الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثانية والثلاثون

بقية كتاب النكاح

فسخ نكاح المفقود

1945 - مسألة: ومن فقد فعرف أين موضعه، أو لم يعرف في حرب فقد، أو في غير حرب وله زوجة أو أم ولد وأمة ومال: لم يفسخ بذلك نكاح امرأته أبدا، وهي امرأته حتى يصح موته أو تموت هي، ولا تعتق أم ولده، ولا تباع أمته، ولا يفرق ماله، لكن ينفق على من ذكرنا من ماله. فإن لم يكن له مال بيعت الأمة، وقيل للزوجة، ولأم الولد: انظرا لأنفسكما، فإن لم يكن لهما مال مكتسب أنفق عليهما من سهم الفقراء والمساكين من الصدقات كسائر الفقراء، ولا فرق. وقد اختلف الناس في ذلك: فصح عن عمر بن الخطاب، أنه قال: امرأة المفقود تعتد أربع سنين من طرق: منها من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول، وسليمان التيمي، قال عاصم عن أبي عثمان النهدي عن عمر، وقال سليمان عن أبي عمرو الشيباني عن عمر، وكلاهما أدرك عمر وسمع منه.

ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، حدثنا خالد الحذاء عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عمر خير مفقودا تزوجت امرأته بينها وبين المهر الذي ساقه إليها.

قال أبو محمد: إنما أوردنا هذا ليصح سماع عبد الرحمن لذلك من عمر:

ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلا فقدته امرأته فأتت عمر بن الخطاب بعد أربع سنين فسأل قومها فصدقوها، فأمرها أن تعتد أربع سنين من ذي قبل ثم تزوجت، فجاء زوجها وذكر الخبر. قال: فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته فاختار الصداق.

ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن امرأة فقدت زوجها فأتت عمر فسأل جيرانها وقومها فصدقوها، فقال لها: اعتدي أربع سنين وتزوجي، فجاء زوجها بعد ذلك، فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: فقدت امرأة زوجها فمكثت أربع سنين، ثم ذكرت أمرها لعمر بن الخطاب، فأمرها أن تتربص أربع سنين من حين رفعت أمرها إليه، فإن جاء زوجها وإلا تزوجت فتزوجت بعد أن مضت السنوات الأربع ولم تسمع له بذكر ثم جاء زوجها فأخبر بالخبر، فأتى إلى عمر فقال له عمر: إن شئت رددنا إليك امرأتك، وإن شئت زوجناك غيرها قال: بل زوجني غيرها.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلا من الأنصار خرج ليلا فاستبته الجن فطالت غيبته، فأتت امرأته عمر بن الخطاب فأخبرته فأمرها أن تعتد أربع سنين، ففعلت فأمرها أن تتزوج ففعلت ,. وقدم زوجها الأول فخيره عمر بين امرأته وبين الصداق فاختار امرأته، ففرق عمر بينهما وردها إليه.

قال أبو محمد: هذا الذي لا يصح عن عمر غيره أصلا، وهو أن تبتدئ بتربص أربع سنين من حين ترفع أمرها إلى الإمام، فإذا أتمت الأربع سنين تزوجت إن شاءت فإن جاء زوجها وقد تزوجت فهو مخير بين صداقها الذي أعطاها، وبين أن ترد إليه امرأته ويفسخ نكاح الآخر، أو يزوجه الإمام زوجة أخرى.

وروينا نحو هذا، عن ابن عباس؛ وابن عمر من طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد، عن ابن عباس وابن عمر؛ قالا جميعا: في امرأة المفقود: تنتظر أربع سنين قال ابن عمر: ينفق عليها فيها من مال زوجها، لأنها حبست نفسها عليه قال ابن عباس: إذا يجحف ذلك بالورثة، ولكن تستدين، فإن جاء زوجها أخذت من ماله، فإن مات قضت من نصيبها من الميراث ثم قالا جميعا ينفق عليها بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشرا من جميع المال.

قال أبو محمد: هذا صحيح، عن ابن عباس، وابن عمر.

وروي عن عمر غير هذا من طريق لا تصح فيها الحجاج بن أرطاة أن عمر أمر امرأة المفقود أن تتربص أربع سنين من حين ترفع أمرها إليه، فإذا أتمتها طلقها وليه عنه، ثم تعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج، فإن جاء زوجها وقد تزوجت خيره عمر بينها وبين صداقها.

وروي عن عمر غير هذا كله أيضا من طرق لا تصح، لأن فيها عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي وهي أيضا مرسلة عن عبيد بن عمير قال: فقدت امرأة زوجها فأتت عمر بن الخطاب، فأمرها أن تتربص أربعة أعوام، ففعلت، ثم جاءته، فأمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم أتته فدعا ولي المفقود فأمره أن يطلقها فطلقها، فأمرها أن تعتد ثلاثة قروء ففعلت ثم أتته، فأباح لها الزواج، فتزوجت فجاء زوجها المفقود فخيره عمر بين امرأته تلك وبين الصداق، فاختار الصداق، فأمر له عمر بالصداق.

وروي عن عمر أيضا قول رابع لا يصح، لأنه مرسل من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: إن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فإنها تنتظره أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تحل.

وروينا من طريق الحسن عن عمر مثل ذلك.

ومن طريق الزهري وعطاء وعمرو بن دينار عن عمر مثل ذلك.

وروينا عن عمر أيضا غير ذلك كله من طريق ضعيفة فيها المنهال بن عمرو: أن عمر بن الخطاب أتته امرأة فقدت زوجها مذ ثلاثة أعوام وثمانية أشهر، فأمرها عمر أن تتم أربع سنين، ثم تعتد عدة المتوفى عنها، ثم تتزوج إن شاءت.

قال أبو محمد: وقد جاء من طريق سعيد بن المسيب، وعمرو بن دينار والزهري، غير ما ذكرنا آنفا عنهم:

كما روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: إن عمر بن الخطاب أمر ولي المغيب عنها زوجها أن يطلقها.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان: قضيا في المفقود أن امرأته تتربص أربع سنين، وأربعة أشهر وعشرا بعد ذلك، ثم تتزوج فإن جاء زوجها الأول خير بين الصداق وبين امرأته.

قال أبو محمد: ليس معمر دون مالك.

وأما الزهري فأحفظ من يحيى بن سعيد، ورواية سعيد هذه عن عثمان صحيحة؛ لأنه أدركه وجالسه وقتل عثمان رضي الله عنه، وابن المسيب له عشرون سنة.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء الخراساني: أن ابن شهاب أخبره: أن عمر، وعثمان قضيا في ميراث المفقود: أنه يقسم من يوم تمضي الأربع السنون وتستقبل امرأته عدة أربعة أشهر وعشرا.

ومن طريق سعيد بن منصور ثنا سفيان، هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة: أن امرأة فقدت زوجها فلبثت ما شاء الله تعالى، ثم أتت عمر بن الخطاب فأمرها أن تتربص أربع سنين، فلم يجئ فأمر عمر وليه أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد، فإذا انقضت عدتها، فإن جاء زوجها خيره بينها وبين الصداق.

ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي المليح الهذلي: أن رجلا ركب البحر فتيه به، فتزوجت امرأته وأمهات أولاده، وقسم ميراثه، فقدم بعد ذلك. فارتفعوا إلى عثمان بن عفان فخير الرجل بين امرأته وبين الصداق، ورد عليه أمهات أولاده وجعل في أولادهن الفداء، فلما قتل عثمان رضي الله عنه ارتفعوا إلى علي بن أبي طالب فقضى بمثل قضاء عثمان.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني: أن أبا المليح بن أسامة سئل عن امرأة المفقود فقال أبو مليح: حدثتني سهيمة بنت عمر الشيبانية أنها فقدت زوجها في غزاة غزاها، فلم يدر أهلك أم لا، فتربصت أربع سنين، ثم تزوجت فجاء زوجها الأول، فركب هو وزوجها الثاني إلى عثمان فأخبراه، فقال عثمان يخير الأول بين امرأته وبين صداقها، فلم يلبث أن قتل عثمان فركبا إلى علي بالكوفة فقال: ما أرى إلا ما قال عثمان قالت: فاختار الصداق، فأعنت زوجي بألفين وكان الصداق أربعة آلاف؛ ورد أمهات أولاده كن تزوجن بعده ورد أولادهن معهن؛ علمي، أنه قاله.

ومن طريق حماد بن سلمة أرنا قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال: امرأة المفقود تعتد أربع سنين، ثم يطلقها الولي، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، فإذا جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق وهذا صحيح عن علي.

قال أبو محمد: وأما التابعون فروينا:

ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا الربيع بن حبيب قال: سألت الحسن البصري عن المفقود زوجها فقال: تعتد أربع سنين، ثم يطلقها وليه، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا عدة المتوفى عنها زوجها ثم تتزوج إن شاءت، فإن جاء زوجها فهو بالخيار، فإن شاء امرأته، وإن شاء صداقها الذي كان أصدقها.

ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن الحسن كان يخير المفقود بين الصداق الأول وبين امرأته، قال قتادة، وقال الخلاس بن عمرو: يخير بين الصداق الآخر وبين امرأته.

ومن طريق حماد بن سلمة أرنا عطاء بن السائب قال: بينما أنا عند إبراهيم النخعي وعنده رجل من أصحاب السابري حزين كئيب فقلت: ما شأن ذا فقال النخعي قدم زوج امرأته فقلت: فكيف يصنع قال: يخير بين الصداق وبين امرأته، فإن اختار الطلاق أقام هذا على امرأته، ولا تعتد منه، لأن الماء ماؤه، وإن اختار امرأته اعتدت من هذا، قال عطاء: فأخبرت بذلك الحكم بن عتيبة، فقال: لا يكون شيء من هذا إلا وفيه عدة.

ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح في امرأة المفقود قال: تتربص أربع سنين من يوم يتكلم، ثم يطلقها وليه يأخذ بالوثاق، ولا يمنع زوجها تلك الطلقة وإن كانت ألبتة فإن جاء فاختارها اعتدت من الآخر، وإن اختار صداقها غرمته هي من مالها، ولم تعتد من الآخر، وقرت عنده كما هي.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في امرأة المفقود يأتي وقد تزوجت أن المرأة تغرم الصداق.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن أيوب بن موسى عن مكحول في امرأة المفقود إذا قدم الأول كانت امرأته إن شاء واعتدت من زوجها الذي هي عنده، وإن شاء فله ما أصدقها.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: لولا أن عمر خير المفقود لرأيته أحق بها إذا شاء.

ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة أن امرأة المفقود تعتد أربع سنين.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: إذا فقد في الصف تربصت به سنة، وإذا فقد في غير صف فأربع سنين.

وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: إذا مضت أربع سنين من حين ترفع امرأة المفقود أمرها فإنه يقسم ماله بين ورثته.

ومن طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال في الذي يحضر القتال فلا يدرى أسر أم قتل فإني أرى أن تعتد امرأته عدة المؤجلة أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا ثم تنكح إن شاءت.

ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة في المفقود يتلوم لطلبه فلا يوجد له خبر، فذلك الذي يضرب الإمام لأمرأته فيما بلغنا، ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها. يقولون: إن جاء زوجها في عدتها أو بعد العدة ما لم تنكح فهو أحق بها، فإن نكحت بعد العدة ودخل بها، فلا سبيل له عليها.

ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة قال: إذا فرق السلطان بينهما فلا سبيل للأول عليها، ولا رجعة دخل بها أو لم يدخل.

وروينا غير هذا كله، عن ابن أبي طالب، وغيره.

كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا جرير عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة قال: قال علي بن أبي طالب إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى يقدم أو تموت.

ومن طريق أبي عبيد أيضا، حدثنا هشيم، حدثنا سيار عن الشعبي قال:

قال علي بن أبي طالب إذا جاء زوجها الأول فلا خيار له، وهي امرأته.

ومن طريق أبي عبيد، حدثنا علي بن معبد عن عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير قال: قال علي بن أبي طالب في امرأة المفقود تزوج: هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: بلغني، عن ابن مسعود: أنه وافق علي بن أبي طالب في امرأة المفقود على أنها تنتظره أبدا.ومن طريق سعيد بن منصور ثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي: أنه كان يقول: في امرأة المفقود: إن جاء الأول فهي امرأته، ولا خيار له قال هشيم: وهو القول قال هشيم: وأرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، أنه قال في امرأة المفقود إذا تزوجت فحملت من زوجها الآخر، ثم بلغها أن زوجها الأول حي، يفرق بينها وبين زوجها الآخر، فإن مات زوجها الأول فإنها تعتد من هذا الآخر بقية حملها؛ فإذا وضعت اعتدت من الأول أربعة أشهر وعشرا وورثته.

ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي في امرأة المفقود، قال: هي مبتلاة فلتصبر.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا جرير عن مغيرة عن النخعي مثل قول علي في امرأة المفقود: لا تتزوج حتى يستبين أمره.

ومن طريق شعبة: أنه سمع حماد بن أبي سليمان يقول: قال عمر في امرأة المفقود تخير وقال علي: هي امرأته قال حماد: وعمر أحب إلي من علي، وقول علي أعجب إلي من قول عمر. وممن قال: لا تؤجل امرأة المفقود، ولا يفرق بينه وبينها القاضي: ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وعثمان البتي، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وأبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهم.

وقال الشافعي، وأبو سليمان: من حكم بتأجيلها ثم فسخ النكاح منه وأمرها أن تعتد، ثم تزوجت؛ فإنه يفسخ كل ذلك، وترد إلى الأول كما كانت. وقال الأوزاعي في القوم يلقون العدو فيفقدون، فلا يدرى أقتلوا أم أسروا: فإن نساءهم يعتدون عدة المتوفى عنها زوجها، ثم يتزوجن كتب بذلك عمر بن الخطاب وعلى هذا مضى أمر الناس. وقال الليث بن سعد في امرأة المفقود: أنها تؤجل، فإن جاء زوجها المفقود ووجدها تزوجت، فهو أولى بها وترد إليه.

وقال مالك: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين من حين ترفع أمرها إليه ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، فإن كان الزوج عبدا أجلت عامين ثم تعتد كما ذكرنا فإن جاء زوجها قبل أن تتزوج فهي امرأته كما كانت، وإن جاء وقد تزوجت فلا سبيل له إليها دخل الثاني بها أو لم يدخل. ثم رجع مالك فقال: هو أولى بها ما لم يدخل بها الثاني، ولا خيار للأول قال: وإنما هذا في المفقود في غير الحرب.

فأما الذي فقد في الحرب فلم يعرف أميت هو أم حي فلا تؤجل امرأته، ولا يفرق بينه وبينها قال: ولا يقسم مال المفقود، ولا تعتق أمهات أولاده، حتى يأتي من الزمان ما يعرف أنه لا يعيش إليه.

وقال أحمد وإسحاق: تتربص امرأة المفقود أربعة أشهر وعشرا بعد أربعة أعوام، ثم تتزوج قالا جميعا: والمفقود الذي تؤجل امرأته: هو المفقود في الحرب أو في البحر، أو يفقد من منزله.

وأما من غاب عن أهله فلم يدر ما فعل فلا تؤجل امرأته.

قال أبو محمد: اختلف السلف في اثني عشر موضعا من هذه القصة وهي: من المفقود والتأجيل ومن متى يبدأ التأجيل وكم التأجيل وهل بعد التأجيل طلاق الولي وهل بعد ذلك عدة الوفاة وحكم تخيير الزوج إن قدم وفيما ذا تخير وعلى من غرم الصداق إن اختاره وأي صداق يكون وهل يقسم ميراثه وهل تعتق أمهات أولاده.

فأما من المفقود: فإن كل من روي عنه في هذا شيء لم يفرق بين أحوال الفقد، وهم: عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر. ومن التابعين: الحسن، وخلاس بن عمرو، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وعطاء، والزهري، ومكحول والشعبي، وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب، وقتادة، وأبو الزناد، وربيعة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وعثمان البتي، وسفيان الثوري، وهشيم، والحسن بن حي، والأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة، والشافعي، وداود، وأصحابهم حاشا: مالكا، وأحمد، وإسحاق: فإن مالكا قال: ليس هذا الحكم في المفقود في الحرب، ولا نعلم هذا عن أحد قبل مالك.

وقال أحمد وإسحاق، ليس هذا الحكم فيمن خرج عن أهله ففقد.

وأما التأجيل: فإن كل من ذكرنا روى التأجيل حاشا روايات عن علي، وابن مسعود، ورواية عن الشعبي، ورواية عن النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وعثمان البتي، وسفيان الثوري والحسن بن حي، وأبي حنيفة، والشافعي، وداود وأصحابهم.

وأما متى يبدأ التأجيل في قول من قال به: فإن أكثر من ذكرنا يرى مبدأه من حين يرفع أمرها إلى الإمام حاشا رواية ضعيفة عن عمر: أنه أمرها بإتمام أربع سنين من حين غاب.

وقال بعضهم: تربص أربع سنين ولم يحدوا من حين تبدأ وأما كم التأجيل: فإن من ذكرنا يراه أربع سنين، إلا سعيد بن المسيب ومالكا قال سعيد: أرى أن تؤجل امرأة من فقد في الصف سنة، ومن فقد في غير الصف أربع سنين.

وقال مالك: إن كان عبدا أجلت له عامين، ولا يعلم هذا عن أحد قبله.

وأما طلاق الولي بعد التأجيل: فإنه صح عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب والحسن، وعطاء.

وأما هل بعد ذلك عدة وفاة: فإنه قد ذكرنا عن عمر، وعثمان، وعمر بن عبد العزيز: تربص أربعة أعوام، ثم تتزوج دون ذكر عدة وفاة. وصح عن عثمان، وابن عباس، وابن عمر، وعلي، والحسن، وعطاء وأبي الزناد، وربيعة: أنها تعتد أيضا عدة الوفاة وفي بعض تلك الروايات: أنها تعتد أيضا من الطلاق.

وأما تخيير الزوج إذا قدم: فثابت عن عمر، وعثمان، وعلي، ولم يرو عن صاحب رأي التأجيل خلاف ذلك وصح أيضا: عن الحسن، وخلاس، وإبراهيم، وعطاء، والحكم بن عتيبة والزهري، ومكحول، والشعبي.

وروينا عن كل من ذكرنا عنه تخيير الزوج: أنه يخير بين زوجته وبين الصداق، إلا رواية عن عمر صحيحة: أنه خيره بين زوجته وبين أن يزوجه من أخرى. واختلف بعضهم فيمن يغرم الصداق إن اختاره الزوج: فقال جمهور من ذكرنا: يغرمه الزوج الآخر وقال الزهري: تغرمه المرأة. واختلفوا أيضا: أي الصداق يقضى له به. إن اختاره: فقال جمهورهم: صداقه الذي كان أصدقها هو. وقال خلاس بن عمرو: بل صداق الزوج الآخر. واختلفوا هل تعتق أمهات أولاده فقال قتادة: تعتق أمهات أولاده إذا أبيح لزوجته الزواج، وإنما قضي بذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه.

وقال بعضهم: لا يعتقن. واختلفوا في ميراثه هل يقسم فروينا: أن في خلافة عثمان رضي الله عنه قسم ميراثه إذا أبيح لأمرأته الزواج.

قال أبو محمد: أما المالكيون، والحنفيون، والشافعيون فإنهم تناقضوا هاهنا أقبح تناقض.

فأما الشافعيون فقلدوا عمر في رواية لم تصح عنه قط في تأجيل امرأة العنين وإخراجها عن عصمته بغير قرآن، ولا سنة. ثم خالفوا هاهنا عمر، وعثمان، وعليا، وابن عباس، وابن عمر فيما صح عنهم من تأجيل امرأة المفقود وهذا عجب جدا.

وكذلك فعل الحنفيون أيضا: وقد ردوا تقليد ما لم يصح عن عمر في توريث المطلقة ثلاثا وهذا تلاعب بالدين وبالتحريم والتحليل، ولئن كان عمر هنالك حجة إنه هاهنا لحجة، وإن لم يكن هاهنا حجة فما هو هنالك حجة.

فإن قالوا: قد خالفه علي هاهنا.

قلنا: قد خالفه علي في أجل العنين، ولا فرق، وقد خالفه عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن الزبير في توريث المبتوتة في المرض وكلا القولين موجب فسخ نكاح لم يوجب الله تعالى فسخه، ولا رسوله ﷺ .

وأما المالكيون فإنهم خالفوا الثابت عن عمر من أنه أمر وليه بطلاقها وأنه خير الزوج إذا أتى بينها وبين الصداق، وقلدوه فيما لم يصح عنه قط، من أن تعتد بعد ذلك عدة الوفاة.

فإن قالوا: قد صح ذلك عن علي، وابن عباس، وابن عمر

قلنا: وقد صح عن عمر تخيير الزوج إذا جاء بينها وبين الصداق، فمن أين وقع لكم تقليد بعض الصحابة في بعض هذه القضية بلا دليل أصلا، لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من قياس ومخالفة بعضهم فيها نفسها، وهذا تحكم في الدين بالباطل، فلا ندري من أين وقع لهم تقليد بعض ما روي عن عمر دون سائر ما روي عنه بلا برهان أصلا.

قال علي: لا حجة في أحد دون الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولا يحل تحريم فرج أباحه الله تعالى للزوج وتحليله لمن حرمه الله تعالى عليه من سائر الرجال بغير قرآن، ولا سنة.

وأما الصحابة، رضي الله عنهم، فقد فازوا وهم والله مأجورون في كل ما قالوه قاصدين به الحق، وإنما الشأن فيمن قال قولا في الدين لم يأت به قرآن، ولا سنة. فإذا قيل له: من أين قلته قال: لأن عمر، وعثمان قاله. فإذا قيل له: ففي هذه القضية نفسها لهما قول خالفتموه: هو أصح عنهما من الذي زعمتم أنكم احتججتم بهما فيه لجوا على تقليدهم إعراضا عن الحق بلا برهان أصلا.

قال أبو محمد: فإذا لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ فلا يجوز فسخ نكاح أحد بمغيبه، ولا إيجاب عدة ممن لم يصح موته، ولا أن يطلق أحد عن غيره وبالله تعالى التوفيق.

ومن العجب قول مالك " إن جاء الزوج قبل أن تتزوج فهو أولى بها وهي امرأته كما كانت " فيقال لمن قلده: ومن أين قلت هذا وأنت قد قطعت عصمته منها وأبحت لها أن تنكح من شاءت وكيف تردها إلى أجنبي قد أبحت لها نكاح زوج سواه من أجل تأخيرها نكاحا قد أبحته لها عادت إلى زوج قد فسخت نكاحها منه هذا مع أنه قول لا يحفظ عن أحد قبل مالك، فاعجبوا لهذا الأختيار ثم يقال لهم: ومن أين قلتم في أحد قوليه: إنه إن جاء الزوج وهي قد تزوجت فلا سبيل له إليها من أجل عقد قد كان لها مباحا، إذ رددتها إليه بكل حال، فقولوا لنا: أي شيء أحدثه عقدها النكاح من تحريمها على زوجها ممن لم تحدثه إباحتك لها ذلك العقد، فأجزت عقدها. ثم قوله الثاني: من أنه إن جاء الزوج قد تزوجت إلا أنه لم يدخل بها فهي زوجة الأول وإن جاء بعد دخول الثاني بها فلا سبيل له عليها فقولوا لنا: هل دخل الزوج الثاني على زوجته، أو على أجنبية.

فإن قالوا: على زوجته

قلنا: فمن أين أبحتم فرج زوجته التي أحللتم له الدخول بها لأنسان قد فسختم نكاحه منها، وحرمتموها عليه وعقدتم نكاحها مع غيره.

وإن قالوا: بل دخل على غير زوجته.

[ قلنا ] ومن أين استحللتم أن تبيحوا له وطء غير زوجته: فلاح يقينا أنها أقوال فاسدة متخاذلة، خطأ لا شك فيها. وقد قال بعضهم: إنما فعلنا ذلك بما روي عن عمر ذلك في أي كنف .

فقلنا: هذا تمويه آخر، وهلا فعل عمر ذلك في أي كنف إلا إذا طلق امرأته وأعلمها بالطلاق، ثم راجعها ولم يعلمها بالرجعة، فمن الذي أدخل هذه القضية في تلك مع أن هذين القولين جميعا لا يحفظان عن أحد من أهل العلم، أنه قاله قبل مالك، ولا يجدونه أبدا، فاعجبوا لفحش هذا التقليد إذ قلدوا قولا لا يعرف أحد قاله قبل مالك: خالفوا فيه كل قول لصاحب أو تابع رأوا في تلك القصة التي أوهموا فيها أنهم يحتجون ببعض الصحابة، رضي الله عنهم، وبالله تعالى التوفيق.

1946 - مسألة: ما يقع به فسخ النكاح بعد صحته

وهي ثمانية أوجه فقط:

أحدها أن تصير حريمة برضاع وقد ذكرنا ذلك.

والثاني أن يطأها أبوه، أو جده بجهالة؛ أو بقصد إلى الزنا،

وقد ذكرنا ذلك. والثالث أن يتم التعانه والتعانها. والرابع أن تكون أمة فتعتق، فلها الخيار في فسخ نكاحها من زوجها أو إبقائه. والخامس اختلاف الدينين إلا في جهة واحدة، وهي أن يسلم الزوج وهي كتابية، فإنهما يبقيان على نكاحهما. وينقسم اختلاف دينهما في غير الوجه الذي ذكرنا خمسة أقسام: أحدها أن يسلم هو وهي كافرة غير كتابية. وثانيها أن تسلم هي، وهو كافر كتابي، أو غير كتابي فلو أسلما معا، فهما على نكاحهما. ثالثها أن يرتد هو دونها. ورابعها أن ترتد هي دونه. وخامسها أن يرتدا معا. ففي كل هذه الوجوه ينفسخ نكاحهما سواء أسلم إثر إسلامها، أو أسلمت إثر إسلامه، أو راجع الإسلام، أو راجعت الإسلام، أو راجعاه معا: لا ترجع إليه في كل ذلك إلا برضاهما وبصداق، وبولي، وإشهاد. ولا يجب أن يراعى في ذلك شيء من عدة، ولا عرض إسلام. وقد أوضحنا كل هذا في " كتاب الجهاد " من ديواننا هذا. والحمد لله وحده. والسادس أن يملكها، أو بعضها. والسابع أن تملكه أو بعضه. والثامن موته أو موتها،

ولا خلاف في ذلك، فلنذكر هنا إن شاء الله تعالى ما لم نذكره بعد، وهو " اللعان " " وتخيير المعتقة ".