الرئيسيةبحث

معالم السنن/الجزء الأول/13

112/- -239م ومن كناب العيدين

317- قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا إسحاق بن عثمان قال حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية أن رسول الله ﷺ لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام على الباب فسلم علينا فرددنا عليه السلام ثم قال أنا رسول الله ﷺ إليكم وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض والعتَّقَ ولا جمعةَ علينا ونهانا عن اتباع الجنائز.

العتق جمع عاتق يقال جارية عاتق وهي التي قاربت الإدراك ويقال بل هي المدركة.

أخبرني أبو عمر أخبرني أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: قالت جارية من الأعراب لأبيها اشتر لي لَوْطا أغطي به فُرعلي فإني قد عتقت تريد أدركت والفرعل ههنا الشعر واللوط الإزار.

113/239-242م ومن باب الخطبة في العيد

318- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله قال قام رسول الله ﷺ يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس فلما فرغ نبي الله ﷺ نزل فأتى النساء فذكّرهن وهو يتوكأ على يد بلال وبلال باسط ثوبه والنساء يلقين فيه صدقة تلقي المرأة فَتَخها.

الفتخ الخواتيم الكبار. واحدتها فتخة.

114/242-245م ومن باب تكبير العيدين

319- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد نا ابن لَهِيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات.

قلت وهذا قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك، عَن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وبه قال الزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

وقال الشافعي ليس من السبع تكبيرة الافتتاح ولا من الخمس تكبيرة القيام.

وقال أبو ثور سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح وخمس في الثانية.

وروي عن ابن مسعود أنه قال يكبر الإمام أربع تكبيرات متواليات ثم يقرأ ثم يكبر فيركع ويسجد ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر أربع تكبيرات يركع بآخرها، وإليه ذهب أصحاب الرأي، وكان الحسن يكبر في الأولى خمسا وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبيرتي الركوع.

320- وروى أبو داود في هذا الباب حديثا ضعيفا، عَن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ كان يكبر في العيد أربعا تكبيره على الجنائز.

قال حدثنا محمد بن العلاء نا زيد بن حباب عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة، عَن أبي موسى.

115/246-249م ومن باب إذا لم يخرج الإمام للعيد يومه

يخرج من الغد

321- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر نا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية، عَن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله ﷺ أن ركبا جاؤوا إلى النبي ﷺ يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم.

قلت وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق في الرجل لا يعلم بيوم الفطر إلا بعد الزوال.

وقال الشافعي إن علموا بذلك قبل الزوال خرجوا وصلى الإمام بهم صلاة العيد وإن لم يعلموا إلا بعد الزوال لم يصلوا يومهم ولا من الغد لأنه عمل في وقت إذا جاز ذلك الوقت لم يعمل في غيره، وكذلك قال مالك وأبو ثور.

قلت سنة رسول الله ﷺ أولى وحديث أبي عُمير صحيح فالمصير إليه واجب.

116/247-250م ومن باب الصلاة بعد صلاة العيد

322- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة حدثني عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خرج رسول الله ﷺ يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خُرصها سِخابها.

الخرص الحلقة والسخاب القلادة.

وفي الحديث من الفقه أن عطية المرأة البالغة وصدقتها بغير إذن زوجها جائزة ماضية ولوكان ذلك مفتقرا إلى الأزواج لم يكن ﷺ ليأمرهن بالصدقة قبل أن يسأل أزواجهن الإذن لهن في ذلك.

117/1م ومن أبواب الاستسقاء

323- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي نا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله ﷺ خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر فيهما وحول رداءه فدعا واستسقى واستقبل القبلة.

قلت في قوله خرج رسول الله ﷺ بالناس يستسقي دليل على أن السنة في الاستسقاء الخروج إلى المصلى. وفيه أن الاستسقاء إنما يكون بصلاة.

وذهب بعض أهل العراق إلى أنه لا يصلي ولكن يدعو فقط. وفيه أنه يجهر بالقراءة فيها وهو مذهب مالك بن أنس والشافعي وأحمد، وكذلك قال محمد بن الحسن. وفيه أنه يحول رداءه وتأول على مذهب التفاؤل أي لينقلب ما بهم من الجدب إلى الخصب.

وقد اختلفوا في صفة تحويل الرداء فقال الشافعي ينكس أعلاه ويتاخى أن يجعل ما على شقه الأيمن على شقه الأيسر ويجعل الجانب الأيسر على الجانب الأيمن.

وقال أحمد بن حنبل يجعل اليمين على الشمال ويجعل الشمال على اليمين، وكذلك قال إسحاق وقول مالك قريب من ذلك.

قلت إذا كان الرداء مربعا نكسه وإذا كان طيلسانا مدورا قلبه ولم ينكسه.

324- قال أبو داود: حدثنا ابن عوف قال قرأت في كتاب عمرو بن الحارث الحمصي عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه وساق الحديث قال وحول رداعه وجعل عِطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله.

أصل العطاف الرداء وإنما أضاف العطاف إلى الرداء ههنا لأنه أراد أحد شقي العطاف الذي عن يمينه وعن شماله.

325- قال أبو داود: حدثنا النفيلي وعثمان بن أبي شيبة قالا، حَدَّثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، قال أخبرني أبي عن ابن عباس قال خرج رسول الله ﷺ في الاستسقاء وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد.

قلت في هذا دلالة على أنه يكبر كما يكبر في العيدين، وإليه ذهب الشافعي وهو قول ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول. وقال مالك يصلي ركعتين كسائر الصلوات لا يكبر فيها تكبير العيد غير أنه يبدأ بالصلاة قبل الخطبة كالعيد.

118/2م ومن باب رفع اليدين في الاستسقاء

326- قال أبو داود: حدثنا ابن أبي خلف نا محمد بن عبيد نا مسعر عن يزيد الفقيرعن جابر رضي الله عنه قال رأيت النبي ﷺ يُواكي فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مُغيثا مَريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل قال وأطبقت عليهم السماء.

قوله يواكي معناه التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومن هذا التوكؤ على العصا وهو التحامل عليها.

وقوله مريعا يروى على وجهين بالياء والباء فمن رواه بالياء جعله من المراعة وهي للخصب، يقال منه أمرع المكان إذا أخصب، ومن رواه مربعا بالباء كان معناه منبتا للربيع.

واستدل بفعل النبي ﷺ من لا يرى الصلاة في الاستسقاء، وقال ألا ترى أنه اقتصر على الدعاء ولم يصل له.

قال الشيخ قد ثبت الاستسقاء بالصلاة بما ذكره أبو داود في الأخبار المتقدمة وإنما وجهه وتأويله أنه كان بإزاء صلاة يريد أن يصليها فدعا في أثناء خطبته بالسقيا فاجتمعت له الصلاة والخطبة فجزت عن استئناف الصلاة والخطبة كما يطوف للرجل فيصادف الصلاة المفروضة عند فراغه من الطواف فيصليها فينوب عن ركعتي الطواف وكما يقرأ السجدة في آخر الركعة فينوب الركوع عن السجود.

327- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال أصاب أهل المدينة قحط فقام رجل إلى رسول الله ﷺ وهو يخطب فقال هلك الكراع والشاة فسل الله أن يسقينا فمد يده ودعا فهاجت ريح ثم أنشأت سحابا ثم اجتمع فأرسلت السماءعزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا.

العزالي جمع العزلاء وهم فم المزادة.

119/3م ومن باب صلاة الكسوف

328- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله ﷺ فخرج إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فاقترأ قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا طويلا وهو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف.

قلت قوله فكبر وصف الناس حوله. فيه بيان أن السنة أن يصلي الكسوف جماعة، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل. وقال أهل العراق يصلون منفردين وعند مالك يصلون لكسوف القمر وحدانا وفي خسوف الشمس جماعة.

وفيه بيان أنه يركع في كل ركعة ركوعين وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي يركع ركعتين في كل ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات.

وقد اختلفت الروايات في هذا الباب فروى أنس أنه ركع ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات وروي أنه ركعهما في ركعتين وأربع سجدات وروي أنه ركع ركعتين في ست ركعات وأربع سجدات. وروي أنه ركع ركعتين في عشر ركعات وأربع سجدات. وقد ذكر أبو داود أنواعا منها. ويشبه أن يكون المعنى في ذلك أنه صلاها مرات وكرات فكانت إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته وزاد في عدد الركوع وإذا قصرت نقص من ذلك وحذا بالصلاة حذوها وكل ذلك جائز يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه.

329- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي نا أبي عن ابن إسحاق حدثني هشام بن عروة عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة قالت كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فخرج فصلى بالناس فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة وحزرت قراءته، يَعني في الركعة الأخرى فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران.

قلت قولها فحزرت قراءته يدل على أنه لم يجهر بالقراءة فيها ولو جهر لم يحتج فيها إلى الحزر والتخمين. وممن قال لا يجهر بالقراءة مالك وأصحاب الرأي وكذلك قال الشافعي.

330- قال أبو داود: حدثنا عباس بن الوليد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله ﷺ قرأ قراءة طويلة يجهر بها في صلاة الكسوف.

قلت وهذا خلاف الرواية الأولى عن عائشة؛ وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة من أصحاب الحديث قالوا، وقوله المثبت أولى من قول النافي لأنه حفظ زيادة لم يحفظها النافي.

قلت وقد يحتمل أن يكون قد جهر مرة وخفت أخرى وكل جائز.

331- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس حدثني ثعلبة بن عباد عن سمرة بن جندب قال بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا حتى إذا كانت الشمس قِيدَ رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تَنُّومَةَ فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد فوالله ليُحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله ﷺ في أمته حَدثا قال فدُفعنا إلى المسجد فإذا هو بارز وذكر صلاة رسول الله ﷺ وأنه قام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا.

قلت التنوم نبت لونه إلى السواد ويقال بل هوشجر له ثمركمد اللون.

وقوله فإذا هو بارز تصحيف من الراوي وإنما هو بأزز أي بجمع كثير، تقول العرب الفضاء منهم أزز والبيت منهم أزز إذا غص بهم لكثرتهم، وقد فسرناه في غريب الحديث. وفي قوله فلم نسمع له صوتا دليل على صحة إحدى الروايتين لعائشة أنه لم يجهر فيها بالقراءة.

332- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فقام رسول الله ﷺ فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع ثم فعل في الأخرى مثل ذلك ثم نفخ في آخر سجوده فقال أف، ثم قال رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ففرغ من صلاته وقد امَّحصت الشمس.

قوله امحصت الشمس معناه انجلت، واصل المحص الخلوص يقال محصت الشيء محصا إذا خلصته من الشوب، فامحص إذا خلص منه. ومنه التمحيص من الذنوب وهو التطهير منها.

وفي الحديث بيان أن السجود في صلاة الكسوف يطول كما يطول الركوع وقال مالك لم نسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف كما يطول الركوع ومذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه تطويل السجود كالركوع.

وفي الحديث دليل على أن النفخ لا يقطع الصلاة إذا لم يكن له هجاء فيكون كلمة تامة وقوله أف لا تكون كلاما حتى تشدد الفاء فيكون على ثلاثة أحرف من التأفيف كقولك أف لكذا، فأما والفاء خفيفة فليس بكلام، والنافخ لا يخرج الفاء في نفخه مشددة ولا يكاد يخرجها فاء صادقة من مخرجها بين الشفة السفلى ومقاديم الأسنان العليا ولكنه يفشيها من غير اطباق السن على الشفة وما كان كذلك لم يكن كلاما.

وقد قال عامة الفقهاء إذا نفخ في صلاته فقال أف فسدت صلاته إلا أبا يوسف فإنه قال صلاته جائزة.

12/1م ومن باب صلاة السفر

333- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.

قلت هذا قول عائشة عن نفسها وليس برواية عن رسول الله ﷺ ولا بحكاية لقوله وقد روي عن ابن عباس مثل ذلك من قوله فيحتمل أن يكون الأمر في ذلك كما قالاه لأنهما عالمان فقيهان قد شهدا زمان رسول الله ﷺ وصحباه وإن لم يكونا شهدا أول زمان الشريعة وقت إنشاء فرض الصلاة على النبي ﷺ فإن الصلاة فرضت عليه بمكة ولم تلق عائشة رسول الله ﷺ إلا بالمدينة ولم يكن ابن عباس في ذلك الزمان في سن من يعقل الأمور ويعرف حقائقها ولا يبعد أن يكون قد أخذ هذا الكلام عن عائشة فإنه قد يفعل ذلك كثيرا في حديثه وإذا فتشت عن أكثر ما يرويه كان ذلك سماعا عن الصحابة وإذا كان كذلك فإن عائشة نفسها قد ثبت عنها أنها كانت تتم في السفر وتصلي أربعا أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت تصوم في السفر وكانت تتم وتصلي أربعا.

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فكان أكثر مذاهب علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة، وقال حماد بن أبي سليمان يعيد من صلى في السفر أربعا، وقال مالك بن أنس يعيد ما دام في الوقت وقال أحمد بن حنبل السنة ركعتان، وقال مرة أنا أحب العافية من هذه المسألة. وقال أصحاب الرأي إن لم يقعد المسافر في التشهد في الركعتين فصلاته فاسدة لأن فرضه ركعتان فما زاد عليهما كان تطوعا فإن لم يفصل بينهما بالقعود بطلت صلاته.

وقال الشافعي هو بالخيار إن شاء أتم وإن شاء قصر، وإليه ذهب أبو ثور. وقد روي الإتمام في السفر عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وقد أتمها ابن مسعود مع عثمان بمنى وهو مسافر واحتج الشافعي في ذلك بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعا ولو كان فرضه القصر لم يكن يأتم مسافر بمقيم.

وأما قول أصحاب الرأي أن الركعتين الأخريين تطوع فإنهم يوجبونها على المأموم والتطوع لا يجبر عليه أحد فدل على أن ذلك من صلب صلاته.

قلت والأولى أن يقصر المسافر الصلاة لأنهم أجمعوا على جوازها.

واختلفوا فيها إذا أتم والإجماع مقدم على الاختلاف.

334- قال أبو داود: حدثنا خُشيش بن أصرم، حَدَّثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن طبية عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قصر الناس الصلاة اليوم وإنما قال الله تعالى {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [1] فقد ذهب ذلك اليوم فقال عجبتُ مما عجبتَ منه فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.

قلت وفي هذا حجة لمن ذهب إلى أن الإتمام هو الأصل ألا ترى أنهما قد تعجبا من القصر مع عدم شرط الخوف فلو كان أصل صلاة المسافر ركعتين لم يتعجبا من ذلك فدل على أن القصر إنما هوعن أصل كامل قد تقدمه فحذف بعضه وأبقى بعضه. وفي قوله صدقة تصدق الله بها عليكم دليل على أنه رخصة رخص لهم فيها، والرخصة إنما تكون إباحة لا عزيمة والله أعلم بالصواب.

121/2م ومن باب متى يقصر الصلاة المسافر

335- قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار، حَدَّثنا محمد بن جعفر، حَدَّثنا شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال أنس كان رسول الله ﷺ إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ شك شعبة يصلي ركعتين.

قلت إن ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدا فيما يقصر إليه الصلاة إلا أني لا أعرف أحدا من الفقهاء يقول به.

وقد روي عن أنس أنه كان يقصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ. وعن ابن عمر أنه قال إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر، وعن علي رضي الله عنه أنه خرج إلى النُخيلة فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه.

وقال عمرو بن دينار قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة.

وأما مذاهب فقهاء الأمصار فإن الأوزاعي قال عامة الفقهاء يقولون مسيرة يوم تام وبهذا نأخذ، وقال مالك يقصر من مكة إلى عُسفان وإلى الطائف وإلى جدة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وإلى نحو ذلك أشار الشافعي حين قال ليلتين قاصدتين، وروي عن الحسن والزهري قريب من ذلك قالا يقصر في مسيرة يومين. واعتمد الشافعي في ذلك قول ابن عباس حين سئل فقيل له يقصر إلى عرفة قال لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف، وروي عن ابن عمر مثل ذلك وهو أربعة برد وهذا عن ابن عمر أصح الروايتين وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي لا يقصر إلا في مسافة ثلاثة أيام.

212/5م ومن باب الجمع بين الصلاتين

336- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي الزبير المكي، عَن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبرهم أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ غزوة تبوك فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا.

قلت في هذا بيان أن الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وغير المزدلفة جائز وفيه أن الجمع بين الصلاتين لمن كان نازلا في السفر غير سائر جائز.

وقد اختلف الناس في الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة بعرفة وبالمزدلفة فقال قوم لا يجمع بين صلاتين ويصلي كل واحدة منهما في وقتها يروى ذلك عن إبراهيم النخعي وحكاه عن أصحاب عبد الله، وكان الحسن ومكحول يكرهان الجمع في السفر بين الصلاتين.

وقال أصحاب الرأي إذا جمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها ولا يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، ورووا عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يجمع بينهما كذلك.

وقال كثيرمن أهل العلم يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما إن شاء قدم العصر وإن شاء أخر الظهر على ظاهر الأخبار المروية في هذا الباب، هذا قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله وطاوس ومجاهد، وبه قال من الفقهاء الشافعي وإسحاق بن راهويه، وقال أحمد بن حنبل إن فعل لم يكن به بأس.

قلت ويدل على صحة ما ذهب هؤلاء إليه حديث ابن عمرو وأنس عن النبي ﷺ وقد ذكرهما أبو داود في هذا الباب.

337- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر استُصرخ على صفية وهو بمكة فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال إن رسول الله ﷺ كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين فسار حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما.

338- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المفضَّل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس كان رسول الله ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما.

339- قال أبو داود: وأخبرني سليمان بن داود المَهري حدثنا ابن وهب قال أخبرني جابر بن إسماعيل جابر هذا من أهل مصر عن عقيل بهذا الحديث قال ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حتى يغيب الشفق.

قلت ظاهر اسم الجمع عرفا لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها وعجل العصر فصلاها في أول وقتها لأن هذا قد صلى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما ألا ترى أن الجمع بينهما بعرفة والمزدلفة كذلك. ومعقول أن الجمع بين الصلاتين من الرخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصهم ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه ما يبطل أن تكون هذه الرخصة عامة مع ما فيه من المشقة المربية على تفريق الصلاة في أوقاتها الموقتة.

340- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صلى رسول الله ﷺ الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر. وقال مالك أرى ذلك كان في مطر.

قلت وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الصلاتين للممطور في الحضر فأجازه جماعة من السلف، روي ذلك عن ابن عمر وفعله عروة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة وعامة فقهاء المدينة وهو قول مالك والشافعي وأحمد غير أن الشافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائما وقت افتتاح الصلاتين معا وكذلك قال أبو ثور ولم يشترط ذلك غيرهما وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين وفي حال الظلمة وهو قول عمر بن عبد العزيز. وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي يصلي الممطور كل صلاة في وقتها.

341- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حَدَّثنا أبومعاوية، حَدَّثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جمع رسول الله ﷺ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قال فقلت لابن عباس ما أراد إلى ذلك ؟ قال أراد أن لا تحرَج أمته.

قلت هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء واسناده جيد إلا ما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث. وسمعت أبا بكر القفال يحكيه، عَن أبي إسحاق المروزي قال ابن المنذر ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه وهو قوله أراد أن لا تحرج أمته.

وحكي عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة.

قلت وتأوله بعضهم على أن يكون ذلك في حال المرض قال وذلك لما فيه من إرفاق المريض ودفع المشقة عنه فحمله على ذلك أولى من صرفه إلى من لا عذر له ولا مشقة عليه من الصحيح البدن المنقطع العذر.

وقد اختلف الناس في ذلك فرخص عطاء بن أبي رباح للمريض في الجمع بين الصلاتين وهو قول مالك وأحمد بن حنبل.

وقال أصحاب الرأي يجمع المريض بين الصلاتين إلا أنهم أباحوا ذلك على شرطهم في جمع المسافر بينهما، ومنع الشافعي من ذلك في الحضر إلا للممطور.

23 1/8م ومن باب التطوع على الراحلة والوتر

342- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حَدَّثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال كان رسول الله ﷺ يُسبح على الراحلة أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبه.

قلت قوله يسبح معناه يصلي النوافل والسبحة النافلة من الصلاة ومنه سبحة الضحى ولا أعلم خلافا في جواز النوافل على الرواحل في السفر إلا أنهم اختلفوا في الوتر فقال أصحاب الرأي لا يوتر على الراحلة وقال النخعي كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض وإن أوترت على راحلتك فلا بأس.

وممن رخص في الوتر على الراحلة عطاء ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وروي ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر، وكان مالك يقول لا يصلي على راحلته إلا في سفر يقصر فيه الصلاة.

وقال الأوزاعي والشافعي قصير السفر وطويله في ذلك سواء يصلي على راحلته.

وقال أصحاب الرأي إذا خرج من المصر فرسخين أو ثلاثا صلى على دابته تطوعا.

وقال الأوزاعي يصلي الماشي على رجله كذلك يومىء إيماء قال وسواء كان مسافرا أو غير مسافر يصلي على دابته وعلى رجله إذا خرج من بلده لبعض حاجته.

قلت والوجه في ذلك أن يفتتح الصلاة مستقبلا للقبلة ثم يركع ويسجد حيث توجهت به راحلته ويجعل السجود أخفض من الركوع.

124/10م ومن باب متى يتم المسافر

343 - قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى، حَدَّثنا ابن عُلية، حَدَّثنا علي بن زيد، عَن أبي نصرة عن عمران بن حصين قال غزوت مع رسول الله وشهدت الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر.

قلت هذا العدد جعله الشافعي حدا في القصر لمن كان في حرب يخاف على نفسه العدو. وكذلك كان حال رسول الله ﷺ أيام مقامه بمكة عام الفتح، فأما في حال الأمن فإن الحد في ذلك عنده أربعة أيام فإذا أزمع مقام أربع أتم الصلاة، وذهب في ذلك إلى مقام رسول الله ﷺ في حجه بمكة وذلك أنه دخل يوم الأحد وخرج يوم الخميس كل ذلك يقصر الصلاة فكان مقامه أربعة أيام، وقد روي عن عثمان بن عفان أنه قال من أزمع مقام أربع فليتم وهو قول مالك بن أنس وأبي ثور.

وقد اختلفت الروايات عن ابن عباس في مقام النبي ﷺ بمكة عام الفتح فروي عنه أن رسول الله ﷺ أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة وعنه أنه أقام تسع عشرة وعنه أنه أقام خمس عشرة وكل قد ذكره أبو داود على اختلافه فكان خبر عمران بن حصين أصحها عند الشافعي وأسلمها من الاختلاف فاعتمده وصار إليه.

وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري إذا أجمع المسافر مقام خمس عشرة أتم الصلاة، ويشبه أن يكونوا ذهبوا إلى إحدى الروايات عن ابن عباس. وقال الأوزاعي إذا أقام اثنتي عشرة ليلة أتم الصلاة وروي ذلك عن ابن عمر. وقال الحسن بن صالح بن حي إذا عزم مقام عشر أتم الصلاة وأراه ذهب إلى حديث أنس بن مالك وقد ذكره أبو داود.

344- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم المعنى قالا، حَدَّثنا وهيب، حَدَّثنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال خرجنا مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة فقلنا هل أقمتم بها شيئا قال أقمنا عشرا.

وأما أحمد بن حنبل فإنه لا يحدد ذلك بالأيام والليالي ولكن بعدد الصلوات قال إذا جمع المسافر لاحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر فإذا عزم على أن يقيم أكثر من ذلك أتم. واحتج بحديث جابر وابن عباس أن النبي ﷺ قدم مكة لصبح رابعة قال وأقام الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن فكانت صلاته فيها إحدى وعشرين صلاة.

قلت وهذا التحديد يرجع إلى قريب من قول مالك والشافعي إلا أنه رأى تحديده بالصلوات أحوط وأحصر فخرج من ذلك زيادة صلاة واحدة على مدة أربعة أيام ولياليهن، وقال ربيعة قولا شاذا إن من أقام يوما وليلة أتم الصلاة.

هامش

  1. [النساء: 101]