الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الحادية والثلاثون

بقية كتاب النكاح

ما يفسخ به النكاح بعد صحته وما لا يفسخ به

1942 - مسألة: ومن قال لأمرأته: أنت علي حرام، أو زاد على ذلك فقال: كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، أو ما قال من ذلك، فهو كله باطل وكذب، ولا تكون بذلك عليه حراما، وهي امرأته كما كانت نوى بذلك طلاقا أو لم ينو. وقد اختلف الناس في هذا،

فقال علي، وزيد بن ثابت، وابن عمر: هي بذلك القول طالق ثلاثا

وهو قول الحسن، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

وروي عن الحكم بن عتيبة. وقول آخر أنها بذلك حرام عليه ولم يذكروا طلاقا، صح هذا عن علي بن أبي طالب، وعن رجال لم يسموا من الصحابة، رضي الله عنهم، وعن أبي هريرة وصح عن الحسن، وخلاس بن عمرو، وجابر بن زيد، وقتادة: أنهم أمروه باجتنابها فقط. وقول ثالث روي، عن ابن مسعود: إن كان نوى في التحريم الطلاق وإلا فهو يمين.

وهو قول الحسن، وطاووس، والشافعي، والزهري. وقول رابع رويناه عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يقولون في الحرام: إن نوى ثلاثا فهي ثلاث، وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة.

وهو قول سفيان، إلا، أنه قال: وإن نوى يمينا فهي يمين، وإن لم ينو شيئا فهي كذب لا شيء فيها. وقول خامس عن إبراهيم: إن نوى واحدة أو لم ينو شيئا فهي واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا فثلاث.

وقد روينا من طريق وكيع عن الحسن بن حي عن المغيرة عن إبراهيم: وإن نوى اثنتين فهي اثنتان. وقول سادس هو طلقة واحدة: رويناه عن عمر .

وبه يقول حماد بن أبي سليمان. وقول سابع وهو أنه ظهار، فيه كفارة الظهار صح ذلك، عن ابن عباس من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال في الحرام، والنذر: عتق رقبة؛ أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا.

ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في الرجل إذا قال: حرام علي أن آكل، أو قال: هذا الطعام علي حرام قال: يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا

وهو قول أبي قلابة، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه

وهو قول عثمان البتي، وأحمد بن حنبل. وقول ثامن وهو أن التحريم يمين فيه كفارة يمين. ثم اختلف هؤلاء: فقالت طائفة منهم: هي يمين مغلظة ليس فيها إلا عتق رقبة

روينا ذلك، عن ابن عباس. وقال آخرون: هي يمين فقط، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير، وأيوب السختياني، كلاهما عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال: هي يمين يعني التحريم.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا المقدمي، حدثنا حماد بن زيد عن صخر بن جويرية عن نافع، عن ابن عمر قال: الحرام يمين: نا عبد الله بن ربيع، حدثنا محمد بن معاوية القرشي، حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذؤيب قال: سألت زيد بن ثابت وابن عمر عمن قال لأمرأته: أنت علي حرام فقالا جميعا كفارة يمين.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ابن مسعود قال في التحريم: هي يمين يكفرها.

ومن طريق مسلم، حدثنا زهير بن حرب نا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى بن أبي كثير يحدث عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الحرام يمين يكفرها.

وروي أيضا ذلك عن أبي بكر الصديق. وعائشة أم المؤمنين وهو قول عكرمة، وعطاء روينا ذلك من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قلت لعطاء: من قال لأمرأته: أنت علي حرام قال: يمين قال ابن جريج فقلت له: وإن كان أراد الطلاق قال: قد علم مكان الطلاق، قال عطاء: ولو قال: أنت علي كالدم، أو كلحم الخنزير قال عطاء: هو كقوله: أنت علي حرام، وهو قول مكحول، وقتادة، كقول عطاء في كل ما ذكرناه ومن طريق قتادة عن الحسن، أنه قال: كل حلال علي حرام، فهي يمين وبهذا كان يفتي قتادة وهو قول الشعبي.

ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب قال: الحرام يمين يكفرها وهو قول سليمان بن يسار، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير.

ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا جرير بن حازم قال: سألت نافعا مولى ابن عمر عن الحرام أطلاق هو قال: لا، أوليس قد حرم رسول الله ﷺ جاريته فأمره الله عز وجل أن يكفر يمينه ولم يحرمها عليه.

وروي عن طاووس أيضا فهو قول الأوزاعي، وأبي ثور.

وروينا عن الحسن، أنه قال: هو في غير الزوجة يمين. وقول تاسع وهو التوقف،

كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يقول رجال في الحرام: هي حرام حتى تنكح زوجا غيره، ولا والله ما قال ذلك علي، إنما.

قال علي: ما أنا بمحلها، ولا بمحرمها عليك، إن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر. وقول عاشر عن أبي حنيفة فإنه قال: إذا قال لأمرأته: أنت علي حرام، فإن نوى طلقة واحدة، أو طلقتين، أو طلاقا دون عدد، فهو في كل ذلك طلقة واحدة بائنة، لا أكثر، فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث، فإن نوى يمينا فهي يمين فيه كفارة يمين، فإن لم ينو شيئا فهو إيلاء فيه حكم الإيلاء، فإن نوى الكذب صدق في الفتيا، ولم يكن شيئا، ولا ينوي في القضاء، بل يكون إيلاء، ولا بد، ولا يكون ذلك ظهارا أصلا، سواء نواه وقال ذلك، أو لم ينوه، ولا قاله. وقول حادي عشر قاله مالك، وهو أنه من قال لأمرأته: أنت علي حرام، فإن كان مدخولا بها فهي ثلاث طلقات لا ينوي في ذلك، فإن كانت غير مدخول بها فإنه ينوي، فإن قال نويت واحدة فهي واحدة، وإن قال: نويت اثنتين فهي اثنتان، وإن قال: نويت ثلاثا فهي ثلاث قال: فإن قال ذلك لغير امرأته فليس بشيء، سواء قال ذلك لأمته، أو لطعام قال: فلو قال: كل حل علي حرام: لم يحرم عليه بذلك شيء إلا زوجته فقط، فإن قال: استثنيت نسائي، أو امرأتي في نفسي، صدق في ذلك. وقول ثاني عشر ليس التحريم بشيء، لا في الزوجة، ولا في غيرها، ولا يقع بذلك طلاق أصلا، ولا إيلاء، ولا ظهار ;، ولا تحريم ;، ولا تجب في ذلك كفارة أصلا.

كما روينا من طريق البخاري، حدثنا الحسن بن الصباح سمع الربيع بن نافع، حدثنا معاوية، هو ابن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته ليس بشيء، لكم في رسول الله أسوة حسنة.

ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق قال: ما أبالي حرمت امرأتي أو قصعة من ثريد.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح بن مسلم عن الشعبي، أنه قال في تحريم المرأة: لهي أهون علي من نعلي.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج: أخبرني عبد الكريم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال: ما أبالي حرمتها يعني امرأته أو حرمت ماء النهر.

ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا همام بن يحيى أنا قتادة أن رجلا جعل امرأته عليه حراما، فسأل عن ذلك حميد بن عبد الرحمن الحميري فقال له حميد:

قال الله عز وجل: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} وأنت رجل تلعب، فاذهب فالعب.

وهو قول أبي سليمان، وجميع أصحابنا.

قال أبو محمد: أما قول مالك، وأبي حنيفة، فما نعلم أحدا قبلهما قال بما قالا من تقسيم ما قسماه، مع أنه لا يؤيد قولهما قرآن، ولا سنة صحيحة، ولا رواية سقيمة، ولا قياس، ولا رأي له وجه، وما يدري أحد وجه التفريق بين تحريم الزوجة، وبين تحريم الأمة، وغيرها والأمة تحرم بالعتق كما تحرم الزوجة بالطلاق، وكما يحرم المتاع بالصدقة به، وببيعه، وقد تحل المطلقة ثلاثا بعد زوج، فهلا قالوا بتحريمها في الأبد، كما قالوا في الناكح في العدة يدخل بها، فكان يكون قد أتم في التحريم.

وكذلك لا يعلم أحد وجه التفريق بين تحريم الزوجة التي أحلها الله عز وجل، وبين تحريم الطعام الذي أحله الله تعالى وقد سوى بين الأمرين عطاء، وغيره. وأطرف شيء تفريقهم بين المدخول بها وغير المدخول بها، وحجتهم في ذلك: أن التي لم يدخل بها تبينها الواحدة .

فقلنا لهم: والمدخول بها عندكم أيضا تبينها الواحدة البائنة، فما الفرق إن هذا لعجب وكذلك قول أبي حنيفة: إن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث واحتجوا في ذلك بأن الطلاق البائن لا يرتدف على الطلاق البائن، ونسوا قولهم: إن الخلع طلاق بائن، وأنه إن طلقها في عدتها لحقتها طلقة أخرى بائنة، فاعجبوا لتناقضهم، وكذلك قوله: إن نوى إيلاء؛ أو لم ينو شيئا فهو إيلاء، وإن نوى الظهار لم يكن ظهارا، ليت شعري. من أين خرج هذا الفرق.

وكذلك قول الشافعي: إن نوى طلاقا فهو طلاق، وإن نوى إيلاء لم يكن إيلاء، وإن نوى ظهارا لم يكن ظهارا وهذا فرق لا يعرف وجهه.

فإن قيل: للظهار، وللإيلاء ألفاظ لا يكونان إلا بها.

قلنا: وللطلاق لفظ لا يكون إلا به.

فإن قالوا: قد يكون الطلاق بغير لفظ الطلاق.

قلنا: وقد يكون الظهار عندكم بغير ظهر الأم، وقد يكون الإيلاء عندكم بغير ذكر الألية بالله تعالى، ولا فرق.

قال أبو محمد: وسائر الأقوال الموجبة للطلاق، ولليمين، وللظهار، وللإيلاء: كلها أقوال لم تأت في نص قرآن، ولا في سنة، ولا حجة في سواهما، بل وجدنا الله تعالى يقول: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} فأنكر الله تعالى تحريم ما أحله له، والزوجة مما أحل الله: فتحريمها منكر، والمنكر مردود، لا حكم له إلا التوبة والأستغفار.

وقال عز وجل: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} فمن قال لأمرأته الحلال له بحكم الله عز وجل هي حرام، فقد كذب وافترى، ولا تكون عليه حراما بقوله، لكن بالوجه الذي حرمها الله تعالى به صح عن رسول الله، أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد فتحريم الحلال إحداث حدث ليس في أمر الله عز وجل فوجب أن يرد. ولا فرق بين قول القائل: امرأتي علي حرام، وبين قوله: امرأة زيد لي حلال. ولا فرق بين من حرم على نفسه لحم الكبش، وبين من أحل لنفسه لحم الخنزير.

فصح أن التحريم باطل، ولا حكم للباطل إلا إبطاله والتوبة منه وبالله تعالى التوفيق.

وكذلك قوله لها: أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير وكل ذلك كذب بل هي حلال كالماء، ولا تكون حراما بهذا القول وبالله تعالى نتأيد.


1943 - مسألة: ومن ذلك من قال لأمرأته: قد وهبتك لأهلك فإننا روينا عن علي بن أبي طالب من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال في المرأة توهب لأهلها: إن قبلوها فواحدة بائنة، وإن ردوها فواحدة وهو أحق بها يعني برجعته.

ومن طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا يزيد بن إبراهيم هو التستري، حدثنا الحسن هو البصري قال: كان رجال من أصحاب رسول الله يقولون: إن وهب امرأته لأهلها فأمسكوها، فقد بانت منه، وإن هم ردوها عليه فهي واحدة وهو أحق بها

وروي هذا القول عن إبراهيم النخعي. وقول آخر وهو مروي عن علي أيضا وهو أنه إن قبلوها فهي واحدة، وإن لم يقبلوها فليس بشيء.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال يعني في الموهوبة: إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فليس بشيء. وقال عطاء: إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فليس بشيء. وقول ثالث كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت قال: إن قبلوها فهي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن ردوها فواحدة وهو أحق بها وهذا قول الحسن. وقول رابع رويناه من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبيد الله الكلاعي، وعبد العزيز بن عبيد الله قال الكلاعي: عن مكحول، وقال عبد العزيز: عن الشعبي عن مسروق ثم اتفق مسروق ومكحول فيمن وهب امرأته لأهلها، قالا جميعا: إن قبلوها فهي طلقة وهو أملك بها، وإن لم يقبلوها فلا شيء. وروينا هذا أيضا عن الزهري وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وقول خامس كما روينا عن سعيد بن منصور أنا المعتمر بن سليمان التيمي عن منصور عن إبراهيم قال: كان يقال في الموهوبة لأهلها: تطليقة قال سعيد: وأرناه أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم بمثله، وزاد: لا ندري أبائنة أم رجعية. وقول سادس روي عن ربيعة، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد فيمن وهب امرأته لأهلها قالوا: هي ثلاث قبلوها أو ردوها. وقول سابع قاله الأوزاعي، قال: هي طلقة واحدة قبلوها أو ردوها.

وقول ثامن وهو قول الليث بن سعد: من وهب امرأته لأهلها فالقضاء ما قضوا، فإن كان وهبها لهم وهو لا ينتظر قضاءهم فهو طلاق ألبتة. وقول تاسع رويناه عن مالك، وهو، أنه قال: من وهب امرأته لأهلها فإن كانت مدخولا بها فهي طالق ثلاثا قبلوها أو لم يقبلوها وإن كانت غير مدخول بها فهي واحدة فقط قبلوها أو ردوها. وقول عاشر رويناه عن الشافعي قال: من وهب امرأته لأهلها فله نيته في الفتيا والقضاء، فإن قال: لم أنو طلاقا لم يلزمه طلاق، وإن قال: نويت ثلاثا فهي ثلاث، وإن قال: نويت اثنتين فهي اثنتان رجعيتان، وإن قال: نويت واحدة فهي واحدة رجعية.

وقول حادي عشر وهو قول أبي حنيفة، قال: إن قاله لأمرأته: قد وهبتك لأهلك، أو قال: لأبيك، أو قال: لأمك، أو قال: للأزواج فإن كان هذا في غضب، أو جوابا لها إذ سألته الطلاق، ثم قال: لم أنو الطلاق: صدق ولم يلزمه طلاق في الفتيا، وفي القضاء. وإن قال: نويت بذلك الطلاق فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث، وإن نوى اثنتين باثنتين، أو رجعيتين، أو واحدة بائنة، أو رجعية، لم يكن في كل ذلك إلا واحدة بائنة فقط، لا أكثر. قال: فلو قال لها: وهبتك لخالتك، أو قال لزيد، أو لفلان وذكر أجنبيا فليس ذلك بشيء، ولا يلزمه بذلك طلاق سواء نوى بذلك طلاقا ثلاثا أو أقل؛ أو لم ينو طلاقا كان ذلك في غضب أو في جواب سؤالها إياه الطلاق، أو لم يكن، ولا معنى لحكم أهلها الذين وهبها لهم في ذلك. وقول ثاني عشر وهو أن كل ذلك باطل لا يلزمه به طلاق أصلا نواه أو لم ينوه وهو أبي ثور، وأبي سليمان، وأصحابنا.

قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة فآبدة من أوابد الدهر، وتفريق ما سمع بأسخف منه، كل ذلك بلا دليل يعقل، ولا قياس يضبط، ولا رأي له وجه، ولا نعلمه عن أحد قبله، لا سيما إذا أضيف هذا القول إلى قوله الذي ذكرناه في التخيير والتمليك وتلك التفاريق السخيفة.

وأما قول مالك بين المدخول بها وغير المدخول بها في التفريق فما يعلم عن أحد قبله، وما ندري من أين وقع لهم بالهبة أن تكون طالقا ثلاثا وقالوا: المدخول بها لا يحرمها إلا الثلاث .

فقلنا: وقد يحرمها عندكم الواحدة البائنة.

فإن قالوا: يتزوجها إذا شاء.

قلنا: وفي الثلاث يتزوجها بعد زوج، وكذلك غير المدخول بها يتزوجها في البائنة إن شاء وشاءت، وهلا حرمتموها في الأبد، كما فعلتم بالمدخول بها في عدتها ,.

قال أبو محمد: وسائر الأقوال لا نعلم لشيء منها برهانا، لا قرآنا، ولا سنة، ولا حجة في سواهما وما كان هكذا فلا يجوز القول به، ومن الباطل أن يهب حرة، أو أمة غيره فهبته فاسدة، والفساد لا حكم له إلا بإبطاله، والتوبة إلى الله عز وجل منه فصح الذي قلنا وبالله تعالى نتأيد.


1944 - مسألة: ومن باع عبده وله زوجة فهي زوجته كما كانت، ومن باع أمته ولها زوج فهي زوجته كما كانت. وقد اختلف الناس في ذلك كما روينا من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم قال: سئل إبراهيم النخعي عن الأمة تباع ولها زوج فقال: كان عبد الله بن مسعود يقول: بيعها طلاقها ويتلو هذه الآية: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا أحمد بن عبد البصير، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان الثوري، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود، أنه قال في قول الله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين}.

ومن طريق وكيع عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري عن أبي بن كعب قال: بيعها طلاقها. أنا يونس بن عبد الله، حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال: بيع الأمة طلاقها قال أنس والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال: ذوات البعول.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن جابر بن عبد الله قال: بيعها طلاقها.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم أنا خالد الحذاء عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقول: بيع الأمة هو طلاقها.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم أنا يونس بن عبيد عن الحسن قال: أيهما بيع فهو طلاق يعني: العبد من زوجته، والأمة من زوجها:

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، حدثنا عباس بن أصبغ، حدثنا محمد بن قاسم بن محمد، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري، أنه قال في الأمة: بيعها طلاقها يعني: من زوجها، وبيعه طلاقها يعني: من زوجته.

ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إذا زوج عبده من أمته فالطلاق بيد العبد، وإذا اشترى أمة ولها زوج فالطلاق بيد المشتري.

وقالت طائفة: إن بيعت الأمة فهو طلاقها من زوجها، وإن بيع العبد وله زوجة لم تطلق بذلك. كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وابن أبي نجيح قال الزهري: عن سعيد بن المسيب، وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد، قالا جميعا: بيعها طلاقها، فإن بيع العبد لم تطلق هي حينئذ. وروينا عن الحسن البصري أن العبد إذا أبق وله زوجة فإنها طالق بإباقة العبد روينا ذلك من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم: يسبى أرنا منصور عن الحسن أنه كان يقول: إباق العبد طلاقه. وذهبت طائفة: إلى قول آخر، كما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال في قول الله عز وجل: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}. قال: المحصنات ذوات الأزواج من الحرائر، وإذ هو لا يرى بأسا بما ملكت اليمين أن ينتزع الرجل الجارية من عبده فيطؤها.

وبه إلى إسماعيل، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن جعفر غندر، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {إلا ما ملكت أيمانكم} قال ينتزع الرجل وليدته امرأة عبده.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أنتزع أمتي من عبد قوم آخرين أنكحتها إياه قال: نعم، وأرضه، قلت: أبى إلا صداقه قال: هو له كله، فإن أبى فانتزعها، إن شئت، ومن حر أنكحتها إياه ثم رجع عطاء فقال: لا تنتزعها من الحر، وإن أعطيته الصداق فلا تستخدمها، ولا تبعها. وذهب آخرون إلى أن بيع الأمة ليس طلاقا، وأن بيع العبد أو إباقه ليس طلاقا لزوجته، ولا للسيد أن ينتزع أمته من عبده إذا زوجها منه:

روينا عن عمر بن الخطاب: أنه ليس بيع الأمة طلاقا لها من زوجها. وصح أن ابن عمر أن سأله رجل فقال: اشتريت جارية لها زوج أفأطؤها فقال له ابن عمر: أتريد أن أحل لك الزنا وصح هذا أيضا عن عبد الرحمن بن عوف، وعن عثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص .

وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأبو سليمان، وأصحابهم.

قال أبو محمد: احتج من رأى بيعها طلاقها بقول الله عز وجل: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}. قالوا: فحرم الله تعالى علينا كل محصنة إلا ما ملكت أيماننا فهي حلال لنا من جملة المحصنات والمحصنات هن ذوات الأزواج. فصح أنهن إذا كن ذوات أزواج فملكناهن أنهن لنا حلال، ولا يحللن لنا إلا بأن يحرمن على أزواجهن، إذ كون الفرج حلالا لأثنين معا ممنوع في الديانة. قالوا: وسواء في ذلك المبيعات والمسبيات، لأن الآية على عمومها.

وقالت طائفة: إنما عنى الله عز وجل بذلك المسبيات خاصة.

روينا ذلك عن علي بن أبي طالب من طريق إبراهيم عنه، وإبراهيم لم يدركه، ولا لقيه، وعن ابن عباس من طريق إسرائيل بن يونس وهو ضعيف.

وروينا، عن ابن عباس أيضا: كل ذات زوج عليك حرام من طريق يحيى بن عبد الملك الحماني وهو ضعيف عن شريك وهو مدلس.

قال أبو محمد: أما من جعل بيع الأمة طلاقها واحتج بقوله تعالى: {إلا ما ملكت أيمانكم} فوجدناها قد خصها خبر صحيح، وهو بيع بريرة وابتياع عائشة أم المؤمنين لها، ولها زوج اسمه مغيث، فلم يكن بيعها طلاقا لها، ثم أعتقتها أم المؤمنين بعد ابتياعها لها، فلم يكن ذلك أيضا طلاقا لها، بل خيرها رسول الله ﷺ حينئذ في البقاء في زوجيته، أو في فراقه. فصح بذلك أن بيع الأمة ليس طلاقا لها، وصح بهذا: أن قوله تعالى: {إلا ما ملكت أيمانكم} استثناء منقطع معناه: لكن ما ملكت أيمانكم ما لم يحرم عليكم، كذوات المحارم، وذوات الأزواج، والكوافر، فما عدا هؤلاء فحلال لكم.

وأما من قال: بيع العبد طلاق لزوجته الأمة، فلا نعلم له شيئا يتعلق به فسقط هذا القول، والحمد لله رب العالمين. ثم نظرنا في المسبية مع زوجها، أو دونه، أو يسبى هو دونها، أو خرجت إلى أرض المسلمين ولها زوج في أرض الحرب فوجدناها لا تخلو من أن تكون إذ سبيت، أو خرجت إلى أرض المسلمين مختارة: بقيت على دينها الكتابي، أو غير الكتابي، أو أسلمت لا تخلو ضرورة من أحد هذين الوجهين، ولا ثالث هنالك. فإن كانت لم تسلم فقد بينا في صدر كلامنا في " النكاح " من كتابنا هذا أن وطء الأمة الكافرة كتابية كانت أو غير كتابية بملك اليمين لا يحل أصلا فأغنى عن إعادته لقول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}. ولم يخص الله تعالى من هذا التحريم إلا ما كان بالزواج فقط بقوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}. وقد صح أن عقود نكاحات الكفار صحاح، ومنها كانت ولادة رسول الله ﷺ وأصحابه، رضي الله عنهم، وما صح فلا سبيل لأبطاله إلا بنص فصح أنها ما لم تسلم المسبية ذات الزوج فهي على زوجيتها سواء بقي في دار الحرب أو سبي معها.

وأما قول من قال: إن اختلاف الدارين يقطع عصمة النكاح، فقول باطل فاسد، لأنه دعوى مجردة لم يؤيدها قط قرآن، ولا سنة وقد تكلمنا في صدر كتابنا هذا في الخبر الوارد من طريق أبي سعيد الخدري إذ أصابوا سبايا أوطاس، فتحرجوا من غشيانهن، فأنزل الله عز وجل: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن. وبينا أنهن بيقين متفق عليه وثنيات من سبايا هوازن، ووطؤهن لا يحل للمسلمين حتى يسلمن بلا خلاف منا ومن الحاضرين من المخالفين وبنص تحريم المشركات حتى يؤمن فصح أن مراد الله تعالى بذلك إذا أسلمن.

قال أبو محمد: فإذا أسلمن فلا يخلون ضرورة من أن يكون زوج من أسلم منهن سبي معها أو لم يسب، بل هو في أرضه، فإن كان معها أو في أرضه ولم يسلم قبل إسلامها إن كانت كتابية، أو مع إسلامها كائنا ما كان دينها فقد انفسخ نكاحها منه على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فإذا انفسخ نكاحها بإسلامها دون إسلام زوجها فقد حل فرجها لسيدها المسلم حينئذ: بنص القرآن والسنة بلا خلاف، فإن أسلم زوجها مع إسلامها كائنا ما كان دينها، أو أسلم قبل إسلامها وهي كتابية، فهما في كل ما ذكرنا باقيان على زوجيتهما، لما ذكرنا: من أن كل نكاح صح بتصحيح الله تعالى إياه فإنه لا يحل لأحد فسخه إلا بنص قرآن أو سنة عن رسول الله ﷺ ثابتة، ولا سبيل إلى وجود شيء من ذلك في فسخ نكاح المسبية بعد إسلامها دون إسلام زوجها فقط. وقد قال أبو حنيفة: إذا سبي الزوجان فهما على نكاحهما حتى يخرجا إلى دار الإسلام، فإذا صار فيها انفسخ النكاح وهذا قوله أوله صحيح وآخره في غاية الفساد، لأن اختلاف الدارين لا يحرم نسبا، ولا يحله.

وقال مالك: إن جاء أهل الحرب بسبي فيه زوجان فهما على نكاحهما

قال أبو محمد: كل قول ما لم يؤيده قرآن، ولا سنة عن رسول الله ﷺ ثابتة فهو باطل بيقين لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق.