→ مسألة في الصلوبية وقولهم فيها | الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة نبينا محمد ﷺ مسألة في تركهم الختان القرطبي |
مسألة في أعيادهم المصانة ← |
مسألة في تركهم الختان
لا خلاف بينهم أن عيسى عليه السلام كان مختونا وأن الختان من أحكام التوراة وثابت فيها وإن أنكر ذلك متواقح جاهل ذكرنا له نص التوراة
قال في التوراة إذ حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة أيام كما تكون أيام حيضتها وفي اليوم الثامن يختن الصبي ونكون نجسة تجلس مكانها ثلاثة وثلاثين يوما وهذا نص لا إشكال فيه ثم إن النصارى بتحكمهم وإستهانتهم بالشرائع تركوا العمل وذلك من غير أصل يعتمدون عليه ولانسخ يثبت عندهم له ومن ادعى منهم شيئا من ذلك طالبناه بنص من الإنجيل وليس لذلك من سبيل غير التحكم بالقال والقيل
وقد وجدت في كتبهم الفقهية أنهم قالوا في تأويل حكم الختان قولا أتوا فيه على التوراة بالباطل والبهتان قالوا إنما عنى بالختان نقاوة القلوب وصفاء النية وذهاب الغلوفة كالذي يقول الكتاب عن اليهود إن رقابهم قاسية وقلوبهم غلف ولذلك علمنا أن الله استقذر غلوفة القلب وليس غلوفة اللحم فما على الإنسان أن يختن لحمه إذ لامنفعة له في ذلك فمن شاء اختتن ومن شاء ترك والأحسن أن تترك الأجساد تامة غير ناقصة كما بها خلقنا الله تعالى
هذا نص كلامهم في كتبهم فانظر أيها العاقل إن كنت منصفا ما الذي ارتكبوه من العظائم ونسبوه إلى الله ورسله من الشائم
فأولها أنهم كذبوا على الله حيث قالوا إنما أراد الله بهذه الحكم إزالة غلوفية القلوب ولو كان ذلك حقا لبينه موسى للناس ولما جاءهم بالختان ولما فعله ولما فعل بيحيى وعيسى وسائر الأنبياء الذين حكموا بالتوراة ولم يزالوا يختتنون ويأمرون بالختان إلى زمان المسيح ثم إن المسيح لم ينه عنه ولا أمر بتركه فهذا على الله ورسله كذب صراح وقول وقاح
وثانيها أنهم سفهوا أحكام الله ورسل الله حيث قالوا لا منفعة في ذلك مع أن الله قد حكم به وشرعه وبلغ ذلك أنبياؤه ورسله وعلموه الناس فكيف يجوز على الله وعلى أنبيائه أن يتعبدوا الناس بحكم لا فائدة له لا في الدنيا ولا في الآخرة فهذا غاية الإفتراء على الله وعلى رسله ثم يلزمهم على ذلك أن يكونوا عابثين في أفعالهم وأن وجود الشرائع وعدمها بمثابة واحدة وكذلك إرسال الرسل وإنزال الكتب ولا كفر أعظم من هذا
ثم إنا نبدي فوائد الختان حتى يظهر كذبهم وجهلهم وتواقحهم لكل إنسان ونقول في الختان فوائد كثيرة منها
أولا أنها عبادة في بدن الإنسان إذا فعلها أثيب وإن تركها عوقب على القول بوجوبه ولا فائدة أعظم من هذا
وثانيا أنه لا يتأتى مع وجود الغلفة مبالغة في النظافة ومع زوالها يتأتى ذلك
وثالثا أنه ألذ في الجماع وأسرع لمجئ شهوة الوقاع ومع وجودها يكون أبعد للشهوة وقد تكون الغرلة إذا طالت مكسلة عن الإنزال
ورابعا أن خروج الماء الدافق من غير غلفة وإنزعاجه أشد فإن الغلفة إذا طالت ربما نقصت من إنزعاجه وفترته وإذا كان كذلك وخرج الماء فاترا قد لا يقع في المحل الذي ينعقد فيه النطفة فلا ينعقد الولد ويكون هذا كالعزل ومقصود الشرع في الغالب تكثير النسل
فهذه أربع فوائد محققة لا يتصور إنكارها وقد لا يبعد أن يقصد الشرع جميعها أو بعضها فإذن قد تبين أن النصارى كذبوا على الله وجهلوا شرع الله
وثالثها أنهم تركوا حكم الله بالتوهم بل بالهوى والتحكم وتأولوا من غير حاجة للتأويل ورفعوا النص والتنزيل فهم أهل التحريف والتبديل ثم العجب من كذبهم وظهور تناقضهم حيث حكوا عن عيسى أنه قال لم آت لأنقض شريعة من قبلي وإنما أتيت لأتممها فإن كان هذا القول حقا عندهم فلأي شيء نقضوا شريعة من قبله حرفا حرفا وإن كان كذبا فكفاك بذلك فسادا وخلفا
ورابعها أنهم لما نقضوا حكم الله فضلوا بحكمهم وأهوائهم على شرع رسول الله حيث قال والأحسن أن تترك الأجسام تامة غير ناقصة وهذه مبالغة في تسفيه موسى والنبيين وفي تسفيه المسيح فإنهم قد تركوا الأحسن وفعلوا الأسوأ والأفسد فاعتبر أحوالهم فما أعجبها وجهالاتهم فما أغربها مذمومون وهم يتوهمون أنهم يمدحون ومخالفون ويظنون أنهم متبعون ثم مع ظهور عوراتهم لكل عاقل يتعرضون للشريعة الصحيحة بكل جهل وباطل ويموهون بخرافات وترهات لا يلتفت إليها عاقل يظنون أن دين الإسلام كدينهم المستند إلى الترهات والأوهام التي لا يقبلها سليم الفطرة من العوام وسنبين أصول دين الإسلام ومستنداتهم في أحكامهم بحول الله في الفن الثاني من هذا الباب إن شاء الله تعالى مسأله في صيامهم
قال حفص بن البر منهم في بعض كتبه وقد سأله سائل عن صيامهم فقال: أول من صام الأربعين يوما موسى ابن عمران وبعد ذلك صامها إلياس النبي الذي رفعه الله في عصر بني إسرائيل ثم بعد ذلك صامها المسيح وأما العلماء فأكملوا ثلاثة وأربعين يوما وإنما هي عشر أيام السنة كما قال بولش الحواري في بعض رسائله كما تؤدون العشرات من أموالكم فأدوا العشرات من أبدانكم فهذا هو الصيام المفروض.
اعلم يا هذا أن هذا القس الذي هو حفص هو من أكيسهم وأفصحهم على أنه ليس في القوم رجل رشيد ولا ذو عقل سديد وإنما كان كذلك لأنه قد ضربت عليه الجزية ولزمه الصغار والذلة إذ كان قد نشأ في ذمة المسلمين وتعلم من علومهم ما فاق به النصارى أجمعين ومع ذلك فإذا أخذ يتكلم في علوم النصارى وأحكامهم تلجلج لسانه وقصر بيانه لأنه ينزل على آرائهم الفاسدة وتحكماتهم الباردة
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
نبين لك يا هذا أن كلامه في هذا الفصل فاسد واحتجاجه بارد وذلك أنه ادعى أن صوم الثلاثة والأربعين واجب وحين أخذ يستدل على وجوبها استدل على وجوب الأربعين ثم أخبر أن علماءهم زادوا من عند أنفسهم ثلاثة أيام
فنقول لهم وهذه الثلاثة الأيام التي ادعيتم وجوبها هل علم موسى وعيسى ومن بينهما من الأنبياء أنها من فرض الصيام أو لم يعلموا فإن كانوا قد علموا فلأي معنى لم يبلغوا ولم يبينوا ويلزم معصية الأنبياء من وجهين من حيث أنهم لم يصوموا ما هو فرض الله ومن حيث لم يبلغوا الشرع وذلك محال عليهم وإن كانوا لم يعلموا وجوب هذه الأيام الثلاثة فمن أين علم الجهال أمثالكم وجوبها والأحكام إنما تستند إلى أقوال الأنبياء وكتبهم
فإن قالوا أوجبها بولش الحواري قلنا ذلك هو الذي أفسد عليكم أديانكم وأعمى بصائركم وأذهانكم ذلك هو الذي غير دين المسيح الصحيح الذي لم تسمعوا له بخبر ولا وقفتم منه على أثر على ما تقدم، هو الذي صرفكم عن القبلة وحلل لكم كل محرم كان في الملة ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها بينكم
ويدلك على ذلك أنك إذا سمعت له قولا في حكم فتكاد لا تحده إلا مغيرا للأحكام المتقدمة مخالفا لها فتارة يزيد وأخرى ينقص وأخرى يرفع يعرف هذا من وقف على كتبهم وعلى ما ينقلون عنه ثم لو سلمنا أنه لم يفعل شيئا من ذلك لما كان ينبغي لكم أن تأخذوا بقوله وتتركوا فعل موسى وعيسى والياس وقولهم
وهل فعل ذلك إلا جهل لا ينبغي أن يصار إليه ولا يلتزمه أحد حكما عليه فإن المبلغين عن الله المبينين شرع الله إنما هم موسى وعيسى ومن تنزل منزلتهم وباتفاق منكم أن بولش ليس منزلا منزلة موسى ولا منزلة عيسى وغايته إذا سلم مما ذكر عنه في كتب التواريخ أن يكون حواريا لم تكثر صحبته لعيسى بل صحبه أياما قلائل بدعواه وليست صحبته له كصحبة متاؤوش ولا يوحنا ولا أحد من الأحد عشر حواريا ثم لو سلمنا أنه صحبة صحبتهم فلعله ارتد بعد رفع عيسى كما فعله الأشكريوث بزعمكم ثم لو سلمنا أنه لم يرتد فمن أين يلزم إتباع حكمه ولا سيما إذا غير الأحكام المتقدمة وحكم بخلافها وليس بنبي ولا رسول فإن قلتم إنه نبي فقد قدمنا ما يكذب قولكم ويرد عليكم زعمكم فقد تبين من هذا أن حفص بن البر على جلالة قدره عندهم قبل ما كان ينبغي له أن يرد ورد ما كان ينبغي له أن يقبل فإنه رد فعل موسى وعيسى وإلياس وقبل قول عامة الناس فهو وهم من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
ولو تتبعنا أحكام صيامهم لأظهرنا فيها كثيرا من هذيانهم فلنأخذ من كل باب مسألة واحدة بحول الله وحسن عونه