الرئيسيةبحث

إغاثة اللهفان/الباب الثالث عشر/4


فصل

وأما من حلف بالطلاق: أن في هذه اللوزة حبتين ونحو ذلك مما لا يتيقنه الحالف فبان كما حلف عليه، فهذا لا يحنث عند الأكثرين وكذلك لو لم يتبين الحال واستمر مجهولا فإن النكاح ثابت بيقين فلا يزيله بالشك

ولمالك أصل نازعه فيه غيره وهو إيقاع الطلاق بالشك في الحنث وإيقاعه بالشك في عدده كما تقدم وإيقاعه بالشك في المطلقة كما لو طلق واحدة من نسائه ثم أنسيها ووقف الحال مدة الإيلاء ولم يتبين طلق عليه الجميع

وكما لو حلف أن هذا فلان أو حيوان وهو غير متيقن له بل هو شاك حال الحلف فتبين أن الأمر كما حلف عليه فإنه يحنث عنده وتطلق امرأته فمن حلف على رجل أنه زيد فتبين أنه غيره أو لم يتبين: أهو المحلوف عليه أم لا حنث عنده وإن تبين أنه المحلوف عليه وكان حال اليمين لا يعلم حقيقته ولا يغلب على ظنه ولا طريق له إلى العلم به في العادة فإنه يحنث عنده لشكه حال الحلف فالحالف يحنث بالمخالفة لما حلف عليه أما في الطلب فبأن يفعل ما حلف على تركه وأما في الخبر فبأن يتبين كذبه وعند مالك يحنث بأمر آخر وهو الشك حال اليمين سواء تبين صدقه أم لا

وأبلغ من هذا: أنه يحنث من حلف بالطلاق على إنسان إلى جانبه إنسان أو حجر: أنه حجر ونحو ذلك مما لا شك فيه

وعمدته في الموضعين: أن الحالف هازل فإن من قال: أنت طالق إذ لم تكوني امرأة أو إن لم أكن رجلا لا معنى لكلامه إلا الهزل فإن هذا مما لا غرض للعقلاء فيه قالوا إن لم يكن هذا هزلا فإن الهزل لا حقيقة له

وربما عللوا الحنث بأنه أراد أن يجزم الطلاق ثم ندم فوصله بما لا يفيد ليرفعه

وأما في القسم الأول: فأصله فيه: تغليب الحنث بالشك كمن حلف ثم شك: هل حنث أم لا فإنهم يأمرونه بفراق زوجته وهل هو للوجوب أم للاستحباب على قولين الأول: لابن القاسم والثاني: لمالك

فمالك يراعي بقاء النكاح وقد شككنا في زواله والأصل البقاء وابن القاسم يقول:

قد صار حل الوطء مشكوكا فيه فيجب عليه مفارقتها والأكثرون يقولون: لا يجب عليه مفارقتها ولا يستحب له فإن قاعدة الشريعة: أن الشك لا يقوى على إزالة الأصل المعلوم ولا يزول اليقين إلا بيقين أقوى منه أو مساو له

فصل

وأما من طلق واحدة من نسائه ثم أنسيها أو طلق واحدة مبهمة ولم يعينها فقد اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة على أقوال: فقال أبو حنيفة والشافعي والثوري وحماد: يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق في المبهمة وأما في المنسية فيمسك عنهن وينفق عليهن حتى ينكشف الأمر فإن مات الزوج قبل أن يقرع فقال أبو حنيفة: يقسم بينهن كلهن ميراث امرأة

وقال الشافعي: يوقف ميراث امرأة حتى يصطلحن

وقالت المالكية: إذا طلق واحدة منهن غير معلومة عنده بأن قال: أنت طالق ولا يدري من هي طلق الجميع وإن طلق واحدة معلومة ثم أنسيها وقف عنهن حتى يتذكر فإن طال ذلك ضرب له مدة المولى فإن تذكر فيها وإلا طلق عليه الجميع ولو قال: إحداكن طالق ولم يعينها بالنية طلق الجميع

وقال أحمد: يقرع بينهن في الصورتين نص على ذلك في رواية جماعة من أصحابه وحكاه عن علي وابن عباس

وظاهر المذهب الذي عليه جل الأصحاب أنه لا فرق بين المبهمة والمنسية

وقال صاحب المغني: يخرج المبهمة بالقرعة وأما المنسية فإنه يحرم عليه الجميع حتى تتبين المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع فإن مات أقرع بينهن للميراث قال: وقد روى إسماعيل ابن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل في المنسية لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال: سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق قال: أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت: أفرأيت إن مات هذا قال: أقول بالقرعة وذلك لأنه تصير القرعة على المال قال: وجماعة من روى عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث وأما في الحل فلا ينبغي أن تثبت القرعة قال: وهذا قول أكثر أهل العلم واحتج الشيخ لصحة قوله: بأنه اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت عليه بأجنبية لم يكن له عليها عقد ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة فلا ترفع الطلاق عمن وقع عليها ولاحتمال كون المطلقة غير من خرجت عليها القرعة ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال بالطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها قال: وقد قال الخرقي فيمن طلق امرأته فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا ومن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة: لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فههنا أولى قال: وهكذا الحكم في كل موضع أوقع الطلاق على امرأة بعينها ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة في روزنة أو مولية فيقول: أنت طالق ولا يعلم ولا يعلم عينها من نسائه وكذلك إذا أوقع الطلاق على واحدة من نسائه في مسألة الطائر وشبهها فإنه يحرم عليه جميع نسائه حتى تتبين المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع لأنهن محبوسات عليه وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئا ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزويج لأنها يجوز أن تكون غير المطلقة ولا يحل للزوج غيرها لاحتمال أن تكون المطلقة

وقال أصحابنا: إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها، فحل لها النكاح بعد انقضاء عدتها وحل للزوج من سواها كما لو كان الطلاق في واحدة غير معينة

وقال شيخنا: الصحيح استعمال القرعة في الصورتين

قلت: وهو منصوص أحمد في رواية الجماعة وأما رواية الشالنجي فإنه توقف وكره أن يقول في الطلاق بالقرعة ولم يعين المنسية ولا المبهمة وأكثر نصوصه على القرعة في الصورتين

قال في رواية الميموني فيمن له أربع نسوة طلق واحدة منهن ولم يدر: يقرع بينهن وكذلك في الأعبد فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثم ذكر التي طلق رجعت هذه التي وقعت عليها القرعة ويقع الطلاق على التي ذكر فإن تزوجت فذاك شيء قد مر

وكذلك نقل أبو الحرث عنه في رجل له أربع نسوة طلق إحداهن ولم يكن له نية في واحدة بعينها يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة فهي المطلقة وكذلك إن قصد إلى واحدة بعينها ونسيها

فنص على القرعة في الصورتين مسويا بينهما

والذي أفتى به علي رضى الله عنه هو في المنسية وبه احتج أحمد رحمه الله

قال وكيع: سمعت عبد الله قال: سألت أبا جعفر عن رجل كان له أربع نسوة وطلق إحداهن لا يدري أيتهن طلق فقال قال على رضي الله عنه: يقرع بينهن

والأدلة الدالة على القرعة تتناول الصورتين والمنسية قد صارت كالمجهولة شرعا فلا فرق بينها وبين المبهمة المجهولة ولأن في الايقاف والإمساك حتى يتذكر وتحريم الجميع عليه وإيجاب النفقة على الجميع عدة مفاسد له وللزوجات مندفعة شرعا ولأن القرعة أقرب إلى مقاصد الشرع ومصلحة الزوج والزوجات من تركهن معلقات لا ذوات زوج ولا أيامى وتركه هو معلقا لاذا زوج ولا عزبا وليس في الشريعة نظير ذلك بل ليس فيها وقف الأحكام بل الفصل وقطع الخصومات بأقرب الطرق فإذا ضاقت الطرق ولم يبق إلا القرعة تعينت طريقا كما عينها الشارع في عدة قضايا حيث لم يكن هناك غيرها ولم يوقف الأمر إلى وقت الانكشاف فإنه إذا علم أنه لا سبيل له إلىانكشاف الحال كان إيقاف الأمر إلى آخر العمر من أعظم المفاسد التي لا تأتي بها الشريعة وغاية ما يقدر أن القرعة تصيب التي لم يقع عليها الطلاق وتخطىء المطلقة وهذا لا يضرها ههنا فإنها لما جهل كونها هي التي وقع عليها الطلاق صار المجهول كالمعدوم وكل ما يقدر من المفسدة في ذلك فمثلها في العتق سواء وقد دلت سنة رسول الله ﷺ الصحيحة الصريحة على إخراج المعتق من غيره بالقرعة وقد نص أحمد على حلع البضع بالقرعة

فقال في رواية ابن منصور وحنبل: إذا زوجها الوليان من رجلين ولم يعلم السابق منهما أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حكم أنه الأول

فإذا قويت القرعة على تعيين الزوج في حل البضع له فلأن تقوى على تعيين المطلقة في تحريم بضعها عنه أولى فإن الطلاق مبنى على التغليب والسراية وهو أسرع نفوذا وثبوتا من النكاح من وجوه كثيرة

وقول الشيخ أبي محمد قدس الله تعالى روحه: إنه اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن عليها عقد

جوابه: بالفرق بين حالتي الدوام والابتداء فإنه هناك شك في هذه الأجنبية هل حصل عقد أم لا والأصل فيها التحريم فإذا اشتبهت بها الزوجة لم يقدم على واحدة منهما وههنا ثبت الحل والنكاح وحصل الشك بعده هل يزول في هذه أو في هذه فإما أن يحرما جميعا أو يحلا جميعا أو يقال له: اختر من ينزل عليه التحريم أو يوقف الأمر أبدا أو يستعمل القرعة والأقسام الأربعة الأول باطلة لا أصل لها في السنة ولم يعتبرها الشارع بخلاف القرعة وبالجملة فلا يصح إلحاق إحدى الصورتين بالأخرى إذ هناك تحريم متيقن ونحن نشك في حله وهنا حل متيقن نشك في تحريمه بالنستة إلى كل واحدة

قوله: ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق على من وقع عليه

فيقال: إذا جهلت المطلقة ولم يكن له سبيل إلى تعيينها قامت القرعة مقام الشاهد والمخبر بأنها المطلقة للضرورة حيث تعينت طريقا فالمطلقة المجهولة قد صار طلاقها بعينها كالمعدوم ولو كانت مطلقة في نفس الأمر فإن الشارع لم يكلفنا بما في نفس الأمر بل بما ظهر وبدا ولهذا لو نسي الطلاق بالكلية وأقام على وطئها حتى توفي كانت أحكامه أحكام الزوج والنسب لاحق به والميراث ثابت وهي مطلقة في نفس الأمر ولكن ليست مطلقة في حكم الله كما لو طلع الهلال في نفس الأمر ولم يره أحد من الناس أو كان الهلال تحت الغيم فإنه لا يترتب عليه حكم الشهر ولا يكون طالعا في حكم الله تعالى وإن كان طالعا في نفس الأمر ونظائر هذا كثيرة جدا

فغاية الأمر: أن هذه مطلقة في نفس الأمر ولا علم له بطلاقها فلا تكون مطلقة في الحكم كما لو نسي طلاقها

قوله: ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر

جوابه: أن القرعة إنما عملت مع استمرار النسيان فإذا زال النسيان بطل عمل القرعة كما أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء بطل حكم تيممه فإن التراب إنما يعمل عند العجز عن الماء فإذا قدر عليه بطل حكمه ونظائر ذلك كثيرة

منها: أن الاجتهاد إنما يعمل به عند عدم النص فإذا تبين النص فلا اجتهاد إلا في إبطال ما خالفه

قوله: وقد قال الخرقي فيمن طلق امرأته ولم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا يلزمه الثلاث ومن حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فههنا أولى

فيقال: الخرقي نص على المسئلتين مفرقا بينهما في مختصره فقال: وإذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة وقال: ما حكاه الشيخ عنه في الموضعين فأما من شك: هل طلق واحدة أم ثلاثا فأكثر النصوص أنه إنما يلزمه واحدة وهو ظاهر المذهب والخرقي اختار الرواية الأخرى وهي مذهب مالك وقد تقدم مأخذ القولين وبيان الراجح منهما

وعلى القول بلزوم الثلاث فالفرق بين ذلك وبين إخراج المنسية بالقرعة: أن المجهول في الشرع كالمعدوم فقد جهلنا وقوع الطلاق بأي الزوجتين فلم يتحقق تحريم إحداهما ولم يكن لنا سبيل إلى تحريمهما ولا إباحتهما والوقف مفسدة ظاهرة فتعينت القرعة بخلاف من أوقع على زوجته طلاقا وشك في عدده فإنه قد شك: هل يرتفع ذلك الطلاق بالرجعة أولا يرتفع بها فألزمه بالثلاث فظهر الفرق بينهما على هذا القول وأما على المشهور من المذهب فلا إشكال

وأما من حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة فقد قال الخرقي: إنه يمنع من وطء زوجته حتى يتيقن وهذا يحتمل الكراهة والتحريم ومذهب الشافعي وأبي حنيفة: أنه لا يحنث ولا يحرم عليه وطء زوجته هو اختيار أبي الخطاب وهو الصحيح وإن أراد به التحريم فهو يشبه ما قاله هو ومالك فيمن طلق وشك هل طلق واحدة أم ثلاثا

فصل

وأما من حلف على يمين ثم نسيها وقولهم: يلزمه جميع ما يحلف به فقول شاذ جدا وليس عن مالك إنما قاله بعض أصحابه وسائر أهل العلم على خلافه وأنه لا يلزمه شيء حتى يتيقن كما لو شك: هل حلف أو لا

فإن قيل فينبغي أن يلزمه كفارة يمين لأنها الأقل

قيل: موجب الأيمان مختلف فما من يمين إلا وهي مشكوك فيها هل حلف بها أم لا

وعلى قول شيخنا: يلزمه كفارة يمين حسب لأن ذلك موجب الأيمان كلها عنده

فصل

وأما من حلف ليفعلن كذا ولم يعين وقتا فعند الجمهور هو على التراخي إلى آخر عمره إلا أن يعين بنيته وقتا فيتقيد به فإن عزم على الترك بالكلية حنث حال ه زمه نص عليه أحمد وقال مالك: هو على حنث حتى يفعل فيحال بينه وبين امرأته إلى أن يأتي بالمحلوف عليه وهذا صحيح على أصله في سد الذرائع فإنه إذا كان على التراخي إلى وقت الموت لم يكن لليمين فائدة وصار لا فرق بين الحلف وعدمه والحمل في ذلك على القرينة والعرف إن لم تكن نية ولا يكاد اليمين يتجرد عن هذه الثلاثة

فصل

وأما تعليق الطلاق بوقت يجىء لا محالة كرأس الشهر والسنة وآخر النهار ونحوه فللفقهاء في ذلك أربعة أقوال:

أحدها: أنها لا تطلق بحال وهذا مذهب ابن حزم واختيار أبي عبد الرحمن الشافعي وهو من أجل أصحاب الوجوه

وحجتهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق بالشرط كما لا يقبله النكاح والبيع والإجارة والإبراء

قالوا: والطلاق لا يقع في الحال ولا عند مجىء الوقت أما في الحال فلأنه لم يوقعه منجزا وأما عند مجىء الوقت فلأنه لم يصدر منه طلاق حينئذ ولم يتجدد سوى مجىء الزمان ومجى الزمان لا يكون طلاقا

وقابل هذا القول آخرون وقالوا: يقع الطلاق في الحال وهذا مذهب مالك وجماعة من التابعين

وحجتهم: أن قالوا: لو لم يقع في الحال لحصل منه استباحة وطء مؤقت وذلك غير جائز في الشرع لأن استباحة الوطء فيه لا تكون إلا مطلقا غير مؤقت ولهذا حرم نكاح المتعة لدخول الأجل فيه وكذلك وطء المكاتبة ألا ترى أنه لوعرى من الأجل بأن يقول: إن جئتني بألف درهم فأنت حرة لم يمنع ذلك الوطء

قال الموقعون عند الأجل: لا يجوز أن يؤخذ حكم الدوام من حكم الابتداء فإن الشريعة فرقت بينهما في مواضع كثيرة فإن ابتداء عقد النكاح في الإحرام فاسد دون دوامه وابتداء عقده على المعتدة فاسد دون دوامه وابتداء عقده على الأمة مع الطول وعدم خوف العنت فاسد دون دوامه وابتداء عقده على الزانية فاسد عند أحمد ومن وافقه دون دوامه ونظائر ذلك كثيرة جدا

قالوا: والمعنى الذي حرم لأجله نكاح المتعة: كون العقد مؤقتا من أصله وهذا العقد مطلق وإنما عرض له ما يبطله ويقطعه فلا يبطل كما لو علق الطلاق بشرط وهو يعلم أنها تفعله أو يفعله هو ولا بد ولكن يجوز تخلفه

والقول الثالث: أنه إن كان الطلاق المعلق بمجيء الوقت المعلوم ثلاثا وقع في الحال وإن كان رجعيا لم يقع قبل مجيئه وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد نص عليه في رواية مهنا: إذا قال: أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر: هي طالق الساعة كان سعيد ابن المسيب والزهري لا يوقتون في الطلاق قال مهنا: فقلت له: أفتتزوج هذه التي قال لها: أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر قال لا: ولكن يمسك عن الوطء أبدا حتى يموت هذا لفظه

وهو في غاية الإشكال فإنه قد أوقع عليها الطلاق منجزا فكيف يمنعها من التزويح

وقوله: يمسك عن الوطء أبدا يدل على أنها زوجته إلا أنه لا يطؤها وهذا لا يكون مع وقوع الطلاق فإن الطلاق إذا وقع زالت أحكام الزوجية كلها فقد يقال: أخذ بالاحتياط فأوقع الطلاق ومنعها من التزويج للخلاف في ذلك فحرم وطأها وهو أثر الطلاق ومنعها من التزويج لأن النكاح لم ينقطع بإجماع ولا نص

ووجه هذا: أنه إذا كان الطلاق ثلاثا لم يحل وطؤها بعد الأجل فيصير حال الوطء مؤقتا وإن كان رجعيا جاز له وطؤها بعد الأجل فلا يصير الحال مؤقتا وهذا أفقه من القول الأول

والقول الرابع: أنها لا تطلق إلا عند مجىء الأجل وهو قول الجمهور وإنما تنازعوا هل هو مطلق في الحال ومجىء الوقت شرط لنفوذ الطلاق كما لو وكله في الحال وقال: لاتتصرف إلى رأس الشهر فمجىء رأس الشهر شرط لنفوذ تصرفه لا لحصول الوكالة بخلاف ما إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك ولهذا يفرق الشافعي بينهما فيصحح الأولى ويبطل الثانية أو يقال: ليس مطلقا في الحال وإنما هو مطلق عند مجىء الأجل فيقدر حينئذ أنه قال: أنت طالق فيكون حصول الشرط وتقدير حصول: أنت طالق معا فعلى التقدير الأول: السبب تقدم وتأخر شرط تأثيره وعلى التقدير الثاني: نفس السبب تأخر تقديرا إلى مجىء الوقت وكأنه قال: إذا جاء رأس الشهر فحينئذ أنا قائل لك: أنت طالق فإذا جأء رأس الشهر قدر قائلا لذلك اللفظ المتقدم

فمذهب الحنفية: أن الشرط يمتنع به وجود العلة فإذا وجد الشرط وجدت العلة فيصير وجودها مضافا إلى الشرط وقبل تحققه لم يكن المعلق عليه علة بخلاف الوجوب فإنه ثابت قبل مجىء الشرط فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فالعلة للوقوع: التلفظ بالطلاق والشرط الدخول وتأثيره في امتناع وجود العلة قبله فإذا وجد وجدت

وأصحاب الشافعي يقولون: أثر الشرط في تراخي الحكم والعلة قد وجدت وإنما تراخي تأثيرها إلى وقت مجيء الشرط فالمتقدم علة قد تأخر تأثيرها إلى مجىء الشرط

فصل

وأما ما أفتى به الحسن وإبراهيم النخعي ومالك في إحدى الروايتين عنه: أن من شك هل انتقض وضوءه أم لا وجب عليه أن يتوضأ احتياطا ولا يدخل في الصلاة بطهارة مشكوك فيها

فهذه مسألة نزاع بين الفقهاء

وقد قال الجمهور منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابهم ومالك في الرواية الأخرى عنه إنه لا يجب عليه الوضوء وله أن يصلي بذلك الوضوء الذي تيقنه وشك في انتقاضه واحتجوا بما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وهذا يعم المصلي وغيره

وأصحاب القول الأول يقولون: الصلاة ثابتة في ذمته بيقين وهو يشك في براءة الذمة منها بهذا الوضوء فإنه على تقدير بقائه هي صحيحة وعلى تقدير انتقاضه باطلة فلم يتيقن براءة ذمته ولأنه شك في شرط الصلاة: هل هو باق أم لا فلا يدخل فيها بالشك

والآخرون يجيبون عن هذا بأنها صلاة مستندة إلى طهارة معلومة قد شك في بطلانها فلا يلتفت إلى الشك ولا يزيل اليقين به كما لو شك: هل أصاب ثوبه أو بدنه نجاسة فإنه لا يجب عليه غسله وقد دخل في الصلاة بالشك

ففرقوا بينهما بفرقين:

أحدهما: أن اجتناب النجاسة ليس بشرط ولهذا لا يجب نيته وإنما هو مانع والأصل عدمه بخلاف الوضوء فإنه شرط وقد شك في ثبوته فأين هذا من هذا

الثاني: أنه قد كان قبل الوضوء محدثا وهو الأصل فيه فإذا شك في بقائه كان ذلك رجوعا إلى الأصل وليس الأصل فيه النجاسة حتى نقول: إذا شك في حصوله رجعنا إلى الأصل النجاسة فهنا يرجع إلى أصل الطهارة وهناك يرجع إلى أصل الحدث

قال الآخرون: أصل الحدث قد زال بيقين الطهارة فصارت هي الأصل فإذا شككنا في الحدث رجعنا إليه فأين هذا من الوسواس المذموم شرعا وعقلا وعرفا

فصل

وأما قولكم: إن من خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله: فليس هذا من باب الوسواس وإنما ذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به فإنه قد وجب عليه غسل جزء من ثوبه ولا يعلمه بعينه ولا سبيل إلى العلم بأداء هذا الواجب إلا بغسل جميعه

فصل

وأما مسألة الثياب التي اشتبه الطاهر منها بالنجس فهذه مسألة نزاع فذهب مالك في رواية عنه وأحمد: إلى أنه يصلي في ثوب بعد ثوب حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر

وقال الجمهور ومنهم أبو حنيفة والشافعي ومالك في الرواية الأخرى إنه يتحرى فيصلي في واحد منها صلاة واحدة كما يتحرى في القبلة

وقال المزني وأبو ثور: بل يصلي عريانا ولا يصلي في شيء منها لأن الثوب النجس في الشرع كالمعدوم والصلاة فيه حرام وقد عجز عن السترة بثوب طاهر فسقط فرض السترة وهذا أضعف الأقوال

والقول بالتحري هو الراجح الظاهر سواء كثر عدد الثياب الطاهرة أو قل وهو اختيار شيخنا وابن عقيل يفصل فيقول: إن كثر عدد الثياب تحرى دفعا للمشقة وإن قل عمل باليقين

قال شيخنا: اجتناب النجاسة من باب المحظور فإذا تحرى وغلب على ظنه طهارة ثوب منها فصلى فيه لم يحكم ببطلان صلاته بالشك فإن الأصل عدم النجاسة وقد شك فيها في هذا الثوب فيصلي فيه كما لو استعار ثوبا أو اشتراه ولا يعلم حاله

وقول أبي ثور في غاية الفساد فإنه لو تيقن نجاسة الثوب لكانت صلاته فيه خيرا وأحب إلى الله من صلاته متجردا بادى السوءة للناظرين وبكل حال فليس هذا من الوسواس المذموم

فصل

وأما مسألة اشتباه الأواني فكذلك ليست من باب الوسواس وقد اختلف فيها الفقهاء اختلافا متباينا

فقال أحمد: يتيمم ويتركها وقال مرة يريقها ويتيمم ليكون عادما للماء الطهور بيقين

وقال أبو حنيفة: إن كان عدد الأواني الطاهرة أكثر تحرى وإن تساوت أو كثرت النجسة لم يتحر وهذا اختيار أبي بكر وابن شاقلا والنجاد من أصحاب أحمد وقال الشافعي وبعض المالكية: يتحرى بكل حال وقال عبد الله بن الماجشون: يتوضأ بكل واحد منها وضوءا ويصلي وقال محمد بن مسلمة من المالكية: يتوضأ من أحدها ويصلي ثم يغسل ما أصابه منه ثم يتوضأ من الآخر ويصلي

وقالت طائفة منهم شيخنا يتوضأ من أيها شاء بناء على أن الماء لا ينجس إلا بالتغير فتستحيل المسألة وليس هذا موضع ذكر حجج هذه الأقوال وترجيح راجحها

فصل

وأما إذا اشتبهت عليه القبلة فالذي عليه أهل العلم كلهم: أنه يجتهد ويصلي صلاة واحدة

وشذ بعض الناس فقال: يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات وهذا قول شاذ مخالف للسنة وإنما التزمه قائله في مسألة اشتباه الثياب وهذا ونحوه من وجوه الالتزامات عند المضايق طردا لدليل المستدل: مما لا يلتفت إليها ولا يعول عليها

ونظيره: التزام من التزم اشتراط النية لإزالة النجاسة لما ألزمهم أصحاب أبي حنيفة بذلك قال بعضهم: نقول به

ونظيره: إدراك الجمعة بإدراك تكبيرة مع الإمام لما ألزمت الحنفية من نازعها في ذلك بالتسوية بين الجمعة والجماعة التزمه بعضهم وقال: نقول به

فصل

وأما من ترك صلاة من يوم لا يعلم عينها فاختلف الفقهاء في هذه المسئلة على أقوال:

أحدها: أنه يلزمه خمس صلوات نص عليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وإسحق لأنه لا سبيل له إلى العلم ببراءة ذمته يقينا إلا بذلك

القول الثاني: أنه يصلي رباعية ينوي بها ما عليه ويجلس عقيب الثانية والثالثة والرابعة وهذا قول الأوزاعي وزفر بن الهذيل ومحمد بن مقاتل من الحنفية بناء على أنه يخرج من الصلاة بدون الصلاة على النبي ﷺ وبدون السلام وأن نية الفرضية تكفي من غير تعيين كما في الزكاة ولا يضر جلوسه عقيب الثالثة إن كانت المنسية رباعية لأنه زيادة من جنس الصلاة لا على وجه العمد

القول الثالث: أنه يجزيه أن يصلي فجرا ومغربا ورباعية ينوي ما عليه وهذا قول سفيان الثوري ومحمد بن الحسن ويخرج على المذهب إذا قلنا بأن نية المكتوبة تكفي من غير تعيين

وقد قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يسأل: ما تقول في رجل ذكر أن عليه صلاة لم يعينها فصلى ركعتين وجلس وتشهد ونوى بها الغداة ولم يسلم ثم قام فأتى بركعة وجلس فتشهد ونوى بها المغرب وقام ولم يسلم وأتى برابعة ثم جلس فتشهد ونوى بها ظهرا أو عصرا أو عشاء الآخرة ثم سلم فقال له أبي: هذا يجزيه ويقضي عنه على مذهب العراقيين لأنهم اعتمدوا في التشهد على خبر ابن مسعود: إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك وأما على مذهب صاحبنا أبي عبد الله الشافعي ومذهبنا لا يجزىء عنه لأنا نذهب إلى قوله: ﷺ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ونذهب إلى الصلاة على رسول الله ﷺ فيها هذا لفظه

قال أبو البركات: هذا من أحمد: يبين أن قضاء الواحدة لا يجزيه لتعذر التحليل المعتبر لا لفوات نية التعيين فإذا قضى ثلاثا كما قال الثوري اندفع المفسد وبكل حال فليس في هذا راحة للموسوسين

فصل

وأما من شك في صلاته فإنه يبني على اليقين لأنه لا تبرأ ذمته منه بالشك

وأما تحريم أكل الصيد إذا شك صاحبه: هل مات بالجرح أو بالماء وتحريم أكله إذا خالط كلابه كلبا من غيره فهو الذي أمر به رسول الله ﷺ لأنه قد شك في سبب الحل والأصل في الحيوان التحريم فلا يستباح بالشك في شرط حله بخلاف ما إذا كان الأصل فيه الحل فإنه لا يحرم بالشك في سبب تحريمه كما لو اشترى ماء أو طعاما أو ثوبا لا يعلم حاله جاز شربه وأكله ولبسه وإن شك: هل تنجس أم لا فإن الشرط متى شق اعتباره أو كان الأصل عدم المانع لم يلتفت إلى ذلك

فالأول: كما إذا أتى بلحم لا يعلم: هل سمى عليه ذابحه أم لا وهل ذكاه في الحلق واللبة واستوفى شروط الذكاة أم لا لم يحرم أكله لمشقة التفتيش عن ذلك وقد قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إن ناسا من الأعراب يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال: سموا أنتم وكلوا مع أنه قد نهى عن أكل ما لم يذكر عليه اسم الله تعالى

والثاني كما ذكرنا من الماء والطعام واللباس فإن الأصل فيها الطهارة وقد شك في وجود المنجس فلا يلتفت إليه

فصل

وأما ما ذكرتموه عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما فشيء تفردا به دون الصحابة ولم يوافق ابن عمر على ذلك أحد منهم وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إن بي وسواسا فلا تقتدوا بي

وظاهر مذهب الشافعي وأحمد: أن غسل داخل العينين في الوضوء لا يستحب وإن أمن الضرر لأنه لم ينقل عن رسول الله ﷺ أنه فعله قط ولا أمر به وقد نقل وضوءه جماعة كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والربيع بنت معوذ وغيرهم فلم يقل أحد منهم: إنه غسل داخل عينيه وفي وجوبه في الجنابة روايتان عن أحمد أصحهما أنه لا يجب وهو قول الجمهور وعلى هذا فلا يجب غسلهما من النجاسة وأولى لأن المضرة به أغلب لزيادة التكرار والمعالجة

وقالت الشافعية والحنفية: يجب لأن إصابة النجاسة لهما تندر فلا يشق غسلهما منها وغلا بعض الفقهاء من أصحاب أحمد فأوجب غسلهما في الوضوء وهو قول لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه والصحيح أنه لا يجب غسلهما في وضوء ولا جنابة ولا من نجاسة

وأما فعل أبي هريرة رضي الله عنه فهو شيء تأوله وخالفه فيه غيره وكانوا ينكرونه عليه وهذه المسئلة تلقب بمسئلة إطالة الغرة وإن كانت الغرة في الوجه خاصة

وقد اختلف الفقهاء في ذلك وفيها روايتان عن الإمام أحمد

إحداهما: يستحب إطالتها وبها قال أبو حنيفة والشافعي واختارها أبو البركات ابن تيمية وغيره

والثانية: لا يستحب وهي مذهب مالك وهي اختيار شيخنا أبي العباس

فالمستحبون يحتجون بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من أثر الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله متفق عليه ولأن الحلية تبلغ من المؤمن حيث يبلغ الوضوء

قال النافون للاستحباب: قال رسول الله ﷺ: إن الله حد حدودا فلا تعتدوها والله سبحانه قد حد المرفقين والكعبين فلا ينبغي تعديهما ولأن رسول الله ﷺ لم ينقل من نقل عنه وضوءه أنه تعداها ولأن ذلك أصل الوسواس ومادته ولأن فاعله إنما يفعله قربة وعبادة والعبادات مبناها على الاتباع ولأن ذلك ذريعة إلى الغسل إلى الفخذ وإلى الكتف وهذا مما يعلم أن النبي ﷺ وأصحابه لم يفعلوه ولا مرة وحدة ولأن هذا من الغلو وقد قال ﷺ إياكم والغلو في الدين ولأنه تعمق وهو منهي عنه ولأنه عضو من أعضاء الطهارة فكره مجاوزته كالوجه

وأما الحديث فراويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نعيم المجمر وقد قال: لا أدري قوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل من قول رسول الله ﷺ أو من قول أبي هريرة رضي الله عنه روي ذلك عنه الإمام أحمد في المسند

وأما حديث الحلية فالحلية المزينة ما كان في محله فإذا جاوز محله لم يكن زينة

فصل

وأما قولكم: إن الوسواس خير مما عليه أهل التفريط والاسترسال وتمشية الأمر كيف اتفق إلى آخره

فلعمر الله إنهما لطرفا إفراط وتفريط وغلو وتقصير وزيادة ونقصان وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الأمرين في غير موضع كقوله: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط [ الإسراء: 29 ] وقوله: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا [ الروم: 38 ] وقوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [ الفرقان: 67 ] وقوله: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين [ الأعراف: 31 ]

فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين والعدل هو الوسط بين طرفى الجور والتفريط والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها فخيار الأمور أوساطها قال الشاعر:

كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية
مقدمة المؤلف | الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت | الباب الثاني: في ذكر حقيقة مرض القلب | الباب الثالث: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية | الباب الرابع: في أن حياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه وموته وظلمته كل شر وفتنة فيه | الباب الخامس: في أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره | الباب السادس: في أنه لا سعادة للقلب ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون إلهه وفاطره وحده هو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه | الباب السابع: في أن القرآن الكريم متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه | الباب الثامن: في زكاة القلب | الباب التاسع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه | الباب العاشر: في علامات مرض القلب وصحته | الباب الحادي عشر: في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه | الباب الثاني عشر: في علاج مرض القلب بالشيطان | الباب الثالث عشر: في مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34