الرئيسيةبحث

إغاثة اللهفان/الباب الثالث عشر/22

فصل

وقد تبين بهذا بطلان الاستدلال على جواز الحيل الباطلة بقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم وأن هذا يتناول صورة العينة وغيرها فإن المتبايعين يديران السلعة بينهما

فإن الله سبحانه قسم البياعات المقصودة التي شرعها لعباده ونصبها لمصالحهم في معاشهم ومعادهم إلى بيوع مؤجلة وبيوع حالة ثم أمرهم أن يستوثقوا في البيوع المؤجلة بالكتاب والشهود وإن عدموا ذلك في السفر استوثقوا بالرهن حفظا لأموالهم وتخلصا من بطلان الحقوق بجحود أو نسيان ثم أخبرهم أنه لا حرج عليهم في ترك ذلك في البيوع الحالة لأمنهم فيها مفسدة التجاحد والنسيان

فالمراد بالتجارة الدائرة: البيعات التي تقع غالبا بين الناس

ولم يفهم أحد من أصحاب رسول الله ﷺ ولا من التابعين ولا تابعيهم ولا أهل التفسير ولا أئمة الفقهاء منها: المعاملة الدائرة بالربا بين المترابيين بل فهموا تحريمها من نصوص تحريم الربا ولا ريب أن دخولها في تلك النصوص أظهر من دخولها في هذه الآية

ومما يدل عليه: أن هذه المعاملة الدائرة بينهما بالربا لا تكون في الغالب إلا مع أجل بأن يبتاع منه سلعة بثمن حال ثم يبيعها إياه بأكثر منه إلى أجل وذلك في الغالب مما يطلب عليه الشهود والكتاب خشية الجحود والله سبحانه قال: إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها فاستثنى هذا من قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وهذه المعاملة الربوية قد اتفقا فيها على التداين إلى أجل مسمى واتفقا فيها على المائة بمائة وثلاثين ونحو ذلك فأين هي من التجارة الحاضرة التي يعرف الناس الفرق فيها بين التجارة والربا

فالتجارة في كلام الله ورسوله ولغة العرب وعرف الناس: إنما تنصرف إلى البياعات المقصودة التي يقصد فيها الثمن والمثمن وأما ما توطآ فيه على الربا المحض ثم أظهرا بيعا غير مقصود لهما ألبتة يتوسلان به إلى أن يعطيه مائة حالة بمائة وعشرين مؤجلة فهذا ليس من التجارة المأذون فيها بل من الربا المنهي عنه والله أعلم

فصل

وأما استدلالكم بالمعاريض على جواز الحيل فما أبطله من استدلال فأين المعاريض التي يتخلص بها الإنسان من الظلم والكذب إلى الحيل التي يسقط بها ما فرض الله تعالى ويستحل بها ما حرم الله فالمعرض تكلم بحق ونطق بصدق فيما بينه وبين الله تعالى لا سيما إذا لم ينو باللفظ خلاف ظاهره في نفسه وإنما كان الظهور من ضعف فهم السامع وقصوره في معرفة دلالة اللفظ ومعاريض النبي ﷺ ومزاحه عامته كان من هذا الباب كقوله: نحن من ماء وإنا حاملوك على ولد الناقة ووزوجك الذي في عينه بياض ولا يدخل الجنة عجوز وأكثر معاريض السلف كانت من هذا فالمعرعض إنما يقصد باللفظ ما جعل اللفظ دالا عليه ومثبتا له في الجملة فهو لم يخرج بتعريضه عن حدود الكلام فإن الكلام فيه الحقيقة والمجاز والعام والخاص والمطلق والمقيد والمفرد والمشترك والمتباين والمترادف وتختلف دلالته تارة بحسب اللفظ المفرد وتارة بحسب التأليف فأين هذا من الحيل التي يقصد بالعقد فيها ما لم يشرع العقد له أصلا ولا هو مقتضاه ولا موجبه شرعا ولا حقيقة

وفرق ثان وهو أن المعرض لو صرح بقصده لم يكن باطلا ولا محرما بخلاف المحتال فإنه لو صرح بما قصده بإظهار صورة العقد كان محرما باطلا فإن المرابي بالحيلة لو قال: بعتك مائة حالة بمائة وعشرين إلى سنة كان حراما باطلا وذلك عين مقصوده ومقصود الآخر

وكذلك المقرض لو قال: أقرضتك ألفا على أن تعيدها إلي ومعها زيادة كذا وكذا كان حراما باطلا وذلك نفس مقصوده

وكذلك المحلل لو قال: تزوجتها على أن أحلها للمطلق ثلاثا

والمعرض لو صرح بمقصوده لم يكن حراما فأين أحدهما من الآخر

وفرق ثالث: وهو أن المعرض قصد بالقول ما يحتمله اللفظ أو يقتضيه والمحتال قصد بالعقد ما لا يحتمله ولا جعل مقتضيا له لا شرعا ولا عرفا ولا حقيقة

وفرق رابع: وهو أن المعرض مقصده صحيح ووسيلته جائزة فلا حجر عليه في مقصوده ولا في وسيلته إلى مقصوده بخلاف المحتال فإن قصده أمر محرم ووسيلته باطلة كما تقدم تقريره

وفرق خامس: وهو أن التعريض المباح ليس من مخادعة الله سبحانه في شيء وإنما غايته أنه مخادعة لمخلوق أباح الشارع مخادعته لظلمه جزاء له على ذلك ولا يلزم من جواز مخادعة الظالم جواز مخادعة المحق فما كان من التعريض مخالفا لظاهر اللفظ في نفسه كان قبيحا إلا عند الحاجة وما لم يكن كذلك كان جائزا إلا عند تضمن مفسدة والذي يدخل في الحيل المذمومة إنما هو الأول فالمعرض قاصد لدفع الشر والمحتال بالباطل قاصد لدفع الحق والتعريض كما يكون بالقول يكون بالفعل كما يظهر المحارب أنه يريد وجها من الوجوه ويسافر إلى تلك الناحية ليحسب العدو أنه لا يريده ثم يكر عليه

ومثل أن يستطرد المبارز بين يدي خصمه ليظن هزيمته ثم يعطف عليه

ومثل أن يظهر ضعفا وعجزا يتخلص به من تسخيره وأذاه ونحو ذلك

وقد يكون التعريض بالقول والفعل معا كما قال سليمان عليه السلام: ائتوني بالسكين أشقه بينكما وقد يكون بإظهار الصمم وأنه لا يسمع وبإظهار النوم وإظهار الشبع وإظهار الغنى بحيث يحسبه الجاهل غنيا

وكما يقع الإجمال في الأقوال فكذلك يقع في الأفعال كما أعطى النبي ﷺ عمر رضي الله عنه حلة من حرير فلما لبسها أنكر عليه وقال: لم أعطكها لتلبسها فكساها أخا له مشركا بمكة

فكل من الإجمال والاشتراك والاشتباه يقع في الألفاظ تارة وفي الأفعال تارة وفيهما معا تارة ومن أنواع التعريض: أن يتكلم المتكلم بكلام حق يقصد به حقيقته وظاهره ويوهم السامع نسبته إلى غير قائله ليقبله ولا يرده عليه أو ليتخلص به من شره وظلمه كما أنشد عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه امرأته تلك الأبيات وأوهمها أنه يقرأ القرآن فتخلص بذلك من شرها

وكذلك إذا كان الرجل يريد تنفيذ حق صحيح ولكن لا يقبل منه لكونه هو أو من لا يحسن به الظن قائله فإذا عرض للمخاطب بنسبة الكلام إلى معظم يقبله منه كان من أحسن التعريض كما علمه أبو حنيفة رحمه الله أصحابه حين شكوا إليه: إنا نقول لهم: قال أبو حنيفة فيبادرون بالإنكار فقال: قولوا لهم المسألة فإذا استحسنوها ووقعت منهم بموقع فقولوا: هذا قول أبي حنيفة وكما يجري لأصحابنا مع الجهمية وفروخهم كثيرا

فصل

وأما استدلالهم بأن الله سبحانه علم نبيه يوسف عليه السلام الحيلة التي توصل بها إلى أخذ أخيه إلى آخره

فهذا قد ظن بعض أرباب الحيل أنه حجة لهم في هذا الباب وليس كما زعموا والاستدلال بذلك من أبطل الباطل

فإن المحتجين بذلك لا يجوزون شيئا مما في هذه القصة البتة ولا تجوزها شريعتنا بوجه من الوجوه فكيف يحتج المحتج بما يحرم العمل به ولا يسوغه بوجه من الوجوه والله سبحانه إنما سوغ ذلك لنبيه يوسف عليه السلام جزاءا لإخوته وعقوبة لهم على ما فعلوا به ونصرا له عليهم وتصديقا لرؤياه ورفعة لدرجته ودرجة أبيه

وبعد ففي قصته مع إخوته ضروب من الحيل المستحسنة

أحدها قوله: لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون فإنه تسبب بذلك إلى رجوعهم وقد ذكروا في ذلك معاني منها: أنه تخوف أن لا يكون عندهم ورق يرجعون بها

ومنها أنه خشى أن يضر أخذ الثمن بهم

ومنها: أنه رأى لؤما أخذ الثمن منهم

ومنها: أنه أراهم كرمه في ردع البضاعة ليكون أدعى لهم إلى العود

وقد قيل: إنه علم أن أمانتهم تحوجهم إلى الرجعة ليردوها إليه فهذا المحتال به عمل صالح والمقصود: رجوعهم ومجيء أخيه وذلك أمر فيه منفعة لهم ولأبيهم وله وهو مقصود صالح وإنما لم يعرفهم نفسه لأسباب أخر فيها منفعة لهم ولأبيهم وله وتمام لما أراده الله تعالى بهم من الخير في هذا البلاء وأيضا فلو عرفهم نفسه في أول مرة لم يقع الاجتماع بهم وبأبيه ذلك الموقع العظيم ولم يحل ذلك المحل وهذه عادة الله سبحانه في الغايات العظيمة الحميدة: إذا أراد أن يوصل عبده إليها هيأ لها أسبابا من المحن والبلايا والمشاق فيكون وصوله إلى تلك الغايات بعدها كوصول أهل الجنة إليها بعد الموت وأهوال البرزخ والبعث والنشور والموقف والحساب والصراط ومقاساة تلك الأهوال والشدائد وكما أدخل رسوله ﷺ إلى مكة ذلك المدخل العظيم بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج ونصره ذلك النصر العزيز بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه

وكذلك ما فعل برسله كنوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح وشعيب عليهم السلام فهو سبحانه وصل إلى الغايات الحميدة بالأسباب التي تكرهها النفوس وتشق عليها كما قال تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون

وربما كان مكروه النفوس إلى... محبوبها سببا ما مثله سبب

وبالجملة فالغايات الحميدة في خبايا الأسباب المكروهة الشاقة كما أن الغايات المكروهة المؤلمة في خبايا الأسباب المشتهاة المستلذة وهذا من حين خلق الله سبحانه الجنة وحفها بالمكاره وخلق النار وحفها بالشهوات

فصل

ومنها: أنه لما جهزهم في المرة الثانية بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه وهذا القدر يتضمن اتهام أخيه بأنه سارق

وقد قيل: إنه كان بمواطأة من أخيه ورضا منه بذلك والحق كان له وقد أذن فيه وطابت نفسه به ودل على ذلك قوله تعالى: فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون. فهذا يدل على أنه عرف أخاه نفسه وقد قيل: إنه لم يصرح له بأنه يوسف وأنه إنما أراد بقوله: إنعي أنا أخوك أي أنا مكان أخيك المفقود

ومن قال هذا قال: إنه وضع السقاية في رحل أخيه والأخ لا يشعر بذلك والقرآن يدل على خلاف هذا والعدل يرده وأكثر أهل التفسير على خلافه ومن لطيف الكيد في ذلك: أنه لما أراد أخذ أخيه توصل إلى أخذه بما يقر إخوته أنه حق وعدل ولو أخذه بحكم قدرته وسلطانه لنسب إلى الظلم والجور ولم يكن له طريق في دين الملك يأخذه بها فتوصل إلى أخذه بطريق يعترف إخوته أنها ليست ظلما فوضع الصواع في رحل أخيه بمواطأة منه له على ذلك ولهذا قال: لا تبتئس بما كانوا يعملون

ومن لطيف الكيد: أنه لم يفتش رحالهم وهم عنده بل أمهلهم حتى جهزهم بجهازهم وخرجوا من البلد ثم أرسل في آثارهم لذلك

قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: أمهلهم حتى إذا انطلقوا فأمعنوا من القرية أمر فأدركوا ثم جلسوا ثم ناداهم مناد: أيتها العير إنكم لسارقون فوقفوا وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم ونوفكم كيلكم ونحسن منزلتكم ونفعل بكم ما لم نفعله بغيركم وأدخلنا كم علينا في بيوتنا ومنازلنا قالوا: بلى وما ذاك قال إنكم لسارقون

وذكر عن السدي فلما ارتحلوا أذن مؤذن أيتها العير والسياق يقتضي ذلك إذ لو كان هذا وهم بحضرته لم يحتج إلى الأذان وإنما يكون الأذان نداء لبعيد يطلب وقوفه وحبسه

فكان في هذا من لطيف الكيد: أنه أبعد من التهمة للطالب بالمواطأة والموافقة وأنه لا يشعر بما فقد له فكأنه لما خرج القوم وارتحلوا وفصلوا عن المدينة احتاج الملك إلى صواعه لبعض حاجته إليه فالتمسه فلم يجده فسأل عنه الحاضرين فلم يجدوه فأرسلوا في أثر القوم فهذا أحسن وأبعد من التفطن للحيلة من التفتيش في الحال قبل انفصالهم عنه بل كلما ازدادوا بعدا عنه كان أبلغ في هذه المعنى

ومن لطيف الكيد: أنه أذن فيهم بصوت عال رفيع يسمعه جميعهم ولم يقل لواحد واحد منهم إعلاما بأن ذهاب الصواع أمر قد اشتهر ولم يبق فيه خفاء وأنتم قد اشتهرتم بأخذه ولم يتهم به سواكم

ومن لطيف الكيد: أن المؤذن قال: إنكم لسارقون ولم يعين المسروق حتى سألهم عنه القوم فقالوا لهم: ماذا تفقدون قالوا: نفقد صواع الملك فاستقر عند القوم أن الصواع هو المتهم به وأنهم لم يفقدوا غيره فإذا ظهر لم يكونوا ظالمين باتهامهم بغيره وظهر صدقهم وعدلهم في إتهامهم به وحده وهذا من لطيف الكيد ومن لطيف الكيد: قول المؤذن وأصحابه لإخوة يوسف عليه السلام فما جزاؤه إن كنتم كاذبين أي ما عقوبة من ظهر عليه أنه سرقه منكم ووجد معه أي ما عقوبته عندكم وفي دينكم قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه فأخذوهم بما حكموا به على نفوسهم لا بحكم الملك وقومه

ومن لطيف الكيد: أن الطالب لما هم بتفتيش رواحلهم بدأ بأوعيتهم يفتشها قبل وعاء من هو معه تطمينا لهم وبعدا عن تهمة المواطأة

فإنه لو بدأ بوعاء من هو فيه لقالوا: وما يدريه أنه في هذا الوعاء دون غيره من أوعيتنا وما هذا إلا بمواطأة وموافقة فأزال هذه التهمة بأن بدأ بأوعيتهم أولا

فلما لم يجده فيها هم بالرجوع قبل تفتيش وعاء من فيه الصواع وقال: ما أراكم سارقين وما أظن هذا أيضا أخذ شيئا فقالوا: لا والله لا ندعكم حتى تفتشوا متاعه فإنه أطيب لقلوبكم وأظهر لبراءتنا فلما ألحوا عليهم بذلك فتشوا متاعه فاستخرجوا منه الصواع وهذا من أحسن الكيد فلهذا قال تعالى: كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم

فالعلم بالكيد الواجب أو المستحب الذي يتوصل به إلى طاعة الله تعالى ورسوله ونصر المحق وكسر المبطل مما يرفع الله به درجة العبد

وقد ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين:

أحدهما: أنه من باب المعاريض وأن يوسف عليه السلام نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه حيث غيبوه عنه بالحيلة التي احتالوا بها عليه وخانوه فيه والخائن يسمى سارقا وهو من الاستعمال المشهور

الثاني: أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف عليه السلام قال القاضي أبو يعلى وغيره: أمر يوسف بعض أصحابه أن يجعل الصاع في رحل أخيه ثم قال بعض الموكلين به لما فقده ولم يدر من أخذه أيتها العير إنكم لسارقون على ظن منهم أنهم كذلك ولم يأمرهم يوسف عليه السلام بذلك ولعل يوسف عليه السلام قال للمنادي هؤلاء قد سرقوا وعنى سرقته من أبيه والمنادي فهم سرقة الصواع وصدق في قوله: إنكم لسارقون ولم يقل: صواع الملك ثم لما جاء إلى ذكر المفقود قال: نفقد صواع الملك وهو صادق في ذلك فحذف المفعول في قوله لسارقون وذكره في قوله: نفقد صواع الملك وكذلك قال يوسف عليه السلام لما عرضوا عليه أن يأخذ أحدهم مكان أخيهم معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ولم يقل: أن نأخذ إلا من سرق فإن المتاع كان موجودا عنده ولم يكن سارقا وهذا من أحسن المعاريض

وقد قال نصر بن حاجب: سئل سفيان بن عيينة عن الرجل يعتذر إلى أخيه من الشيء الذي قد فعله ويحرف القول فيه ليرضيه أيأثم في ذلك فقال: ألم تسمع قوله عليه السلام: ليس بكاذب من أصلح بين الناس فكذب فيه فإذا أصلح بينه وبين أخيه المسلم كان خيرا من أن يصلح بين الناس بعضهم في بعض وذلك أنه أراد به مرضاة الله وكراهية أذى المؤمن ويندم على ما كان منه ويدفع شره عن نفسه ولا يريد بالكذب اتخاذ المنزلة عندهم ولا طمعا في شيء يصيبه منهم فإنه لم يرخص في ذلك ورخص له إذا كره موجدتهم وخاف عداوتهم

قال حذيقة بن اليمان رضي الله عنه: إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن أقدم على ما هو أعظم منه

قال سفيان: وقال الملكان: خصمان بغى بعضنا على بعض أرادا معنى شيء ولم يكونا خصمين فلم يصيرابذلك كاذبين

وقال إبراهيم عليه السلام: إني سقيم. وقال: بل فعله كبيرهم هذا. وقال يوسف عليه السلام إنكم لسارقون أراد يعني أخاهم

فبين سفيان رحمه الله تعالى أن هذا كله من المعاريض المباحة مع تسميته كذبا وإن لم يكن في الحقيقة كذبا

وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق

قال شيخنا وهذه الحجة ضعيفة فإن يوسف عليه السلام لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال قد اقتص منه وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك نعم كان تخلفه عنهم مما يؤذيهم لتأذي أبيهم وللميثاق الذي أخذه عليهم وقد استثنى في الميثاق بقوله إلا أن يحاط بكم وقد أحيط بهم ويوسف عليه السلام لم يكن قصده باحتباس أخيه الإنتقام من إخوته فإنه كان أكرم من هذا وإن كان في ضمن ما فعل من تأذي أبيه أعظم من أذى إخوته فإنما ذلك أمر أمره الله تعالى به ليبلغ الكتاب أجله ويتم البلاء الذي استحق به يوسف ويعقوب عليهما السلام كمال الجزاء وعلو المنزلة وتبلغ حكمة الله تعالى التي قدرها وقضاها نهايتها ولو فرض أن يوسف عليه السلام قصد الإقتصاص منهم بما فعل فليس هذا بموضع خلاف بين العلماء فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به وإنما موضع الخلاف هل له أن يخونه كما خانه أو يسرقه كما سرقه ولم تكن قصة يوسف عليه السلام من هذا النوع

نعم لو كان يوسف عليه السلام أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة مع أنه لا شبهة له أيضا على هذا التقدير فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالإتفاق ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيا خاصا كالوحي إلى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه وتكون حكمته في حق الأخ امتحانه وابتلاءه لينال درجة الصبر على حكم الله والرضا بقضائه ويكون حاله في هذا كحال ابيه يعقوب عليه السلام في احتباس يوسف عليه السلام عنه

وقد دل على هذا نسبة الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله 12: 76 كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذه أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني وما هو منها حكمة وحق وصواب وجزاء للمسيء وذلك غاية العدل والحق كقوله 86: 15 إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا وقوله 3: 54 ومكروا ومكر الله وقوله 2: 15 الله يستهزيء بهم وقوله 4: 142 إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وقوله 7: 138 وأملي لهم إن كيدي متين

فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن وإن كان من العبد قبيحا سيئا لأنه ظالم فيه وموقعه بمن لا يستحقه والرب تعالى عادل فيه موقعه بأهله ومن يستحقه سواء قيل إنه مجاز للمشاكلة الصورية أو للمقابلة أو سماه كذلك مشاكلة لاسم ما فعلوه أو قيل إنه حقيقة وإن مسمى هذه الأفعال ينقسم إلى مذموم ومحمود واللفظ حقيقة في هذا وهذا كما قد بسطنا هذا المعنى واستوفينا الكلام عليه في كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

فصل

وإذا عرف ذلك فيوسف صلوات الله عليه وسلامه أكيد من وجوه عديدة

أحدها أن إخوته كادوه حيث احتالوا في التفريق بينه وبين أبيه كما قال له يعقوب عليه السلام 12: 5 لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا

وثانيها أنهم كادوه حيث باعوه بيع العبيد وقالوا إنه غلام لنا أبق

وثالثها كيد امرأة العزيز له بتغليق الأبواب ودعائه إلى نفسها

ورابعها كيدها له بقولها 12: 24 ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم فكادته بالمراودة أولا وكادته بالكذب عليه ثانيا ولهذا قال لها الشاهد لما تبين له براءة يوسف عليه السلام 12: 28 إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم

وخامسها كيدها له حيث جمعت له النسوة وأخرجته عليهن تستعين بهن عليه وتستعذر إليهن من شغفها به

وسادسها كيد النسوة له حتى استجار بالله تعالى من كيدهن فقال 12: 33 وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ولهذا لما جاء الرسول بالخروج من السجن قال له 12: 50 إرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم

فإن قيل فما كان مكر النسوة اللاتي مكرن به وسمعت به امرأة العزيز فإن الله سبحانه لم يقصه في كتابه

قيل بلى قد أشار إليه بقوله 12: 30 وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين وهذا الكلام متضمن لوجوه من المكر

أحدها قولهن امرأة العزيز تراود فتاها ولم يسموها باسمها بل ذكروها بالوصف الذي ينادى عليها بقبيح فعلها بكونها ذات بعل فصدور الفاحشة منها أقبح من صدورها ممن لا زوج لها

الثاني أن زوجها عزيز مصر ورئيسها وكبيرها وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها

الثالث أن الذي تراوده مملوك لا حر وذلك أبلغ في القبح

الرابع أنه فتاها الذي هو في بيتها وتحت كنفها فحكمه حكم أهل البيت بخلاف من طلب ذلك من الأجنبي البعيد

الخامس أنها هي المراودة الطالبة

السادس أنها أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها

السابع أن في ضمن هذا أنه أعف منها وأبر وأوفى حيث كانت هي المراودة الطالبة وهو الممتنع عفافا وكرما وحياء وهذا غاية الذم لها

الثامن أنهن أتين بفعل المرادودة بصيغة المستقبل الدالة على الإستمرار والوقوع حالا واستقبالا وأن هذا شأنها ولم يقلن راودت فتاها وفرق بين قولك فلان أضاف ضيفا وفلان يقري الضيف ويطعم الطعام ويحمل الكل فإن هذا يدل على أن هذا شأنه وعادته

التاسع قولهن إنا لنراها في ضلال مبين أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية الإستقباح فنسبن الإستقباح إليهن ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضا على الهوى ولا يكدن يرين ذلك قبيحا كما يساعد الرجال بعضهم بعضا على ذلك فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليلا على أنه من أقبح الأمور وأنه مما لا ينبغي أن تساعد عليه ولا يحسن معاونتها عليه

العاشر أنهن جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط والطلب المفرط فلم تقتصد في حبها ولا في طلبها أما العشق فقولهن قد شغفها حبا أي وصل حبه إلى شغاف قلبها وأما الطلب المفرط فقولهن تراود فتاها والمراودة الطلب مرة بعد مرة فنسبوها إلى شدة العشق وشدة الحرص على الفاحشة فلما سمعت بهذا المكر منهن هيأت لهن مكرا أبلغ منه فهيأت لهن متكأ ثم أرسلت إليهن فجمعتهن وخبأت يوسف عليه السلام عنهن وقيل إنها جملته وألبسته أحسن ما تقدر عليه وأخرجته عليهن فجأة فلم يرعهن إلا وأحسن خلق الله وأجملهم قد طلع عليهن بغتة فراعهن ذلك المنظر البهي وفي أيديهن مدى يقطعن بها ما يأكلنه فدهشن حتى قطعن أيديهن وهن لا يشعرن وقد قيل إنهن أبن أيديهن والظاهر خلاف ذلك وإنما تقطيعهن أيديهن جرحها وشقها بالمدى لدهشهن بما رأين

فقابلت مكرهن القولي بهذا المكر الفعلي وكانت هذه في النساء غاية في المكر

والمقصود أن الله سبحانه كاد ليوسف عليه السلام بأن جمع بينه وبين أخيه وأخرجه من أيدي إخوته بغير اختيارهم كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره

وكاد له بأن أوقفهم بين يديه موقف الذليل الخاضع المستجدي فقالوا 12: 88 يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين فهذا الذل والخضوع في مقابلة ذله وخضوعه لهم يوم إلقائه في الجب وبيعه بيع العبيد

وكاد له بأن هيأ له الأسباب التي سجدوا له هم وأبوه وخالته في مقابلة كيدهم له حذرا من وقوع ذلك فإن الذي حملهم على إلقائه في الجب خشيتهم أن يرتفع عليهم حتى يسجدوا له كلهم فكادوه خشية ذلك فكاد الله تعالى له حتى وقع ذلك كما رآه في منامه

وهذا كما كاد فرعون بني إسرائيل 28: 4 يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم خشية أن يخرج فيهم من يكون زوال ملكه على يديه فكاده الله سبحانه بأن أخرج له هذا المولود ورباه في بيته وفي حجره حتى وقع به منه ما كان يحذره كما قيل

وإذا خشيت من الأمور مقدرا... وفررت منه فنحوه تتوجه

فصل

وكيد الله سبحانه لا يخرج عن نوعين أحدهما أن يفعل سبحانه فعلا خارجا عن قدرة العبد الذي كاد له فيكون الكيد قدرا محضا ليس من باب الشرع كما كاد الذين كفروا بأن انتقم منهم بأنواع العقوبات وكذلك كانت قصة يوسف عليه السلام فإن يوسف أكثر ما قدر عليه أن ألقى الصواع في رحل أخيه وأرسل مؤذنا يؤذن أيتها العير إنكم لسارقون فلما أنكروا قال فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه أي جزاؤه استعباد المسروق ماله للسارق إما مطلقا وإما إلى مدة وهذه كانت شريعة آل يعقوب عليه السلام

حتى قيل إن مثل هذا كان مشروعا في أول الإسلام أن المدين إذا أعسر بالدين استرقه صاحب الحق وعليه حمل حديث بيع النبي ﷺ سرّق

وقيل بل كان بيعه إياه إيجاره لمن يستعمله وقضى دينه بأجرته وعلى هذا فليس بمنسوخ وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى أن المفلس إذا بقيت عليه ديون وله صنعة أجبر على إجارته نفسه أو أجره الحاكم ووفى دينه من أجرته

وكان إلهام الله تعالى لإخوة يوسف عليه السلام قولهم من وجد في رحله فهو جزاؤه كيدا من الله تعالى ليوسف عليه السلام أجراه على ألسن إخوته وذلك خارج عن قدرته وكان يمكنهم أن يتخلصوا من ذلك بأن يقولوا لا جزاء عليه حتى يثبت أنه هو الذي سرق فإن مجرد وجوده في رحله لا يوجب أن يكون سارقا

وقد كان يوسف عليه السلام عادلا لا يأخذهم بغير حجة وكان يمكنهم التخلص أيضا بأن يقولوا جزاؤه أن يفعل به ما تفعلونه بالسراق في دينكم وقد كان من دين ملك مصر فيما ذكر أن السارق يضرب ويغرم قيمة المسروق مرتين فلو قالوا له ذلك لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم فلذلك قال سبحانه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله أي ما كان ليمكنه أخذه في دين ملك مصر لأنه لم يكن في دينه طريق إلى أخذه

وقوله إلا أن يشاء الله استثناء منقطع أي لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر ويجوز أن يكون متصلا والمعنى إلا أن يهيء الله سببا آخر يؤخذ به في دين الملك غير السرقة

وفي هذه القصة تنبيه على الأخذ باللوث الظاهر في الحدود وإن لم تقم بينة ولم يحصل إقرار فإن وجود المسروق مع السارق أصدق من البينة فهو بينة لا تلحقها التهمة وقد اعتبرت شريعتنا ذلك في مواضع

منها اللوث في القسامة والصحيح أنها يقاد بها كما دل عليه النص الصحيح الصريح

ومنها حد الصحابة رضي الله عنهم في الخمر بالرائحة والقيء

ومنها حد عمر رضي الله عنه في الزنا بالحبل وجعله قسيم الإعتراف والشهادة فوجود المسروق مع السارق إن لم يكن أظهر من هذا كله فليس دونه

فلما فتشوا متاعه فوجدوا فيه الصواع كان ذلك قائما مقام البينة والإعتراف فلهذا لم يمكنهم أن يتظلموا من أخذه ولو كان هذا ظلما لقالوا كيف يأخذه بغير بينة ولا إقرار

وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب الإعلام باتساع طرق الأحكام

والمقصود أنه ليس في قصة يوسف عليه السلام شبهة فضلا عن الحجة لأرباب الحيل

فإنا إنما تكلمنا في الحيل التي يفعلها العبد وحكمها في الإباحة والتحريم لا فيما يكيد الله سبحانه وتعالى لعبده بل في قصة يوسف عليه السلام تنبيه على أن من كاد غيره كيدا محرما فإن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يكيده وأنه لا بد أن يكيد للمظلوم إذا صبر على كيد كائده وتلطف به فالمؤمن المتوكل على الله إذا كاده الخلق فإن الله تعالى يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة

فهذا أحد النوعين من كيده سبحانه لعبده

النوع الثاني أن يلهمه أمرا مباحا أو مستحبا أو واجبا يوصله به إلى المقصود الحسن فيكون على هذا إلهامه يوسف عليه السلام أن يفعل ما فعل هو من كيده سبحانه أيضا فيكون قد كاد له نوعي الكيد ولهذا قال سبحانه نرفع درجات من نشاء وفي ذلك تنبيه على أن العلم الدقيق بلطيف الحيل الموصلة إلى المقصود الشرعي الذي يحبه الله تعالى ورسوله من نصر دينه وكسر أعدائه ونصر المحق وقمع المبطل صفة مدح يرفع الله تعالى بها درجة العبد كما أن العلم الذي يخصم به المبطل ويدحض حجته صفة مدح يرفع بها درجة عبده كما قال سبحانه في قصة إبراهيم عليه السلام ومناظرته قومه وكسر حجتهم 6: 83 وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء

وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع ولكن ليس هو الكيد الذي تستحل به المحرمات وتسقط به الواجبات فإن هذا كيد لله تعالى ودينه فالله سبحانه ودينه هو المكيد في هذا القسم فمحال أن يشرع الله سبحانه هذا النوع من الكيد

وأيضا فإن هذا الكيد لا يتم إلا بفعل يقصد به غير مقصوده الشرعي ومحال أن يشرع الله تعالى لعبد أن يقصد بفعله ما لم يشرع الله ذلك الفعل له

وأيضا فإن الأمر المشروع هو عام لا يختص به شخص دون شخص فالشيء مباح لكل من كان حاله مثل حاله فمن احتال بحيلة فقهية محرمة أو مباحة لم يكن له اختصاص بتلك الحيلة عمن لا يفهمها ولا يعلمها وإنما خاصية الفقيه إذا حدثت به حادثة أن يتفطن لاندراجها تحت الحكم العام الذي يعلمه هو وغيره والله سبحانه إنما كاد ليوسف عليه السلام كيدا خاصا به جزاء له على صبره وإحسانه وذكره في معرض المنة عليه وهذه الأفعال التي فعلها يوسف عليه السلام والأفعال التي فعلها الله سبحانه له إذا تأملها اللبيب رآها لا تخرج عن نوعين

أحدهما إلهام الله سبحانه له فعلا كان مباحا له أن يفعله

الثاني فعل من الله تعالى به خارج عن مقدور العبد

وكلا النوعين مباين للحيل المحرمة التي يحتال بها على إسقاط الواجبات وإباحة المحرمات

إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية
مقدمة المؤلف | الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت | الباب الثاني: في ذكر حقيقة مرض القلب | الباب الثالث: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية | الباب الرابع: في أن حياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه وموته وظلمته كل شر وفتنة فيه | الباب الخامس: في أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره | الباب السادس: في أنه لا سعادة للقلب ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون إلهه وفاطره وحده هو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه | الباب السابع: في أن القرآن الكريم متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه | الباب الثامن: في زكاة القلب | الباب التاسع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه | الباب العاشر: في علامات مرض القلب وصحته | الباب الحادي عشر: في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه | الباب الثاني عشر: في علاج مرض القلب بالشيطان | الباب الثالث عشر: في مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34