→ الاية رقم 232 | الجامع لأحكام القرآن – سورة البقرة الآية رقم 233 القرطبي |
الآية رقم 234 ← |
الآية: 233 { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ } ابتداء. { يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ } في موضع الخبر. { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } ظرف زمان. ولما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الولد، لأن الزوجين قد يفترقان وثم ولد، فالآية إذا في المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن، قاله السدي والضحاك وغيرهما، أي هن أحق برضاع أولادهن من الأجنبيات لأنهن أحنى وأرق، وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها، وهذا يدل على أن الولد وإن فطم فالأم أحق بحضانته لفضل حنوها وشفقتها، وإنما تكون أحق بالحضانة إذا لم تتزوج على ما يأتي. وعلى هذا يشكل قوله: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } لأن المطلقة لا تستحق الكسوة إذا لم تكن رجعية بل تستحق الأجرة إلا أن يحمل على مكارم الأخلاق فيقال: الأولى ألا تنقص الأجرة عما يكفيها لقوتها وكسوتها. وقيل: الآية عامة في المطلقات اللواتي لهن أولاد وفي الزوجات. والأظهر أنها في الزوجات في حال بقاء النكاح، لأنهن المستحقات للنفقة والكسوة، والزوجة تستحق النفقة والكسوة أرضعت أو لم ترضع، والنفقة والكسوة مقابلة التمكين، فإذا اشتغلت بالإرضاع لم يكمل التمكين، فقد يتوهم أن النفقة تسقط فأزال ذلك الوهم بقوله تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } أي الزوج { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } في حال الرضاع لأنه اشتغال في مصالح الزوج، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة لا تسقط.
الثانية: - قوله تعالى: { يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ } خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات، وعلى جهة الندب لبعضهن على ما يأتي. وقيل: هو خبر عن المشروعية كما تقدم.
الثالثة: - واختلف الناس في الرضاع هل هو حق للأم أو هو حق عليها، واللفظ محتمل لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها لقال: وعلى الوالدات رضاع أولادهن كما قال تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } ولكن هو عليها في حال الزوجية، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط، إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها ألا ترضع وذلك كالشرط. وعليها إن لم يقبل الولد غيرها واجب. وهو عليها إذا عدم لاختصاصها به. فإن مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في المدونة أن الرضاع لازم للأم بخلاف النفقة. وفي كتاب ابن الجلاب: رضاعه في بيت المال. وقال عبدالوهاب: هو فقير من فقراء المسلمين. وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها، والرضاع على الزوج إلا أن تشاء هي، فهي أحق بأجرة المثل، هذا مع يسر الزوج فإن كان معدما لم يلزمها الرضاع إلا أن يكون المولود لا يقبل غيرها فتجبر حينئذ على الإرضاع. وكل من يلزمها الإرضاع فإن أصابها عذر يمنعها منه عاد الإرضاع على الأب. وروي عن مالك أن الأب إذا كان معدما ولا مال للصبي أن الرضاع على الأم، فإن لم يكن لها لبن ولها مال فالإرضاع عليها في مالها. قال الشافعي،: لا يلزم الرضاع إلا والدا أو جدا وإن علا، وسيأتي ما للعلماء في هذا عند قوله تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }. يقال: رضع يرضع رضاعة ورضاعا، ورضع يرضع رضاعا ورضاعة "بكسر الراء في الأول وفتحها في الثاني" واسم الفاعل راضع فيهما. والرضاعة: اللؤم "مفتوح الراء لا غير".
الرابعة: - قوله تعالى: { حَوْلَيْنِ } أي سنتين، من حال الشيء إذا انقلب، فالحول منقلب من الوقت الأول إلى الثاني. وقيل: سمي العام حولا لاستحالة الأمور فيه في الأغلب. { كامِلَيْنِ } قيد بالكمال لأن القائل قد يقول: أقمت عند فلان حولين وهو يريد حولا وبعض حول آخر، قال الله تعالى: { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } [1] وإنما يتعجل في يوم وبعض الثاني. وقوله تعالى: { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما فإنه يجوز الفطام قبل الحولين، ولكنه تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة الرضاع، فلا يجب على الزوج إعطاء الأجرة لأكثر من حولين. وإن أراد الأب الفطم قبل هذه المدة ولم ترض الأم لم يكن له ذلك. والزيادة على الحولين أو النقصان إنما يكون عند عدم الإضرار بالمولود وعند رضا الوالدين. وقرأ مجاهد وابن محيصن { لمن أراد أن تتم الرضاعة } بفتح التاء ورفع { الرضاعة } على إسناد الفعل إليها. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود بن أبي سبرة بكسر الراء من { الرضاعة } وهي لغة كالحضارة والحضارة. وروي عن مجاهد أنه قرأ "الرضعة" على وزن الفعلة. وروي عن ابن عباس أنه قرأ "أن يكمل الرضاعة". النحاس: لا يعرف البصريون "الرضاعة" إلا بفتح الراء، ولا "الرضاع" إلا بكسر الراء، مثل القتال. وحكى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء.
الخامسة: - انتزع مالك رحمه الله تعالى ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة. هذا قوله في موطئه، وهي رواية محمد بن عبدالحكم عنه، وهو قول عمر وابن عباس، وروي عن ابن مسعود، وبه قال الزهري وقتادة والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور. وروى ابن عبدالحكم عنه الحولين وزيادة أيام يسيرة. عبدالملك: كالشهر ونحوه. وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: الرضاع الحولين والشهرين بعد الحولين، وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه قال: ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين، وما كان بعد ذلك فهو عبث. وحكي عن النعمان أنه قال: وما كان بعد الحولين إلى ستة أشهر فهو رضاع، والصحيح الأول لقوله تعالى: { وَ الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين. وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين". قال الدارقطني: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ.
قلت: وهذا الخبر مع الآية والمعنى، ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. وقد روي عن عائشة القول به. وبه يقول الليث بن سعد من بين العلماء. وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير. وروي عنه الرجوع عنه. وسيأتي في سورة "النساء" مبينا إن شاء الله تعالى.
السادسة: - قال جمهور المفسرين: إن هذين الحولين لكل ولد. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر، فإن مكث سبعة أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا فإن مكث ثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهرا، فان مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهرا، لقوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } [2]. وعلى هذا تتداخل مدة الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الآخر.
السابعة: - قوله تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } أي وعلى الأب. ويجوز في العربية "وعلى المولود لهم" كقوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [3] لأن المعنى وعلى الذي ولد له و"الذي" يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدم.
الثامنة: - قوله تعالى: { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } الرزق في هذا الحكم الطعام الكافي، وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه. وسماه الله سبحانه للأم، لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع كما قال: { وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ } [4] لأن الغذاء لا يصل إلا بسببها.
وأجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم. وقال ﷺ لهند بنت عتبة وقد قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من مال بغير علمه فهل علي في ذلك جناح؟ فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". والكسوة: اللباس. وقوله: "بالمعروف" أي بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط. ثم بين تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها من غير تقدير مد ولا غيره بقوله تعالى: { لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } على ما يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى. وقيل المعنى: أي لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعى القصد.
التاسعة: - في هذه الآية دليل لمالك على أن الحضانة للأم، فهي في الغلام إلى البلوغ، وفي الجارية إلى النكاح، وذلك حق لها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إذا بلغ الولد ثماني سنين وهو سن التمييز، خير بين أبويه، فإنه في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والأدب ووظائف العبادات، وذلك يستوي فيه الغلام والجارية. وروى النسائي وغيره عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت له: زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال له النبي ﷺ: "هذا أبوك وهذه أمك فخذ أيهما شئت" فأخذ بيد أمه. وفي كتاب أبي داود عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ وأنا قاعد عنده فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال النبي ﷺ: "استهما عليه" فقال زوجها: من يحاقني في ولدي، فقال النبي ﷺ: "هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أحدهما شئت" فأخذ بيد أمه فانطلقت به. ودليلنا ما رواه أبو داود عن الأوزاعي قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو أن امرأة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله ﷺ: "أنت أحق به ما لم تنكحي ". قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح. وكذا قال أبو عمر: لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج.
ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأمه وفيمن هو أولى به، قال ابن المنذر: وثبت أن النبي ﷺ قضى في ابنة حمزة للخالة من غير تخيير.
روى أبو داود عن علي قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة، فقال جعفر: أنا آخذها أنا أحق بها، ابنة عمي وخالتها عندي والخالة أم. فقال علي: أنا أحق بها،: ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله ﷺ، وهي أحق بها. فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها. فخرج النبي ﷺ فذكر حديثا قال: "وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم".
العاشرة: - قال ابن المنذر: وقد أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ألا حق للأم في الولد إذا تزوجت.
قلت: كذا قال في كتاب الأشراف له. وذكر القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة له عن الحسن أنه لا يسقط حقها من الحضانة بالتزوج. وأجمع مالك والشافعي والنعمان وأبو ثور على أن الجدة أم الأم أحق بحضانة الولد. واختلفوا إذا لم يكن لها أم وكان لها جدة هي أم الأب، فقال مالك: أم الأب أحق إذا لم يكن للصبي خالة. وقال ابن القاسم: قال مالك: وبلغني ذلك عنه أنه قال: الخالة أولى من الجدة أم الأب. وفي قول الشافعي والنعمان: أم الأب أحق من الخالة. وقد قيل: إن الأب أولى بابنه من الجدة أم الأب. قال أبو عمر: وهذا عندي إذا لم يكن له زوجة أجنبية. ثم الأخت بعد الأب ثم العمة. وهذا إذا كان كل واحد من هؤلاء مأمونا على الولد، وكان عنده في حرز وكفاية، فإذا لم يكن كذلك لم يكن له حق في الحضانة، وإنما ينظر في ذلك إلى من يحوط الصبي ومن يحسن إليه في حفظه وتعلمه الخير. وهذا على قول من قال إن الحضانة حق الولد، وقد روى ذلك عن مالك وقال به طائفة من أصحابه، وكذلك لا يرون حضانة لفاجرة ولا لضعيفة عاجزة عن القيام بحق الصبي لمرض أو زمانة. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك أن الحضانة للأم ثم الجدة للأم ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم أخت الصبي ثم عمة الصبي ثم ابنة أخي الصبي ثم الأب. والجدة للأب أولى من الأخت والأخت أولى من العمة والعمة أولى ممن بعدها، وأولى من جميع الرجال الأولياء. وليس لابنة الخالة ولا لابنة العمة ولا لبنات أخوات الصبي من حضانته شيء. فإذا كان الحاضن لا يخاف منه على الطفل تضييع أو دخول فساد كان حاضنا له أبدا حتى يبلغ الحلم. وقد قيل: حتى يثغر، وحتى تتزوج الجارية، إلا أن يريد الأب نقلة سفر وإيطان فيكون حينئذ أحق بولده من أمه وغيرها إن لم ترد الانتقال. وإن أراد الخروج لتجارة لم يكن له ذلك. وكذلك أولياء الصبي الذين يكون مآله إذا انتقلوا للاستيطان. وليس للأم أن تنقل ولدها عن موضع سكنى الأب إلا فيما يقرب نحو المسافة التي لا تقصر فيها الصلاة. ولو شرط عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه لا يترك ولده عندها إلا أن تلتزم نفقته ومؤونته سنين معلومة فإن التزمت ذلك لزمها: فإن ماتت لم تتبع بذلك ورثتها في تركتها. وقد قيل: ذلك دين يؤخذ من تركتها، والأول أصح إن شاء الله تعالى، كما لو مات الوالد أو كما لو صالحها على نفقة الحمل والرضاع فأسقطت لم تتبع بشيء من ذلك.
الحادية عشرة: - إذا تزوجت الأم لم ينزع منها ولدها حتى يدخل بها زوجها عند مالك. وقال الشافعي: إذا نكحت فقد انقطع حقها. فإن طلقها لم يكن لها الرجوع فيه عند مالك في الأشهر عندنا من مذهبه. وقد ذكر القاضي إسماعيل وذكره ابن خويز منداد أيضا عن مالك أنه اختلف قوله في ذلك، فقال مرة: يرد إليها. وقال مرة: لا يرد. قال ابن المنذر: فإذا خرجت الأم عن البلد الذي به ولدها ثم رجعت إليه فهي أحق بولدها في قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي. وكذلك لو تزوجت ثم طلقت أو توفى عنها زوجها رجعت في حقها من الولد.
الثالثة عشرة: - واختلفوا في الزوجين يفترقان بطلاق والزوجة ذمية، فقالت طائفة: لا فرق بين الذمية والمسلمة وهي أحق بولدها، هذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وابن القاسم صاحب مالك. قال ابن المنذر: وقد روينا حديثا مرفوعا موافقا لهذا القول، وفي إسناده مقال. وفيه قول ثان أن الولد مع المسلم منهما، هذا قول مالك وسوار وعبدالله بن الحسن، وحكي ذلك عن الشافعي. وكذلك اختلفوا في الزوجين يفترقان، أحدهما حر والآخر مملوك، فقالت طائفة: الحر أولى، هذا قول عطاء والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وقال مالك: في الأب إذا كان حرا وله ولد حر والأم مملوكة: إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الأب أحق به.
الرابعة عشر: - قوله تعالى: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } المعنى: لا تأبى الأم أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك مع رغبتها في الإرضاع، هذا قول جمهور المفسرين. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي "تضار" بفتح الراء المشددة وموضعه جزم على النهي، وأصله لا تضارر على الأصل، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين، وهكذا يفعل في المضاعف إذا كان قبله فتح أو ألف، تقول: عض يا رجل، وضار فلانا يا رجل. أي لا ينزع الولد منها إذا رضيت بالإرضاع وألفها الصبي. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان بن عاصم وجماعة "تضار" بالرفع عطفا على قوله: { تُكَلَّفُ نَفْسٌ } وهو خبر والمراد به الأمر. وروى يونس عن الحسن قال يقول: لا تضار زوجها، تقول: لا أرضعه، ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول: أنا أرضعه. ويحتمل أن يكون الأصل "تضارر" بكسر الراء الأولى، ورواها أبان عن عاصم، وهي لغة أهل الحجاز. فـ "والدة" فاعله، ويحتمل أن يكون "تضارر" فـ "والدة" مفعول ما لم يسم فاعله. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ "لا تضارر" براءين الأولى مفتوحة. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع "تضار" بإسكان الراء وتخفيفها. وكذلك { لا يُضَارْ كَاتِبٌ } وهذا بعيد لأن المثلين إذا اجتمعا وهما أصليان لم يجز حذف أحدهما للتخفيف، فإما الإدغام وإما الإظهار. وروي عنه الإسكان والتشديد. وروي عن ابن عباس والحسن "لا تضارر" بكسر الراء الأولى.
الخامسة عشرة: - قوله تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } هو معطوف على قوله: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ } واختلفوا في تأويل قوله: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فقال قتادة والسدي والحسن وعمر بن الخطاب رضي الله عنه: هو وارث الصبي أن لو مات. قال بعضهم: وارثه من الرجال خاصة يلزمه الإرضاع، كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا، وقاله مجاهد وعطاء. وقال قتادة وغيره: هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق في كتاب "معاني القرآن" له: فأما أبو حنيفة فإنه قال: تجب نفقة الصغير ورضاعه على كل ذي رحم محرم، مثل أن يكون رجل له ابن أخت صغير محتاج وابن عم صغير محتاج وهو وارثه، فإن النفقة تجب على الخال لابن أخته الذي لا يرثه، وتسقط عن ابن العم لابن عمه الوارث. قال أبو إسحاق: فقالوا قولا ليس في كتاب الله ولا نعلم أحدا قاله. وحكى الطبري عن أبي حنيفة وصاحبيه أنهم قالوا: الوارث الذي يلزمه الإرضاع هو وارثه إذا كان ذا رحم محرم منه، فإن كان ابن عم وغيره ليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء. وقيل: المراد عصبة الأب عليهم النفقة والكسوة. قال الضحاك: إن مات أبو الصبي وللصبي مال أخذ رضاعه من المال، وإن لم يكن له مال أخذ من العصبة، وإن لم يكن للعصبة مال أجبرت الأم على إرضاعه. وقال قبيصة بن ذؤيب والضحاك وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبدالعزيز: الوارث هو الصبي نفسه، وتأولوا قوله: { وَعَلَى الْوَارِثِ } المولود، مثل ما على المولود له، أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه. وقال سفيان: الوارث هنا هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما فإن مات الأب فعلى الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال، ويشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث. وقال ابن خويز منداد: ولو كان اليتيم فقيرا لا مال له، وجب على الإمام القيام به من بيت المال، فإن لم يفعل الإمام وجب ذلك على المسلمين، الأخص به فالأخص، والأم أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به، ولا ترجع عليه ولا على أحد. والرضاع واجب والنفقة استحباب: ووجه الاستحباب قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وواجب على الأزواج القيام بهن، فإذا تعذر استيفاء الحق لهن بموت الزوج أو إعساره لم يسقط الحق عنهن، ألا ترى أن العدة واجبة عليهن والنفقة والسكنى على أزواجهن، وإذا تعذرت النفقة لهن لم تسقط العدة عنهن. وروى عبدالرحمن بن القاسم في الأسدية عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه. قال: وقول الله عز وجل: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } هو منسوخ. قال النحاس: هذا لفظ مالك، ولم يبين ما الناسخ لها ولا عبدالرحمن بن القاسم، ولا علمت أن أحدا من أصحابهم بين ذلك، والذي يشبه أن يكون الناسخ لها عنده والله أعلم، أنه لما أوجب الله تعالى للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه، نسخ ذلك أيضا عن الوارث.
قلت: فعلى هذا تكون النفقة على الصبي نفسه من ماله، لا يكون على الوارث منها شيء على ما يأتي. قال ابن العربي: قوله { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال ابن القاسم عن مالك هي منسوخة، وهذا كلام تشمئز منه قلوب الغافلين، وتحتار فيه ألباب الشاذين، والأمر فيه قريب، وذلك أن العلماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمون التخصيص نسخا، لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم مسامحة، وجرى ذلك في ألسنتهم حتى أشكل ذلك على من بعدهم، وتحقيق القول فيه: أن قوله تعالى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } إشارة إلى ما تقدم، فمن الناس من رده إلى جميعه من إيجاب النفقة وتحريم الإضرار، منهم أبو حنيفة من الفقهاء، ومن السلف قتادة والحسن ويسند إلى عمر. وقالت طائفة من العلماء: إن معنى قوله تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } لا يرجع إلى جميع ما تقدم، وإنما يرجع إلى تحريم الإضرار، والمعنى: وعلى الوارث من تحريم الإضرار بالأم ما على الأب، وهذا هو الأصل، فمن ادعى أنه يرجع العطف فيه إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل.
قلت: قوله: "وهذا هو الأصل" يريد في رجوع الضمير إلى أقرب مذكور، وهو صحيح، إذ لو أراد الجميع الذي هو الإرضاع والإنفاق وعدم الضرر لقال: وعلى الوارث مثل هؤلاء، فدل على أنه معطوف على المنع من المضارة، وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبدالوهاب، وهو أن المراد به أن الوالدة لا تضار ولدها في أن الأب إذا بذل لها أجرة المثل ألا ترضعه، { وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } في أن الأم إذا بذلت أن ترضعه بأجرة المثل كان لها ذلك، لأن الأم أرفق وأحن عليه، ولبنها خير له من لبن الأجنبية. قال ابن عطية: وقال مالك رحمه الله وجميع أصحابه والشعبي أيضا والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: المراد بقوله { مثل ذلك } ألا تضار، وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه. وروى ابن القاسم عن مالك أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث، ثم نسخ ذلك بالإجماع من الأمة في ألا يضار الوارث، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا. وقرأ يحيى بن يعمر "وعلى الورثة" بالجمع، وذلك يقتضي العموم، فإن استدلوا بقوله عليه السلام: " لا يقبل الله صدقة وذو رحم محتاج" قيل لهم الرحم عموم في كل ذي رحم، محرما كان أو غير محرم، ولا خلاف أن صرف الصدقة إلى ذي الرحم أولى لقوله عليه السلام: " اجعلها في الأقربين" فحمل الحديث على هذا، ولا حجة فيه على ما راموه، والله أعلم. وقال النحاس: وأما قول من قال: { وعَلَى الْوَارِثَ مِثْلُ ذلِكَ } ألا يضار فقول حسن، لأن أموال الناس محظورة فلا يخرج شيء منها إلا بدليل قاطع. وأما قول من قال على ورثة الأب فالحجة أن النفقة كانت على الأب، فورثته أولى من ورثة الابن وأما حجة من قال على ورثة الابن فيقول: كما يرثونه يقومون به. قال النحاس: وكان محمد بن جرير يختار قول من قال: الوارث هنا الابن، وهو وإن كان قولا غريبا فالاستدلال به صحيح والحجة به ظاهرة، لأن ماله أولى به. وقد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له ولد طفل وللولد مال، والأب موسر أنه لا يجب على الأب نفقة ولا رضاع، وأن ذلك من مال الصبي. فإن قيل: قد قال الله عز وجل { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }، قيل: هذا الضمير للمؤنث، ومع هذا فإن الإجماع حد للآية مبين لها، لا يسع مسلما الخروج عنه. وأما من قال: ذلك على من بقي من الأبوين، فحجته أنه لا يجوز للأم تضييع ولدها، وقد مات من كان ينفق عليه وعليها. وقد ترجم البخاري على رد هذا القول "باب - وعلى الوارث مثل ذلك، وهل على المرأة منه شيء" وساق حديث أم سلمة وهند. والمعنى فيه: أن أم سلمة كان لها أبناء من أبي سلمة ولم يكن لهم مال، فسألت النبي ﷺ فأخبرها أن لها في ذلك أجرا. فدل هذا الحديث على أن نفقة بنيها لا تجب عليها، ولو وجبت عليها لم تقل للنبي ﷺ: ولست بتاركتهم. وأما حديث هند فإن النبي ﷺ أطلقها على أخذ نفقتها ونفقة بنيها من مال الأب، ولم يوجبها عليها كما أوجبها على الأب. فاستدل البخاري من هذا على أنه لما لم يلزم الأمهات نفقات الأبناء في حياة الآباء فكذلك لا يلزمهن بموت الآباء. وأما قول من قال إن النفقة والكسوة على كل ذي رحم محرم فحجته أن على الرجل أن ينفق على كل ذي رحم محرم إذا كان فقيرا. قال النحاس: وقد عورض هذا القول بأنه لم يؤخذ من كتاب الله تعالى ولا من إجماع ولا من سنة صحيحة، بل لا يعرف من قول سوى ما ذكرناه. فأما القرآن فقد قال الله عز وجل: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فإن كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا: إذا ترك خاله وابن عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء، فهذا مخالف نص القرآن لأن الخال لا يرث مع ابن العم في قول أحد، ولا يرث وحده في قول كثير من العلماء، والذي احتجوا به من النفقة على كل ذي رحم محرم، أكثر أهل العلم على خلافه.
السادسة عشر: - قوله تعالى: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً } الضمير في { أَرَادَا } للوالدين. و { فِصَالاً } معناه فطاما عن الرضاع، أي عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات. والفصال والفصل: الفطام، وأصله التفريق، فهو تفريق بين الصبي والثدي، ومنه سمي الفصيل، لأنه مفصول عن أمه. { عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا } أي قبل الحولين. { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } أي في فصله، وذلك أن الله سبحانه لما جعل مدة الرضاع حولين بين أن فطامهما هو الفطام، وفصالهما هو الفصال ليس لأحد عنه منزع، إلا أن يتفق الأبوان على أقل من ذلك العدد من غير مضارة بالولد، فذلك جائز بهذا البيان. وقال قتادة: كان الرضاع واجبا في الحولين وكان يحرم الفطام قبله، ثم خفف وأبيح الرضاع أقل من الحولين بقوله: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً } الآية. وفي هذا دليل على جواز الاجتهاد في الأحكام بإباحة الله تعالى للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح الصغير، وذلك موقوف على غالب ظنونهما لا على الحقيقة واليقين، والتشاور: استحراج الرأي، وكذلك المشاورة، والمشورة كالمعونة، وشرت العسل: استخرجته، وشرت الدابة وشورتها أي أجريتها لاستخراج جريها، والشوار: متاع البيت، لأنه يظهر للناظر، والشارة: هيئة الرجل، والإشارة: إخراج ما في نفسك وإظهاره.
السابعة عشرة -: قوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي لأولادكم غير الوالدة، قاله الزجاج. قال النحاس: التقدير في العربية أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم، مثل { كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ } [5] أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، وحذفت اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف، وأنشد سيبوبه:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ولا يجوز: دعوت زيدا، أي دعوت لزيد، لأنه يؤدي إلى التلبيس، فيعتبر في هذا النوع السماع.
قلت: وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز اتخاذ الظئر إذا اتفق الآباء والأمهات على ذلك. وقد قال عكرمة في قوله تعالى: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ } معناه الظئر، حكاه ابن عطية. والأصل أن كل أم يلزمها رضاع ولدها كما أخبر الله عز وجل، فأمر الزوجات بإرضاع أولادهن، وأوجب لهن على الأزواج النفقة والكسوة والزوجية قائمة، فلو كان الرضاع على الأب لذكره مع ما ذكره من رزقهن وكسوتهن، إلا أن مالكا رحمه الله دون فقهاء الأمصار استثنى الحسيبة فقال: لا يلزمها رضاعه. فأخرجها من الآية وخصصها بأصل من أصول الفقه وهو العمل بالعادة. وهذا أصل لم يتفطن له إلا مالك. والأصل البديع فيه أن، هذا أمر كان في الجاهلية في ذوي الحسب وجاء الإسلام فلم يغيره، وتمادى ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة بدفع الرضعاء للمراضع إلى زمانه فقال به، وإلى زماننا فتحققناه شرعا.
قوله تعالى: { إِذَا سَلَّمْتُمْ } يعني الآباء، أي سلمتم الأجرة إلى المرضعة الظئر، قاله سفيان. مجاهد: سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع. وقرأ الستة من السبعة "ما آتيتم" بمعنى ما أعطيتم. وقرأ ابن كثير "أتيتم" بمعنى ما جئتم وفعلتم، كما قال زهير:
وما كان من خير أتوه فإنما... توارثه آباء آبائهم قبل
قال قتادة والزهري: المعنى سلمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاع، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي، وكان ذلك على اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر. وعلى هذا الاحتمال فيدخل في الخطاب "سلمتم" الرجال والنساء، وعلى القولين المتقدمين الخطاب للرجال. قال أبو علي: المعنى إذا سلمتم ما آتيتم نقده أو إعطاءه، فحذف المضاف وأقيم الضمير مقامه، فكان التقدير: ما آتيتموه، ثم حذف الضمير من الصلة، وعلى هذا التأويل فالخطاب للرجال، لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع. قال أبو علي: ويحتمل أن تكون "ما" مصدرية، أي إذا سلمتم الإتيان، والمعنى كالأول، لكن يستغني عن الصفة من حذف المضاف ثم حذف الضمير.
هامش