الرئيسيةبحث

الإعلام بما في دين النصارى/الباب الرابع/مسألة في المعمودية

الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة نبينا محمد ﷺ
مسألة في المعمودية
القرطبي

مسألة في المعمودية

أطبقت النصارى على اختلاف فرقهم على القول بالمعمودية وصفتها عندهم:

أن الذي يريد أن يدخل في دينهم أو التائب منه تتقدم الأقسة منه فيمنعونه من اللحم والخمر أياما ثم يعلمونه اعتقادهم وإيمانهم فإذا تعلم ذلك اجتمع له القسيسون فتكلم بعقيدة إيمانهم أمامهم ثم يغطسونه في ماء يغمروه وقد اختلفوا هل يغطسونه مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثا فإذا هو خرج من ذلك الماء دعى له الأسقف بالبركة ووضع يده على رأسه

هكذا كانت صفة معموديتهم قديما في الأندلس وأما اليوم فلعلهم قد غيروا بعض أحكامها وربما اختلفوا في بعض تلك الأحوال وهي عندهم عبادة مؤكدة وقاعدة ممهدة ومن لم يقبلها عندهم فهو كافر وليس له من ذنوبه غافر

وقد كتب الأسقف ليون إلى أساقفة صقليه رسالة ذكر لهم فيها أمر المعمودية وفضيلتها فقال المعمودية هي إماتة الذنوب وقتلها وتأويل الغطسات الثلاث مكث المسيح في قبره ثلاث أيام والخروج عن الماء هو الخروج عن القبر

ومنهم من تأول في هذه الغطسات الثلاث أنه التثليث الذي يعتقدون

وهذا التعميد لم يجر له في التوراة ذكر ولم يشرع الله قط لموسى لكن كتب النصارى في الإنجيل ان يحيى عمد عيسى بوادي الأردن فخرج منه روح القدس كالحمامة على الماء وزعمت النصارى أيضا أن عيسى قال للحواريين إذا مررتم بالأجناس فعمدوهم على اسم الأب والابن والروح القدس وزعموا أن بيطر عمد ثلاثة آلاف رجل في يوم نيقشتان

وهذه المسألة عندهم ظاهرة المستند قوية المعتمد فإنهم قد أسندوا نقلها إلى الأنبياء والحواريين كما تقدم ولكنا مع ذلك نطالبهم فيها مطالبات تؤذن بأنهم يرجعون إلى الترهات فنقول سلمنا لكم جدلا ما ذكرتم من إستناد المعمودية إلى ما ذكرتم لكن لم قلتم كما فعلها يحيى والحواريون نفعلها نحن ولعل الله تعالى خص يحيى والحواريين بعمل المعمودية ولم يشرعها لغيرهم فإن ادعوا أن الله شرعها لهم كما شرعها للحواريين طالبناهم بالنص من كتبهم الذي به يجب على من دون الحواريين التعميد ولا يجدون شيئا من ذلك أبدا

ثم نقول لعل الحواريين ويحيى إنما عمدوا الناس لأن ماءهم كان مقدسا ودعاءهم متقبلا لكون يحيى نبيا والحواريون كذلك عندكم وأما أنتم فلستم أنبياء وليس ماؤكم مقدسا فلستم مثلهم فكان ينبغي لكم ألا تعمدوا أحدا لكنكم وضعتم لأنفسكم شرعا بالتوهم وزدتم فيه أمورا بالتحكم ثم نقول سلمنا جدلا أن المعمودية شرع لكم فمن أين زدتم فيها العدد ووضع اليد على الرأس والنفخ في الوجه كما فعله بعض من مضى منكم ولم تكفرون من لا يستعملها ولم ينزل بشيء من ذلك سلطان ولا حكم بذلك إنجيل ولا فرقان لولا محض التلاعب بالأديان والتحكم في دين الله والخذلان

ثم نقول هذا الماء الذي تعمدون فيه أهو مقدس أو غير مقدس فإن كان مقدسا فمن قدسه فإن قلتم إن الله قدسه فمن أين علمتم ذلك ثم إن قلتم ذلك عورضتم بنقيضه وقيل لكم بل نجسه الله وإن قلتم نحن قدسناه قلنا فمن أنتم حتى شيئا وهل يصلح أن يقدس من ليس بمقدس أو يطهر من ليس بمطهر بل أنتم مذنبون تتزايد ذنوبكم في كل وقت وحين قكيف تقدسون غيركم وأنتم لا تقدسون أنفسكم فليت العجل يهضم نفسه

فحصل من هذا أن ماءكم الذي تعمدون فيه غير مقدس ولذا كان كذلك فلأي شرط تشترطون في المعمودية أن تكون بالماء وهلا عمدتم في البول فإنه ليس بنجاسة عندكم ولا فرق بينه وبين الماء إذ كل واحد منهما ليس بمقدس

ثم نقول زعم النصارى أجمعهم وكتبوا في كتبهم أن يحيى عمد عيسى المسيح بوادي الأردن

فنقول لهم هل كان عيسى عليه السلام قبل أن يعمده يحيى مقدسا أم لم يكن فإن قلتم أنه كان مقدسا فلا فائدة لفعل يحيى ولأي شيء لم ينزل عليه روح القدس قبل التعميد وأنتم تقولون أنه لما عمده نزل عليه الروح القدس مثل حمامة بيضاء وإن كان غير مقدس فكيف يكون من ليس بمقدس إلها أو ابن إله وأنتم تزعمون بجهلكم على اختلاف أقوالكم أنه اتحد بناسوته اللاهوت وهو في بطن أمه وكيف يتحد اللاهوت بمن ليس بمقدس وهل هذا كله منكم إلا هذيان وضرب من الخذلان تمجه القلوب والآذان

الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة نبينا محمد
مقدمة | صدر الكتاب | الباب الأول: في بيان مذاهبهم في الأقانيم وإبطال قولهم فيها | الفصل الثاني: أقانيم القدرة والعلم والحياة | الفصل الثالث: تعليل التثليث | الفصل الرابع: دليل التثليث | الفصل الخامس: في بيان اختلافهم في الأقانيم | الباب الثاني: في بيان مذاهبهم في الاتحاد والحلول وإبطال قولهم فيها | الفصل الثاني: معنى الاتحاد | الفصل الثالث: الواسطة بين الله وبين موسى | الفصل الرابع: تجسد الواسطة | الفصل الخامس: في حكاية كلام المتقدمين | الفصل السادس: في حكاية مذهب أغشتين إذ هو زعيم القسيسين | الباب الثالث: في النبوات وذكر كلامهم | الفصل الأول: احتجاج أصحاب الملل | الفصل الثاني: المسيح المنتظر | الفصل الثالث: المسيح عيسى ابن مريم | فصل: في بيان بعض ما طرأ في التوراة من الخلل وأنها لم تنقل نقلا متواترا فتسلم لأجله من الخطأ والزلل | فصل في بيان أن الإنجيل ليس بمتواتر وبيان بعض ما وقع فيه من الخلل | الفصل السابع: هاجر أم إسماعيل الذبيح | القسم الثاني: في النبوات وإثبات نبوة محمد ﷺ | القسم الثاني: في إثبات نبوة نبينا محمد ﷺ | النوع الأول من الأدلة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: إخبار الأنبياء به قبله | النوع الثاني: الاستدلال على نبوته بقرائن أحواله ﷺ | خاتمة جامعة في صفاته وشواهد صدقه وعلاماته | النوع الثالث: الاستدلال على نبوته صلى الله عليه وسلم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد | الوجه الأول من وجوه إعجاز القرآن | الوجه الثاني | الوجه الثالث | الوجه الرابع | النوع الرابع | الفصل الثالث عشر في ما ظهر على أصحابه والتابعين لهم من الكرامات الخارقة للعادات | الباب الرابع: في بيان أن النصارى متحكمون في أديانهم وأنهم لا مستند لهم في أحكامهم إلا محض أغراضهم وأهوائهم | الفصل الأول: ليست النصارى على شيء | الفصل الثاني: خروج النصارى على تعاليم التوراة والإنجيل | الفن الأول: شعائر الدين النصراني وطقوسه | مسألة في المعمودية | مسألة في غفران الأساقفة والقسيسين ذنوب المذنبين واختراعهم الكفارة للعاصين | مسألة في الصلوبية وقولهم فيها | مسألة في تركهم الختان | مسألة في أعيادهم المصانة | مسألة في قربانهم | مسألة في تقديسهم دورهم وبيوتهم بالملح | مسألة في تصليبهم على وجوههم في صلاتهم | مسألة في قولهم في النعيم والعذاب الأخراوين | الفن الثاني: محاسن دين الإسلام