لم تكن له قط متيقن، ولا إسلام، وإنما الصحبة لركانة ابنه فسقط التمويه به وأما فعل عثمان؛ فقد قلنا: إنه لا يصح عنه، وقد جاء عن غيره من الصحابة، رضي الله عنهم، خلاف ذلك، فليس الأحتجاج ببعضهم أولى من الأحتجاج بآخر منهم وأما قولهم: إنما نكحته للوطء فعدمه ضرر عليها فنعم، إن الممتنع من ذلك وهو قادر عليه وجل فواجب منعه من ذلك، وأما العاجز فقد قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فوجب أن لا يكلف العنين ما لا يقدر عليه وأما قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، في تأجيل السنة، ثم التفريق بينهما، فقول فاسد، لا دليل على صحته، لا من قرآن، ولا من سنة صحيحة، ولا سقيمة، ولا من شيء يصح عن أحد من الصحابة، ولا من قياس، ولا من رأي له وجه يعقل أما الرواية عن عمر فلا تصح، لأنها مرسلة إما من طريق سعيد بن المسيب عن عمر، ولا سماع له من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن وعن الشعبي، والحسن عن عمر ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر، ولا ولد الحسن إلا لعامين بقيا من حياة عمر وعن عبد الكريم، وعطاء عن عمر ولم يولد إلا بعد موت عمر وعن يحيى بن سعيد ولم يولد إلا بعد موت عمر بنحو خمس وعشرين سنة وعن يحيى بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو مجهول.
وقد روينا عن عمر من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم أنا عبد الله بن عون، عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب بعث رجلا على السقاية فتزوج امرأة وكان عقيما فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم قال: لا، قال: فانطلق فأعلمها ثم خيرها وروي أيضا أنه رضي الله عنه أجل مجنونا سنة، فإن أفاق وإلا فرق بينه وبين امرأته وهم يخالفون عمر في ذلك، فمن أين وجب تقليده في العنين دون العقيم والمجنون وأما الرواية، عن ابن مسعود فإنما جاءت من طريق عبد الكريم الجزري ولم يولد إلا بعد موت ابن مسعود أو من طريق حصين بن قبيصة وهو مجهول وأما الرواية عن علي فمن طريق يزيد بن عياض بن جعدبة، وهو مذكور بالكذب ووضع الحديث ومن طريق الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث جملة هالك ومن طريق الضحاك بن مزاحم وهو لا شيء
وأما الرواية عن الصحابة جملة فمن طريق شريك وهو مدلس عن جابر الجعفي وهو كذاب مشهور بذلك، فاسد الدين، يقول بالرجعة وأما الرواية عن المغيرة بن شعبة فمن طريق أبي طلق العائدي، وأبي النعمان وهما مجهولان لا يدريهما أحد وعن الحجاج بن أرطاة وهو ساقط وجل عن رجل لا يعرف اسمه، ولا يدري من هو عن حنظلة بن نعيم وهو مجهول فسقط كل ما تعلقوا به ثم لو صح كل ذلك لكان قد روي عن عثمان، وعلي، وسمرة ومعاوية: خلاف ذلك، وليس بعضهم أولى بأخذ قوله من بعض وأيضا فإن في الرواية عن عمر، وابن مسعود: أن عليها العدة وهو أملك بها ما دامت في عدتها وهم لا يقولون بذلك وأيضا فليس عن أحد من المذكورين: أنه إن وطئها مرة واحدة، فلا كلام لها، ولا توقيف وصح أنهم مخالفون لكل من روي عنه في ذلك كلمة من الصحابة، رضي الله عنهم، ولا متعلق لهم بضرر فقد الجماع، لأنها إذا كلفوها صبر سنة، فلا فرق بين صبر سنة وبين صبر سنتين، وهكذا ما زاد ثم أشد ذلك قولهم: إن وطئها مرة في الدهر فلا كلام لها والضرر في ذلك أشد منه في التي لم يطأها قط، من قال غير هذا فقد جاهر وكابر الضرورة والحس.
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا: هو أن كل نكاح صح بكلمة الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ فقد حرم الله تعالى بشرتها وفرجها على كل من سواه، فمن فرق بينهما بغير قرآن أو سنة ثابتة فقد دخل في صفة الذين ذمهم الله تعالى بقوله: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} ونعوذ بالله من هذا وقد صح عن رسول الله ﷺ مثل قولنا:
كما روينا من طريق مسلم، حدثنا أبو الطاهر، وحرملة بن يحيى، واللفظ له قال :، أخبرنا ابن وهب: أخبرني يونس، هو ابن يزيد عن الزهري ني عروة بن الزبير: أن عائشة زوج النبي ﷺ أخبرته: أن رفاعة القرظي طلق امرأته فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، إنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها فتبسم رسول الله ﷺ ضاحكا، وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وذكر الحديث
قال أبو محمد: فهذه تذكر: أن زوجها لم يطأها، وأن إحليله كالهدبة، لا ينتشر إليها وتشكو ذلك إلى رسول الله ﷺ وتريد مفارقته فلم يشكها، ولا أجل لها شيئا، ولا فرق بينهما وفي هذا كفاية لمن عقل فاعترض بعض المخالفين في هذا الأثر الصحيح بآثار واهية: أحدها من طريق ابن نافع عن مالك عن المستورد بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته على عهد رسول الله ﷺ ثلاثا فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يغشاها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول فقال النبي ﷺ لا يحل لك حتى تذوقي عسيلته
قال أبو محمد: وهذا منقطع لا حجة فيه، ثم عن المستورد بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن وهما مجهولان وهو خبر غير معروف عن مالك، ثم لو صح لما كان فيه اعتراض على الخبر الذي احتججنا به، لأننا لا ننكر أن يطلقها عبد الرحمن مختارا، فبطل تمويههم به جملة والخبر الثاني رواه ابن قانع راوي كل بلية عن يحيى بن محمد البختري الذي لا يعرف من هو عن هدبة بن خالد عن وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة " أن امرأة رفاعة جاءت إلى النبي ﷺ وذكر الحديث، إلى قوله فلا تحلين له حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فقالت: يا رسول الله إنه قد جاءني هبة واحدة ورويناه أيضا من طريق ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بحديث امرأة رفاعة القرظي، فذكرت فيه أنها قالت: فإنه يا رسول الله قد جاءني هبة "
قال أبو محمد: عبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف، ثم لو صح كل هذا لكان لا متعلق لهم فيه، لأنه ليس في شيء من هذين الخبرين الساقطين " أن رسول الله ﷺ قال: إنه إنما أسقط التأجيل، أو التفريق من أجل تلك الهبة، ولا أن عائشة قالت ذلك " فصح أنها كهانة كاذبة على رسول الله ﷺ وإنما جاء لفظ الهبة صحيحا في حديث: رويناه من طريق البخاري، حدثنا محمد، حدثنا أبو معاوية هو الضرير، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت طلق رجل امرأته فتزوجت زوجا غيره فطلقها، وكانت معه مثل الهدبة، فلم تصل منه إلى شيء تريده، فلم تلبث أن طلقها، فأتت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن زوجي طلقني، وإني تزوجت زوجا غيره فدخل بي ولم يكن معه إلا مثل الهدبة، فلم يقربني إلا هبة واحدة، ولم يصل مني إلى شيء، أفأحل لزوجي الأول فقال رسول الله ﷺ لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته
قال أبو محمد: ونحن لا نمنع أن يطلقها العنين إن شاء، إنما نمنع وننكر أن يفرق بينهما على كره، أو أن يؤجل عاما، ثم يفرق بينهما، فهذا هو الباطل الذي لم يصح قط عن أحد من الصحابة، رضي الله عنهم،، لا، ولا جاء قط في قرآن، ولا سنة، ولا في رواية فاسدة، ولا أوجبه قياس، ولا معقول فإن قالوا: قد أمر الله عز وجل في الإيلاء بالتوقيف ثم الإجبار على الفيئة أو الطلاق.
قلنا: نعم، أربعة أشهر، فأين السنة وأين التفريق ثم أنتم أول من لا يقيس على المؤلي من امتنع من وطء امرأته عامدا من غير إيلاء بيمين فلا توقفونه، ولا تؤجلونه فظهر فساد كل ما تعلقوا به، وفساد قولهم جملة، وقد ذكرنا من روي عنه من الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين والحمد لله رب العالمين.