→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
55/95م ومن باب ما يستحب أن يلي الإمام في الصف
216- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد، عَن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن عباس عن النبي ﷺ قال: ليليني منكم ذوو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم واياكم وهَيشات الأسواق.
قلت إنما أمر ﷺ أن يليه ذوو الأحلام والنهى ليعقلوا عنه صلاته، ولكي يخلفوه في الإمامة إن حدث به حدث في صلاته وليرجع إلى قولهم إن أصابه سهو أو عرض في صلاته عارض في نحو ذلك من الأمور.
وهيشات الأسواق ما يكون فيها من الجلبة وارتفاع الأصوات وما يحدث فيها من الفتن. وأصله من الهوش وهو الاختلاط يقال تهاوش القوم إذا اختلطوا ودخل بعضهم في بعض وبينهم تهاوش أي اختلاط واختلاف.
56/99م ومن باب في الرجل يصلي وحده خلف الصف
217- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا: حَدَّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة أن رسول الله ﷺ رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده أمره أن يعيد قال سليمان بن حرب الصلاة.
واختلف أهل العلم فيمن صلى خلف الصف وحده فقالت طائفة صلاته فاسدة على ظاهر الحديث. هذا قول النخعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وحكوا عن أحمد أو عى بعض أصحابه أنه إذا افنتح صلاته منفردا خلف الإمام فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه من الركوع فإنه لا صلاة له ومن تلاحق به بعد ذلك فصلاتهم كلهم فاسدة وإن كانوا مائة أو أكثر.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي صلاة المنفرد خلف الإمام جائزة، وهو قول أصحاب الرأي. وتأولوا أمره إياه بالإعادة على معنى الاستحباب دون الإيجاب.
57/100م ومن باب الرجل يركع دون الصف
218- قال أبو داود: حدثنا حميد بن مسعدة أن يزيد بن زريع حدثهم، قال: حَدَّثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم حدثنا الحسن أن أبا بكرة حدث أنه دخل المسجد ونبي الله ﷺ راكع قال فركعت دون الصف فقال النبي ﷺ: زادك الله حرصا ولا تعد.
قلت فيه دلالة على أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة لأن جزءا من الصلاة إذا جاز على حال الانفراد جاز سائر أجزائها.
وقوله ولا تعد إرشاد له في المستقبل إلى ما هو أفضل ولو لم يكن مجزيا لأمره بالإعادة، ويدل على مثل ذلك حديث أنس في صلاة رسول الله ﷺ في بيت المرأة وقيامها منفردة. وأحكام الرجال والنساء في هذا واحدة وهذا يدل على أن أمره بالإعادة في حديث وابصة ليس على الإيجاب لكن على الاستحباب.
وكان الزهري والأوزاعي يقولان في الرجل يركع دون الصف إن كان قريبا من الصفوف أجزأه وإن كان بعيدا لم يجزئه.
58/105م ومن باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام
219- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن من حدثه عن محمد بن كعب القُرَظي قال قلت له، يَعني لعمر بن عبد العزيز حدثني عبد الله بن عباس عن النبي ﷺ قال: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدثين.
قلت هذا حديث لا يصح عن النبي لضعف سنده وعبد الله بن يعقوب لم يسم من حدثه عن محمد بن كعب، وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان تمام بن بزيع وعيسى بن ميمون. وقد تكلم فيهما يحيى بن معين والبخاري ورواه أيضا عبدالكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس. وعبد الكريم متروك الحديث. قال أحمد ضربنا عليه فاضربوا عليه. قال يحيى بن معين: ليس بثقة ولا يحمل عنه وعبد الكريم هذا أبو أمية البصري وليس بالجزري وعبد الكريم الجزري أيضا ليس في الحديث بذلك إلا أن البصري تالف جدا.
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة.
وأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعى وأحمد، وذلك من أجل أن كلامهم يشغل المصلي عن صلاته. وكان أبوعمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة.
59/06 1م ومن باب الدنو من السترة
220- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وحامد بن يحيى وابن السرح قالوا حدثنا سفيان عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي ﷺ قال: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته.
قال عطاء أدنى ما يكفيك أن يكون بينك وبين السترة ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي وعن أحمد نحو هذا وأخبرني الحسن بن يحيى بن صالح أخبرنا ابن المنذر أن مالك بن أنس كان يصلي يوما متباينا عن السترة فمر به رجل وهو لا يعرفه فقال أيها المصلي ادن من سترتك فجعل يتقدم وهويقرأ {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} [1].
60/104م ومن باب إذا صلى إلى سارية
أو نحوها أين يجعلها منه
221- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي حدثنا علي بن عياش حدثني أبو عبيدة الوليد بن كامل عن المهلب بن حجر البهراني عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها. قال ما رأيت رسول الله ﷺ يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا.
قلت الصمد القصد يريد أنه لا يجعله تلقاء وجهه والصمد هو السيد الذي يصمد في الحوائج أي يقصد فيها ويعتمد لها.
61/107م ومن باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ المار بين يديه
222- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان.
قوله وليدرأه معناه يدفعه ويمنعه عن المرور بين يديه، والدرء المدافعة وهذا في أول الأمرلا يزيد على الدرء والدفع فإن أبى ولج فليقاتله أي يعالجه ويعنف في دفعه عن المرور بين يديه.
وقوله فإنما هو شيطان معناه أن الشيطان يحمله على ذلك وأنه من فعل الشيطان وتسويله. وقد روي في هذا الحديث من طريق ابن عمر فليقاتله فإن معه القرين يريد الشيطان.
قلت وهذا إذا كان المصلي يصلي إلى سترة فإن لم تكن سترة يصلي إليها وأراد المار أن يمر بين يديه فليس له درؤه ولا دفعه ويدل على ذلك حديثه الاخر.
223- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد، يَعني بن هلال، عَن أبي صالح، عَن أبي سعيد، قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فإن أراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان.
وفي هذا دلالة على أن العمل القليل لا يقطع الصلاة ما لم يتطاول.
62/109م ومن باب ما يقطع الصلاة
224- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت، عَن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: يقطع صلاه الرجل إذا لم يكن بين يديه قِيدَ أخِرة الرحل الحمارُ والكلب الأسود والمرأة فقلت ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض قال يا ابن أخي سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان. ورواه من طريق ابن عباس فقال يقطع الصلاة المرأة الحائض.
قوله قيد أخرة الرحل أي قدرها في الطول يقال قيد شبر وقيس شبر وقدروا أخِرة الرحل ذراعا.
وقد اختلف للناس فيما يقطع الصلاة من الحيوان فقالت طائفة بظاهر هذا الخبر. روي ذلك عن ابن عمر وأنس والحسن البصري، وقالت طائفة يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض وروي ذلك عن ابن عباس وعطاء بن أبي رباح، وقالت طائفة لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود روي ذلك عن عائشة وهو قول أحمد وإسحاق. وقال أحمد وفي قلبي من المرأة والحمار شيء وقالت طائفة لا يقطع الصلاه شيء روي هذا القول عن علي وعثمان وكذلك قال ابن المسيب وعبيدة والشعبي وعروة بن للزبير وإليه ذهب مالك بن أنس وسفيان الثوري وأصحاب الرأي وبه قال الشافعي. وزعم من لا يرى الصلاة يقطعها شىء أن حديث أبي ذر معارض بخبر أبي سعيد وبخبر ابن عباس وبخبر عائشة، وقد ذكرها أبو داود على أثر هذا الباب.
225- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة عن عائشة قالت كنت بين النبي ﷺ وبين القبلة قال شعبة وأحسبها قالت وأنا حائض.
226- قال أبو داود: وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان يصلي صلاته من الليل وهي معترضة فيما بينه وبين القبلة.
227- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن الحكم عن يحيى بن الجزار، عَن أبي الصهباء قال تذاكرنا ما يقطع الصلاة عند ابن عباس قال جئت أنا وغلام من بني عبدالمطلب على حمار ورسول الله ﷺ يصلي فنزل ونزلت فتركنا الحمار أمام الصف فما بالى بذلك.
228- قال أبو داود: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن اليث حدثني أبي عن جدي عن يحيى بن أيوب عن محمد بن عمر بن علي عن عباس بن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس قال أتانا رسول الله ﷺ ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالى بذلك.
قلت زعم أصحاب أحمد بن حنبل أن حديث أبي ذر قد عارضه حديث عائشة في المرأة وحديث ابن عباس في الحمار، وأما حديث الفضل بن عباس ففي إسناده مقال ثم أنه لم يذكر فيه نعت الكلب، وقد يجوز أن يكون هذا الكلب ليس بأسود فبقي خبر أبي ذر في الكلب الأسود لا معارض له فالقول به واجب لثبوته وصحة إسناده.
63/114م ومن باب من قال لا يقطع الصلاة شيء
229- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن مجالد، عَن أبي الوداك، عَن أبي سعيد قال قال رسول الله ﷺ: لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم فإنما هو شيطان.
قلت وقد يحتمل أن يتأول حديث أبي ذر على أن هذه الأشخاص إذا مرت بين يدي المصلي قطعته عن الذكر وشغلت قلبه عن مراعاة الصلاة فذلك معنى قطعها للصلاة دون إبطالها من أصلها حتى يكون فيها وجوب الإعادة.
64/110م ومن باب في سترة الإمام
230- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ صلى إلى جدار فجاءت بَهْمَة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه.
البهمة ولد الشاة أول ما يولد يقال ذلك للذكر والأنثى سواء. وقوله يدارئها هو من الدرء مهموز أي يدافعها وليس من المداراة التي تجري مجرى الملاينة هذا غير مهموز وذلك مهموز.
65/114- 115م ومن باب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة
231- قال أبو داود: حدثنا أحمد حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله ﷺ إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين.
232- وذكر في هذا الباب حديث وائل بن حجر عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه حتى يحاذي بأذنيه وكان يرفعهما إذا أراد أن يركع وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع.
233- وذكر حديث مالك بن الحويرث قال رأيت رسول الله ﷺ يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه.
234- وذكر حديث علي بن أبي طالب عن رسول الله ﷺ أنه كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر.
235- وذكر حديث أبي حميد الساعدي أن رسول الله ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ثم يرفع رأسه فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم ذكر على أثر هذه الأحاديث حديث أبي مسعود ألا أصلي بكم صلاة رسول الله ﷺ فصلى ولم يرفع يده.
236- وروى حديث البراء بن عازب أن رسول الله ﷺ كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود.
قلت والاختلاف في هذه الأحاديث من وجهين: أحدهما في منتهى ما يرفع إليه اليد من المنكبين والأذنين. فذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى رفعهما إلى المنكبين على حديث ابن عمر وأبي حميد الساعدي وهو مذهب مالك بن أنس. وذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي إلى رفعهما إلى الأذنين على حديث البراء. وحكي لنا، عَن أبي ثور أنه قال كان الشافعي يجمع بين الحديثين المختلفين وكان يقول إنما اختلف الحديث في هذا من أجل الرواة، وذلك أنه كان إذا رفع يديه حاذى بظهر كفه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين واسم اليد يجمعهما فروى هذا قوم وروى هذا آخرون من غير تفصيل ولا خلاف بين الحديثين.
والوجه الاخر من الاختلاف فيها رفع اليدين عند الركوع وبعد رفع الرأس منه وعند القيام من التشهد الأول فذهب أكثر العلماء إلى أن الأيدي ترفع عند الركوع وعند رفع الرأس منه، وهو قول أبي بكر الصديق وعلي بن أبى طالب وابن عمر وأبي سعيد الخدري وابن عباس وأنس وابن الزبير.
وإليه ذهب الحسن البصري وابن سيرين وعطاء وطاوس ومجاهد والقاسم بن محمد وسالم وقتادة ومكحول وبه قال الأوزاعي ومالك في آخر أمره والشافعي وأحمد وإسحاق، وذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي إلى حديث ابن مسعود وهو قول ابن أبى ليلى وقد روي ذلك عن الشعبي والنخعي.
قلت والأحاديث الصحيحة التي جاءت بإثبات رفع اليدين عند الركوع وبعد رفع الرأس منه أولى من حديث ابن مسعود وللإثبات أولى من النفي.
وقد يجوز أن يذهب ذلك على ابن مسعود كما قد ذهب عليه الأخذ بالركبة في الركوع وكان يطبق بيديه على الأمرالأول وخالفه الصحابة كلهم في ذلك.
وقد اختلف الناس في صلاة رسول الله ﷺ في الكعبة فأثبتها بلال ونفاها أسامة فأخذ الناس بقول بلال وحملوا قول أسامة على أنه سها عنه ولم يحفظه.
وحديث البراء لم يقل أحد فيه ثم لا يعود غير شَريك.
قال أبو داود وقد رواه هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد ولم يذكروا فيه ثم لا يعود، وذكر عن سفيان بن عيينة أن يزيد حدثهم به قبل خروجه إلى الكوفة فلم يذكروا فيه ثم لا يعود. فلما انصرف زاد فيه لا يعود فحمل ذلك منه على الغلط والنسيان.
وأما ما روى في حديث أبي حميد الساعدي من رفع اليدين عند النهوض من التنشهد فهو حديث صحيح وقد شهد له بذلك عشرة من الصحابة منهم أبو قتادة الأنصاري، وقد قال به جماعة من أهل الحديث ولم يذكره الشافعي والقول به لازم على أصله في قبول الزيادات.
وأما ما روي في حديث علي رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه عند القيام من السجدتين فلست أعلم أحدا من الفقهاء ذهب إليه وإن صح الحديث فالقول به واجب. وقد ذكر أبو داود في هذا الباب حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله ﷺ وسرده على وجهه، وفيه سنن لا يستغنى عن ذكرها وألفاط يحتاج إلى تفسيرها فنذكره.
237- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله ﷺ منهم أبو قتادة قال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ﷺ قالوا فلم فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعا ولا أقدمنا له صحبة، قال بلى، قالوا فاعرِض قال كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع ثم يرفع رأسه فيقول سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلا ثم يقول الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتخ أصابع رجليه إذا سجد ويسجد ثم يقول الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يصنع ذلك في بقية صلاته حتى كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر قالوا صدقت هكذا كان يصلي ﷺ.
238- قال أبو داود: وحدثنا قتيبة بن سعيد نا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حَلْحلة عن محمد بن عمرو العامري وذكر حديث أبي حميد وقال فيه وإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه وهصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده.
قلت قوله لا ينصب رأسه هكذا جاء في هذه الرواية ونصب الرأس معروف ورواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن عيسى بن عبد الله سمعه من عباس، عَن أبي حميد فقال فيه كان لا يُصَبّي رأسه ولا يقنعه، يقال صَبَّى الرجل رأسه يصبيه إذا خفضه جدا، وقد فسرته في غريب الحديث.
وقوله لا يقنعه معناه لا يرفعه، والإقناع رفع الرأس. ويقال أيضا لمن خفض رأسه قد أقنع رأسه والحرف من الأضداد قال الله تعالى {مهطعين مقنعي رؤوسهم} [2].
وقوله يفتخ أصابع رجليه أي يلينها حتى تنثني فيوجهها نحو القبلة والفتخ لين واسترسال في جناح الطائر.
وقوله هصر ظهره معناه ثنى ظهره وخفضه، وأصل الهصر أن يأخذ بطرف الشيء ثم يجذبه إليه كالغصن من الشجرة ونحوه فينصهرأي ينكسر من غير بينونة. وقوله ولا صافح بخده أي غير مبرز صفحة خده مائلا في أحد الشقين.
وفيه من السنة أن المصلي أربعا يقعد في التشهد الأول على بطن قدمه اليسرى ويقعد في الرابعة متوركا وهو أن يقعد على وركه ويفضي به إلى الأرض ولا يقعد على رجله كما يقعد في التشهد الأول، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. وكان مالك يذهب إلى أن القعود في التشهد الأول والآخر يجب أن يكون على وركه ولا يقعد على بطن قدمه في القعدة الأولى وكذلك يقعد بين السجدتين. وكان سفيان الثوري يرى القعود على قدمه في القعدتين جميعا، وهو قول أصحاب الرأي. وفيه أيضا أنه قعد قعدة بعدما رفع رأسه من السجدة الثانية قبل القيام.
وقد روي ذلك أيضا في حديث مالك بن الحويرث وبه قال الشافعي.
وقال الثوري ومالك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق لا يقعدها ورووا عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم.
66/118-119م ومن باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء
239- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عييد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. وساقه إلى أن قال لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك.
قوله والشر ليس إليك سئل الخليل عن تفسيره، فقال معناه الشر ليس مما يتقرب به إليك. وقال غيره هذا كقول القائل فلان إلى بني تميم إذا كان عداده فيهم أو صغوه معهم وكما يقول الرجل لصاحبه أنا بك واليك يريد ان التجاءه وانتماءه إليه أو نحو هذا من الكلام.
240- وروى أبو داود في هذا الباب حديث أنس بن مالك أن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس فقال الله أكبر الحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
قوله حفزه النفس يريد أنه قد جهده النفس من شدة السعي إلى الصلاة وأصل الحفز الدفع العنيف.
67/119-120م ومن باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم
241- قال أبو داود: حدثنا حسين بن عيسى حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن بديل بن ميسرة، عَن أبي الجوزاء عن عائشة قالت كان رسول الله ﷺ إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.
قوله وبحمدك ودخول الواو فيه أخبرني ابن خلاد قال سألت الزجاج عن ذلك فقال معناه سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك، ومعنى الجد العظمة ههنا.
وقد اختلف العلماء فيما يستفتح به الصلاة من الذكر بعد التكبير فذهب الشافعي إلى ما رواه عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه، وذهب سفيان وأصحاب الرأي إلى حديث عائشة، هذا وبه قال أحمد وإسحاق.
وكان مالك لا يقول شيئا من ذلك إنما يكبر ويقرأ الحمد لله رب العالمين.
وقد روي عن النبي ﷺ أنواع من الذكر في استفتاح الصلاة. وقد روى أبو داود بعضها وترك بعضها وهو من الاختلاف المباح فبأيها استفتح الصلاة كان جائزا وإن استعمل رجل مذهب مالك ولم يقل شيئا أجزأته صلاته وكرهناه له.
68/120-121م ومن باب السكتة عند الافتتاح
242- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد حدثنا سعيد حدثنا قتادة عن الحسن أن سمرة وعمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول الله ﷺ سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [3] فأنكر عليه عمران فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ.
قلت إنما كان يسكتها ليقرأ من خلفه فيهما فلا ينازعوه القراءة إذا قرأ وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل.
وقال مالك بن أنس وأصحاب الرأي السكتة مكروهة.
69/121-122م ومن باب من لم يجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم
243- قال أبو داود: نا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد الله رب العالمين.
قلت قد يحتج بهذا الحديث من لا يرى أن التسمية من فاتحة الكتاب، وليس المعنى كما توهمه، وإنما وجهه ترك الجهر بالتسمية بدليل ما روى ثابت البناني عن أنس أنه قال صليت خلف رسول الله ﷺ وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
244- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم عن بديل بن ميسره، عَن أبي الجوزاء عن عائشة قالت كان رسول الله ﷺ يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يُشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا وكان إذا جلس يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان يقول في كل ركعتين التحيات لله وكان ينهى عن عقب الشيطان وعن فرشة السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم.
قولها كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين قد يحتمل أن يكون أرادت به تعيين القراءة فذكرت اسم السورة وعرفتها بما يتعرف به عند الناس من غيرحذف آية التسمية كما يقال قرأت البقرة وقرأت آل عمران يراد به السورة التي يذكر فيها البقرة وآل عمران.
وقولها لم يصوبه أي لم يخفضه وعقب الشيطان هو أن يقعي فيقعد على عقبيه في الصلاة لا يفترش رجله ولا يتورك وأحسب أني سمعت في عقب الشيطان معنى غير هذا فسره بعض العلماء لم يحضرني ذكره. وفرشة السبع أن يفترش يديه وذراعيه في السجود يمدهما على الأرض كالسبع، وإنما السنة أن يضع كفيه على الأرض ويقل ذراعيه ويجافي بمرفقيه عن جنبيه.
وفي قولها كان يفتتح الصلاه بالتكبير ويختمها بالتسليم دليل على انهما ركنان من أركان الصلاة لا تجزي إلا بهما لأن قولها كان يفتتح الصلاة بالتكبير ويختمها بالتسليم اخبار عن أمر معهود مستدام، وقال ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي.
هامش