→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
34/57م ومن باب إذا صلى ثم أدرك
جماعة هل يعيد الصلاة
189- قال أبو داود: حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زُريع حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار عن ابن عمر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين.
قلت هذه صلاة الإيثار والاختيار دون ما كان لها سبب كالرجل يدرك الجماعة وهم يصلون فيصلي معهم ليدرك فضيلة الجماعة توفيقا بين الاخبار ورفعا للاختلاف بينهما.
35/0 6م ومن باب من أحق بالإمامة
190- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أخبرني إسماعيل بن رجاء سمعت أوس بن ضَمْعج يحدث، عَن أبي مسعود البدري قال قال رسول الله ﷺ: يؤم القومَ اقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنة. قال شعبة فقلت لإسماعيل ما تكرمته فقال فراشه. قال أبو داود وكذلك قال يحيى القطان عن شعبة وأقدمهم قراءة.
قلت هذه الرواية مخرجة من طريق شعبة على ما ذكره أبو داود. والصحيح من هذا رواية سفيان عن إسماعيل بن رجاء حدثناه أحمد بن إبراهيم بن مالك حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن النبي ﷺ قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة. فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة. وإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا.
قلت وهذا هو الصحيح المستقيم في الترتيب وذلك أنه جعل ﷺ ملاك أمرالإمامة القراءة وجعلها مقدمة على سائر الخِصال المذكورة معها. والمعنى في ذلك أنهم كانوا قوما أُميين لا يقرؤون فمن يعلم منهم شيئا من القرآن كان أحق بالإمامة ممن لم يتعلم لأنه لا صلاة إلا بقراءة وإذا كانت القراءة من ضرورة الصلاة وكانت ركنا من أركانها صارت مقدمة في الترتيب على الأشياء الخارجة عنها. ثم تلا القراءة بالسنة وهي الفقه ومعرفة أحكام الصلاة وما سنه رسول الله ﷺ فيها وبينه من أمرها فإن الإمام إذا كان جاهلا بأحكام الصلاة وبما يعرض فيها من سهو ويقع من زيادة ونقصان أفسدها أو أخرجها فكان العالم بها والفقيه فيها مقدَّما على من لم يجمع علمها ولم يعرف أحكامها. ومعرفة السنة وإن كانت مؤخرة في الذكر وكانت القراءة مبدوءا بذكرها فإن الفقيه العالم بالسنة إذا كان يقرأ من القرآن ما يجوز به الصلاة أحق بالإمامة من الماهر بالقراءة إذا كان متخلفا عن درجته في علم الفقه ومعرفة السنة.
وإنما قدم القارىء في الذكر لأن عامة الصحابة إذا اعتبرت أحوالهم وجدت أقرأهم أفقههم. وقال أبو مسعود كان أحدنا إذا حفظ سورة من القرآن لم يخرج عنها إلى غيرها حتى يحكم علمها أو يعرف حلالها وحرامها أو كما قال. فأما غيرهم ممن تأخر بهم الزمان فإن أكثرهم يقرأون القرآن ولا يفقهون فقراؤهم كثير والفقهاء منهم قليل.
وأما قوله فإن استووا في السنة فأقدمهم هجرة فإن الهجرة قد انقطعت اليوم إلا أن فضيلتها موروثة فمن كان من أولاد المهاجرين أو كان في آبائه وأسلافه من له قدم أو سابقة في الإسلام أو كان آباؤه أقدم إسلاما فهو مقدم على من لا يعد لآبائه سابقة أو كانوا قريبي العهد بالإسلام فإذا كانوا متساوين في هذه الخلال الثلاث فأكبرهم سنا مقدم على من هو أصغر سنا منه لفضيلة السن.
ولأنه إذا تقدم أصحابه في السن فقد تقدمهم في الإسلام فصار بمنزلة من تقدمت هجرته، وعلى هذا الترتيب يوجد أقاويل أكثر العلماء في هذا الباب. قال عطاء بن أبي رباح يؤمهم أفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقرأهم فإن كانوا في الفقه والقراءة سواء فأسنهم. وقال مالك يتقدم القوم أعلمهم فقيل له أقرأهم قال قد يقرأ من لا يرضى، وقال الأوزاعي يؤمهم أفقههم.
وقال الشافعي إذا لم تجتمع القراءة والفقه والسن في واحد قدموا أفقههم إذا كان يقرأ من القرآن ما يكتفي به في الصلاة وإن قدموا أقرأهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن.
وقال أبو ثور يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ القرآن وإن لم يقرأه كله. وكان سفيان وأحمد بن حنبل وإسحاق يقدمون القراء قولا بظاهر الحديث.
وأما قوله ولا يؤم الرجل في بيته معناه أن صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته إذا كان من القراءة والعلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة. وقد روى مالك بن الحويرث عن النبي ﷺ من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم.
وقوله ولا في سلطانه فهذا في الجمعات والأعياد لتعلق هذه الأمور بالسلاطين فأما في الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم بالإمامة فإن جمع السلطان هذه الفضائل كلها فهو أولاهم بالإمامة في كل صلاة.
وكان أحمد بن حنبل يرى الصلاة خلف أئمة الجور ولا يراها خلف أهل البدع.
وقد يتأول أيضا قوله ولا في سلطانه على معنى ما يتسلط عليه الرجل من ملكه في بيته أو يكون إمام مسجده في قومه وقبيلته. وتكرمته فراشه وسريره وما يعد لإكرامه من وطاء ونحوه.
191- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أيوب عن عمرو بن سلمة قال كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي ﷺ فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله ﷺ قال كذا وقال كذا وكنت غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا فانطلق أبي وافدا إلى النبي ﷺ في نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال يؤمكم أقرؤكم. فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين.
قوله كنا بحاضر. الحاضر القوم النزول على ما يقيمون به ولا يرحلون عنه. ومعنى الحاضر المحضور فاعل بمعنى مفعول.
وقد اختلف الناس في إمامة الصبي غير البالغ إذا عقل الصلاة. فممن أجاز ذلك الحسن وإسحاق بن راهويه.
وقال الشافعي يؤم الصبي غير المحتلم إذا عقل الصلاة إلا في الجمعة.
وكره الصلاة خلف الغلام قبل أن يحتلم عطاء والشعبي ومالك والثوري والأوزاعي. وإليه ذهب أصحاب الرأي. وكان أحمد بن حنبل يضعف أمرعمرو بن سلمة. وقال مرة دعه ليس بشيء بين. وقال الزهري إذا اضطروا إليه أمهم.
قلت: وفي جواز صلاة عمرو بن سلمة لقومه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن صلاه الصبي نافلة.
36/62م ومن باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون
192- قال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ كان يقول: ثلاثةٌ لا تقبل منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون. ورجلٌ أتى الصلاة دِبارا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته ورجل اعتبد محرره.
قلت يشبه أن يكون هذا الوعيد في الرجل ليس من أهل الإمامة فيتقحم فيها ويتغلب عليها حتى يكره الناس إمامته. فأما إن كان مستحقا للإمامة فاللوم على من كرهه دونه. وشكي رجل إلى علي بن أبي طالب وكان يصلي بقوم وهم له كارهون فقال إنك لخروط يريد أنك متعسف في فعلك ولم يزده على ذلك. وقوله وأتى الصلاة دبارا فهو أن يكون قد اتخذه عادة حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس وانصرافهم عنها.
واعتباد المحرر يكون من وجهين أحدهما أن يعتقه ثم يكتم عتقه أو ينكره وهو شر الأمرين. والوجه الآخر أن يستخدمه كرها بعد العتق.
37/67م ومن باب إمامة من صلى بقوم
وقد صلى تلك الصلاة
193- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان حدثنا عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﷺ العشاء ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.
قلت: فيه من الفقه جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن صلاة معاذ مع رسول الله ﷺ هي الفريضة وإذا كان قد صلى فرضه كانت صلاته بقومه نافلة له.
وفيه دليل على جواز إعادة صلاة في يوم مرتين إذا كان للإعادة سبب من الأسباب التي تعاد لها الصلوات.
واختلف الناس في جواز صلاة المفترض خلف المتنفل. فقال مالك إذا اختلفت نية الإمام والمأموم في شيء من الصلاة لم يعتد المأموم بما صلى معه واستأنف وكذلك قال الزهري وربيعة. وقال أصحاب الرأي إن كان الإمام متطوعا لم يجزىء من خلفه الفريضة. وإن كان الإمام مفترضا وكان من خلفه متطوعا كانت صلاتهم جائزة وجوزوا صلاة المقيم خلف المسافر. وفرض المسافر عندهم ركعتان.
وقال الشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل صلاة المفترض خلف المتنفل جائزة وهو قول عطاء وطاوس. وقد زعم بعض من لم ير ذلك جائزا أن صلاة معاذ مع رسول الله ﷺ نافلة وبقومه فريضة وهذا فاسد إذ لا يجوز على معاذ أن يدرك الفرض وهوأفضل العمل مع أفضل الخلق فيتركه ويضيع حظه منه ويقنع من ذلك
بالنفل الذي لا طائل فيه. ويدل على فساد هذا التأويل قول الراوي كان يصلي مع رسول الله ﷺ العشاء والعشاء هي صلاة الفريضة وقد قال ﷺ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فلم يكن معاذ يترك المكتوبة بعد أن شهدها وقد أقيمت وقد أثنى عليه رسول الله ﷺ بالفقه فقال أفقهكم معاذ.
38/68م ومن باب الإمام يصلي من قعود
194- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله ﷺ ركب فرسا فصرع عنه فجُحِش شقهُ الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهوقاعد وصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين.
قلت وذكر أبو داود هذا الحديث من رواية جابر وأبي هريرة وعائشة ولم يذكر صلاة رسول الله ﷺ آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام وهذا آخر الأمرين من فعله ﷺ.
ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من أبواب هذا الكتاب أن يذكر الحديث في بابه ويذكر الذي يعارضه في باب آخر على أثره ولم أجده في شيء من النسخ فلست أدري كيف أغفل ذكر هذه القصة وهي من أمهات السنن وإليه ذهب أكثر الفقهاء ونحن نذكره لتحصل فائدتة وتحفظ على الكتاب رسمه وعادته.
حدثنا محمد بن الحسن بن سعيد الزعفراني حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا علي بن عاصم أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت ثقل رسول الله ﷺ ليلة الإثنين فلما ناداه بلال صلاة الغداة قال قولوا له فليقل لأبي بكر فليصل بالناس قال فرجع إلى أبي بكر فقال له ان رسول الله ﷺ يأمرك أن تصلي بالناس فتقدم أبو بكر فصلى بالناس وكان أبو بكر إذا صلى لا يرفع رأسه ولا يلتفت فوجد رسول الله ﷺ خفة فخرج يهادي بين رجلين أسامة ورجل آخر فلما رآه الناس تفرجت الصفوف لرسول الله ﷺ فعلم أبو بكر أنه لا يتقدمُ ذلك المتقدم أحد فدفعه رسول الله ﷺ فأقامه في مقامه وجعله عن يمينه وقعد رسول الله ﷺ فكبر بالناس فجعل أبو بكر يكبر بتكبيره وجعل الناس يكبرون بتكبير أبي بكر.
قلت وفي إقامة رسول الله ﷺ أبا بكر عن يمينه وهومقام المأموم، وفي تكبيره بالناس وتكبير أبي بكر بتكبيره بيان واضح أن الإمام في هذه الصلاة رسول الله ﷺ وقد صلى قاعدا والناس من خلفه وهي آخر صلاة صلاها بالناس فدل أن حديث أنس وجابر منسوخ. ويزيد ما قلناه وضوحا ما رواه أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله ﷺ وذكر الحديث قالت فجاء رسول الله ﷺ حتى جلس على يسار أبى بكر وكان رسول الله ﷺ يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي به والناس يقتدون بأبي بكر. حدثونا به عن يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا أبومعاوية. والقياس يشهد لهذا القول لأن الإمام لا يسقط عن القوم شيئا من أركان الصلاة مع القدرة عليه ألا ترى أنه لا يحيل الركوع والسجود إلى الإيماء فكذلك لا يحيل القيام إلى القعود. وإلى هذا ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور. وقال مالك لا ينبغي لأحد أن يؤم بالناس قاعدا وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونفر من أهل الحديث إلى خبر أنس وأن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا.
وزعم بعض أهل الحديث أن الروايات اختلفت في هذا فروى الأسود عن عائشة أن النبي ﷺ كان إماما وروى سفيان عنها أن الإمام أبو بكر فلم يجز أن يترك له حديث أنس وجابر. ويشبه أن يكون أبو داود إنما ترك ذكره لأجل هذه العلة.
وفي الحديث من الفقه أنه تجوز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الاخر من غير حدث يحدث بالإمام الأول.
وفيه دليل على جواز تقدم بعض صلاة المأموم صلاة الإمام. وقوله فجحش شقه معناه أنه انسحج جلده والجحش كالخدش أو أكثر من ذلك.
39/69م ومن باب في الرجلين يؤم أحدهما صاحبه
195- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس. قال بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسول الله ﷺ فاطلق القِربة فتوضأ ثم أوكى القربة ثم قام إلى الصلاة فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني وراءه فأقامني عن يمينه فصليت معه.
قلت: فيه أنواع من الفقه منها أن الصلاة بالجماعة في النوافل. ومنها أن الاثنين جماعة. ومنها أن المأموم يقوم عن يمين الإمام إذا كانا اثنين. ومنها جواز العمل اليسير في الصلاة ومنها جواز الإتمام بصلاة من لم ينو الإمامة فيها.
40/70م ومن باب إذا كانوا ثلاتة كيف يقومون
196- قال أبو داود: حدثني القعنبي أراه عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت النبي ﷺ لطعام صنعته فأكل منه ثم قال قوموا فلأصلي لكم. قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله ﷺ وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين.
قلت: فيه من الفقه جواز صلاة الجماعة في التطوع وفيه جواز صلاة المنفرد خلف الصف لأن المرأة قامت وحدها من ورائهما.
وفيه دليل على أن إمامة المرأة للرجال غير جائزة لأنها لما زحمت عن مساواتهم في مقام الصف كانت من أن تتقدمهم أبعد.
وفيه دليل على وجوب ترتيب مواقف المأمومين وأن الأفضل يتقدم على من دونه في الفضل. وكذلك قال ﷺ ليليني ذوو الأحلام والنهى. وعلى هذا القياس إذا صلى على جماعة من الموتى فيهم رجال ونساء وصبيان وخناثى فإن الأفضل منهم يكون الإمام فيكون الرجل أقربهم منه ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فإن دفنوا في قبر واحبد كان أفضلهم أقربهم إلى القبلة ثم يليه الذي هو أفضل وتكون المرأة آخرهم إلا أنه يكون بينها وبين الرجل حجاب من لبن ونحوه.
41/73م ومن باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه
197- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة.
قلت هذا الحديث ضعيف وقد تكلم الناس في بعض نقلته وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد والتسليم ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهره لأن أصحاب الرأي لا يرون أن صلاته قد تمت بنفس القعود حتى يكون ذاك بقدر التشهد على ما رووا عن ابن مسعود. ثم لم يقودوا قولهم في ذلك لأنهم قالوا إذا طلعت عليه ااشمس أوكان متيمما فرأى الماء وقد قعد مقدار التشهد قبل أن يسلم فقد فسدت صلاته. وقالوا فيمن قهقه بعد الجلوس قدر التشهد أن ذاك لا يفسد صلاته ويتوضأ ؛ ومن مذهبهم أن القهقهة لا تنقض الوضوء إلا أن تكون في صلاة والأمر في اختلاف هذه الأقاويل ومخالفتها الحديث بين.
198- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
قلت: في هذا الحديث بيان أن التسليم ركن الصلاة كما أن التكبير ركن لها وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم دون الحدث والكلام لأنه قد عرفه بالألف واللام وعيَّنه كما عيَّن الطهور وعرفه فكان ذلك منصرفا إلى ما جاءت به الشريعة من الطهارة المعروفة والتعريف بالألف واللام مع الإضافة يوجب التخصيص كقولك فلان مبيته المساجد تريد أنه لا مبيت له يأوي إليه غيرها.
وفيه دليل أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير دون غيره من الأذكار.
42/74م ومن باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام
199- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثنا محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبى سفيان قال قال رسول الله ﷺ: لا تبادروني بركوع ولا سجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بَدُنت.
قوله تدركوني إذا رفعت يريد أنه لا يضركم رفع رأس وقد بقي عليكم شيء منه إذا أدركتموني قائما قبل أن اسجد وكان ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع يدعو بكلام فيه طول. وقوله إني قد بدنت يروى على وجهين أحدهما بدنت بتشديد الدال ومعناه كبر السن يقال بدن الرجل تبدينا إذا أسن والآخر بدُنت مضمومة الدال غير مشدودة ومعناه زياده الجسم واحتمال اللحم. وروت عائشة أن رسول الله ﷺ لما طعن في السن احتمل بدنه اللحم. وكل واحد من كبر السن واحتمال اللحم يثقل البدن ويثبط عن الحركة.
43/75م ومن باب التشديد فيمن يرفع رأسه
قبل الإمام أو يضع قبله
200- قال أبو داود: حدثنا حغص بن عمرحدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عَن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: أما يخشى أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار.
قلت واختلف الناس فيمن فعل ذلك فروي عن ابن عمر أنه قال لا صلاة لمن فعل ذلك. وأما عامة أهل العلم فإنهم قالو قد أساء وصلاته مجزية غير أن أكثرهم يأمرونه بأن يعود إلى السجود، وقال بعضهم يمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك منه.
44/77م ومن باب جماع أبواب ما يصلى فيه
201- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن المسيب، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ سئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال أو لكلكم ثوبان.
قوله أولكلكم ثوبان لفظه لفظ استفهام ومعناه الإخبار عما كان يعلم من حالهم من العدم وضيق الثياب يقول فإذا كنتم بهذه الصفة وليس لكل واحد منكم ثوبان والصلاة واجبة عليكم فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة.
202- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبه منه شيء.
يريد أنه لا يتزر به في وسطه ويشد طرفيه على حقويه ولكن يتزر به ويرفع طرفيه فيخالف بينهما ويشده على عاتقه فيكون بمنزلة الإزار والرداء.
وهذا إذا كان الثوب واسعا فإذا كان ضيقا شده على حقويه ؛ وقد جاء ذلك في حديث جابر الذي نذكره في الباب الذي يلي هذا الباب.
45/81م ومن باب في الثوب إذا كان ضيقا
203- قال أبو داود: حدثنا هشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ويحيى بن الفضل السجستاني وهذا لفظ يحيى قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة قال أتينا جابر بن عبد الله قال سرت مع رسول الله ﷺ في غزاة فقام يصلي وكانت عليّ بردة فذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لى وكانت لها ذباذب فنكستها ثم خالفت بين طرفيها ثم تواقصت عليها لا تسقط وذكر صلاته مع رسول الله ﷺ قال فلما فرغ رسول الله ﷺ قال: يا جابر إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك.
ذباذب الثوب أهدابه وسمي ذباذب لتذبذبها. وقوله تواقصت عليها معناه أنه ثنى عنقه ليمسك الثوب به كأنه يحكي خلقة الأوقص من الناس.
204- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ: إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر ولا يشتمل اشتمال اليهود.
قلت اشتمال اليهود المنهي عنه هو أن يجلل بدنه الثوب ويسبله من غيرأن يشيل طرفه، فأما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث فهو أن يجلل بدنه الثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر، هكذا يفسر في الحديث.
46/85م- ومن باب السدل في الصلاة
205- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء قال إبراهيم، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه.
السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض، وقد رخص بعض العلماء في السدل في الصلاة. روي ذلك عن عطاء ومكحول والزهري والحسن وابن سيرين. وقال مالك لا بأس به ويشبه أن يكونوا إنما فرقوا بين إجازة السدل في الصلاة وبينه في غير الصلاة لأن المصلي ثابت في مكانه لا يمشي في الثوب الذي عليه. فأما غير المصلي فإنه يمشي فيه ويسدل وذلك من الخيلاء المنهي عنه وكان سفيان الثوري يكره السدل في الصلاه وكان الشافعي يكرهه في الصلاة وفي غير الصلاة.
وقوله وأن يغطي الرجل فاه فإن من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه فنهوا عن ذلك في الصلاة إلا أن يعرض للمصلي التثاؤب فيغطي فمه عند ذلك للحديث الذي جاء فيه.
47/83م- ومن باب في كم تصلي المرأة
206- قال أبو داود: حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، يَعني ابن دينار عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه عن أم سلمة أنها سألت النبي ﷺ أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليهما إزار. فقال: إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها.
قلت واختلف الناس فيما يجب على المرأة الحرة أن تغطي من بدنها إذا صلت فقال الأوزاعي والشافعي تغطي جميع بدنها إلا وجهها وكفيها.
وروي ذلك عن ابن عباس وعطاء وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها. وقال أحمد المرأة تصلي ولا يرى منها شيء ولا ظفرها وقال مالك بن أنس إذا صلت المرأة وقد انكشف شعرها أو صدور قدميها تعيد ما دامت في الوقت. وقال أصحاب الرأي في المرأة تصلي وربع شعرها أوثلثه مكشوف، أو ربع فخذها أو ثلثه مكشوف، أو ربع بطنها أو ثلثه مكشوف فإن صلاتها تنتقض، وإن انكشف أقل من ذلك لم تنتقض وبينهم اختلاف في تحديده.
ومنهم من قال بالنصف ولا أعلم لشيء مما ذهبوا إليه في التحديد أصلا يعتمد.
وفي الخبر دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء ألا تراه يقول إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها فجعل من شرط جواز صلاتها أن لا يظهر من أعضائها شىء.
48/84م ومن باب تصلي المرأة بغير خمار
207- قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال: لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار.
قلت يريد بالحائض المرأة التي قد بلغت سن المحيض ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها فإن الحائض لا تصلي بوجه.
49/87م ومن باب الرجل يصلي عاقصا شعره
208- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثنا عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري يحدث عن أبيه أنه رأى أبا رافع مولى النبي ﷺ مرَّ بالحسن بن علي وهو يصلي قائما وقد غرز ضفره في قفاه فحمله أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضبا. فقال أبو رافع اقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ذلك كفل الشيطان، يَعني مقعد الشيطان، يَعني مغرز ضفره.
يريد بالضفر المضفور من شعره وأصل الضفر الفتل والضفائر هي العقائص المضفورة.
وأما الكفل فأصله أن يجمع الكساء على سنام البعير ثم يركب قال الشاعر:
وراكب على البعير مكتفل... يحفى على آثارها وينتعل
وإنما أمره بإرسال الشعر ليسقط على الموضع الذي يصلي فيه صاحب من الأرض فيسجد معه.
وقد روي أمرت أن أسجد على سبعة آراب وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا.
50/88م ومن باب الصلاة في النعل
209- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، عَن أبي نعامة السعدي، عَن أبي نضرة، عَن أبي سعيد الخدري. قال بينا رسول الله ﷺ يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره. فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم، قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله ﷺ: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا.
قلت: فيه من الفقه أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه.
وفيه أن الايتساء برسول الله ﷺ في أفعاله واجب كهو في أقواله، وهو أنهم لما رأوا رسول الله ﷺ خلع نعليه خلعوا نعالهم.
وفيه من الأدب أن المصلي إذا صلى وحده فخلع نعله وضعها عن يساره وأما إذا كان مع غيره في الصف وكان عن يمينه وعن يساره أناس فإنه يضعها بين رجليه. وفيه أن يسير العمل لا يقطع الصلاة.
51/89م ومن باب المصلي إذا خلع نعليه اين يضعهما
210- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا صالح بن رستم أبو عامر عن عبد الرحمن بن قيس عن يوسف بن ماهك، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره إلا أن لا يكون عن يساره أحد وليضعهما بين رجليه.
قلت فيه باب من الأدب وهو أن يصان ميامن الإنسان عن كل شيء يكون محلا للأذى.
وفيه أن الأدب أن يضع الإنسان نعله إذا أراد الصلاة بين يديه أو عن يساره إن كان وحده.
وفيه دليل على أنه إن خلع نعله فتركها من ورائه أو عن يمينه أو متباعدة عنه من بين يديه فتعق بها إنسان فتلف إما بأن خر على وجهه أو تردى في بئر بقربه أن عليه الضمان، وهذا كواضع الحجر في غير ملكه وناصب السكين ونحوه لا فرق بينهما والله أعلم.
52/90م ومن باب الصلاة على الخُمرة
211- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن شداد قال حدثتني ميمونة بنت الحارث قالت كان رسول الله ﷺ يصلي على الخمرة.
قلت: الخمرة سجادة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط. وسميت خمرة لأنها تخمر وجه الأرض أي تستره.
وفيه من الفقه جواز الصلاة على الحصير والبسط ونحوها وكان بعض السلف يكره أن يصلى إلا على جديد الأرض. وكان بعضهم يجيز الصلاة على كل شيء يعمل من نبات الأرض.
فأما ما يتخذ من أصواف الحيوان وشعورها فإنه كان يكرهه.
53/92م ومن باب الرجل يسجد على ثوبه
212- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بشير، يَعني ابن المفضل حدثنا غالب القطان عن بكر بن عبد الله عن أنس قال كنا نصلي مع رسول الله ﷺ في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.
وقد اختلف الناس في هذا فذهب عامة الفقهاء إلى جوازه. مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال الشافعي لا يجزيه ذلك كما لا يجزيه السجود على كور العمامة، ويشبه أن يكون تأويل حديث أنس عنده أن يبسط ثوبا هو غير لابسه.
54/93م ومن باب تسوية الصفوف
213- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يقول كان النبي ﷺ يُسَوينا في الصفوف كما يقوّم القِدح.
القدح خشب السهم إذا بري وأصلح قبل أن يركب فيه النصل والريش.
214- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن قتادة عن أنس عن النبي ﷺ قال: رُصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل بين خلَل الصف كأنها الحَذَف.
قوله رصوا صفوفكم معناه ضموا بعضها إلى بعض وقاربوا بينها ومنه رص البناء قال تعالى {كأنهم بنيان مرصوص} [1] والحذف غنم سود صغار، ويقال إنها أكثر ما تكون باليمن.
215- قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة.
قلت معنى لين المنكب لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها لا يلتفت ولا يُحاك بمنكبه منكب صاحبه. وقد يكون فيه وجه آخر وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف وتتكاتف الجموع.
هامش
- ↑ [الصف: 4]