→ السابق | معالم السنن للإمام الخطابي
|
اللاحق ← |
87/165- 166م- ومن باب رد السلام
275- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم، عَن أبي وائل عن عبد الله قال قدمت على رسول الله ﷺ وهو يصلي فسلمت فلم يرد عليّ السلام فأخذني ما قَدُم وما حدُث فلما قضى رسول الله ﷺ الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ورد عليّ السلام.
قوله ما قدم وما حدث معناه الحزن والكآبة، يريد أنه قد عاوده قديم الأحزان واتصل بحديثها، واختلف الناس في المصلي يسلم عليه فرخصت طائفة في الرد وكان سعيد بن المسيب لا يرى بذلك بأسا، وكذلك الحسن البصري وقتادة، وروي، عَن أبي هريرة أنه كان إذا سلم عليه وهو في الصلاة رده حتى يسمع، وروي عن جابر نحو من ذلك.
وقال أكثر الفقهاء لا يرد السلام، وروي عن ابن عمر أنه قال يرد إشارة. وقال عطاء والنخعي وسفيان الثوري إذا انصرف من الصلاة رد السلام. وقال أبوحنيفة لا يرد السلام ولا يشير.
قلت رد السلام في الصلاة قولا ونطقا محظور ورده بعد الخروج من الصلاة سنة، وقد رد النبي ﷺ على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام. والإشارة حسنة، وقد روي عن النبي ﷺ أنه أشار في الصلاة، وقد رواه أبو داود في هذا الباب.
276- قال أبو داود: وحدثنا يزيد بن خالد بن موهب وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم عن بكير عن نايل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب أنه قال: مررت برسول الله ﷺ وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة. قال قتيبة: ولا أعلمه إلا قال إشارة بأصبعه.
277- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، عَن أبي مالك الأشجعي، عَن أبي حازم، عَن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: لا غِرار في صلاة ولا تسليم. قال أحمد، يَعني أن لا تسلم ولا يسلم عليك ويغرّر الرجل بصلاته فينصرف وهوفيها شاك.
قلت أصل الغرار نقصان لبن الناقة، يقال غارت الناقة غرارا فهي مغار إذا نقص لبنها، فمعنى قوله لا غرارأي لا نقصان في التسليم. ومعناه أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه مثل أن يقال السلام عليكم ورحمة الله فيقول عليكم السلام ورحمة الله، ولا يقتصر على أن يقول السلام عليكم أو عليكم حسب، ولا ترد التحية كما سمعتها من صاحبك فتبخسه حقه من جواب الكلمة.
وأما الغرار في الصلاة فهو على وجهين أحدهما أن لا يتم ركوعه وسجوده والآخر أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف بالشك، وقد جاءت السنة في رواية أبي سعيد الخدري أنه يطرح الشك ويبني على اليقين ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعا.
88/166-167م ومن باب تشميت العاطس
278- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حجاج الصواف حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي، قال صليت مع رسول الله ﷺ فعطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون أيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يصمتونني فلما صلى رسول الله ﷺ بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ثم قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال قلت يا رسول الله إنا قوم حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإ سلام ومنا رجال يأتون الكهان، قال فلا تأتهم، قال: قلت ومنا رجال يتطيرون قال ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يضرهم. قلت ومنا رجال يخطُّون قال كان نبى من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذلك. قلت جارية لي كانت ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية إذ اطلعت عليها اطّلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فعظم ذلك على رسول الله ﷺ فقلت أفلا أعتقها فقال آتيني بها، فقال فجئت بها فقال أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة.
قلت في هذا الحديث من الفقه أن الكلام ناسيا في الصلاة لا يفسد الصلاة وذلك أن النبي ﷺ علمه أحكلم الصلاة وتحريم الكلام فيها، ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه وقد كان تكلم بما تكلم به ولا فرق بين من تكلم جاهلا بتحريم الكلام عليه، وبين من تكلم ناسيا لصلاته في أن كل واحد منهما قد تكلم والكلام مباح له عند نفسه.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فممن قال يبني على صلاته إذا تكلم ناسيا أو جاهلا الشعبي والأوزاعي ومالك والشافعي. وقال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي إذا تكلم ناسيا استقبل الصلاة، وفرق أصحاب الرأي بين أن يتكلم ناسيا وبين أن يسلم ناسيا فلم يوجبوا عليه الإعادة في السلام كما أوجبوها عليه في الكلام.
وقال الأوزاعي من تكلم في صلاته عامدا بشي يرد به إصلاح صلاته لم تبطل صلاته. وقال في رجل صلى العصر فجهر بالقرآن فقال رجل من ورائه إنها العصر لم تبطل صلاته.
وفي الحديث دليل على أن المصلي إذا عطس فشمته رجل فإنه لا يجيبه.
واختلفوا إذا عطس وهو في الصلاة هل يحمد الله فقالت طائفة يحمد الله. روي عن ابن عمر أنه قال: العاطس في الصلاة يجهر بالحمد ؛ وكذلك قال النخعي وأحمد بن حنبل. وهو مذهب الشافعي إلا أنه يستحب أن يكون ذلك في نفسه.
وقوله ما كهرني معناه ما انتهرني ولا أغلظ لي، وقيل الكهر استقبالك الإنسان بالعبوس. وقرأ بعض الصحابة فأما اليتيم فلا تكهر.
وقوله في الطيرة ذلك شيء عفي نفوسهم فلا يضرهم يريد أن ذلك شيء يوجد في النفوس البشرية وما يعتري الإنسان من قبل الظنون والأوهام من غير أن يكون له تأثير من جهة الطباع أو يكون فيه ضرر كما كان يزعمه أهل الجاهلية.
وقوله وهنا رجال يخطون فإن الخط عند العرب فيما فسره ابن الأعرابي أن يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام فيأمره بأن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول ابني عيان اسرعا البيان ثم يأمره أن يمحو منها اثنين اثنين ثم ينظر إلى آخر ما يبقى من تلك الخطوط فإن كان الباقي منها زوجا فهو دليل الفلح والظفر وإن كان فردا فهو دليل الخيبة واليأس.
وقوله فمن وافق خطمفذلك يشبه أن يكون أراد به الزجر عنه وترك التعاطي له إذ كانوا لا يصادقون معنى خط ذلك النبي لأن خطه كان علما لنبوته وقد انقطعت نبوته فذهبت معالمها.
وقوله آسف كما يأسفون معناه أغضب كما يغضبون ومن هذا قوله سبحانه {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [1] وأما قول النبي ﷺ أعتقها فإنها مؤمنة ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قوله حين سألها أين الله فقالت في السماء وسألها من أنا فقالت رسول الله ﷺ فإن هذا السؤال عن امارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وصفة حقيقته ولو أن كافرا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت به الجارية لم يصر به مسلما حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ﷺ ويتبرى من دينه الذي كان يعتقده، وإنما هذا كرجل وامرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه منك فيقول زوجتي وتصدقه المرأة فإنا نصدقهما في قولهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فإنا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر. كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حنتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه وإذا جاءنا من نجهل حاله بالكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا منه خلاف ذلك.
89/167-168م ومن باب التأمين وراء الإمام
279- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. قال ابن شهاب فكان رسول الله ﷺ يقول آمين.
قلت فيه دليل على أن رسول الله ﷺ كان يجهر بآمين ولولا جهره به لم يكن لمن يتحرى متابعته في التأمين على سبيل المداركة طريق إلى معرفته فدل أنه كان يجهر به جهرا يسمعه من وراءه، وقد روى وائل بن حجر أن رسول الله ﷺ كان إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته، ورواه أبو داود بإسناده في هذا الباب.
280- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن سُمي مولى أبي بكر، عَن أبي صالح السمان، عَن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين.
قلت قد احتج به من ذهب إلى أنه لا يجهر بآمين، وقال ألا ترى أنه جعل وقت فراغ الإمام من قوله ولا الضالين وقتا لتأمين القوم فلو كان الإمام يقوله جهرا لاستغني بسماع قوله عن التحين له مراعاة وقته.
وقته قلت وهذا قد كان يجوز أن يستدل به لو لم يكن ذلك مذكورا في حديث وائل بن حجر الذي تقدم ذكره وإذا كان كذلك لم يكن فيما استدلوا به طائل. وقد يكون معناه الأمر به والحض عليه إذا نسيه الإمام يقول لا تغفلوه إذا أغفله الإمام ولا تتركوه إن نسيه وأمنوا لأنفسكم لتحرزوا به الأجر.
قلت وقوله إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين معناه قولوا مع الإمام حتى يقع تأمينكم وتأمينه معا، فأما قوله إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه لا يخالفه ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه وإنما هو كقول القائل إذا رحل الأمير فارحلوا يريد إذا أخذ الأمير في الرحيل فتهيؤوا للارتحال ليكون رحيلكم مع رحيله، وبيان هذا في الحديث الآخر أن الإمام يقول آمين والملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه فأحب أن يجتمع التأمينان في وقت واحد رجاء المغفرة.
90/174- 175م ومن باب صلاة القاعد
281- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي ﷺ عن صلاة الرجل قاعدا فقال: صلاته قائما أفضل من صلاته قاعدا وصلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا.
قوله صلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا إنما هو في التطوع دون الفرض لأن الفرض لا جواز له قاعدا والمصلي يقدر على القيام وإذا لم يكن له جواز لم يكن لشيء من الأجر ثبات.
وأما قوله وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا فإن صحت هذه اللفظة عن النبي ﷺ ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبر بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز أيضا للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس فلا يجوز له أن يصلي مضطجعا كما يجوز له أن يصلي قاعدا لأن القعود شكل من أشكال الصلاة وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة.
282- قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طَهمان عن حسين المعلم، عَن أبي بريدة عن عمران بن حصين قال كان بي الناصور فسألت النبي ﷺ فقال: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب.
قلت وهذا في الفريضة دون النافلة أقام له القعود مقام القيام عند العجز عنه وأقام صلاته نائما عند العجز عن القعود مقام القعود.
واختلفوا فيه إذا صلى نائما أي واقعا بالأرض كيف يصلي، فقال أصحاب الرأي يصلي مستلقيا ورجله إلى القبلة.
وقال الشافعي يصلي على جنبه متوجها إلى القبلة على ما جاء في الحديث.
91/175- 176م ومن باب كيف الجلوس في التشهد
283- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر وذكر صلاة رسول الله وساق القصة إلى أن قال ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى وقبض ثنتين وحلق حلقة ورأيته يقول هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة.
قلت في هذا الحديث إثبات الإشارة بالسبابة، وكان بعض أهل المدينة لا يرى التحليق وقال يقبض أصابعه الثلاث ويشير بالسبابة، وكان بعضهم يرى أن يحلق فيضع أنمله الوسطى بين عقدي الإبهام وإنما السنة أن يحلق برؤوس الأنامل من الإبهام والوسطى حتى يكون كالحلقة المستديرة لا يفضل من جوانبها شيء.
92/177- 178م ومن باب التشهد
284- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سليمان الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله ﷺ في الصلاة قلنا السلام على الله قبل عباده السلام على فلان وفلان فقال رسول الله ﷺ: لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن إذا جلس أحدكم فليقل ( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ) ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به.
قلت قوله التحيات لله فيه إيجاب التشهد لأن الأمرعلى الوجوب.
وفي قوله عند الفراغ من التشهد ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه دليل على أن الصلاة على النبي ﷺ ليست بواجبة في الصلاة ولوكانت واجبة لم يخل مكانها منها ويخيره بين ما شاء من الأذكار والأدعية فلما وكل الأمر في ذلك إلى ما يعجبه منها بطل التعيين. وعلى هذا قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي فإنه قال الصلاة على النبي في التشهد الأخير واجبة فإن لم يصل عليه بطلت صلاته ؛ وقد قال إسحاق بن راهويه نحوا من ذلك أيضا ولا أعلم للشافعي في هذا قدوة وأصحابه يحتجون في ذلك بحديث كعب بن عجرة وقد رواه أبو داود.
285- قال أبو داود: نا حفص بن عمر أنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال قلنا أو قالوا يا رسول الله أمرتنا أن نصلي وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي، قال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
قالوا فقوله أمرتنا أن نصلي عليك يدل على وجوبه لأن أمره لازم وطاعته واجبة. وقوله قولوا اللهم صل على محمد أمر ثان يحب ائتماره ولا يجوز تركه. قالوا وقد أمرالله بالصلاة عليه فقال: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [2] فكان ذلك منصرف إلى الصلاة لأنه إذا صرف إلى غيرها كان ندبا وإن صرف إليها كان فرضا إذ لا خلاف أن الصلاة عليه غير واجبة في غير الصلاة فدل على وجوبها في الصلاة والله أعلم.
واختلفوا في التشهد هل هو واجب أم لا فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال من لم يتشهد فلا صلاة له، وبه قال الحسن البصري وإليه ذهب الشافعي ومذهب مالك قريب منه.
وقال الزهري وقتادة وحماد إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته.
وقال أصحاب الرأي التشهد والصلاة على رسول الله ﷺ مستحب غير واجب والقعود قدر التشهد واجب.
واختلفوا فيما يتشهد به فذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل إلى تشهد ابن مسعود الذي رويناه في هذا الباب.
وذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس وقد رواه أبو داود.
286- قال أبو داود: حدثنا قتيبة نا الليث، عَن أبي الزبيرعن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله ﷺ يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول ( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ).
وذهب مالك إلى تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو التحيات لله الزاكيات لله الطيبات لله.
قلت وأصحها إسنادا وأشهرها رجالا تشهد ابن مسعود وإنما ذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس للزيادة التي فيه، وهي قوله المباركات ولموافقته القرآن وهو قوله فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة. طيبة، ثم ان إسناده أيضا جيد ورجاله مرضيون.
287- قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مُخيمرة، قال أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله ﷺ أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة فذكر مثل حديث الأعمش إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك وإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد.
قلت قد اختلفوا في هذا الكلام هل هو من قول النبي ﷺ أو من قول ابن مسعود فإن صح مرفوعا إلى النبي ﷺ ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي ﷺ في التشهد غير واجبة.
وقوله فقد قضيت صلاتك يريد معظم الصلاة من القراءة والذكر والخفض والرفع وإنما بقي عليه الخروج منها بالسلام فكنى عن التسليم بالقيام إذ كان القيام إنما يقع عقب السلام ولا يجوز أن يقوم بغير تسليم لأنه يبطل صلاته لقوله ﷺ: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
288- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون حدثنا أبو عوانة عن قتادة [ح] قال وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبيرعن حِطان بن عبد الله الرقاشي قال صلى بنا أبو موسى الأشعري فلما جلس في صلاته قال رجل من القوم أقرت الصلاة بالبر والزكاة فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال أيكم القائل كلمة كذا وكذا، قال فأرمّ القوم حتى قالها مرتين، قال فلعلك يا حطان أنت قائلها قال ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني إلى أن قال إن رسول الله ﷺ علمنا صلاتنا فقال إذا كبر الإمام فكبروا وإذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [3] فقولوا آمين يجبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله ﷺ: فتلك بتلك. وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله ﷺ فتلك بتلك.
قوله فأرم القوم يريد أنهم سكتوا مطرقين، يقال أرمّ فلان حتى ما به نطق ومنه قول الشاعر:
- يَردن والليل مرمُّ طائره *
وقوله رهبت أن تبكعني بها أي تجبهني بها أو تبكتني أو نحو ذلك من الكلام. قال الأصمعي يقال بكعت الرجل بكعا إذا استقبلته بما يكره.
وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك عن محمد بن حاتم المظفري قال: قال سليمان بن معبد قلت للأصمعي ما قول الناس الحق مغضَبة فقال ما بني وهل يسأل عن مثل هذا إلا رازم قل ما بُكِعَ أحد بالحق إلا اعزنزم له.
وقوله فتلك بتلك فيه وجهان أحدهما أن يكون ذلك مردودا إلى قوله وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله يريد ان كلمة آمين يستجاب بها الدعاء الذي تضمنه السورة أو الآية كأنه قال فتلك الدعوة مضمنة بتلك الكلمة أو معلقة بها أو ما أشبه ذلك من الكلام.
والوجه الآخر أن يكون ذلك معطوفا على ما يليه من الكلام وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا يريد أن صلاتكم متعلقة بصلاة إمامكم فاتبعوه وائتموا به ولا تختلفوا عليه فتلك إنما تصح وتثبت بتلك. وكذلك الفصل الآخر وهو قوله وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم إلى أن قال فتلك بتلك يريد والله أعلم أن الاستجابة مقرونة بتلك الدعوة وموصولة بها وقوله سمع الله لمن حمده معناه استجاب الله دعاء من حمده، وهذا من الإمام دعاء للمأموم وإشارة إلى قوله ربنا لك الحمد فانتظمت الدعوتان إحداهما بالأخرى فكان ذلك بيان قوله فتلك بتلك. ومعنى قوله يسمع الله لكم أي يستجيب لكم ومن هذا قول النبي ﷺ: اللهم إني أعوذ بك من قول لا يسمع أي لا يستجاب.
289- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم، عَن أبي عثمان عن بلال أنه قال يا رسول الله لاتسبقني بآمين.
قلت يبشبه أن يكون معناه أن بلالا كان يقرأ بفاتحة الكتاب في السكتة الأولى من السكتتين فربما بقي عليه الشيء منها وقد فرغ رسول الله ﷺ من قراءة فاتحة الكتاب فاستمهله بلال في التأمين مقدار ما يتم فيه بقية السورة حتى يصادف تأمينه تأمين رسول الله ﷺ فينال بركته معه والله أعلم.
وقد تأوله بعض أهل العلم على أن بلالا كان يقيم في الموضع الذي يؤذن فيه وراء الصفوف فإذا قال قد قامت الصلاة كبر النبي ﷺ فربما سبقه ببعض ما يقرؤه فاستمهله بلال قدر ما يلحق القراءة والتأمين.
93/168-169م ومن باب التصفيق في الصلاة
290- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك، عَن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي بالناس فأقيم فقال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله ﷺ والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله ﷺ فأشار إليه رسول الله ﷺ أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره رسول الله من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله ﷺ فصلى فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك، قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ قال رسول الله ﷺ: ما لي أراكم أكثرتم التصفيح من نابه شيء في صلاته فليُسبح فإنما التصفيح للنساء.
قلت في هذا الحديث أنواع من الفقه منها تعجيل الصلاة في أول وقتها ألا ترى أنهم لما حانت الصلاة ورسول الله غائب لم يؤخروها انتظارا له.
ومنها أن الالتفات في الصلاة لا يبطلها مالم يتحول المصلي عن القبلة بجميع بدنه ومنها أنه لم يأمرهم بإعادة الصلاة لما صفقوا بأيديهم.
وفيه أن التصفيق سنة النساء في الصلاة وهومعنى التصفيح المذكور في آخر الحديث وهو أن يضرب بظهور أصابع اليمنى صفح الكف من اليسرى.ومنها أن تقدم المصلي عن مصلاه وتأخره عن مقامه لحاجة تعرض له غيرمفسد صلاته ما لم يطل ذلك.
ومنها إباحة رفع اليدين في الصلاة والحمد لله والثناء عليه في إضعاف القيام عندما يحدث للمرء من نعمة لله ويتجدد له من صنع.
وفيه جواز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر. ومنها جواز الائتمام بصلاة من لم يلحق أول الصلاة.
وفيه أن سنة الرجال عندما ينوبهم شيء في الصلاة التسبيح. وفيه أن المأموم إذا سبح يريد بذلك إعلام الإمام لم يكن ذلك مفسدا لصلاته.
94/171-172م ومن باب الاختصار في الصلاة
291- قال أبو داود: حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن محمد، عَن أبي هريرة قال نهى رسول الله ﷺ عن الاختصار في الصلاة.
قال أبو داود هو أن يضع يده على خاصرته في الصلاة ويقال إن ذلك من فعل اليهود وقد روي في بعض الأخبار أن إبليس أهبط إلى الأرض كذلك. وهوشكل من أشكال أهل المصائب يضعون أيديهم على الخواصر إذا قاموا في المآتم وقيل هو أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها.
95/180-181م ومن باب مسح الحصا
292- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري، عَن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة أنه سمع أبا ذر يرويه عن النبي ﷺ قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصا.
قلت يريد بمسح الحصا تسويته حتى يسجد عليه وكان كثير من العلماء يكرهون ذلك. وكان مالك بن أنس لا يرى به بأسا ويسوي الحصا في صلته غير مرة.
96/182-183م ومن باب تخفيف القعود
293- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، عَن أبي عبيدة عن أبيه عن النبي ﷺ كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف قال قلنا حتى يقوم قال حتى يقوم.
الرضف الحجارة المحماة واحدتها رضفة، ومنه المثل خذ من الرضفة ما عليها.
97/188-189م ومن باب السهو
294- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن أيوب عن محمد، عَن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ووضع يده عليها يعرف في وجهه الغضب ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون قصرت الصلاة وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه فقام رجل كان رسول الله ﷺ يسميه ذا اليدين فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة قال لم أنس ولم تقصر الصلاة قال بلى نسيت يا رسول الله فأقبل رسول الله على القوم فقال أصدق ذو اليدين فأوموا أي نعم فرجع رسول الله ﷺ إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر، قال فقيل لمحمد سلم في السهو؛ قال لم أحفظ من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم.
قلت سرعان الناس مفتوحة السين والراء وهم الذين ينفتلون بسرعة ويقال لهم أيضا سرعان بكسر السين وسكون الراء وهو جمع سريع كقوله رعيل ورعلان وأما قولهم سرعان ما فعلت فالراء منه ساكنة.
وفي الحديث دليل على أن من قال لم أفعل كذا وكان قد فعله ناسيا أنه غير كاذب.
وفيه من الفقه أن من تكلم ناسيا في صلاته لم تفسد صلاته، وكذلك من تكلم غير عالم بأنه في الصلاة وذلك أن رسول الله كان عنده أنه قد أكمل صلاته فتكلم على أنه خارج من الصلاة.
وأما ذو اليدين ومراجعته النبي ﷺ فأمره متأول على هذا المعنى أيضا لأن الزمان كان زمان نسخ وتبديل وزيادة في الصلاة ونقصان فجرى منه الكلام في حال قد يتوهم فيها أنه خارج عن الصلاة لا مكان وقوع النسخ ومجيء القصر بعد الإتمام، وقد دفع قوم هذا الحديث وزعموا أنه منسوخ وأنه إنما كان هذا قبل تحريم الكلام في الصلاة ولولا ذلك لم يكن أبو بكر وعمر وسائر الصحابة وقد علموا أن الصلاة لم تقصر ليتكلموا وقد بقي عليهم من الصلاة شيء.
قال الشيخ أما النسخ فلا موضع له ههنا لأن نسخ الكلام كان بمكة وحدوث هذا الأمرإنما كان بالمدينة لأن روية أبو هريرة وهو متأخر الإسلام. وقد رواه عمران بن حصين وهجرته متأخرة.
فأما كلام أبي بكر وعمر ومن معهما، ففي رواية حماد عن زيد عن أيوب وهو الذي رواه أبو داود أنهم أوموا أي نعم فدل ذلك على أن رواية من روى أنهم قالوا نعم إنما هو على المجاز والتوسع في الكلام كما يقول الرجل، قلت بيدي وقلت برأسي وكقول الشاعر:
- قالت له العينان سمعا وطاعة *
ولو صح أنهم قالوه بألسنتهم لم يكن ذلك جائزا لأنه لم ينسخ من الكلام ما كان جوابا لرسول الله ﷺ لقوله تعالى {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [4] وقد مر رسول الله ﷺ على أبي بن كعب وهو يصلي فدعاه فلم يجبه ثم اعتذر إليه وقال له كنت في الصلاة فقال ألم تسمع الله تعالى يقول {استجيبوا لله وللرسول} فدل على أن الكلام في الصلاة إذا كان استجابة لرسول الله غير منسوخ.
وممن قال إن الكلام ناسيا في الصلاة لا يقطع الصلاة مالك والأوزاعي والشافعي. وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، وكذلك قال عطاء، وقال النخعي وحماد وأصحاب الرأي الكلام في الصلاة ناسيا يقطع الصلاة كالعمل سواء.
وفي الحديث دليل على أنه إذا سها في صلاة واحدة مرات أجزأه لجميعها سجدتان وذلك أنه ﷺ سها فلم يصل ركعتين وتكلم ناسيا ثم اقتصر على سجدتين وهو قول عامة الفقهاء.
وحكي عن الأوزاعي والماجشون صاحب مالك أنهما قالا: يلزمه لكل سهو سجدتان.
98/189- 190م ومن باب إذا صلى خمسا
295- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم المعنى قالا نا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال صلى رسول الله الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما ذاك قال صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم.
قلت اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بظاهر هذا الحديث جماعة منهم علقمة والحسن وعطاء والنخعي والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وقال سفيان الثوري إن كان لم يجلس في الرابعة أحب إلي أن يعيد.
وقال أبو حنيفة إن كان لم يقعد في الرابعة قدر التشهد وسجد في الخامسة فصلاته فاسدة وعليه أن يستقبل الصلاة. وإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت له الظهر والخامسة تطوع وعليه أن يضيف إليها ركعة ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وتمت صلاته.
قلت متابعة السنة أولى واسناد هذا الحديث إسناد لا مزيد عليه في الجودة من إسناد أهل الكوفة. وقال بعض من صار إلى ظاهر الحديث لا يخلو من أن يكون النبي ﷺ قعد في الرابعة أو لو يكن قعد، فإن كان قعد فيها فإنه لم يضف إليها السادسة وإن كان لم يقعد في الرابعة فإنه لم يستأنف الصلاة ولكن احتسب بها وسجد سجدتين للسهو فعلى الوجهين جميعا يدخل الفساد على أهل الكوفة فيما قالوه والله أعلم.
99/189-194م ومن أبواب السهو
296- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة نا جربر عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه ثم يسلم ويسجد سجدتين.
297- قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء نا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عَن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان.
298- قال أبو داود: وحدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله ﷺ قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثا أو أربعا فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهوجالس قبل التسليم فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بها وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم الشيطان.
299- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس.
300- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال صلى بنا رسول الله ﷺ ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته وانتظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم.
قلت روى أبو داود في أبواب السهو عدة أحاديث في أكثر أسانيدها مقال والصحيح منها والمعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة التي ذكرناها.
فأما حديث أبي هريرة فهو حديث مجمل ليس فيه أكثر من أن النبي ﷺ أمر بسجدتين عند الشك في الصلاة وليس فيه بيان ما يصنعه من شيء سوى ذلك ولا فيه بيان موضع السجدتين من الصلاة وحصل الأمر على حديث ابن مسعود وأبي سعيد الخدري، وحديث ذي اليدين وابن بحينة وعنها تشعبت مذاهب الفقهاء وعليها بنيت.
فأما حديث ابن مسعود وهو أنه يتحرى في صلاته ويسجد سجدتين بعد السلام فهو مذهب أصحاب الرأي. ومعنى التحري عندهم غالب الظن وأكبر الرأي كأنه شك في الرابعة من الظهر هل صلاها أم لا فإن كان أكبر رأيه أنه لم يصلها أضاف إليها أخرى ويسجد سجدتين بعد السلام وإن كان أكبر رأيه أنه في الرابعة أتمها ولم يضف إليها ركعة وسجد سجدتي السهو بعد السلام وهذا إذا كان يعتريه الشك في الصلاة مرة بعد أخرى فإن كان ذلك أول ما سها فإن عليه أن يستأنف الصلاة عندهم.
وأما حديث ابن بحينة وذي اليدين فإن مالكا اعتبرهما جميعا وبنى مذهبه عليهما في الوهم إذا وقع في الصلاة فإن كان من زيادة زادها في صلب الصلاة سجد السجدتين بعد السلام لأن في خبر ذي اليدين أن النبي ﷺ سلم عن ثنتين وهو زيادة في الصلاة وإن كان من نقصان سجدهما قبل السلام لأن في حديث ابن بحينة أن النبي ﷺ قام عن ثنتين ولم يتشهد وهذا نقصان في الصلاة. وذهب أحمد بن حنبل إلى أن كل حديث منها يتأمل صفته ويستعمل في موضعه ولا يحمل على الخلاف فكان يقول ترك الشك على وجهين أحدهما إلى اليقين والآخر إلى التحري. فمن رجع إلى اليقين فهو أن يلقى الشك ويسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري. وإذا رجح إلى التحري وهو أكبر الوهم سجد سجدتي السهو بعد التسليم على حديث ابن مسعود.
فأما مذهب الشافعي فعلى الجمع بين الأخبار ورد المجمل منها إلى المفسر والتفسير إنما جاء في حديث أبي سعيد الخدري وهو قوله فليلق وليبن على اليقين وقوله إذا لم يدر أثلاثا صلى أو أربعا فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهوجالس قبل السلام. وقوله فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان.
وهذه فصول في الزيادات حفظها أبو سعيد الخدري دون غيره من الصحابة، وقبول الزيادات واجب فكان المصير إلى حديثه أولى.
ومعنى التحري المذكور في حديث ابن مسعود عند أصحاب الشافعي هو البناء على اليقين على ما جاء تفسيره في حديث أبي سعيد الخدري.
وحقيقة التحري هو طلب أحرى الأمرين وأولاهما بالصواب وأحراهما ما جاء في حديث الخدري من البناء على اليقين لما كان فيه من كمال الصلاة والاحتياط لها، ومما يدل على أن التحري قد يكون بمعنى اليقين قوله تعالى {فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا} [5].
وأما حديث ذي اليدين وسجوده فيها بعد السلام فإن ذلك محمول في مذهبهم على السهو لأن تلك الصلاة قد نسبت إلى السهو فجرى حكم آخرها على مشاكلة حكم ما قد تقدم منها. وقد زعم بعضبهم أنه منسوخ بخبر ابي سعيد.
وقد روي عن الزهري أنه قال كلٌ فعلَ رسول الله ﷺ إلا أن تقديم السجود قبل السلام آخر الأمرين، وقد ضعف حديث أبي سعيت الخدري قوم زعموا أن مالكا أرسله عن عطاء بن يسار ولم يذكر فيه أبا سعيد الخدري، وهذا مما لايقدح في صحته، ومعلوم عن مالك أنه يرسل الأحاديث وهي عنده مسنده وذلك معروف من عادته وقد رواه أبو داود من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم وذكر أن هشام بن سعد أسنده فبلغ به أبا سعيد. وقد أسنده أيضا سليمان بن بلال ثناه حمزة بن الحارث ومحمد بن أحمد بن زيرك قالا: حَدَّثنا عباس الدوري، قال: حَدَّثنا موسى بن داود حدثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عَن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا كان شفعا وإن كان صلى تمام الأربع كانت ترغيما للشيطان.
قال الشيخ ورواه ابن عباس أيضا حدثونا به عن محمد بن إسماعيل الصايغ، قال: حَدَّثنا ابن قعنب حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليقم فليصل ركعة ثم يسجد سجدتين وهوجالس قبل السلام فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان.
قلت وفي هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب فيمن صلى خمسا إلي لأنه يضيف إليها سادسة إن كان قد قعد في الرابعة. واعتلوا بأن النافلة لا تكون ركعة، وقد نص فيه من طريق ابن عجلان على أن تلك الركعة تكون نافلة ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها.
10/199 -200م ومن باب من صلى لغير القبلة ثم علم
301- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل نا حماد عن ثابت وحميد عن أنس أن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس فلما نزلت هذه الآية {فول وجهك شطر المسجد الحرام} [6] الآية فمر رجل من بني سلمة فإذا هم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس فقال ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة مرتين قال فمالوا كما هم ركوعا إلى الكعبة.
قلت فيه من العلم أن ما مضى من صلاتهم كان جائزا ولولا جوازه لم يجز البناء عليه.
وفيه دليل على أن كل شيء له أصل صحيح في التعبد ثم طرأ عليه الفساد قبل أن يعلم صاحبه به فإن الماضي منه صحيح، وذلك مثل أن يجد المصلي بثوبه نجاسة لم يكن علمها حتى صلى ركعة فإنه إذا رأى النجاسة ألقاها عن نفسه وبنى على ما مضى من صلاته.
وكذلك هذا في المعاملات فلو وكل رجل رجلا فباع الوكيل واشترى ثم عزله بعد أيام فإن عقوده التي عقدها قبل بلوغ الخبر إليه صحيحة.
وفيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد.
101/207-208-209م باب ومن أبواب الجمعة
302- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وساق الحديث إلى أن قال وما من دابة إلا وهي مُسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس.
قوله مسيخة معناه مصغية يقال أصاخ وأساخ بمعنى واحد.
303 - قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله نا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عَن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ: أكثروا عليّ من الصلاة فإن صلاتكم معروضة عليّ قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال إن الله تعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء.
قوله أرمت معناه بليت وأصله أرممتَ أي صرت رميما فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة لبعض العرب كما قالت ظلت أفعل كذا أي ظللت وكما قيل أحسْت بمعنى أحسست في نظائر لذلك، وقد غلط في هذا بعض من يفسر القرآن برأيه ولا يعبأ بقول أهل التفسير ولا يعرج عليهم لجهله، فقال إن قوله فظلتم تفكهون من ظال يظال وهذا شيء اختلقه من قبل نفسه لم يسبق إليه.
304 - قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى، حَدَّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال سمعت عليا رضي الله عنه على منبر الكوفة يقول إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالبرايث أو الربايث وذكر الحديث.
قلت البرايث ليس بشيء إنما هو الربائث وأصله من ربّثت الرجل عن حاجته إذا حبسته عنها، واحدتها ربيثة، وهي تجري مجرى العلة، والسبب الذي يعوقك عن وجهك الذي تتوجه إليه.
وقوله يرمون الناس إنما هو يربثون الناس كذلك روي لنا في غير هذا الحديث.
120/208- 209م ومن باب جمعة المملوك والمرأة
305 - قال أبو داود:، حَدَّثنا عباس بن عبد العظيم حدثني إسحاق بن منصور، حَدَّثنا هُريم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن النبي ﷺ: قال الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض.
قلت أجمع الفقهاء على أن النساء لا جمعة عليهن. فأما العبيد فقد اختلفوا فيهم فكان الحسن وقتادة يوجبان على العبد الجمعة إذا كان مخارجا، وكذلك قال الأوزاعي وأحسب أن مذهب داود إيجاب الجمعة عليه.
وقد روي عن الزهري أنه قال: إذا سمع المسافر الأذان فليحضر الجمعة، وعن إبراهيم النخعي نحو من ذلك.
وفي الحديث دلالة على أن فرض الجمعة من فروض الأعيان وهو ظاهر مذهب الشافعي؛ وقد علق القول فيه وقال أكثر الفقهاء هي من فروض الكفاية وليس إسناد هذا الحديث بذلك، وطارق بن شهاب لا يصح له سماع من رسول الله ﷺ إلا أنه قد لقي النبي ﷺ.
103/209 -210م ومن باب في الجمعة في القرى
306 - قال أبو داود:، حَدَّثنا قتيبة بن سعيد، حَدَّثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعدما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم على أسعد بن زرارة فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد قال لأنه أول من جمّع بنا في هزم النَبيتِ من حَرّة بني بَياضةَ في نَقيع يقال له نقيع الخَضِمات قلت له كم كنتم يومئذ قال أربعون.
النقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا نضب الماء أنبت الكلأ ومنه حديث عمر رضي الله عنه أنه حمى النقيع لخيل المسلمين، وقد يصحف أصحاب الحديث0 فيروونه البقيع بالباء والبقيع بالمدينة موضع القبور.
وفي الحديث من الفقه أن الجمعة جوازها في القرى كجوازها في المدن والأمصار لأن حرة بني بياضة يقال قرية على ميل من المدينة، وقد استدل به الشافعي على أن الجمعة لا تجزىء بأقل من أربعين رجلا أحرارا مقيمين وذلك أن هذه الجمعة كانت أول ما شرع من الجمعات فكان جميع أوصافها معتبرة فيها لأن ذلك بيان لمجمل واجب، وبيان المجمل الواجب واجب.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز اشتراط عدد الأربعين في الجمعة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق إلا أن عمر قد اشترط مع عدد الأربعين أن يكون فيها وال قال وليس الوالي من شرط الشافعي. وقال مالك إذا كان جماعة في القرية التي بيوتها متصلة وفيها سوق ومسجد يجمع فيه وجبت عليهم الجمعة ولم يذكر عددا محصورا ومذهبه في الوالي كمذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي لا جمعة إلا في مصر جامع وتنعقد عندهم بأربعة.
وقال الأوزاعي إذا كانوا ثلاثة صلوا جمعة إذا كان فيهم الوالي. قال أبو ثور هي كباقي الصلوات في العدد.
307 - قال أبو داود:، حَدَّثنا محمد بن المصفى، حَدَّثنا بقية، حَدَّثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مُجَمّعون.
308 - قال أبو داود:، حَدَّثنا يحيى بن خلف، حَدَّثنا أبوعاصم عن ابن جريج قال قال عطاء اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا صلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر.
قلت في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله فمن شاء أجزأه من الجمعة أي عن حضور الجمعة ولا يسقط عنه الظهر. وأما صنيع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال. وقد روي ذلك عن ابن مسعود.
وروي، عَن أبي عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال أصاب السنة.
وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر.
وحكى ابن إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له الجمعة قبل الزوال أو بعده قال إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه، وكذلك قال إسحاق فعلى هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع لها.
4 10/212- 213م ومن باب في اللبس يوم الجمعة
309 - قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمرأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى حلة سِيراء عند باب المسجد تباع فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله ﷺ: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة.
قلت الحلة السيراء هي المضلعة بالحرير التي فيها خطوط وهو الذي يسمونه المسير وإنما سموه مسيرا للخطوط التي فيه كالسيور، وقيل حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء.
قلت وفي معناه العتابي وما أشبهه من الثياب لا يجوز لبس شيء من ذلك واستعماله للرجال.
105/213-214م ومن باب التحلق يوم الجمعة
310 - قال أبو داود: حدثنا مسدد نا يحيى عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ نهى عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر ونهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة.
الحلق مكسورة الحاء مفتوحة اللام جماعة الحلقة وكان بعض مشايخنا يرونه أنه نهى عن الحَلْق بسكون اللام وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة يوم الجمعة، فقلت له إنما هو الحلق جمع الحلقة؛ وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة والذكر فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك فقال قد فرجت عني وجزاني خيرا وكان من الصالحين رحمه الله.
106/214-215م ومن باب اتخاذ المنبر
311 - قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد نا يعقوب بن عبد الرحمن حدثني أبو حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي قال أرسل رسول الله ﷺ إلى فلانة امرأة قد سماها سهل أن مُري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، قال فرأيت رسول الله ﷺ كبر عليها ثم ركع وهوعليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي.
قلت: الغابة الغيضة وجمعها غابات وغاب. ومنه قولهم: ليث غاب، قال الشاعر:
وكنا كالحريق أصاب غابا... فتخبو ساعة وتهب ساعا
وفيه من الفقه جواز أن يكون مقام الإمام أرفع من مقام المأموم إذا كان ذلك لأمر يعلمه الناس ليقتدوا به، وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة وإنما كان المنبر مرقاتين فنزوله وصعوده خطوتان وذلك في حد القلة، وإنما نزل القهقرى لئلا يولي الكعبة قفاه.
فأما إذا قرأ الإمام السجدة وهو يخطب يوم الجمعة فإنه إذا أراد النزول لم يقهقر ونزل مقبلا على الناس بوجهه حتى يسجد وقد فعله عمر بن الخطاب.
وعند الشافعي أنه إن أحب أن يفعله فعل فإن لم يفعله أجزأه. وقال أصحلمب الرأي ينزل ويسجد، وقال مالك لا ينزل ولا يسجد ويمر في خطبته.
107/226-227م ومن باب الاحتباء والإمام يخطب
312 - قال أبو داود: حدثنا محمد بن عوف نا عبد الله بن يريد المقري نا سعيد بن أبي أيوب، عَن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله ﷺ نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب.
قلت: إنما نهى عن الاحتباء في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض فنهى عن ذلك وأمربالاستيفاز في القعود لاستماع الخطبة والذكر.
وفيه دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه لأنه بعلة الاحتباء أو أكثر.
108/228-230م ومن باب استئذان المحدث الإمام
313 - قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن الحسن المَصِيصي نا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف.
قلت إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافا.
وفي هذا باب من الأخذ بالأدب في ستر العورة واخفاء القبيح من الأمر والتورية بما هو أحسن منه وليس يدخل في هذا الباب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس.
109/229-231م ومن باب إذا دخل والإمام يخطب
314- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلا جاء يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب قال أصليت يا فلان، قال لا قال قم فاركع.
قلت فيه من الفقه جواز الكلام في الخطبة لأمر يحدث وإن ذلك لا يفسد الخطبة وفيه أن الداخل المسجد والإمام يخطب لا يقعد حتى يصلي ركعتين. وقال بعض الفقهاء إذا تكلم أعاد الخطبة ولا يصلي الداخل والإمام يخطب والسنة أولى ما اتبع.
110/230-232م ومن باب من أدرك من الجمعة ركعة
315- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.
قلت دلالته أنه إذا لم يدرك تمام الركعة فقد فاتته الجمعة ويصلي أربعا لأنه إنما جعله مدركا للجمعة بشرط إدراكه الركعة فدلالة الشرط تمنع من كونه مدركا لها بأقل من الركعة، وإلى هذا ذهب سفيان الثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وقد روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس وابن المسيب وعلقمة والأسود وعروة والحسن والشعبي والزهري.
وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة من أدرك التشهد يوم الجمعة مع الإمام صلى ركعتين.
111/236- 238م ومن باب الصلاة بعد الجمعة
316- قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن الحسن حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة فينماز عن مصلاه الذي صلى الجمعة فيه قليلا غيركثير فيركع ركعتين قال ثم يمشي أنفس من ذلك فيركع أربع ركعات.
قوله فينماز معناه يفارق مقامه الذي صلى فيه، وهومن قولك مزت الشيء من الشيء إذا فرقنت بينهما، وقوله أنفس من ذلك يريد أبعد قليلا.
وقد اختلفت الرواية في عدد الصلاة بعد الجمعة، وقد رواها أبو داود في هذا الباب على اختلافها روي أربعا وروي ركعتين في المسجد، وروي أنة كان لا يصلي في المسجد حتى إذا صار إلى بيته صلى ركعتين.
قلت وهذا والله أعلم من الاختلاف المباح وكان أحمد بن حنبل يقول إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى أربعا. وقال أصحاب الرأي يصلي أربعا وهو قول إسحاق وقال سفيان الثوري يصلي ركعتين ثم يصلي بعدها أربعا.
هامش