→ بقية كتاب النكاح | ابن حزم - المحلى بقية كتاب النكاح(مسألة 1875 - 1880) ابن حزم |
بقية كتاب النكاح (مسألة 1881 - 1887) ← |
عودة لكتاب النكاح |
بقية كتاب النكاح
أحكام النكاح
1875- مسألة: وأهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابن من زنجية لغية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي. والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم ما لم يكن زانيا كفؤ للمسلمة الفاضلة.
وكذلك الفاضل المسلم كفؤ للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية والذي نختاره فنكاح الأقارب بعضهم لبعض. وقد اختلف الناس في هذا: فقال سفيان الثوري، وابن جريج، والحسن بن حي، وابن أبي ليلى، والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومي صاحب مالك وإسحاق بن راهويه: يفسخ نكاح المولى للعربية.
وقال أبو حنيفة: إن رضيت القرشية بالمولى ووفاها صداق مثلها أمر الولي أن ينكحها فإن أبى أنكحها القاضي.
وقال مالك: والشافعي، وأبو سليمان كقولنا.
قال أبو محمد: احتج المخالفون بآثار ساقطة، والحجة قول الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}.
وقوله تعالى مخاطبا لجميع المسلمين: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}. وذكر عز وجل ما حرم علينا من النساء. ثم قال تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}. وقد أنكح رسول الله ﷺ زينب أم المؤمنين زيدا مولاه. وأنكح المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. وإنما تخيرنا نكاح الأقارب، لأنه فعل رسول الله ﷺ لم ينكح بناته إلا من بني هاشم وبني عبد شمس.
وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}. وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولنا في الفاسق، والفاسقة، فيلزم من خالفنا أن لا يجيز للفاسق أن ينكح إلا فاسقة، وأن لا يجيز للفاسقة أن ينكحها إلا فاسق، وهذا لا يقوله أحد. وقد قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}.
وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}. وبالله تعالى التوفيق.
1876 - مسألة: وتزويج المريض الموقن بالموت، أو غير الموقن: مريضة كذلك أو صحيحة جائز، ويرثها وترثه: مات من ذلك المرض أو صح ثم مات.
وكذلك للمريضة الموقنة وغير الموقنة: أن تتزوج صحيحا أو مريضا، ولها في كل ذلك الصداق المسمى كالصحيحين، ولا فرق.
وقال مالك: يفسخ نكاح المريض قبل الدخول وبعد الدخول، فإن لم يدخل بها فلا شيء لها، فإن دخل بها فلها صداق مثلها في ثلث ماله، بما استحل من فرجها، ولا ميراث لها منه ألبتة. قال: فإن مات قبل أن يفسخ نكاحها فعليها الإحداد، ولا ميراث لها قال: فإن صح من مرضه وقد كان دخل بها فأرى أن يفارقها وقال مرة أخرى: إن صح من مرضه جاز النكاح. قال:
وكذلك لا يجوز للمريضة أن تتزوج، ولا يرثها الذي يتزوجها دخل بها أو لم يدخل ولها الصداق عليه إن دخل بها. قال: ومن طلق امرأته وهي حامل طلاقا بائنا فلا يجوز لهما أن يتراجعا إذا أتمت ستة أشهر وهذا تقسيم لا نعرفه عن أحد قبله. وممن قال: لا يجوز نكاح المريض: عطاء بن أبي رباح، إلا، أنه قال: إن صح من مرضه جاز ذلك النكاح. ويحيى بن سعيد الأنصاري قال: صداق التي تتزوج المريض في ثلثه. واختلف عن ربيعة: فروى عنه ابن سمعان وهو ضعيف أن صداقها في ثلثه، ولا ميراث لها قال ابن سمعان: وقضى بهذا أبو بكر بن عمر بن حفص في نكاح بنت المعتمر بن عياض الزهري.
وروي عن ربيعة معمر وهو ثقة أن صداقها وميراثها في ثلثه. قال معمر:
وهو قول ابن أبي ليلى.
قال أبو محمد: وهو قول الليث بن سعد، وعثمان البتي. وراعى آخرون المضارة:
كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال: سألت القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله عن تزويج المريض فقالا جميعا: إن لم يكن مضارا جاز تزويجه وإن كان مضارا لم يجز، ولها نصف الصداق في ثلث ماله، قالا: فإن خلا بها فلها الصداق من الثلث.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في نكاح المريض قال: ليس له أن يدخل الإضرار على أهل الميراث، ولا نرى أن ترثه إن فعل ذلك ضرارا. قال معمر: وقال قتادة: إن كان تزوجها من حاجة إليها في خدمته، أو في قيام بأمره فإنها ترثه. وقال آخرون بمثل قولنا:
كما روينا من طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود قال: لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام أن أموت في آخرها يوما لي فيهن طول للنكاح لتزوجت مخافة الفتنة.
ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر عن أبي رجاء عن الحكم بن زيد عن الحسن قال: قال معاذ بن جبل في مرضه الذي مات فيه: زوجوني، إني أكره أن ألقى الله عز وجل عزبا.
ومن طريق أبي عبيد، وسعيد بن منصور، قالا جميعا: نا أبو معاوية هو الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: دخل الزبير على قدامة بن مظعون يعوده فبشر الزبير بجارية وهو عنده فقال له قدامة: زوجنيها فقال له الزبير: وما تصنع بجارية صغيرة وأنت على هذه الحال فقال له قدامة: إن أنا عشت فابنة الزبير، وإن مت فأحق من ورثتني، قال عروة: فزوجها إياه.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي أخبرني موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر قال: تزوج عبد الرحمن بن أبي ربيعة بنت عم له في مرضه لترثه، فمات فورثته، وذلك في زمن عثمان بن عفان.
ومن طريق عبد الرزاق ثني ابن جريج، قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر قال: تزوج عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي بنت حفص بن المغيرة عمه وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث.
قال أبو محمد: عبد الله له صحبة صحيحة.
ومن طريق أبي عبيد، وسعيد بن منصور قالا جميعا :، حدثنا هشيم عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي، قال سعيد في روايته: سمعت الشعبي يقول: تزويج المريض جائز، وشراؤه وبيعه.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن البصري أنه كان يقول: يجوز تزويج المريض في مرضه.
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: نكاح المريض جائز، ولا يحسب من الثلث.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: نكاح المريض جائز على مهر مثلها وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأصحابهما وكلهم يرى الصداق من رأس ماله وهو قول ابن شبرمة، والأوزاعي، والحسن بن حي، وأبي سليمان، وجميع أصحابنا. ورأى الحسن بن حي، وأبو سليمان: أن لها الصداق المسمى لها من رأس ماله.
قال علي: وتزوج شيخنا أبو الخيار مسعود بن سليمان رضي الله عنه قبل موته بسبع ليال، وهو مريض يائس من الحياة ودخل بها إحياء للسنة.
قال أبو محمد: عهدنا بالمالكيين يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له من الصحابة، رضي الله عنهم،: مخالف وهذا مما خالفوا فيه ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، والزبير، وقدامة بن مظعون، وعبد الله بن أبي ربيعة، بحضرة جميع الأحياء من الصحابة، لا ينكر ذلك أحد، وفي خلافة عثمان.
قال أبو محمد: أباح الله تعالى ورسوله ﷺ النكاح، ولم يخص في القرآن، ولا في السنة: صحيحا وصحيحة من مريض ومريضة وما كان ربك نسيا وما نعلم للمخالف حجة أصلا، لا من قرآن، ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا من رأي يعقل، غير أن بعضهم احتج بأنه ليس له أن يدخل على أهل الميراث من يشركهم فيه.
قال أبو محمد: وأهل هذا القول يقولون: إن أقر في مرض موته وهو موقن بالموت بابن أمة له لم يزل يقول: إنه عبده فأقر عند موته أنه ابنه، فإن إقراره نافذ، ويرث ماله فأجازوا أن يدخل على أهل الميراث من يحرمهم الكل، ومنعوه أن يدخل عليهم من يحطهم اليسير، وهذا غاية التخليط. ولم يختلفوا أن رجلا مريضا يائسا من الفاقة والعيش ابتاع جارية وأشهد الناس على نفسه أنه إنما يبتاعها ليطلب منها الولد، ليمنع بذلك ورثته الميراث، فوطئها فحملت: أن ذلك جائز مباح.
فإن قالوا: إنها قد تحمل وقد لا تحمل.
قلنا: والتي تزوج في مرضه قد تموت هي قبله فيرثها فيزيد بذلك الورثة في ميراثهم، وليت شعري أيمنعون المسلم المريض من زواج مملوكة أو ذمية لا يرثانه أم لا وهل يمنعون المريض الذي لا شيء له من الزواج، ولا بد لهم من ترك أصلهم الفاسد ضرورة أو التناقض. وقالوا: قسنا نكاح المريض على طلاقه .
فقلنا: قستم الخطأ على الخطأ، ثم أخطأتم في القياس، لأنكم أجزتم طلاق المريض وورثتموه بعد ذلك، فإن أردتم إصابة القياس فأجيزوا نكاحه، وامنعوه الميراث مع ذلك وهذا مما ترك فيه الحنفيون القياس الذي هو عندهم أصل لا يجوز تركه. ومن العجائب أن مالكا يفسخ نكاح الأمة الفارة، كما يفسخ نكاح الصحيحة للمريض، ولا يدع للفارة مما سمي لها إلا ثلاثة دراهم، ويجعل للتي تزوجت المريض جميع مهر مثلها فهل يسمع بأعجب من هذا التحكم بلا برهان.
1877 - مسألة: وإن حملت المرأة من زنى، أو من نكاح فاسد مفسوخ، أو كان نكاحا صحيحا ففسخ لحق واجب، أو كانت أمة فحملت من سيدها ثم أعتقها، أو مات عنها، فلكل من ذكرنا أن تتزوج قبل أن تضع حملها، إلا أنه لا يحل للزوج أن يطأها حتى تضع حملها، كل ذلك بخلاف المطلقة، أو المتوفى عنها وهي حامل، فهاتان لا يحل لهما الزواج ألبتة حتى يضعا حملهما، وحاشا المعتقة الحاملة تختار نفسها، فإن نكاح هذه مفسوخ، ولا يحل لها أن تنكح حتى تضع حملها.
برهان ذلك: أن الحامل المطلقة، أو المتوفى عنها: هي معتدة بنص القرآن، وقد حرم الله عز وجل نكاح المعتدة جملة حتى تتم عدتها.
وأما سائر من ذكرنا فلم يأت في القرآن، ولا في السنة إيجاب عدة عليهن، ولا على أحد منهن، إلا على المعتقة تختار نفسها فقط، وإذا لم تكن المرأة من عدة، ولا ذات زوج، فلها أن تتزوج، إلا أن يمنع من ذلك نص، ولا نص يمنع ههنا من الزواج، ولا يحل بالنص وطء حامل إلا أن يكون الحمل منه. وقد اختلف الناس فيها: فقال أبو حنيفة، والشافعي، ومحمد بن الحسن وأبو يوسف في أحد قوليه: للحامل من زنى أن تتزوج، ولا يطؤها حتى تضع حملها.
وقال أبو حنيفة: وإن خرجت إلينا الحربية مسلمة وهي حامل من زوجها فلها أن تتزوج، ولكن لا يحل له وطؤها حتى تضع حملها.
قال أبو محمد: وهو قول أصحابنا وقال زفر على الزانية العدة كاملة.
وقال مالك: لا تتزوج الحامل من زنى حتى تضع حملها، ولا إن كانت غير حامل، إلا حتى تعتد ثلاثة قروء.
قال علي: وممن روي عنه مثل قولنا عمر بن الخطاب:
روينا من طريق مالك عن أبي الزبير قال: خطبت إلى رجل أخته، فذكر أنها أحدثت يعني زنت فبلغ ذلك عمر فضربه أو كاد يضربه.
وقال مالك: وللخبر قال ابن وهب: وأخبرني عمرو بن الحارث بهذا الخبر عن أبي الزبير، وفيه: أن عمر قال له: انكح واسكت.
قال أبو محمد: فهذا عمر أمرها بالنكاح، ولم يستثن حتى تتم عدة، ولا إن كانت حاملا:
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: تزوج سباع بن ثابت بنت موهب بن رباح وله ابن من غيرها، ولها بنت من غيره، ففجر الغلام بالجارية، فظهر بها حمل فسئلت فاعترفت، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فاعترفا، فحدهما وحرض على أن يجمع بينهما، فأبى الغلام. فهذا عمر يبيح للحامل من زنى الزواج بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم، لا يعرف له مخالف منهم، وهم يعظمون مثل هذا لو ظفروا به. وشغب المخالفون بأن قالوا:
قال الله عز وجل: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} وبخبر رويناه عن سعيد بن المسيب أن رجلا يقال له نضرة بن أكثم تزوج امرأة فلما غشيها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي ﷺ فقضى رسول الله ﷺ أن صداقها لزوجها، وأن ما في بطنها عبد له، وأمر بها فجلدت مائة، وفرق بينهما.
قال أبو محمد: لا عجب أعجب من أن يكون المحتج بهذا الخبر أول مخالف لكل ما فيه وأما نحن فلو انسند لقلنا به، ولكنه منقطع بين سعيد ونضرة، ولا حجة في منقطع.
وقد روينا من طريق أبي داود، حدثنا ابن أبي السري، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من أصحاب رسول الله ﷺ يقال له: نضرة قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها، فدخلت عليها، فإذا هي حبلى، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، وإذا ولدت فاجلدوها
قال أبو محمد: ولم يذكر ههنا تفريقا، وهو أقرب إلى أن يموه بإسناده إلا أنه لا يعلم لسعيد بن المسيب سماع من نصرة أو نضرة، فبطل الأحتجاج به، ولو صح لقلنا به.
وأما قول الله عز وجل: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فإنما جاء في المطلقة قال الله عز وجل: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} وهذا مردود على أول السورة في المطلقات ومحمول عليه ما بعده من قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} الآيات كلها. وإنما وجب ذلك في المتوفى عنها بخبر سبيعة الأسلمية. وقالوا: قسنا المنفسخة النكاح بعد صحته أو لفساده في ذلك على المطلقة.
قلنا: القياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل، لأن القياس عند القائلين به إنما هو أن يحكم للشيء بحكم نظيره، وليس النكاح الصحيح الحلال نظيرا للفاسد الحرام، الذي لا يحل عقده، ولا إقراره، بل هو ضده، فهو باطل لا نسبة بينه وبين الطلاق على أصول أصحاب القياس.
وأما التي انفسخ نكاحها بعد صحته، فإن الفسخ لا نسبة بينه وبين الطلاق، لأن الطلاق لا يكون إلا باختيار الزوج،
وأما الفسخ فلا يراعى اختياره في ذلك.
قال أبو محمد: وكذلك الأمة الحامل من سيدها: يموت عنها، أو يعتقها أو تحمل من زنى لا عدة عليها، وقد ثبت أن المرأة التي لا زوج لها، ولا هي في عدة، ولا هي أم ولد، فإن إنكاحها حلال وبالله تعالى التوفيق.
1878 - مسألة: ومن كان عنده أربع زوجات فطلق إحداهن ثلاثا وهي حامل منه أو غير حامل، وقد وطئها إذ كانت في عصمته أو انفسخ نكاحها منه فله أن يتزوج إثر طلاقه لها رابعة، أو أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو بنت أخيها، أو بنت أختها، ويدخل بها.
فأما في الطلاق الرجعي فلا يحل له ذلك ما دامت في عدتها.
وقولنا في هذا هو قول روي عن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت. وصح عن الحسن، وسعيد بن المسيب، وخلاس بن عمرو، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعطاء، والزهري، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وعبد الله بن أبي سلمة، وربيعة، وابن أبي ليلى، وعثمان البتي والليث بن سعد، ومالك، والشافعي، وأصحابهما، وأبي ثور، وأبي عبيد، وأبي سليمان، وأصحابه وهو الأشهر من قول الأوزاعي ولم يجز ذلك جماعة من السلف.
وروي عن علي بن أبي طالب، وصح، عن ابن عباس، وعن سعيد بن المسيب أيضا، وأحد قولي أبي عبيدة بن نضيلة، وعبيدة السلماني، وصح عن الشعبي، والنخعي، وغيرهم.
وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وأحمد بن حنبل، وأحد قولي الأوزاعي وصح عن الحسن إباحة ذلك، إلا أن تكون التي طلق حبلى.
قال أبو محمد: ما نعلم لمن منع من ذلك حجة إلا أنهم موهوا بقول الله عز وجل: {وأن تجمعوا بين الأختين} قالوا: وهذا جامع بينهما في لحاق حملهما به، وفي وجوب نفقتهما، وإسكانهما عليه. وقالوا: لا يجوز أن يجتمع ماؤه في خمس نسوة، ولا في أختين، ما نعلم لهم غير هذا قال علي: أما قولهم: إنهما يجتمعان في نفقته عليهما، وإسكانه لهما، فلسنا نساعدهم على ذلك، هم لو كان كما قالوا ما ضر ذلك شيئا، لأن الله تعالى لم يمنع من الجمع بينهما في شيء إلا في استحلال الوطء فقط. ولا فرق بين اجتماعهما في لحاق حملهما به، وبين اجتماعهما في لحاق ابنيهما به.
وأما اجتماع مائه في خمس نسوة، أو في ثمان، أو في أختين، فلا نعلم نصا من قرآن، ولا سنة: منعا من ذلك، إنما منع الله تعالى من نكاح أكثر من أربع نسوة، ومن الجمع بين الأختين في عقد نكاح، أو استحلال وطء فقط، وقد فصل الله تعالى لنا ما حرم علينا من النساء ثم قال: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم. ومن طريف تناقض الحنفيين ههنا: أن أبا حنيفة قال: من أعتق أم ولد لم يحل له أن يتزوج أختها، ولا عمتها، ولا خالتها، ولا بنت أخيها، ولا بنت أختها، حتى تتم المعتقة عدتها ثلاث حيض. قال: وله أن يتزوج أربعا قبل انقضاء عدتها، فأجاز أن يجتمع ماؤه في أربع زوجات وخامسة معتدة منه ومنع من كل ذلك زفر.
1879 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يتزوج مملوكته قبل أن يعتقها، ولا لأمرأة أن تتزوج مملوكها قبل أن تعتقه، فإن أعتقته جاز لهما التناكح إن تراضيا كالأجنبي، ولا فرق وهذا لا خلاف فيه من أحد، لأن الله تعالى قال: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} ففرق تعالى بين الصنفين فلا يجوز اجتماع صنفين فرق الله تعالى بينهما.
1880 - مسألة: وجائز للرجل أن يتزوج أمة والده التي لا تحل لوالده، وأمة ولده التي لا تحل لولده، وأمة أمه، وأمة ابنته. وجائز للعبد نكاح أم سيده، وبنت سيده، وأخت سيده، إذا كان كل ذلك بإذن سيده وما نعلم لمن منع من ذلك حجة أصلا. إلا أن بعضهم قال: قد يرثها وترثه فينفسخ النكاح .
فقلنا: نعم، فكان ماذا أو قد تشتريه ويشتريها، ولا فرق.
برهان صحة ذلك: قول الله عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} فلم يستثن الله تعالى أحدا ممن ذكرنا وما كان ربك نسيا ونعوذ بالله من اعتقاد من يظن أنه يستدرك بعقله شيئا لم يشرعه ربه تعالى.