→ الآية رقم 209 | الجامع لأحكام القرآن – سورة البقرة الآية رقم 210 القرطبي |
الآية رقم 211 ← |
الآية: 210 { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ }
{ هَلْ يَنْظُرُونَ } يعني التاركين الدخول في السلم، و { هَلْ } يراد به هنا الجحد، أي ما ينتظرون: { إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ }. نظرته وانتظرته بمعنى. والنظر الانتظار. وقرأ قتادة وأبو جعفر يزيد بن القعقاع والضحاك { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ }. وقرأ أبو جعفر "والملائكةِ" بالخفض عطفا على الغمام، وتقديره مع الملائكة، تقول العرب: أقبل الأمير في العسكر، أي مع العسكر. { ظُلَلٍ } جمع ظلة في التكسير، كظلمة وظلم وفي التسليم ظللات، وأنشد سيبوبه:
إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها... سواقط من حر وقد كان أظهرا
وظلات وظلال، جمع ظل في الكثير، والقليل أظلال. ويجوز أن يكون ظلال جمع ظلة، مثل قوله: قلة وقلال، كما قال الشاعر:
ممزوجة بماء القلال
قال الأخفش سعيد: و { الملائكة } بالخفض بمعنى وفي الملائكة. قال: والرفع أجود، كما قال: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ } [1]، { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [2]. قال الفراء: وفي قراءة عبدالله: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ والملائكة فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ }. قال قتادة: الملائكة يعني تأتيهم لقبض أرواحهم، ويقال يوم القيامة، وهو أظهر. قال أبو العالية والربيع: تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام، ويأتيهم الله فيما شاء. وقال الزجاج: التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة. وقيل: ليس الكلام على ظاهره في حقه سبحانه، وإنما المعنى يأتيهم أمر الله وحكمه. وقيل: أي بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل، مثل: { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } [3] أي بخذلانه إياهم، هذا قول الزجاج، والأول قول الأخفش سعيد. وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعا إلى الجزاء، فسمي الجزاء إتيانا كما سمى التخويف والتعذيب في قصة نمروذ إتيانا فقال: { فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ } [4]. وقال في قصة النضير: { أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب } وقال: { وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } [5]. وإنما احتمل الإتيان هذه المعاني لأن أصل الإتيان عند أهل اللغة هو القصد إلى الشيء، فمعنى الآية: هل ينظرون إلا أن يظهر الله تعالى فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما هو قاض، وكما أنه سبحانه أحدث فعلا سماه نزولا واستواء كذلك يحدث فعلا يسميه إتيانا، وأفعاله بلا آلة ولا علة، سبحانه! وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: هذا من المكتوم الذي لا يفسر. وقد سكت بعضهم عن تأويلها، وتأولها بعضهم كما ذكرنا. وقيل: الفاء بمعنى الباء، أي يأتيهم بظلل، ومنه الحديث: "يأتيهم الله في صورة" أي بصورة امتحانا لهم ولا يجوز أن يحمل هذا وما أشبهه مما جاء في القرآن والخبر على وجه الانتقال والحركة والزوال، لأن ذلك من صفات الأجرام والأجسام، تعالى الله الكبير المتعال، ذو الجلال والإكرام عن مماثلة الأجسام علوا كبيرا. والغمام: السحاب الرقيق الأبيض، سمي بذلك لأنه يغم، أي يستر، كما تقدم. وقرأ معاذ بن جبل: "وقضاء الأمر". وقرأ يحيى بن يعمر "وقضي الأمور" بالجمع. والجمهور "وقضي الأمر" فالمعنى وقع الجزاء وعذب أهل العصيان. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي "ترجع الأمور" على بناء الفعل للفاعل، وهو الأصل، دليله { لا إلى الله تصير الأمور } [6]، { إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } [7]. وقرأ الباقون "ترجع" على بنائه للمفعول، وهي أيضا قراءة حسنة، دليله { ثم تردون } [8] { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ } [9]، { وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي } [10]. والقراءتان حسنتان بمعنى، والأصل الأولى، وبناؤه للمفعول توسع وفرع، والأمور كلها راجعة إلى الله قبل وبعد. وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا.
هامش