→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
2/27م ومن باب بدء الأذان
169- قال أبو داود: حدثنا عباد بن موسى الختلي وزياد بن أيوب وحديث عباد أتم قالا: حَدَّثنا هشيم، عَن أبي بشر، عَن أبي عميربن أنس عن عمومة له من الأنصار قال اهتم النبي ﷺ للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له انصب رايه عند حضور الصلاة فإذا رأوها اذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك. قال فذكر له القُنُع، يَعني الشبُّور فلم يعجبه ذلك، وقال هو من أمراليهود قال فذكر له الناقوس قال هو من أمرالنصارى فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم النبي ﷺ فأري الأذان في منامه قال فغدا على رسول الله ﷺ فأخبره فقال يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان فقال رسول الله ﷺ: يا بلال قم فانظر ما أمرك به عبد الله بن زيد فافعله فأذن بلال.
قال الشيخ: القنع هكذا قاله ابن داسة وحدثناه ابن الأعرابي، عَن أبي داود مرتين فقال مرة القنع بالنون ومرة القبع مفتوحة بالباء وجاء تفسيره بالحديث أنه الشبور وهو البوق وسألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لي على واحد من الوجهين فإن كانت الرواية في الفتح صحيحة فلا أراه سمي الا لإقناع الصوت وهو رفعه، يقال أقنع الرجل صوته وأقنع رأسه إذا رفعه.
وأما القبع بالباء فلا أحسبه سمي قبعا إلا لأنه يقبع صاحبه أي يستره، ويقال قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه. وسمعت أبا عمر يقول هو القثع بالثاء المثلثة، يَعني البوق ولم أسمع هذا الحرف من غيره. وفي قوله يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله فافعله دليل على أن الواجب أن يكون الأذان قائما.
21/28م ومن باب كيف الأذان
170- قال أبو داود: حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه حدثنى أبي عبد الله بن زيد قال لما أمر رسول الله ص بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله اتبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى فقال تقول: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح. حي على الفلاح، الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله.
قال ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله ﷺ فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما أري فقال رسول الله ﷺ فلله الحمد.
قلت روي هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة وهذا الإسناد أصحها.
وفيه أنه ثنى الأذان وأفرد الإقامة وهو مذهب أكثر علماء الأمصار وجرى به العمل في الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب إلى أقصى حجر من بلاد الإسلام. وهو قول الحسن البصري ومكحول والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
وكذلك حكاه سعد القَرَظ وقد كان أذن لرسول الله ﷺ في حياته بقبا، ثم استخلفه بلال زمان عمر رضي الله عنه، فكان يفرد الإقامة ولم يزل ولد أبي محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الإقامة ويحكونه عن جدهم إلا أنه قد روي في قصة أذان أبي محذورة الذي علمه رسول الله ﷺ منصرفه من حنين ان الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة،
وقد رواه أبو داود في هذا الباب، إلا أنه قد روي من غير هذا الطريق أنه أفرد الإقامة غير أن التثنية عنه أشهر إلا أن فيه إثبات الترجيع فيشبه أن يكون العمل من أبي محذورة ومن ولده بعده إنما استمر على افراد الإقامة إمّا لأن رسول الله ﷺ أمره بذلك بعد الأمرالأول بالتثنية، وإما لأنه قد بلغه أنه أمر بلالا بإفراد الإقامة فاتبعه وكان أمرالأذان ينقل من حال إلى حال ويدخله الزيادة والنقصان، وليس كل أمور الشرع ينقلها رجل واحد ولا كان وقع بيانها كلها ضربة واحدة وقيل لأحمد وكان يأخذ في هذا بأذان بلال أليس أذان أبي محذورة بعد أذان بلال فإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمررسول الله ﷺ فقال أليس لما عاد إلى المدينة أقر بلالا على أذانه.
وكان سفيان الثوري وأصحاب الرأي يرون الأذان والإقامة مثنى مثنى على حديث عبد الله بن زيد من الوجه الذي روى فيه تثنية الإقامة.
وقوله طاف بي رجل يريد الطيف وهو الخيال الذي يلم بالنائم يقال منه طاف يطيف ومن الطواف يطوف ومن الإحاطة بالشيء أطاف يطيف.
وفي قوله ألقها على بلال فإنه أندى صوتا منك دليل على أن من كان أرفع صوتا كان أولى بالأذان لأن الأذان إعلام فكل من كان الإعلام بصوته أوقع كان به أحق وأجدر. وقوله وثم استأخر غير بعيد يدل على أن المستحب أن تكون الإقامة في غير موقف الأذان.
22/29م ومن باب في الإقامة
171- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن أيوب، عَن أبي قلابة عن أنس قال أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وحدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسماعيل عن خالد الحذاء، عَن أبي قلابة عن أنس مثل حديث وهيب قال إسماعيل فحدثت به أيوب فقال إلا الإقامة.
قلت قوله ( أمر بلال أن يوتر الإقامة ) يريد أن رسول الله ﷺ هو البذي أمره بذلك والأمر مضاف إليه دون غيره لأن الأمرالمطق في الشريعة لا يضاف إلا إليه. وقد زعم بعض أهل العلم أن الآمر له بذلك أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما وهذا تأويل فاسد لأن بلالا لحق بالشام بعد موت رسول الله ﷺ واستخلف سعد القَرظ على الأذان في مسجد رسول الله ﷺ.
قوله في رواية إسماعيل عن أيوب إلا الإقامة، يريد أنه كان يفرد ألفاظ الإقامة كلها إلا قوله قد قامت الصلاة فإنه كان يكرر مرتين وعلى هذا مذهب عامة الناس في عامة البلدان إلا في قول مالك فإنه كان يرى أن لا يقال ذلك إلا مرة واحدة، وهكذا يروى في أذان سعد القرظ. وقد اختلفت الروايات عنه في ذلك أيضا، وفي هذ الباب سنة أخرى وهي أن المؤذن يقعد قعدة بين الأذان والإقامة. وقد ذكره أبو داود في حديث ابن أبي ليلى في قصة الصلاة وأنها أحيلت ثلاثة أحوال، قال وحدثنا أصحابنا أن رسول الله ﷺ قال لقد هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون الناس بحين الصلاة وذكر قصة رؤيا عبد الله بن زيد إلى أن قال رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران فقام فأذن ثم قعد قعدة ثم قام الحديث. الآطام جمع الأطم وهي كالحصن المبني بالحجارة.
23/31م ومن باب رفع الصوت
172- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمَري حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عثمان، عَن أبي يحيى، عَن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس.
قلت مدى الشيء غايته والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت.
وقيل فيه وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو تقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له.
173- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه.
التثويب هنا الإقامة والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم. ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه. وأصله أن يلوح الرجل لصاحبه بثوبه فيديره عند الأمريرهقه من خوف أو عدو، ثم كثر استعماله في كل اعلام يجهر به صوت، وإنما سميت الإقامة تثويبا لأنها إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة.
24/32م ومن باب ما يجب على المؤذن من تعهد الوقت
174- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن فُضيل حدثنا الأعمش عن رجل، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين.
قوله الإمام ضامن قال أهل اللغة الضامن في كلام العرب معناه الراعي والضمان معناه الرعاية قال الشاعر:
رعاكِ ضمان الله يا أم مالك... ولله أن يشقيك أغنى وأوسع
والإمام ضامن بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل معناه ضامن الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء، وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال وكذلك يتحمل القيام أيضا إذا أدركه راكعا.
25/39م ومن باب أخذ الأجر على الأذان
175- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سعيد الجريري، عَن أبي العلى عن مطرف عن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص أنه قال يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا.
قلت أخذ المؤذن الأجر على أذانه مكروه في مذاهب أكثر العلماء وكان مالك بن أنس يقول لا بأس به ويرخص فيه وقال الأوزاعي الإجارة مكروهة ولا بأس بالجعل وكره ذلك أصحاب الرأي ومنع منه إسحاق بن راهويه.
وقال الحسن أخشى أن لا تكون صلاته خالصة لله وكرهه الشافعي وقال لا يرزق الإمام المؤذن إلا من خمس الخمس سهم النبي ﷺ فإنه مرصد لمصالح الدين ولا يرزقه من غيره.
26/0 4م ومن باب الأذان قبل دخول الوقت
176- قال أبو داود: نا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره رسول الله ﷺ أن يرجع فينادي الا ان العبد قد نام قال أبو داود لم يرو هذا الحديث عن أيوب إلا حماد بن سلمة.
قوله الا ان العبد نام يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به أنه غفل عن الوقت كما يقال نام فلان عن حاجتي إذا غفل عنها ولم يقم بها. الوجه الآخر أن يكون معناه أنه قد عاد لنومه إذا كان عليه بقية من الليل يعلم الناس ذلك لئلا ينزعجوا عن نومهم وسكونهم، ويشبه أن يكون هذا فيما تقدم من أول زمان الهجرة فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام رسول الله ﷺ يؤذن بليل ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر. وثبت عنه ﷺ أنه قال: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم.
وممن ذهب إلى تقديم أذان الفجر قبل دخول وقته مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. وكان أبو يوسف يقول: بقول أبي حنيفة في أن ذلك لا يجوز ثم رجع فقال لا بأس أن يؤذن للفجر خاصة قبل طلوع الفجر اتباعا للأثر. وكان أبو حنيفة ومحمد لا يجيزان ذاك قياسا على سائر الصلوات وإليه ذهب سفيان الثوري.
وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن ذلك جائز إذا كان للمسجد مؤذنان كما كان لرسول الله ﷺ فأما إذا لم يؤذن فيه إلا واحد فإنه لا يجوز أن يفعله إلا بعد دخول الوقت، فيحتمل على هذا أنه لم يكن لمسجد رسول الله ﷺ في الوقت الذي نهى فيه بلالا إلا مؤذن واحد وهو بلال ثم أجازه حين أقام ابن أم مكتوم مؤذنا لأن الحديث في تأذين بلال قبل الفجر ثابت من رواية ابن عمر.
27/45م ومن باب تقام الصلاة ولم يأت الإمام
177- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن علي السدوسي حدثنا عون بن كهمس عن أبيه كهمس قال قمنا بمنى إلى الصلاة والإمام لم يخرج فقعد بعضنا فقال لي شيخ من أهل الكوفة ما يقعدك قلت ابن بريدة قال هذا السَمودُ فقال الشيخ حدثنا عبد الرحمن بن عَوسجة عن البراء بن عازب قال كنا نقوم في الصفوف عهد رسول الله ﷺ طويلا قبل أن يكبر وذكر الحديث.
قلت: السمود يفسَّر على وجهين أحدهما أن يكون بمعنى الغفلة والذهاب عن الشيء يقال رجل سامد هامد أي لاه غافل. ومن هذا قول الله تعالى {وأنتم سامدون} [1] أي لاهون ساهون، وقد يكون السامد أيضا الرافع رأسه.
قال أبوعبيد ويقال منه سَمَدَ يَسمِدُ ويسمد سمودا وروي عن علي أنه خرج والناس ينتظرونه قياما للصلاة فقال ما لي أراكم سامدين.
وحكي عن إبراهيم النخعي أنه قال كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما ولكن قعودا ويقولون: ذلك السَّمود.
178- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال أقيمت الصلاة ورسول الله ﷺ نجيّ في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.
قوله نجي أى مناج رجلا كما قالوا نديم بمعنى منادم ووزير بمعنى موازر، وتناجى القوم إذا دخلوا قى حديث سر وهم نجوى أى متناجون.
وفيه من الفقه أنه قد يجوز له تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر يحزبه.
ويشبه أن يكون نجواه في مهم من أمرالدين لا يجوز تأخيره وإلا لم يكن ليؤخر الصلاة حتى ينام القوم لطول الانتظار له والله أعلم.
28/46م ومن باب التشديد في ترك الجماعة
179- قال أبو داود: حدثنا هارون بن عباد حدثنا وكيع عن المسعودي عن علي بن الأقمر، عَن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله تعالى شرع لنبيه ﷺ سنن الهدى ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين رجلين حتى يقام في الصف وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته ولوصليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم.
قوله ليهادى بين رجلين أي يرفد من جانبيه ويؤخذ بعضديه يتمشى به إلى المسجد. وقوله لكفرتم أي يؤديكم إلى الكفر بأن تتركوا شيئا منها حتى تخرجوا من الملة.
180- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة، عَن أبي رزين عن ابن أم مكتوم أنه سأل رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلاومني فهل من رخصة أن أصلي في بيتي قال فهل تسمع النداء ؟ قال نعم. قال: لا أجد لك رخصة.
قوله لا يلاومني هكذا يروى في الحديث والصواب لا يلايمني أي لا يوافقني ولا يساعدني، فأما الملاومة فإنها مفاعلة من اللوم وليس هذا موضعه.
وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب ولو كان ذلك ندبا لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم.
وكان عطاء بن أبي رباح يقول ليس لأحد من خلق الله في الحضر والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة. وقال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الجمعة والجماعات سمع للنداء أو لم يسمع. وكان أبو ثور يوجب حضور الجماعة، واحتج هو أو غيره ممن أوجبه بأن الله سبحانه أمرأن يصلى جماعة في حال الخوف ولم يعذر في تركها فعقل أنها في حال المن أوجب.
وأكثر أصحاب الشافعي على أن الجماعة فرض على الكفاية لا على الأعيان وتأولوا حديث ابن أم مكتوم على أنه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال.
واحتجنوا بقوله ﷺ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعنشرين درجة.
181- قال أبو داود: حدثنا هارون بن زيد، عَن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم. قال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال النبي ﷺ: تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح فحي هلا.
قوله حي هلا كلمة حث واستعجال قال لبيد ( ولقد تسمع صوتي حيّ هل ).
29/48م ومن باب المشي إلى الصلاة
182- قال أبو داود: حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى عن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن، عَن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قال من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين.
تسبيح الضحى يريد به صلاة الضحى وكل صلاة يتطوع بها فهي تسبيح وسبحة. وقوله لا ينصبه معناه لا يتعبه ولا يزعجه إلا ذلك وأصله من النصب وهو معاناة المشقة يقال أنصبني هذا الأمر وهو أمر منصب ويقال أمر ناصب أي ذو نصب كقول النابغة: ( كليني لِهَمًّ ما أميمة ناصبِ ).
183- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد.
قوله لا ينهزه أي لا يبعثه ولا يشخصه إلا ذلك، ومن هذا انتهاز الفرصة وهو الانبعاث لها والمبادرة إليها.
30/0 5م ومن باب الهدي في المشي إلى المساجد
184- قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمر حدثهم عن داود بن قيس حدثني سعد بن إسحاق حدثنا أبو ثمامة الخياط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه قال فوجدني وأنا مشبك يدي فنهاني عن ذلك وقال إن رسول الله ﷺ قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يده فإنه في صلاة.
قلت تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بها. وقد يفعله بعض الناس عبثا وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربمل قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه يريد به الاستراحة وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره فقيل لمن تطهر وخرج متوجها إلى الصلاة لا تبشك بين أصابعك لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي.
31/52م ومن باب خروج النساء إلى المسجد
185- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات.
التفل سوء الرائحة يقال امرأة تفلة إذا لم تطيب ونساء تفلات، وقد استدل بعض أهل العلم بعموم قوله لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، على أنه ليس للزوج منع زوجته من الحج لأن المسجد الحرام الذي يخرج إليه الناس للحج والطواف أشهر المساجد وأعظمها حرمة فلا يجوز للزوج أن يمنعها من الخروج إليه.
32/54م ومن باب السعي إلى الصلاة
186- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثنا ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. قال أبو داود وكذا قال الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري وما فاتكم فأتموا وكذلك روى ابن مسعود عن النبي ﷺ وأبو قتادة وأنس كلهم قال فأتموا.
قلت في قوله فأتموا دليل أن الذي أدركه المرء من صلاة إمامه هو أول صلاته لأن لفظ الاتمام واقع على باق من شيء قد تقدم سائره. وإلى هذا ذهب الشافعي في أن ما أدركه المسبوق من صلاة إمامة هو أول صلاته. وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ومكحول وعطاء والزهري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل هو آخر صلاته وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
وقد روي ذلك عن مجاهد وابن سيرين واحتجوا بما روي في هذا الحديث من قوله وما فاتكم فاقضوا قالوا والقضاء لا يكون إلا للفائت.
قلت قد ذكر أبو داود في هذا الباب أن أكثر الرواة اجتمعوا على قوله وما فاتكم فأتموا، وإنما ذكر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال صلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم. قال وكذا قال ابن سيرين، عَن أبي هريرة وكذا قال أبو رافع عن أبى هريرة.
قلت وقد يكون القضاء بمعنى الاداء للأصل كقوله تعالى {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [2] وكقوله {فإذا قضيتم مناسككم} [3] وليس شيء من هذا قضاء لفائت فيحتمل أن يكون قوله وما فاتكم فاقضوا أي أدوه في تمام جمعا بين قوله فأتموا وبين قوله فاقضوا ونفيا للاختلاف بينهما.
33/56م ومن باب يصلي معهم إذا كان في المسجد
187- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرني يعلى عن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع النبي ﷺ وهو غلام شاب فلما أن صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلوا إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام. لم يصل فليصل معه فإنها نافلة.
قوله ترعد فرائصهما هي جمع الفريصة وهي لحمة وسط الجنب عند منبض القلب تفترص عند الفزع أي ترتعد. وفى الحديث من الفقه أن من صلى في رحله ثم صادف جماعة يصلون كان عليه أن يصلي معهم أي صلاة كانت من الصلوات الخمس، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وبه قال الحسن والزهرى.
وقال قوم يعيد إلا المغرب والصبح، كذلك قال النخعي وحكي ذلك عن الأوزاعي. وكان مالك والثوري يكرهان أن يعيد صلاة المغرب وكان أبو حنيفة لا يرى أن يعيد صلاة العصر والمغرب والفجر إذا كان قد صلاهن.
قلت وظاهر الحديث حجة على جماعة من منع عن شيء من الصلوات كلها ألا تراه يقول إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه ولم يستثن صلاة دون صلاة.
وقال أبو ثور لا يعاد الفجر والعصر إلا أن يكون في المسجد وتقام الصلاة فلا يخرج حتى يصليها.
وقوله فإنها نافلة يريد الصلاة الآخرة منهما والأولى فرضه. فأما نهيه ﷺ عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصرحتى تغرب فقد تأولوه على وجهين أحدهما أن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب.
فأما إذا كان لها سبب مثل أن يصادف قوما يصلون جماعة فإنه يعيدها معهم ليحرز الفضيلة.
والوجه الآخر أنه منسوخ وذلك أن حديث يزيد بن جابر متأخر لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله ﷺ حجة الوداع، ثم ذكر الحديث.
وفي قوله فإنها نافلة دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب.
وفيه دليل على أن صلاته منفردا مجزية مع القدرة على صلاة الجماعة وإن كان ترك الجماعة مكروها.
188- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح قال قرأت على ابن وهب أخبرني عمروعن بكير أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب يقول حدثني رجل من أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري. قال يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فقال أبو أيوب سألنا عن ذلك النبي ﷺ فقال ذلك له سهم جمع.
قوله سهم جمع يريد أنه سهم من الخير جمع له فيه حظان. وفيه وجه آخر قال الأخفش سهم جمع يريد سهم الجيش وسهم الجيش هوالسهم من الغنيمة قال والجمع ههنا الجيش واستدل بقوله تعالى {يوم التقى الجمعان} [4] وبقوله {سيهزم الجمع} [5] وبقوله {فلما تراءى الجمعان} [6].
هامش