→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
2 كتاب الصلاة
1/1م باب
133- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عَن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله ﷺ من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله ﷺ: خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل عليّ غيرُهن قال لا إلا أن تطوع قال وذكر له رسول الله ﷺ صيام شهر رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع قال وذكر رسول الله ﷺ له الصدقة قال فهل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال رسول الله ﷺ أفلح إن صدق.
134- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عَن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عاص بهذا الحديث بإسناده وقال أفلح وأبيه إن صدق دخل الجنة وأبيه إن صدق.
قوله عند ذكر الصلاة هل علي غيرهن فقال لا إلا أن تطوع دليل على أن الوتر غير مفروض ولا واجب وجوب حتم ولوكان فرضا لكانت الصلوات المفروضة ستا لا خمسا وفيه بيان أن فرض صلاة الليل منسوخ.
وقوله أفلح وأبيه هذه كلمة جارية على ألسن العرب تستعملها كثيرا في خطابها تريد بها التوكيد. وقد نهى رسول الله ﷺ أن يحلف الرجل بأبيه فيحتمل أن يكون هذا القول منه قبل النهي ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفوعنه قال الله تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [1] الآية قالت عائشة هو قول الرجل في كلامه لا والله وبلى والله ونحو ذلك. وفيه وجه آخر وهو أن يكون النبي ﷺ ضمر فيه اسم الله كأنه قال لا ورب أبيه، وإنما نهاهم عن ذلك لأنهم لم يكونوا يضمرون ذلك في أيمانهم وإنما كان مذهبهم في ذلك مذهب التعظيم لآبائهم. ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع عنه إذا كان ذلك منه على وجه التوقير له والتعظيم لحقه دون ما كان بخلافه، والعرب قد تطلق هذا اللفظ في كلامها على ضربين أحدهما على وجه التعظيم والاخر على سبيل التوكيد للكلام دون القسم قال ابن ميادة:
أظنت سفاها من سفاهة رأيها... لأهجوها لما هجتنى محارب
فلا وأبيها إنني بعشيرتي... ونفسي عن ذاك المقام لراغب
وليس يجوزأن يقسم بأب من يهجوه على سبيل الإعظام لحقه. وقال آخر لعبيد الله بن عبد الله بن مسعود أحد الفقهاء السبعة:
لعمر أبي الواشين أيام نلتقي... لما لا تلاقيها من الدهر أكثر
يعدون يوما واحدا إن لقيتها... وينسون ما كانت على النادي تهجر
وقال آخر:
لعمر أبي الواشين لا عمر غيرهم …لقد كلفتني خطة لا أريدها
وفيه دليل على أن صلاة الجمعة فريضة، وفيه بيان أن صلاة العيد نافلة. وكان أبو سعيد الإصطخري يذهب إلى أن صلاة العيد من فرض الكفاية، وعامة أهل العلم على أنها نافلة.
2/2م ومن باب في المواقيت
135- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني عبد الرحمن بن فلان بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: أتاني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وصلى بي العصر حين كان ظله مثله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين.
قلت قوله وكانت قدر الشراك ليس قدر الشراك هذا على معنى التحديد ولكن الزوال لا يستبان إلا بأقل ما يرى من الفيء، وأقله فيما يقدر هو ما بلغ قدر الشراك أو نحوه وليس هذا المقدار مما يتبين به الزوال في جميع البلدان إنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلدان التي ينتقل فيها الظل فإذا كان أطول يوم في السنة واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير لشيء من جوانبها ظل. وكل بلد يكون أقرب إلى وسط الأرض كان الظل فيه أقصر؛ وماكان من البلدان أبعد من واسطة الأرض وأقرب إلى طرفيها كان الظل فيه أطول.
وقد اعتمد الشافعي هذا الحديث وعول عليه في بيان مواقيت الصلاة إذ كان قد وقع به القصد إلى بيان أمر الصلاة في أول زمان الشرع.
وقد اختلف أهل العلم في القول بظاهره فقالت طائفة وعدل آخرون عن القول ببعض ما فيه إلى أحاديث أخر وإلى سنن سنها رسول الله ﷺ في بعض المواقيت لمّا هاجر إلى المدينة، قالوا وإنما يؤخذ بالآخر من أمر رسول الله ﷺ وسنذكر موضع الاختلاف منهم في ذلك. فمن قال بظاهر حديث ابن عباس وتوقيت أول صلاة الظهر وآخرها به مالك وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا صار الظل قامتين. وقال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه آخر وقت الظهر أول وقت العصر.
واحتج بعض من قاله بأن في بعض الروايات أنه صلى الظهر من اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر من اليوم الأول، وقد نسب هذا القول محمد بن جرير الطبري إلى مالك بن أنس وقال لو أن مصليين صليا أحدهما الظهر والآخر العصر في وقت واحد صحت صلاة كل واحد منهما.
قلت ومعنى هذا الكلام معقول أنه إنما أراد فراغه من صلاة الظهر اليوم الثاني في الوقت الذي ابتدأ فيه صلاة العصر من اليوم الأول وذلك أن هذا الحديث إنما سيق لبيان الأوقات وتحديد أوائلها وأواخرها دون بيان عدد الركعات وصفاتها وسائر أحكامها ألا ترى أنه يقول في آخره ( الوقت فيما بين هذين الوقتين ) فلو كان الأمر على قدره هو لألجأ من ذلك الاشكال في أمرالأوقات واحتيج من أجل ذلك إلى أن يعلم مقدار صلاة النبي ﷺ لتعلق الوقت بها فيزداد بقدرها في الوقت ويحتسب كميتها فيه. والصلاة لا تقدر بشيء معلوم لا يزيد عليه ولا ينقص منه لأنها قد تطول في العادة وتقصر. وفي هذا بيان فساد ما ذهبوا إليه ومما يدل على صحة ما قلناه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال ووقت الظهر ما لم يحضر العصر، وهو حديث حسن ذكره أبو داود في هذا الباب.
واختلفوا في أول وقت العصر فقال بظاهر حديث ابن عباس مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة أول وقت العصر أن يصير الظل قامتين بعد الزوال فمن صلى قبل ذلك لا تجزئه صلاته وخالفه صاحباه.
واختلفوا في آخر وقت العصر، فقال الشافعي آخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثليه لمن ليس له عذر ولا به ضرورة على ظاهر هذا الحديث فأما أصحاب العذر والضرورات فآخر وقتها لهم غروب الشمس قبل أن يصلي منها ركعة على حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها.
وقال سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله ما لم تصفر الشمس. وقال بعضهم ما لم تتغير الشمس.
وعن الأوزاعي نحو من ذلك ويشبه أن يكون هؤلاء ذهبوا إلى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال وقت العصر ما لم تصفر الشمس.
وأما المغرب فقد أجمع أهل العلم على أن أول وقتها غروب الشمس.
واختلفوا في آخر وقتها فقال مالك والأوزاعي والشافعي لا وقت للمغرب إلا وقت واحد قولا بظاهر الحديث حديث ابن عباس وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وقت المغرب إلى أن يغيب الشفق.
قلت وهذا أصح القولين للأخبار الثابتة وهي خبر أبي موسى الأشعري وبريدة الأسلمي وعبد الله بن عمرو. ولم يختلفوا في أن أول وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق إلا أنهم اختلفوا في الشفق ما هو فقالت طائفة هو الحمرة، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وهو قول مكحول وطاوس وبه قال مالك وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق.
وروي، عَن أبي هريرة أنه قال: الشفق البياض. وعن عمر بن عبد العزيز مثله.
وإليه ذهب أبو حنيفة وهو قول الأوزاعي. وقد حكي عن الفراء أنه قال: الشفق الحمرة وأخبرني أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: الشفق البياض وأنشد لأبي النجم:
حتى إذا الليل جلاه المجتلي... بين سماطي شفق مُهَوَّل
يريد الصبح وقال بعضهم الشفق اسم للحمرة والبياض معا إلا أنه إنما يطلق في أحمر ليس بقاني وأبيض ليس بناصع، وإنما يعلم المراد منه بالأدلة لا بنفس اللفظ كالقُرء الذي يقع اسمه على الطهر والحيض معا وكسائر نظائره من الأسماء المشتركة.
واختلفوا في آخر وقت العشاء الآخرة فروي عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة أن أخر وقتها ثلث الليل، وكذلك قال عمر بن عبد العزيز وبه قال الشافعي قولا بظاهر حديث ابن عباس. وقال الثوري وأصحاب الرأي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه آخر وقت العشاء إلى نصف الليل، وحجة هؤلاء حديث عبد الله بن عمرو قال ووقت العشاء إلى نصف الليل، وكان الشافعي يقول به إذ هو بالعراق وقد روي عن ابن عباس أنه قال لا يفوت وقت العشاء إلى الفجر وإليه ذهب عطاء وطاوس وعكرمة.
واختلفوا في آخر وقت الفجر فذهب الشافعي إلى ظاهر حديث ابن عباس وهو الإسفار، وذلك لأصحاب الرفاهية ومن لا عذر له وقال من صلى ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس لم تفته الصبح، وهذا في أصحاب العذر والضرورات وقال مالك وأحمد من صلى ركعة من الصبح وطلعت له الشمس أضاف إليها أخرى وقد أدرك الصبح فجعلوه مدركا للصلاة على ظاهر حديث أبي هريرة. وقال أصحاب الرأي من طلعت عليه الشمس وقد صلى ركعة من الفجر فسدت صلاته إلا أنهم قالوا فيمن صلى من العصر ركعة أو ركعتين فغربت الشمس قبل أن يتمها إن صلاته تامة.
136- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن قتادة سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال وقت الظهر ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق ووقت العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس.
قوله فور الشفق بقية حمرة الشمس في الأفق. وسمي فورا لفورانه وسطوعه وروي أيضا ثور الشفق وهو ثوران حمرته.
3/3م ومن باب في وقت صلاة النبي ص
137- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو قال سألنا جابرا عن وقت صلاة رسول الله ﷺ فقال: كان يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس بيضاء حية والمغرب إذا غربت الشمس والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر والصبح بغَلَس.
قوله والشمس حية يفنببر على وجهين أحدهما أن حياتها شدة وهجها وبقاء حرها لم ينكسر منه شيء والوجه الآخر أن حياتها صفاء لونها لم يدخلها التغير.
4/4م ومن باب وقت الظهر
138- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حَدَّثنا عباد بن عباد حدثنا محمد بن عمرو عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن جابر بن عبد الله: قال كنت أصلي الظهر مع رسول الله ﷺ فآخذ قبضة من الحصباء لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر.
قلت فيه من الفقه تعجيل صلاة الظهر. وفيه أنه لا يجوز السجود إلا على الجبهة ولو جاز السجود على ثوب هو لابسه أو الاقتصار من السجود على الأرنبة دون الجبهة لم يكن يحتاج إلى هذا الصنيع، وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة.
139- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبيدة بن حميد، عَن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود أن عبد الله بن مسعود قال كان قدر صلاة رسول الله ﷺ في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام.
قلت وهذا أمر يختلف في الأقاليم والبلدان ولا يستوي في جميع المدن والأمصار لأن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة الرؤوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر. وكلما كانت أخفض ومن محاذاة الرؤوس أبعد كان الظل أطول ولذلك ظلال الشتاء تراها أبدا أطول من ظلال الصيف في كل مكان. وكانت صلاة رسول الله ﷺ بمكة والمدينة وهما من الإقليم الثانى. ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف في شهر آذار ثلاثة أقدام وشيء ويشبه أن يكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام.
وأما الظل في الشتاء فإنهم يذكرون أنه في تشرين الأول خمسة أقدام أو خمسة وشيء وفي الكانون سبعة أقدام أو سبعة وشيء.فقول ابن مسعود منزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون ساتر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني والله أعلم.
140- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهم عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة، عَن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم.
معنى الإبراد في هذا الحديث انكسار شدة حر الظهيرة وقال محمد بن كعب القرظي نحن نكون في السفر فإذا فات الأفياء وهبت الأرواح قالوا أبردتم فالرواح. قلت ومن تأول على بردى النهار فقد خرج عن جملة قول الأمة.
وقد اختلف العلماء في تأخير صلاة الظهر في الصيف والإبراد بها فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى تأخيرها والإبراد بها في الصيف. وإليه ذهب أصحاب الرأي، وقال الشافعي تعجيلها أولى إلا أن يكون امام جماعة ينتابه الناس من بعد فإنه يبرد بها في الصيف عند شدة الحر، وأما من صلاها وحده أو صلاها بجماعة بفناء بيته لا يحضره إلا من بحضرته فإنه يصليها في أول وقتها لأنه لا أذى عليهم في حرها. ولا يؤخر في الشتاء بحال.
وقوله عليه الصلاه والسلام فيح جهنم معناه سطوع حرها وانتشاره وأصله في كلامهم السعة والانتشار. ومنه قولهم في الغادة فيحي فياح، ومكان أفيح أي واسع، وأرض فيحاء أي واسعة ومعنى الكلام يحتمل وجهين أحدهما أن شدة الحر في الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة. وروي أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فأشد ما تجدونه من الحر في الصيف فهو من نفسها وأشد ما ترونه من البرد في الشتاء فهو منها.
والوجه الاخر أن هذا الكلام إنما خرج مخرج التشبيه والتقريب أي كأنه نار جهنم في الحر فاحذروها واجتنبوا ضررها.
141- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر بن سَمُرة أن بلالا كان يؤذن للظهر إذا دحضت الشمس.
قوله دحضت معناه زالت وأصل الدحض الزلق يقال دحضت رجله أي زلت عن موضعها وأدحضت حجة فلان أي أزالتها وأبطلتها.
5/5م ومن باب وقت العصر
142- قال أبو داود: حدثنا القعنبي قال قرأت على مالك عن ابن شهاب قال عروة ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله ﷺ كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر.
قوله قبل أن تظهر معنى الظهور ههنا الصعود يقال ظهرت على الشيء إذا علوته ومنه قول الله تعالى {ومعارج عليها يظهرون} [2].
قلت وحجرة عائشة ضيقة الرقعة والشمس تقلص عنها سريعا فلا يكون مصليا العصر قبل أن تصعد الشمس عنها إلا وقد بكر بها.
143- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال: دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر فقام يصلي العصر فلما فرغ من صلا ته ذكرنا تعجيل الصلاة أو ذكرها فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكرالله فيها إلا قليلا.
قوله كانت بين قرنى الشيطان إختلفوا في تأويله على وجوه فقال قائل معناه مقارنه الشيطان للشمس عند دنوها للغروب على معنى ما روي أن الشيطان يقارنها إذا طلعت فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فحرمت الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لذلك.
وقيل معنى قرن الشيطان قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمرأي مطيق له قوي عليه وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأزمان الثلاثة، وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس يقال هؤلاء قرن أي نشوء جاؤوا بعد قرن مضى.
وقيل إن هذا تمثيل وتشبيه وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتزيينه ذلك في قلوبهم وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها فكأنهم لما دافعوا الصلاة وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس صار ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون بقرونها وتدفعه بأرواقها.
وفيه وجه خامس قاله بعض أهل العلم وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له.وقرنا الرأس فوداه وجانباه وسمي ذو القرنين وذلك أنه ضرب على جانبي رأسه فلقب به.
144- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله.
قلت معنى وتر أي نقص أو سلب فبقي وترا فردا بلا أهل ولا مال يريد فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله.
6/7م ومن باب وقت عشاء الآخرة
145- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان الحمصى حدثنا أبي حدثنا جرير عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أنه سمع معاذ بن جبل يقول بقينا رسول الله ﷺ في صلاة العتمة فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل منا يقول صلى فانا لكذلك حتى خرج النبي ﷺ فقالوا له كما قالوا فقال اعتموا هذه الصلاة فإنكم قد فُضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم.
قوله بقينا النبي ﷺ معناه انتظرنا يقال بقيت الرجل أبقيه إذا انتظرته.
وقوله اعتموا هذه الصلاة يريد أخروها، يقال فلان عاتم القرى إذا لم يقدم العجالة لأضيافه.
وقد روى ابن عمر أن النبي ﷺ نهى أن تسمى هذه الصلاة العتمة، وقال: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنهم يعتمون بحلاب الإبل أي يؤخرونه.
وكان ابن عمر إذا سمع رجلا يقول العتمة صاح وغضب وقال إنما هو العشاء.
7/8م- ومن باب وقت الصبح
146- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت انْ كان رسول الله ﷺ ليصلي الصبح فينصرف النساء متلَفِّعات بمُروطهن ما يعرفن من الغلس.
والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل والغبش قريب منه إلا أنه دونه.
والمروط أكسية تلبس والتلفع بالثوب الاشتمال به. وهو حجة لمن رأى التغليس بالفجر وهو الثابت من فعل أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال الثوري وأصحاب الرأى: الإسفار بها أفضل.
147- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال قال رسول الله ﷺ: اصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجركم أو أعظم للأجر.
قلت وإلى هذا ذهب الثورى وأصحاب الرأي. وقد احتج من رأى التغليس بفعل رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال يحيى بن آدم لا يحتاج مع قول رسول الله ﷺ إلى قول وإنما كان يقال سنة رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر ليعلم أن النبي ﷺ مات وهو عليها. واحتجوا أيضا بخبر بشر بن أبي مسعود الأنصاري عن أبيه أن رسول الله ﷺ غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله وهو حديث صحيح الإسناد. وقد ذكره أبو داود في باب قبل هذا.
قال حدثنا محمد بن سلمه المرادي حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره عن عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبيه. وتأولوا حديث رافع بن خديج على أنه إنما أراد بالإصباح والإسفار أن يصليها بعد الفجر الثاني وجعلوا مخرج الكلام فيه على مذهب مطابقة اللفظِ اللفظَ وزعموا أنه قد يحتمل أن أولئك القوم لما أمروا بتعجيل الصلوات جعلوا يصلونها مابين الفجر الأول والفجر الثاني طلبا للأجر في تعجيلها فقيل لهم صلوها بعد الفجر الثاني وأصبحوا إذا كنتم تريدون به الأجر فإن ذلك أعظم لأجوركم.
فإن قيل كيف يستقيم هذا ومعلوم أن الصلاة إذا لم يكن لها جواز لم يكن فيها أجر. قيل أما الصلاة فلا جواز لها ولكن أجرهم فيما نووه ثابت كقوله ﷺ: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر ألا تراه قد بطل حكمه ولم يبطل أجره، وقيل إن الأمر بالاسفار إنما جاء في الليالي المقمرة وذلك أن الصبح لا يتبين فيها جيدا فأمرهم بزيادة التبيين استظهارا باليقين في الصلاة.
هامش