الرئيسيةبحث

معالم السنن/الجزء الأول/17

436- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المَهْري أخبرني ابن وهب أخبرني جرير بن حازم، عَن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليكم شيء، يَعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار وما زاد فبحساب ذلك وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول.

قلت وفي هذا دليل على أن المال إذا نقص وزنه عن تمام النصاب وإن كان شيئا يسيرا أو كان مع نقصه يجوز جواز الوازن لم تجب فيه الزكاة.

وقوله لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول إنما أراد به المال النامي كالمواشي والنقود لأن نماءها لا يظهر إلا بمضي مدة الحول عليها.

فأما الزروع والثمار فإنها لا يراعى فيها الحول وإنما ينظر إلى وقت إدراكها واستحصادها فيخرج الحق منها.

وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الفوائد والأرباح يستأنف بها الحول ولا تبنى على حول الأصل.

وقد اختلف الناس في ذلك فقال الشافعي يستقبل بالفائدة حولها من يوم افادها.

وروي ذلك، عَن أبي بكر وعلي وابن عمر وعائشة رضوان الله عليهم.

وهو قول عطاء وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز.

وقال أحمد بن حنبل ما استفاده الإنسان من صلة وميراث استأنف به الحول وما كان من نماء ماله فإنه يزكيه مع الأصل. وقال أبو حنيفة تضم الفوائد إلى الأصول ويزكيان معا. وإليه ذهب ابن عباس وهو قول الحسن البصري والزهري. واتفق عامة أهل العلم في النتاج أنه يعد مع الأمهات إذا كان الأصل نصابا تاما وكان الولاد قبل الحول ولا يستأنف له الحول وذلك لأن النتاج يتعذر تميزه وضبط أوائل أوقات كونه فحمل على حكم الأصل والولد يتبع الأم في عامة الأحكام.

وفي الحديث دليل على أن النصاب إذا نقص في خلال الحول ولم يوجد كاملا من أول الحول إلى آخره أنه لا تجب فيه الزكاة وإلى هذا ذهب الشافعي. وعند أبي حنيفة أن النصاب إذا وجد كاملا في طرفي الحول وإن نقص في خلاله لم تسقط عنه الزكاة. ولم يختلفا في العروض التي هي للتجارة أن الاعتبار إنما هو لطرفي الحول وذلك لأنه لا يمكن ضبط أمرها في خلال السنة.

وفيه دليل على أنه إذا بادل إبلا بإبل قبل تمام الحول بيوم لم يكن عليه فيها زكاة وهو قول أبي حنيفة والشافعي. إلا أن الشافعي يسقط بالمبادلة الزكاة عن النقود كما يسقطها بها عن الماشية وأباه وأبوحنيفة في النقود وهو أحوط لئلا يتذرع بذلك إلى إبطال الزكاة ومنع الفقراء حقوقهم منها وهي أصل الأموال وأعظمها قدرا وغناءً.

437- قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عَوانة، عَن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففييها خمسة دراهم.

قلت إنما أسقط الصدقة عن الخيل والرقيق إذا كانت للركوب والخدمة فأما ما كان منها للتجارة ففيه الزكاة في قيمتها.

وقد اختلف الناس في وجوب الصدقة في الخيل فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا صدقة فيها وقال حماد بن أبي سليمان فيها صدقة.

وقال أبو حنيفة في الخيل الإناث والذكور التي يطلب نسلها في كل فرس دينار وإن شئت قومتها دراهم فجعلت في كل مائتي درهم خمسة دراهم.

وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه أخذ من كل فرس دينارا.

قلت وإنما هو شيء تطوعوا به لم يلزمهم عمر إياه وروى مالك عن الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام عرضوه على أبي عبيدة فأبى ثم كلموه فأبى ثم كتب إلى عمر في ذلك فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم.

438- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: في كل سائمة إبل في أربعين ابنة لبون لا يُفَرَّقُ إبل على حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد منها شيء.

قلت اختلف الناس في القول بظاهر هذا الحديث فمذهب أكثر الفقهاء أن الغلول في الصدقة والغنيمة لا يوجب غرامة في المال، وهو مذهب الثوري وأصحاب الرأي وإليه ذهب الشافعي. وكان الأوزاعي يقول في الغال في الغنيمة إن للإمام أن يحرق رحله، وكذلك قال أحتد وإسحاق.

وقال أحمد في الرجل يحمل الثمرة في أكمامها فيه القيمة مرتين وضرب النكال وقال كل من درأنا عنه الحد أضعفنا عليه الغرم، واحتج في هذا بعضهم بما روي، عَن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال في ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها والنكال. وغرم عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة ضعف ثمن ناقة المزني لما سرقها رقيقه. وروي عن جماعة من الصحابة أنهم جعلوا دية من قتل في الحرم دية وثلثا وهو مذهب أحمد بن حنبل.

وكان إبراهيم الحربي يتأول حديث بهز بن حكيم على أدنه يؤخذ منه خيار ماله مثل سن الواجب عليه لا يزاد على السن والعدد ولكن يتقي خيار ماله فتزداد عليه الصدقة بزيادة شطر القيمة.

وفي الحديث تأويل آخر ذهب إليه بعض أهل العلم وهو أن يكون معناه أن الحق مستوفى منه غير متروك عليه وإن تلف ماله فلم يبق إلا شطره كرجل كان له ألف شاة فتلف حتى لم يبق منه إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه وهوشطر ماله الباقي أي نصفه وهذا محتمل وإن كان الظاهر ما ذهب إليه غيره ممن قد ذكرناه.

وفي قوله ومن منعها فإنا آخذوها دليل على أن من فرط في إخراج الصدقة بعد وجوبها فمنع بعد الإمكان ولم يؤدها حتى هلك المال أن عليه الغرامة لأن رسول الله ﷺ لم يفرق بين منع ومنع.

439- قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي وائل عن معاذ أن النبي ﷺ لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارا أو عدل من المعافر ثياب تكون باليمن.

قلت ليس في أصول الزكاة مدخل للذكران من المواشى إلا في صدقة البقر فإن التبيع مقبول عنها فيشبه أن يكون ذلك والله أعلم لقلة هذا النصاب وانحطاط قيمة هذا النوع من الحيوان فسوس لهم إخراج الذكران منه ما دام قليلا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون. فأما ابن اللبون فإنه يؤخذ بدلا عن ابنة المخاض لا أصلا في نفسه ومعه زيادة السن التى يوازي بها فضيلة الأنوثة التي هي لابنة المخاض. وأما الدينار فإنما أخذه جزية عن رؤوسهم وهم نصارى نجران وصدقة البقر إنما أخذها من المسلمين إلا أنه أدرج ذلك في الخبر ونسق أحدهما على الآخر والمعنى مفهوم عند أهل العلم.

وفيه دليل على أن الدينار مقبول منهم سواء كانوا فقراء أو مياسير لأنه عم ولم يخص، وفيه بيان أنه لا جزية على غير البالغ وأنها لا تلزم إلا الرجال لأن الحالم سمة الذكران وهو كالإجماع من أهل العلم.

واختلفوا في الفقراء منهم يؤخذ منهم أم لا فقال أصحاب الرأي لا يؤخذ من الفقير الذي لا كسب له، واختلف فيه قول الشافعي فأحد قوليه أنه لا شيء عليه وأوجبها في القول الثاني لأنه يجعلها بمنزلة كراء الدار وأجرة السكنى والدار للمسلمين لا لهم والكراء يلزم الفقير والغني.

وقوله أوعدله أي ما يعادل قيمته من الثياب قال الفراء يقال هذا عدل الشيء بكسر العين أي مثله في الصورة وهذا عدله بفتح العين إذا كان مثله في القيمة.

440- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عَوانة عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال سرت أو أخبرني من سار مع مصدق النبي ﷺ فإذا في عهد رسول الله ﷺ أن لا تأخذ من راضع لبن قال وكان يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول أدوا صدقات أموالكم قال فعمد رجل منهم إلى ناقة كَوماء قال وهي عظيمة السنام فأبى أن يقبلها قال فخطم له أخرى دونها وذكر الحديث.

قوله لا تأخذ من راضع الراضع ذات الدر فنهيه عنها يحتمل وجهين: أحدهما أن لا يأخذ المصدق عن الواجب في الصدقة لأنها خيار المال ويأخذ دونها وتقديره لا تأخذ راضع لبن ومن زيادة وصلة في الكلام كما تقول لا تأكل من حرام ولا تنفق من سحت أي لا تأكل حراما.

والوجه الاخر أن يكون عند الرجل الشاة الواحدة أو اللقحة قد اتخذها للدر فلا يؤخذ منها شيء وقد جاء في بعض الحديث لا تُعَدُّ فاردتكم. والكوماء هي التي ارتفع سنامها فكان كالكومة فوقها يقال كومت كومة من التراب إذا جمعت بعضه فوق بعض حتى ارتفع وعلا قال أبو النجم يصف الإبل:

الحمد لله الوهوب المجزل... كُومَ الذُّرى من خَوَل المخوَّل

وقوله فخطم له أخرى أي قادها إليه بخطامها والإبل إذا أرسلت في مسارحها لم يكن عليها خُطُم وإنما تخطم إذا أريد قودها.

441- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي عن مسلم بن ثَفنة اليشكري عن سعد بن دَيْسم قال كنت في غنم لي فجاءني رجلان على بعير فقالا إنا رسولا رسول الله ﷺ إليك لتؤدي صدقة غنمك فقلت وما علي فيها فقالا شاة فعمدت إلى شاة قد عرفتها وعرفت مكانها ممتلئة مخضا وشحما فأخرجتها إليهما فقالا هذه شاة الشافع وقد نهانا رسول الله ﷺ أن نأخذ شاة شافعا قلت فأي شيء تأخذان قالا عناقا أو جذعة أو ثنية قال فعمدت إلى عناق معتاط والمعتاط التي لم تلد وقد حان ولادها فأخرجتها إليهما فجعلاها على بعيرهما ثم انطلقا.

المخض اللبن والشافع الحامل وسميت شافعا لأن ولدها قد شفعها فصارا زوجا والمعتاط من الغنم هي التي قد امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها، يقال اعتاطت الشاة وشاة معتاط ويقال ناقة عائط ونوق عيط.

قلت وهذا يدل على أن غنمه كانت ماعزة ولوكانت ضائنة لم يجزه العناق ولا يكون العناق إلا الأنثى من المعز. وقال مالك: الجذع يؤخذ من الماعز والضأن.

وقال الشافعي يؤخذ من الضأن ولا يؤخذ من المعز إلا الثني.

وقال أبو حنيفة لا يؤخذ الجذعه من الماعز ولا من الضأن.

442- قال أبو داود: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم الحمصي عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري من غاضرة قيس قال: قال النبي ﷺ ثلاث من فعلهن فقد طعِم طُعم الإيمان من عبد الله وحده وأنه لا إلّه إلا الله وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنه ولا المريضة ولا الشُرَط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره.

قوله رافدة عليه أي معينة وأصل الرفد الإعانة والرفد المعونة والدرنة الجرباء وأصل الدرن الوسخ والشرط رذالة المال قال الشاعر:

وفي شُرط المِعزى لهن مُهور

443- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، عَن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ بعث معاذا إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إلّه إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.

قلت في هذا الحديث مستدل لمن يذهب إلى أن الكفار غير مخاطبين بشرائع الدين وإنما خوطبوا بالشهادة فإذا أقاموها توجهت عليهم بعد ذلك الشرائع والعبادات لأنه ﷺ قد أوجبها مرتبة وقدم فيها الشهادة ثم تلاها بالصلاة والزكاة.

وفيه دليل على أنه لا يجوز دفع شيء من صدقات أموال المسلمين إلى غير أهل دينهم، وهو قول عامة الفقهاء.

وفيه دليل على أن سنة الصدقة أن تدفع إلى جيرانها وأن لا تنقل من بلد إلى بلد. وكره أكثر الفقهاء نقل الصدقة من البلد الذي به المال إلى بلد آخر إلا أنهم مع الكراهة له قالوا إن فعل ذلك أجزأه، إلا عمر بن عبد العزيز فإنه يروى عنه أنه رد صدقة حملت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان.

وفيه مستدل لمن ذهب إلى إسقاط الزكاة عمن في يده مائتا درهم وعليه من الدين مثلها لأن له أخذ الصدقة وذلك من حكم الفقراء. وقد قسم النبي ﷺ الناس قسمين: آخذا ومأخوذا منه فإذا جعلناه معطى مأخوذا منه كان خارجا عن هذا التقسيم. ولكن قد جوز أبوحنيفة أن يأخذ من عشر الأرض من يعطي العشر وذلك أن العشر في القليل والكثير عنده واجب.

وقد يستدل بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب الزكاة في مال الأيتام وذلك أنه لما كان معدودا من جملة الفقراء الذين تقسم فيهم الزكاة كان معدودا في جملة الأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة إذ كان آخر الكلام معطوفا على أوله.

وقد اختلف الناس في ذلك فأوجبها في ماله مالك والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلى وابن عمر وجابر وعائشة، وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد وابن سيرين.

وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى عليه الزكاة ولكن يحصيها الولي فإذا بلغ الطفل أعلمه ليزكي عن نفسه.

وقال أصحاب الرأي لا زكاة عليه في ماله إلا فيما أخرجت أرضه ويلزمه زكاة الفطر.

444- قال أبو داود: حدثنا مهدي بن حفص ومحمد بن عبيد المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب عن رجل يقال له ديسم عن بشير بن الخصاصية قال قلنا إن أهل الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا فقال لا.

قلت: يشبه أن يكون نهاهم عن ذلك من أجل أن للمصدق أن يستحلف رب المال إذا اتهمه فلو كتموه شيئا منها واتهمهم المصدق لم يجز لهم أن يحلفوا على ذلك فقيل لهم احتملوا لهم الضيم ولا تكذبوهم ولا تكتموهم المال.

وقد روي أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك.

وفي هذا تحريض على طاعة السلطان وإن كان ظالما وتوكيد لقول من ذهب إلى أن الصدقات الظاهرة لا يجوز أن يتولاها المرء بنفسه لكن يخرجها إلى السلطان.

445- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري وأبو الوليد الطيالسي المعنى قالا: حَدَّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان أبي من أصحاب الشجرة وكان النبي ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل على آل فلان قال فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبى أوفى.

قلت: الصلاة في هذا الموضع معناه الدعاء والتبرك وهو تأويل قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [1] ومن هذا قول الأعشى:

وقابلها الريح في دنِّها... وصلى على دَنِّها وارتسم

قال أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد ودعا لها بأن لا تحْمُض ولا تفسد.

وفيه دليل على أن الصلاة التي هي بمعنى الدعاء والتبريك يجوز أن يصلى على غير النبي ﷺ.

فأما الصلاة التي هي تحية لذكر رسول الله ﷺ فإنها بمعنى التعظيم والتكريم وهي خصيصا له لا يشركه فيها إلاآلُهُ، وإنما يستحق المزكي الصلاة والدعاء إذا أعطى الصدقة طوعا ولا يستحقها من استخرجت منه الصدقة كرها وقهرا.

446- قال أبو داود: حدثنا عباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثنى قالا: حَدَّثنا بشر بن عمر، عَن أبي الغُصن عن صخر بن إسحاق عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: سيأتيكم رُكَيب مبغضون فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم.

قوله ركيب تصغير ركب وهو جمع راكب كما قيل صحب في جمع صاحب وتجر في جمع تاجر، وإنما عنى به السعاة إذا أقبلوا يطلبون صدقات الأموال فجعلهم مبَغَّضين لأن الغالب في نفوس أرباب الأموال بغضهم والتكره لهم لما جبلت عليه القلوب من حب المال وشدة حلاوته في الصدر إلا من عصمه الله ممن أخلص النية واحتسب فيها الأجر والمثوبة.

وفيه من العلم أن السلطان الظالم لا يغالب باليد ولا ينازع بالسلاح.

4/9م ومن باب أين تُصَدق الأموال

447- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: لا جَلَبَ ولا جَنَبَ ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم.

قلت الجلب يفسر تفسيرين يقال أنه في رهان الخيل وهو أن يجلب عليها عند الركض، ويقال هو في الماشية. يقول لا ينبغي للمصدق أن يقيم بموضع ثم يرسل إلى أهل المياه فيجلبوا إليه مواشيهم فيصدقها ولكن ليأتهم على مياههم حتى يصدقهم هناك.

وأما الجنب فتفسيره أيضا على وجهين: أحدهما أن يكون في الصدقة وهو أن أصحاب الأموال لا يجنبون على مواضعهم أي لا يبعدون عنها حتى يحتاج المصدق إلى أن يتبعهم ويمعن في طلبهم.

وقيل إن الجنب في الرهان وهو أن يركب فرسا فيركضه وقد أجنب معه فرسا آخر فإذا قارب الغاية ركبه وهو جام فيسبق صاحبه.

5/12م ومن باب صدقة الزرع

448- قال أبو داود: حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر.

قال أبو داود البعل ماشرب بعروقه ولم يتعن في سقيه، وكذلك قال أبو عبيد والسواني جمع السانية وهي البعير الذى يسنى عليه أي يستقى. والنضح مثله وهو السقي بالرشاء وهذا مما تقدم بيانه وأن النبي ﷺ جعل الصدقة ما خفت مؤنته وكثرت منفعته على التضعيف توسعة على الفقراء وجعل ما كثرت مؤنته على التنصيف رفقا بأرباب الأموال.

قلت وأن الزرع الذي يسقى بالقنى فالقياس على هذا أن ينظر فإن كان لا مؤنة فيها أكثر من مؤنة الحفر الأول وكسحها في بعض الأوقات فسبيلها سبيل النهر والسيح في وجوب العشر فيها وإن كان تكثر مؤنتها بأن لا تزال تتداعى وتنهار ويكثر نضوب مائها فيحتاج إلى استحداث حفر فسبيلها سبيل ماء الآبار التي تنزح منها بالسواني والله أعلم.

449- قال أبو داود: حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب عن سليمان، يَعني ابن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ بعثه إلى اليمن فقال خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر.

قلت فيه من الفقه أن الزكاة إنما تخرج من أعيان الأموال وأجناسها ولا يجوز صرف الواجب منها إلى القِيَم.

وفيه دليل على أن من وجبت عليه شاة في خمس من الإبل فأعطى بعيرا منها فإنه يقبل منه. وقال داود لا يقبل منه ذلك ويكلف الشاة لأنه خلاف المفروض عليه وحكي ذلك عن مالك أيضا.

قلت الأصل أن الواجب عليه في كل جنس من أجناس الأموال جزء منه إلا أن الضرورة دعت في هذا إلى العدول عن الأصل إلى غيره وذلك لأمرين أحدهما أن الزكاة أمرها مبني على أخذ القليل من الكثير فلو كان البعير مأخوذا من الخمس لكان خمس المال مأخوذا وهو كثير وفي ذلك إجحاف بأرباب الأموال، والمعنى الآخر أنه لو جعل فيها جزء من البعير لأدى ذلك إلى سوء المشاركة باختلاف الأيدي على الشخص الواحد فعدل عنه إلى الشاة إرفاقا للمعطي والآخذ والله أعلم، فإذا أعطى رب المال بعيرا منها فقد تبرع بالزيادة على الواجب وكان عليه مأجورا إن شاء الله.

6/13م - ومن باب زكاة العسل

450- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء هلال أحد بني مُتعان إلى رسول الله ﷺ بعشور نحل له وسأله أن يحمي واديا يقال له سَلَبة فحمى له رسول الله ﷺ ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأل عن ذلك فكتب عمر إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء.

قلت في هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في العسل وأن النبي ﷺ إنما أخذ العشر من هلال المُتعي إذ كان قد جاء بها متطوعا وحمى له الوادي إرفاقا ومعونة له بدل ما أخذ منه وعقل عمر بن الخطاب المعنى في ذلك فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشر وإلا فلا ولو كان سبيله سبيل الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك وكيف يجوز عليه ذلك مع قتاله في كافة الصحابة مع أبي بكر ما نعي الزكاة.

وممن لم ير فيه الصدقة مالك وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وأبو ثور. وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وأوجبها مكحول والزهري والأوزاعي وأصحاب الرأي. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في العسل العشر.

وقوله حمى له الوادي، معناه أن النحل إنما ترعى من البقل والنبات أنوارها وما رخُص ونعُم منها فإذا حميت مراعيها أقامت فيها وأقبلت تعسِل في الخلايا كثرت منافع أصحابها وإذا شوركت في تلك المراعي نفرت عن تلك المواضع وأمعنت في طلب المرعى فيكون ريعها حينئذٍ أقل.

وقد يحتمل ذلك وجها آخر وهو أن يكون ذلك بأن يحمى لهم الوادي الذي يُعسَّل فيه فلا يترك أحد أن يتعرض للعسل فيشتاره وذلك أن سبيل العسل سبيل المياه والمعادن والصيود وليس لأحد عليها ملك وإنما تملك باليد لمن سبق إليها فإذا حمى له الوادي ومنع الناس منه حتى يجتازه هؤلاء القوم وجب عليهم بحق الحماية إخراج العشر منه، ويدل على صحة هذا التأويل قوله فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء.

ومعنى هذا الكلام أن النحل إنما تتبع مواقع الغيث وحيث يكثر المرعى وذلك شأن الذطب لأنها تألف الغياض والمكان المعشب.

7/5 1م - ومن باب الخرص

451- قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن مسعود عن سهل بن أبي حَثْمة قال: أمرنا رسول الله ﷺ قال إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع.

قال أبو داود الخارص يدع الثلث للخُرْفة وكذا قال يحيى بن القطان.

قلت في هذا الحديث إثبات الخرص والعمل به وهو قول عامة أهل العلم إلا ما روي عن الشعبي أنه قال الخرص بدعة وأنكر أصحاب الرأي الخرص.

وقال بعضهم إنما كان ذلك الخرص تخويفا للأكَرَة لئلا يخونوا فأما أن يلزم به حكم فلا وذلك أنه ظن وتخمين وفيه غرر وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.

قلت العمل بالخرص ثابت وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم، وبقي الخرص يعمل به رسول الله ﷺ طول عمره وعمل به أبو بكر وعمر رضى الله عنهما في زمانهما وعامة الصحابة على تجويزه والعمل به لم يذكر عن أحد منهم فيه خلاف. فأما قولهم أنه ظن وتخمين فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين وإن كان بعضها أحصر من بعض وإنما هذا كإباحته الحكم بالاجتهاد عند عدم النص مع كونه معرضا للخطأ. وفي معناه تقويم المتعلقات من طريق الاجتهاد. وباب الحكم بالظاهر باب واسع لا ينكره عالم.

قلت: وقد ذهب بعض العلماء في تأويل قوله دعوا الثلث أو الربع إلى أنه متروك لهم من عرض المال توسعة عليهم فلو أخذوا باستيفاء الحق كله لأضر ذلك بهم. وقد يكون منها السقاطة وينتابها الطير ويخترفها الناس للأكل فترك لهم الربع توسعة عليهم وكان عمر بن الخطاب يأمر الخراص بذلك.

ويقول عمر قال أحمد وإسحاق. وذهب غير هؤلاء إلى أنه لا يترك لهم شيئا شائعا في جملة النخل بل يفرد لهم نخلات معدودة قد علم مقدار ثمرها بالخرص.

8/14م ومن باب خرص العنب

452- قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط حدثنا بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسِيد قال أمر رسول الله ﷺ أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما يؤخذ صدقة النخل تمرا.

قلت إنما يخرص من الثمر ما يحيط به البصر بارزا لا يحول دونه حائل ولا يخفى موضعه في خلال ورق المثنجر والعنب في هذا المعنى كثمر النخل.

فأما سائر الثمار فإنها لا يجري فيها الخرص لأن هذا المعنى فيها معدوم.

وفائدة الخرص ومعناه أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر فلو منع أرباب المال من حقوقهم ومن الانتفاع بها إلى أن تبلغ الثمرة غاية جفافها لأضر ذلك بهم ولو انبسطت أيديهم فيها لأخل ذلك بحصة الفقراء منها إذ ليس مع كل أحد من التقية ما تقع به الوثيقة في أداء الأمانه فوضعت الشريعة هذا العيار ليتوصل به أرباب الأموال إلى الانتفاع ويحفظ على المساكين حقوقهم. وإنما يفعل ذلك عند أول وقت بدو صلاحها قبل أن يؤكل ويستهلك ليعلم حصة الصدقة منها فيخرج بعد الجفاف بقدرها تمرا وزبيبا.

وفيه دليل على صحة القسمة في الثمار بين الشركاء بالخرص لأنه إذا صح أن يكون عيارا في إفراز حصة الفقراء من حصة أرباب الأموال كان كذلك عيارا في إفراز حصص الشركاء.

قلت ولم يختلف أحد من العلماء في وجوب الصدقة في التمر والزبيب.

واختلفوا في وجوب الصدقة في الزيتون، فقال ابن أبي ليلى لازكاة فيه لأنه أُدْم غير مأكول بنفسه وهو آخر قولي الشافعي. وأوجبها أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي والثوري إلا أنهم اختلفوا في كيفية ما يؤخذ من الواجب فيه فقال أصحاب الرأي يؤخذ من ثمرته العشر أو نصف العشر.

وقال الأوزاعي يؤخذ العشر منه بعد أن يعصر زيتا صافيا.

وأما الحبوب فقد اختلف العلماء فيها فقال أصحاب الرأي تجب الصدقة في الحبوب ما كان مقتاتا منها أو غير مقتات.

وقال الشافعي كل ما جمع من الحبوب أن يزرعه الآدميون وييبس ويدخر ويقتات ففيه الصدقة. فأما ما يتفكه به أوما يؤتدم به أو يتداوى به فلا شيء فيه.

9/18م - ومن باب زكاة الفطر

453- قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قالا: حَدَّثنا مروان هو ابن محمد قال عبد الله حدثنا أبو يزيد الخولاني وكان شيخ صدق وكان ابن وهب يروي عنه حدثنا سيار بن عبد الرحمن هو الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس قال فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.

قوله فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر فيه بيان أن صدقة الفطر فرض واجب كافتراض الزكوات الواجبة في الأموال.

وفيه أن ما فرض رسول الله ﷺ فهو كما فرضه الله تعالى في كتابه لأن طاعته صادرة عن طاعته.

وقد قال بفرضية زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم غير أن بعضهم تعلق فيها بخبر مروي عن قيس بن سعد أنه قال أمرنا بها رسول الله ﷺ قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا بها ولم ينهنا فنحن نفعله.

قلت وهذا لا يدل على زوال وجوبها وذلك أن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه غير أن محل ساتر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر الرقاب. وقد عللت بأنها طهرة للصائم من الرفث واللغو فهي واجبة على كل صائم غني ذي جدة ويسر أو فقير يجدها فضلا عن قوته إذ كان وجوبها عليه بعلة التطهير وكل من الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب.

ويشبه أن يكون إنما ذهب من رأى إسقاطها عن الأطفال إلى هذا لأنهم إذا كانوا لا يلزمهم الصيام فلا يلزمهم طهرة الصيام. فأما أكثر أهل العلم فقد أوجبوها على الأطفال إيجابها على البالغين.

وأما وقت إخراجها فالسنة أن تخرج قبل الصلاة، وهو قول عامة أهل العلم وقد رخص ابن سيرين والنخعي في إخراجها بعد يوم الفطر. وقال أحمد أرجو أن لا يكون بذلك بأس.

وقال بعض أهل العلم تأخير إخراجها عن وقتها من يوم الفطر كتأخير إخراج زكاة الأموال عن ميقاتها فمن أخرها كان آثما إلا من عذر.

10/20م - ومن باب كم يؤدى في صدقة الفطر

454- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين.

455- قال أبو داود: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن حدثنا محمد بن جَهضم حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر بمعناه وزادوا الصغير والكبير.

قلت فيه من الفقه أن وجوب زكاة الفطر وجوب فرض لا وجوب استحباب وفيه بيان أنها واجبة على الصغير والكبير.

وفيه دليل على أنها واجبة على من ملك مائتي درهم أو لم يملكها.

وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال أصحاب الرأي من حلت له الصدقة فلا تجب عليه صدقة الفطر والحد في ذلك عندهم ملك المائتين.

وقال مالك بن أنس صدقة الفطر على الغني والفقير ؛ وهو قول الشعبي وابن سيرين وعطاء والزهري.

وقال الشافعي إذا فضل عن قوت المرء وقوت أهله مقدار ما يؤدي عن زكاة الفطر وجبت عليه، وكذلك قال ابن المبارك وأحمد بن حنبل.

واختلفوا في وجوبها على الصغير الطفل فقال أكثر الفقهاء هي واجبة على الصغير وجوبها على الكبير. وقال محمد بن الحسن لا تجب صدقة الفطر في مال الصغير يتيما أو غير يتيم. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال صدقة الفطر إنما هي على من أطاق الصوم.

وقوله على كل حر أو عبد ظاهره إلزام العبد نفسه إلا أنه لا ملك له فيلزم السيد إخراجه عنه. وقال داود هولازم للعبد وعلى سيده أن يمكنه من الكسب حتى يكسب فيؤديه.

وفيه دليل على أنه يزكي عن عبيده المسلمين كانوا للتجارة أو للخدمة لأن عموم اللفظ يشملهم كلهم. وفي دلالته وجوبها على الصغير منهم والكبير والحاضر والغائب، وكذلك الآبق منهم والمرهون والمغصوب وفي عبيد عبيده وفي كل من أضيف إلى ملكه.

وفيه دليل على أنه لا يزكي عن عبيده الكفار لقول من المسلمين فقيده بشرط الإسلام فدل أن عبده الذمي لا يلزمه وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وروي ذلك عن الحسن البصري.

وقال الثوري وأصحاب الرأي يؤدي عن العبد الذمي وهو قول عطاء والنخعي.

وفيه دليل على أن إخراج أقل من صاع لا يجوز وذلك أنه ذكر في الخبر التمر والشعير وهما قوت أهل ذلك الزمان في ذلك المكان فقياس ما تقتاتونه من البر وغيره من الأقوات أنه لا يجزي منه أقل من صاع.

وقد اختلف الناس في هذا فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجزيه من البر أقل من صاع، وروي ذلك عن الحسن وجابر بن زيد.

وقال أصحاب الرأي والثوري يجزيه نصف صاع من بر، فأما سائر الحبوب فلا يجزيه أقل من صاع غير أن أبا حنيفة قال يجزيه من الزبيب نصف صاع كالقمح.

وروى جماعة من الصحابة إخراج نصف صاع من البر.

456- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا داود بن قيس عن عياض بن عبد الله، عَن أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله ﷺ زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أومعتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى مُدَّين من سَمْراء الشام يعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت.

قال أبو داود ورواه بعضهم عن ابن عُلية عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض، عَن أبي سعيد وقال أو صاعا من حنطة وليس بمحفوظ.

قلت قوله صاعا من طعام زعم بعض أهل العلم أن الطعام عندهم اسم خاص للبر قال ويدل على صحة ما تأولناه من ذلك أنه قد ذكر في الخبر الأقط والشعير والتمر والزبيب وهي أقواتهم التي كانوا يقتاتونها في الحضر والبدو ولم يذكر الحنطة وكانت أغلاها وأفضلها كلها فلولا أنه أرادها بقوله صاعا من طعام لكان يجزي ذكرها عند التفصيل كما جرى ذكر غيرها من سائر الأقوات.

وزعم غيره أن هذا جملة قد فصلت والتفصيل لا يخالف الجملة، وإنما قال في أول الحديث صاعا من طعام ثم فصله فقال صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو كذا أو كذا واسم الطعام شامل لجميع ذلك. وإنما كان يجوز ما قاله من تأول الطعام على البر خاصة لو كان قال صاعا من طعام أو صاعا من كذا بحرف أو الفاصلة بين الشيئين ثم نسق عليه ما بعده شيثا شيئا.

قلت قد رواه غير أبي داود بحرف أو الفاصلة من أول الحديث إلى آخره حدثنا الأصم حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن داود بن قيس سمع عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح يقول إن أبا سعيد الخدري قال كنا نخرج في زمان رسول الله ﷺ صاعا من طعام أو صاعا من زبيب أو صاعا من اقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر وذكر الحديث.

قلت إن صح عن النبي ﷺ أنه أمر أن يخرج صاع من قمح فأخرج عنه نصف صاع على سبيل البدل على ما رواه معاوية فإنه لا يجزىء لما فيه من الربا لأن حقيقته بيع صاع قمح بنصف صاع منه، ولكنه إذا خرج نصف صاع منه جزا عن نصف الحق وعليه أن يخرج النصف الاخر.

وفي الحديث دليل على أن إخراج القيمة لا يجوز وذلك لأنه ذكر أشياء مختلفة القيم فدل أن المراد بها الأعيان لا قيمتها.

وفيه دليل على أنه لا يجوز إخراج الدقيق والسويق ونحوهما لأن هذه الحبوب كلها أموال كاملة المنفعة لم يذهب من منافعها شيء، وهذا المعنى غير موجود في الدقيق والسويق ونحوهما.

457- قال أبو داود: حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: حَدَّثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: صاع من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه.

قلت في هذا حجة لمذهب من أجاز نصف الصاع من البر.

وفيه دليل على أنها واجبة على الطفل كوجوبها على البالغ. وفيه بيان أنها تلزم الفقير إذا وجد ما يؤديه، ألا تراه يقول وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيره.

وفي قوله ذكر أو أنثى دليل لمن أسقط صدقة الزوجة عن الزوج لأنه في الظاهر إيجاب على المرأة فلا يزول الفرض عنها إلا بدليل، وهو مذهب أصحاب الرأي وسفيان الثوري.

وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يخرج الزوج عن زوجته لأنه يمونها. وقد يروى فيه عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي ﷺ قال: عمن تمونون.

قلت إن صح قوله عمن تمونون وإلا فلا يلزمه ذلك عن زوجته ولوكان لها عبيد كان عليها إخراج الصدقة عنهم فلأن يلزمها إخراجها عن نفسها أولى.

11/22م وم باب تعجيل الزكاة

458- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة عن ورقاء، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة قال: بعث رسول الله ﷺ عمر بن الخطاب على الصدقة فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس فقال رسول الله ﷺ: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله. وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فقد احبس أدراعه وعتاده في سبيل الله. وأما العباس عم رسول الله ﷺ فهي علىَّ ومثلها ثم قال أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب أو صنو أبيه.

قوله ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله فيه دليل على أن مانع الصدقة إذا لم يكن ممتنعا بقتال وقوة وسلاح فإنها تستخرج منه ولا يعاقب عليه. وإنما كان قتال أبي بكر مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا من أدائها واعترضوا دونها بالسلاح.

وقوله إن خالدا أحبس أدراعه وعتاده في سبيل الله فإن العتاد كل ما أعده الرجل من سلاح أو مركوب وآلة للجهاد يقال اعتدت الشيء إذا هيأته، ومن هذا سميت عتيدة العطر والزينة، وتأويل هذا الكلام على وجهين أحدهما أنه إنما طولب بالزكاة عن أثمان الأدراع والعتاد على أنها كانت عنده للتجارة فأخبر النبي ﷺ أنه لا زكاة عليه فيها إذ قتد جعلها حبسا في سبيل الله.

وفيه دليل على وجوب الزكاة في الأموال التي ترصد للتجارة وهو كالإجماع من أهل العلم. وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أنه لا زكاة فيها وهومسبوق بالإجماع.

وفي الحديث دليل على جواز إحباس آلات الحروب من الدروع والسيوف والحجف. وقد يدخل فيها الخيل والإبل لأنها كلها عتاد للجهاد. وعلى قياس ذلك الثياب والبسط والفرش ونحوها من الأشياء التي ينتفع بها مع بقاء أعيانها.

وفيه دليل على أن الوقف والحبس قد يصح من غير إخراج من يد الواقف والمحبس وذلك أن الشيء لو لم يكن في يده لم يكن لمطالبته بالزكاة عنه معنى.

والوجه الآخر أن يكون معناه أنه قد اعتذر لخالد ودافع عنه يقول إذا كان قد احبس أدراعه وعتاده في سبيل الله تبررا وتقربا إليه سبحانه وذلك غير واجب عليه فكيف يجوز عليه منع الصدقة الواجبة عليه.

وقوله في صدقة العباس هي عليَّ ومثلها فإنه يتأول على وجهين أحدهما أنه كان قتد تسلف منه صدقة سنتين فصارت دينا عليه.

وفي ذلك دليل على جواز تعجيل الصدقة قبل محلها وقد اختلف العلماء في ذلك فأجاز كثير منهم تعجيلها قبل أوان محلها، وذهب إليه الزهري والأوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي، وكان مالك بن أنس لا يرى تعجيلها عن وقت محلها. وروي عن الحسن البصري أنه قال إن للصلاة وقتا وللزكاة وقتا فمن صلى قبل الوقت أعاد، ومن زكى قبل الوقت أعاد.

قلت: قول الحسن البصري ظاهر والمعنى بخلافه لأن الأجل إذا دخل في الشيء رفقا بالإنسان فإن له أن يسوس من حقه ويترك الارتفاق به كمن عجل حقا مؤجلا لآدمي وكمن أدى زكاة مال غائب عنه وإن كان على غير يقين من وجوبها عليه لأن من الجائز أن يكون ذلك المال تالفا في ذلك الوقت.

والوجه الآخر هو أن يكون قد قبض ﷺ منه صدقة ذلك العام الذي شكاه فيها العامل وتعجل صدقة عام ثان، وقال هي عليّ ومثلها أي الصدقة التي قد حلت وأنت تطالبه بها مع مثلها من صدقة عام واحد لم تحل وذلك أن بعض من أجاز تعجيل الصدقة لم يجوزها أكثر من صدقة عام واحد.

وقد يحتمل معنى الحديث أن يكون ﷺ قد تحمل بالصدقة وضمن أداءها عنه لسنتين ولذلك قال إن عم الرجل صنوأبيه يريد أن حقه في الوجوب كحق أبيه عليه إذ هما شقيقان خرجا من أصل واحد فأنا أنزهه عن منع الصدقة والمطل بها وأؤديها عنه والأول أصوب لأن الضمان فيما لم يجب على العباس ضمان مجهول وضمان المجهول غير جائز. وقد روي أنه استأذن رسول الله ﷺ أن يأذن له في تعجيل صدقته فرخص له في ذلك. وقد رواه أبو داود.

459- قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار عن الحكم عن حُجَية عن علي رضي الله عنه أن العباس سأل رسول الله ﷺ في تعجيل صدقته قبل أن يحل فرخص له في ذلك وقال مرة فأذن له في ذلك.

وقوله صنو أبيه، معناه أن العم شقيق الأب وأصل ذلك في النخلتين تخرجان من أصل واحد يقال صنو وصنوان وقنو وقنوان وقل ما جاء من الجمع على هذا البناء.

وقد روى حديث العباس على خلاف هذا الوجه وهو أنه قال في صدقته هي عليه ومثلها معها، وقد رواه أبو عبيد وقال أرى أنه كان أخر عنه الصدقة عامين وليس وجه ذلك إلا أن يكون من حاجة بالعباس إليها فإنه يجوز للإمام أن يؤخرها إذا كان ذلك على وجه النظر ثم يأخذها منه بعدُ. حدثنيه عبد الله بن محمد المسكي حدثنا علي بن عبد العزيز، عَن أبي عبيد.

12/24م ومن باب من يعطى الصدقة وحَدّ الغنى

460- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خُموش أو خُدوش أوكدوح في وجهه فقيل يا رسول الله وما الغنى قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب. قال يحيى فقال عبد الله بن عثمان لسفيان حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير فقال سفيان فقد حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد.

قلت الخموش هي الخدوش، يقال خمشت المرأة وجهها إذا خدشته بظفر أو حديدة أو نحوها، والكدوح الآثار من الخدش والعض ونحوه، وإنما قيل للحمار مكدّح لما به من اثار العضاض.

وأما تحديده الغنى الذي يحرم معه الصدقة بخمسين درهما فقد ذهب إليه قوم من أهل العلم ورأوه حدا في غنى من تحرم عليه الصدقة منهم سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وأبى القول به آخرون وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم، قالوا وأما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه أسنده وإنما قال فقد حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد حسب، قالوا وليس في الحديث أن من ملك خمسين درهما لم تحل له الصدقة، إنما فيه أنه كره له المسألة فقط وذلك أن المسألة إنما تكون مع الضرورة ولا ضرورة بمن يجد ما يكفيه في وقته إلى المسألة.

وقال مالك والشافعي لا حد للغنى معلوم وإنما يعتبر حال الإنسان بوسعه وطاقته فإذا اكتفى بما عنده حرمت عليه الصدقة وإذا احتاج حلت له.

قال الشافعي قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله.

وجعل أصحاب الرأي الحد فيه مائتي درهم وهو النصاب الذي تجب فيه الزكاة وإنما أمرنا أن نأخذ الزكاة من الأغنياء وأن ندفعها إلى الفقراء وهذا إذا ثبت أنه غني يملك النصاب الذي تجب عليه فيه الزكاة فقد خرج به من حد الفقر الذي يستحق به أخذ الزكاة.

461- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله ﷺ فسله لنا شيئا نأكله فجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله ﷺ أسأله فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله ﷺ يقول: لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل عنه وهومغضب وهو يقول لعمري إنك لتعطي من شئت فقال ﷺ يغضب عليَّ أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وعنده أوقية أو عَدلها فقد سأل الحافا قال الأسدي فقلت لَلِقْحة لنا خير من أوقية قال فرجعت ولم أسأله فقدم علي رسول الله ﷺ بعد ذلك شعير وزبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله.

اللقحة الناقة المِرية وهي التي تمري أي التي تحلب وجمعها لقاح، والأوقية عند أهل الحجاز أربعون درهما. وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تحديد الغني إلى هذا الحديث، وزعم أن من وجد أربعين درهما حرمت عليه الصدقة.

وقوله أوعدلها يريد قيمتها، يقال هذا عدل الشيء أي ما يساويه في القيمة وهذا عدله بكسر العين أي نظيره ومثله في الصورة والهيئة.

هامش

  1. [التوبة: 103]