→ كيف استقبال البيت | كتاب الأم - كتاب الصلاة المؤلف: الشافعي |
باب الحالين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة ← |
فيمن استبان الخطأ بعد الاجتهاد |
أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال إن رسول الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة).
[قال الشافعي]: وإذا غاب المرء عن البيت والمسجد الحرام الذي فيه البيت فاجتهد فرأى القبلة في موضع فلم يدخل في الصلاة حتى رآها في موضع آخر صلى حيث رأى آخرا ولم يسعه أن يصلي حيث رأى أولا وعليه اجتهاده حتى يدخل في الصلاة.
[قال]: ولو افتتح الصلاة على اجتهاده ثم رأى القبلة في غيره فهذان وجهان: أحدهما إن كانت قبلته مشرقا فغمت السماء سحابة، أو أخطأ بدلالة ريح، أو غيره ثم تجلت الشمس، أو القمر، أو النجوم فعلم أنه صلى مشرقا، أو مغربا لم يعتد بما مضى من صلاته وسلم واستقبل القبلة على ما بان له؛ لأنه على يقين من الخطأ في الأمر الأول فإن الكعبة في خلاف الموضع الذي صلى إليه فهو إن لم يرجع إلى يقين صواب عين الكعبة فقد رجع إلى يقين صواب جهتها وتبين خطأ جهته التي صلى إليها فحكمه حكم من صلى حيث يرى البيت مجتهدا، ثم علم أنه أخطأ.
قال: وكذلك إذا ترك الشرق كله واستقبل ما بين المشرق والمغرب وعلى كل من أخطأ يقينا أن يرجع إليه ويقين الخطأ يوجد بالجهة وليس على من أخطأ غير يقين عين أن يرجع إليه.
ومن رأى أنه تحرف وهو مستيقن الجهة فالتحرف لا يكون يقين خطأ وذلك أن يرى أنه قد أخطأ قريبا: مثل أن تكون قبلته شرقا فاستقبل الشرق، ثم رأى قبلته منحرفة عن جهته التي استقبل يمينا، أو يسارا وتلك جهة واحدة مشرقة لم يكن عليه إن صلى أن يعيد ولا إن كان في صلاة أن يلغي ما مضى منها وعليه أن ينحرف إلى اجتهاده الآخر فيكمل صلاته؛ لأنه لم يرجع من يقين خطأ إلى يقين صواب جهة ولا عين وإنما رجع من اجتهاده بدلالة إلى اجتهاد بمثلها يمكن فيه أن يكون اجتهاده الأول أصوب من الآخر غير أنه إنما كلف أن يكون في كل صلاته حيث يدله اجتهاده على القبلة.
قال: وهكذا إن رأى بعد الاجتهاد الثاني وهو في الصلاة أنه انحرف قليلا ينحرف إلى حيث يرى تكمل صلاته واعتد بما مضى فإن كان معه أعمى انحرف الأعمى بتحرفه ولا يسعه غير ذلك وكذلك في الموضع الذي تنتقض فيه صلاته بيقين خطأ القبلة تنتقض صلاة الأعمى معه إذا أعلمه فإن لم يعلمه ذلك في مقامه فأعلمه إياه بعد أعاد الأعمى.
وإن اجتهد بصير فتوجه، ثم عمي بعد التوجه فله أن يمضي على جهته فإن استدار عنها بنفسه، أو أداره غيره قبل أن تكمل صلاته فعليه أن يخرج من صلاته ويستقبل لها اجتهادا بغيره فإن لم يجد غيره صلاها وأعادها متى وجد مجتهدا بصيرا غيره.
وإن اجتهد مجتهد، أو جماعة فرأوا القبلة في موضع فصلوا إليها جماعة وأبصر من خلف الإمام أن قد أخطأ وأن القبلة منحرفة عن موضعه الذي توجه إليه انحرافا قريبا انحرف إليه فصلى لنفسه فإن كان يرى أن الرجل إذا كان خلف الإمام، ثم خرج من إمامة الإمام قبل أن يكمل الإمام صلاته وصار إماما لنفسه فصلاته مجزية عنه بنى على صلاته وإن كان يرى أنه مذ خرج إلى إمامة نفسه قبل فراغ الإمام من الصلاة فسدت صلاته عليه استأنف والاحتياط أن يقطع الصلاة ويستقبل حيث رأى القبلة.
قال: وهكذا كل من خلفه من أول صلاته وآخرها ما لم يخرجوا من الصلاة فإن كان الإمام رأى القبلة منحرفة عن حيث توجه توجه إلى حيث رأى ولم يكن لأحد ممن وراءه أن يتوجه بتوجهه إلا أن يرى مثل رأيه فمن حدث له منهم مثل رأيه توجه بتوجهه ومن لم ير مثل رأيه خرج من إمامته وكان له أن يبني على صلاته منفردا وإنما خالف بين هذا والمسألة الأولى أن الإمام أخرج نفسه في هذه المسألة من إمامتهم فلا يفسد ذلك صلاتهم بحال ألا ترى أنه لو أفسد صلاة نفسه، أو انصرف لرعاف، أو غيره بنوا؛ لأنه مخرج نفسه من الإمامة لا هم وفي المسألة الأولى مخرجون أنفسهم من إمامته لا هو قال والقياس أن لا يكون للأولين بكل حال أن يبنوا على صلاتهم معه؛ لأن عليهم أن يفعلوا ما فعلوا وعليه أن يفعل ما فعل فثبوته على ما فعل قد يكون إخراجا لنفسه من الإمامة وبه أقول.
وإذا اجتهد الرجل في القبلة فدخل في الصلاة، ثم شك ولم ير القبلة في غير اجتهاده الأول مضى على صلاته؛ لأنه على قبلة ما لم ير غيرها والإمام والمأموم في هذا سواء وإذا اجتهد بالأعمى فوجهه للقبلة فرأى القبلة في غير الجهة التي وجه لها لم يكن له أن يستقبل حيث رأى؛ لأنه لا رأي له وإن قال له غيره قد أخطأ بك الذي اجتهد لك فصدقه انحرف إلى حيث يقول له غيره وما مضى من صلاته مجزئ عنه؛ لأنه اجتهد به من له قبول اجتهاده.
قال: وإذا حبس الرجل في ظلمة وحيث لا دلالة بوجه من الوجوه ولا دليل يصدقه فهو كالأعمى يتأخى ويصلي على أكثر ما عنده ويعيد كل صلاة صلاها بلا دلالة وقد قيل: يسع البصير إذا عميت عليه الدلالة اجتهاد غيره فإن أخطأ به المجتهد له القبلة فدله على جهة مشرقة والقبلة مغربة أعاد كل ما صلى وإن رأى أنه أخطأ به قريبا منحرفا أحببت أن يعيد وإن لم يفعل فليس عليه إعادة؛ لأن اجتهاده في حاله تلك له إذا صدقه كاجتهاده كان لنفسه إذا لم يكن له سبيل إلى دلالة.
[قال الشافعي]: وهو يفارق الأعمى في هذا الموضع فلو أن بصيرا اجتهد لأعمى، ثم قال له غيره قد أخطأ بك فشرق، والقبلة مغربة فلم يدر لعله صدق لم يكن عليه إعادة؛ لأن خبر الأول كخبر الآخر إذا كانا عنده من أهل الصدق وأيهما كان عنده من أهل الكذب لم يقبل منه.
[قال]: والبصير إنما يصلي بيقين، أو اجتهاد نفسه ولو صلى رجل شاك لا يرى القبلة في موضع بعينه أعاد ولا تجزئه الصلاة حتى يصلي وهو يرى القبلة في موضع بعينه وكذلك لو اشتبه عليه موضعان فغلب عليه أن القبلة في أحدهما دون الآخر فصلى حيث يراها فإن صلى ولا يغلب عليه واحد منهما أعاد وكذلك لو افتتح على هذا الشك، ثم رآها حيث افتتح فمضى على صلاته أعاد لا تجزئه حتى يفتتحها حيث يراها.