→ الآية رقم 210 | الجامع لأحكام القرآن – سورة البقرة الآية رقم 211 القرطبي |
الآية رقم 212 ← |
الآية: 211 { سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
قوله تعالى: { سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } " "سل" من السؤال: بتخفيف الهمزة، فلما تحركت السين لم يحتج إلى ألف الوصل. وقيل: إن للعرب في سقوط ألف الوصل في، "سل" وثبوتها في "واسأل" وجهين:
أحدهما - حذفها في إحداهما وثبوتها في الأخرى، وجاء القرآن بهما، فاتبع خط المصحف في إثباته للهمزة وإسقاطها.
والوجه الثاني - أنه يختلف إثباتها وإسقاطها باختلاف الكلام المستعمل فيه، فتحذف الهمزة في الكلام المبتدأ، مثل قوله: { سل بني إسرائيل } وقوله: { سلهم أيهم بذلك زعيم } [1]. وثبت في العطف، مثل قوله: { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } [2]، { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } [3] قاله علي بن عيسى. وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس عنه "اسأل" على الأصل. وقرأ قوم "اسل" على نقل الحركة إلى السين وإبقاء ألف الوصل، على لغة من قال: الاحمر. و"كم" في موضع نصب، لأنها مفعول ثان لآتيناهم. وقيل: بفعل مضمر، تقديره كم آتينا آتيناهم. ولا يجوز أن يتقدمها الفعل لأن لها صدر الكلام. "من آية" في موضع نصب على التمييز على التقدير الأول، وعلى الثاني مفعول ثان لآتيناهم، ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر في آتيناهم، ويصير فيه عائد على كم، تقديره: كم آتيناهموه، ولم يعرب وهي اسم لأنها بمنزلة الحروف لما وقع فيه معنى الاستفهام، وإذا فرقت بين كم وبين الاسم كان الاختيار أن تأتي بمن كما في هذه الآية، فإن حذفتها نصبت في الاستفهام والخبر، ويجوز الخفض في الخبر كما قال الشاعر:
كم بجود مقرف نال العلا... وكريم بخله قد وضعه
والمراد بالآية كم جاءهم في أمر محمد عليه السلام من آية معرفة به دالة عليه. قال مجاهد والحسن وغيرهما: يعني الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام من فلق البحر والظلل من الغمام والعصا واليد وغير ذلك. وأمر الله تعالى نبيه بسؤالهم على جهة التقريع لهم والتوبيخ.
قوله تعالى: { وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ } لفظ عام لجميع العامة، وإن كان المشار إليه بني إسرائيل، لكونهم بدلوا ما في كتبهم وجحدوا أمر محمد ﷺ، فاللفظ منسحب على كل مبدل نعمة الله تعالى. وقال الطبري: النعمة هنا الإسلام، وهذا قريب من الأول. ويدخل في اللفظ أيضا كفار قريش، فإن بعث محمد ﷺ فيهم نعمة عليهم، فبدلوا قبولها والشكر عليها كفرا.
قوله تعالى: { خبر يتضمن الوعيد. والعقاب مأخوذ من العقب، كأن المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه، ومنه عقبة الراكب وعقبة القدر. فالعقاب والعقوبة يكونان بعقب الذنب، وقد عاقبه بذنبه.
هامش