الرئيسيةبحث

المحكمة ( Court )



المحكمة في القانون المدنيّ سلطة من سلطات الدولة، تحسم المنازعات وتُطَبّق العدالة. وتقوم المحاكم بالفصل في منازعات الأفراد والمنظمات والحكومات. وهي تصدر الحكم بإدانة أو براءة الأشخاص المُتّهمين بارتكاب الجرائم، ثمّ توقّع العقوبات على المذنبين.

ويرأس جميع المحاكم قضاة مؤهّلون. وهؤلاء القضاة يفصلون في كل المسائل القانونيّة. وفي كثير من القضايا، يحكم القضاة بصحة أو زيف ادعاءات كلًّ من طرفي الخصومة. ويقوم المحلفون في بعض القضايا الأخرى بتقرير مسائل الواقع. ويُقصد بكلمة محكمة، الإشارة إلى قاضٍ فرد أو إلى قاضٍ يحكم مع محَلفين. وقد يُقْصَدُ منها أيضًا، المكان الذي تُعقَدُ فيه الجلسات للنظر في المنازعات وإصدار الأحكام. ولضمان عدالة المحاكمة، تكون الجلسة عادةً علنية، ما لم تتصل بمسائل الأحداث أو أسرار الدولة.

وتُؤثّر أكثر الأحكام على الخصوم وحدهم في الدعوى، ولكن هناك أحكامًا أخرى تتناول مسائل عامة أكثر شمولاً، مثل حريّة الصحافة، والتّمييز العنصري، وضمانات المُتّهمين. ومن ثم تُعد المحاكم أداة فعالة لأغراض التغيير الاجتماعي والسّياسي.

النظم القانونية

تقوم النظم القانونية أساسًا في معظم الدول على القانون العرفي أو القانون المدني. وتجمع بعض الدول بين النظامين. ويقصد باصطلاح القانون المدني في هذا السياق، المفهوم الشامل للنظام القانوني. ويجب ألا يختلط هذا المعنى الواسع، بالمعنى الضّيق الذي يُراَد به الإشارة إلى أحد فروع القانون الخاص الذي يُنّظم علاقات الأفراد فيما بينهم.

وفي النّظم التي تأخذ بالقانون العام، يقيم القضاة أحكامهم أساسًا على هدْي من السوابق القضائية، أيّ الأحكام الصّادرة من قبل في القضايا ذات الوقائع المماثلة.

وتتبع معظم الأقطار التي تتحدث باللغة الإنجليزية، بما في ذلك أستراليا وأيرلندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة ـ فيما عدا أسكتلندا ـ والولايات المتحدة الأمريكية، نظام القانون العام. وتتبع أسكتلندا نظامًا قانونيًا خاصًا، لا يقوم على أساس القانون العام.

ويقوم نظام القانون المدني أساسًا على تطبيق القوانين المكتوبة (التشريعات الصادرة من البرلمان). ولا يشير القضاة إلى السّوابق إلا للاستئناس بها، لأنهم ملزمون بالاستناد في أحكامهم إلى مادة أو أكثر من القانون، وليس إلى السوابق وحدها. وتتبع معظم الدول الآسيوية، والدّول الأوروبّية ودول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية نظام القانون المدني.

والدول التي تأخذ بكلٍّ من نظام القانون المدني ونظام القانون العام، تتوافر لديها، بوجه عام محاكم تختص بالفصل في القضايا المدنية وحدها، ومحاكم أخرى تَختصّ بالفصل في القضايا الجنائية فحسب، كما قد تتوافر لديها بعض المحاكم التي تنظر في كل من القضايا المدنية والجنائّية. وفي الدول الشيوعّية سابقًا، تختص كل المحاكم بالفصل في القضايا المدنية والجنائية على السواء.

ولم يكن فقهاء الشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية التي تمارس القوانين الوضعية في الماضي يُفرّقون بين المحاكم المدنية والمحاكم الجنائية. ولكن توجد في معظم الأقطار الإسلامية في العصر الراهن محاكم مدنية منفصلة عن المحاكم الجنائية.

أنواع المحاكم

تتباين أنواع المحاكم حسب اختصاصها بسلطة الفصل في القضايا، إلى عدة أنواع مثل: محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الاستئناف، أو محاكم جنائية ومحاكم ابتدائية.

محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الاستئناف:

تكاد كُلّ القضايا تُنْظر ابتداءً أمام محكمة الموضوع، ويطلق عليها أيضًا المحكمة ذات الاختصاص الأصلي أو محكمة الدرجة الأولى. وقد يكون لمثل هذه المحاكم اختصاص عام أو اختصاص مقيد، ويُطلق عليه أيضًا القضاء الخاص. تقوم المحاكم ذات الاختصاص العام بسماع أنواعٍ كثيرة من القضايا. وتُعَدّ محكمة الموضوع الكبرى في أيّ مقاطعة أو ولاية أو وحدة سياسية، محكمة ذات اختصاص عام.

ويكون للمحكوم عليه الحقُّ دائمًا في الاستئناف، أي طلَب إعادة النّظر في أُوجه تَظَلُّمه من الحكم أمام محكمة أعلى درجة، يُطلق عليها المحكمة الاستئنافية أو محكمة الاستئناف. وتقوم معظم الطعون بالاستئناف على أسباب تتعلّق بالمسائل القانونية، وإن كان من الجائز أن تُؤسّس أحيانًا على الوقائع.

المحاكم الجنائية والمحاكم المدنية:

تقوم المحاكم الجنائية بالفصل في الدعاوى الضّارة بأمن المجتمع، مثل القتل والسرقة. ففي القضايا الجنائية، تقوم الدولة بتحريك الدعوى الجنائية ضد المتهم. وتتراوح العقوبات التي تحكم بها المحاكم الجنائية على المذنبين بين الإفراج ـ بشرط اختبار حُسْن السّير والسّلوك ـ والغرامة والسّجن، وقد تصل إلى الإعدام في بعض الدول.

وتقوم المحاكم المدنية بالفصل في المنازعات الخاصة الناشئة بين الأفراد. والقضايا المدنية تتعلق بمسائل غير جنائية، مثل العقود والعلاقات العائلية والإصابات الناشئة من الحوادث.

وفي معظم القضايا المدنية، يقوم الفرد أو الشّخصية الاعتبارية برفع دعواه في مواجهة الشّخص الآخر. ولا يتضمن الحكم المدني عقوبة السجن، وإنما قد يُحكم على الطرف الذي أخلّ بالتزامه بدفع التّعويض.

المحاكم الخاصة:

قد يكون لبعض المحاكم اختصاصات معيّنة تتعلق بأنواع من القضايا التي تفْصل فيها، أو طوائف خاصة من الناس يُقدَّمون أمامها. فمحاكم الأحداث لا تنظر إلاّ في قضايا الصغار، ممن تقلُّ أعمارهم عن سنٍّ معيِّنة، تحدّد عادةً بالسّادسة عشرة. ومحاكم الأحوال الشخصية تقتصر على النظر في قضايا الطّلاق والحضانة والتّبني، وغيرها من الأمور العائلية.

كيف تعمل المحاكم الجنائية

يُقَدَّم معظم الأشخاص المقبوض عليهم بناءً على اشتباه بارتكاب إحدى الجرائم، إلى قاض يُطلَق عليه قاضي الأمن (درجة أولى)، وذلك خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه.

وفي قضايا الجرائم الصغرى، يقوم القاضي بالنظر في القضية والفصل فيها وتوقيع العقوبة لدى الإدانة، وفي القضايا الأكثر خطورةً، يقرّر القاضي فيما إذا كان عليه الأمر بحبس المتهم احتياطيًا أو إطلاق سراحه بالكفالة. وفي هذه المرحلة، يجوز للمتّهم أن يُطالب بالحصول على مساعدة قانونية (إعانة حكومّية لتعيين محام للدفاع)، إذا لم يكن المتّهم ـ أو المتّهمة ـ قادرًا على دفع أجر المحاماة، وقد يُستجاب لمثل هذا الطلب.

التّحقيق الأّولي أو إجراءات الاتّهام:

في معظم أقطار العالم، تُجرى مع الأشخاص المُتّهمين بارتكاب جرائم خطيرة، تحقيقات أولية للتحقّق من وجود دلائل على ذلك.

وفي أستراليا وبريطانيا وويلز وشمالي أيرلندا، يُجرى هذا التّحقيق أمام أحد قضاة الدرجة الأولى، وتكون جلسات محاكمته علنية. ويُجري التّحقيق القضائي في نيوزيلندا قاضي الصلح، وقاضي النّاحية في جمهورية أيرلندا، وتجرى التحقيقات في أسكتلندا بمعرفة المُدّعي العام، وتُجرى في بعض الولايات الأمريكية أمام هيئة مُحَلّفين كبرى.

المحاكمة:

يكون من حقِّ المتّهم في معظم الجرائم الكبرى المطالبة بمحاكمته أمام هيئة مُحَلفين. يقرر المُحلفون المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى، ويتعين عليهم الاسترشاد بتوجيهات القاضي في القانون والإثبات والإجراءات. ويجب على المُحَلفين تقرير ما إذا كانت الأدلةّ المُقدمة في الإثبات بوساطة الادعاء، تثبت الإدانة على المتهم بدون شك معقول، وإن لم يكن الأمر كذلك، فيجب تبرئة المتهم، وفي الحالة التي يُقرّر فيها المُحلّفون أن المُتّهم مذنب، يُصدر القاضي الحكمَ بالعقوبة.

ويجوز للمحكوم عليه الطّعن بالاستئناف أمام المحكمة الاستئنافية. ومهما يكن من أمر، فإن معظم دساتير العالم لاتجيز محاكمة شخص مرتين لارتكاب الجريمة نفسها. ومع ذلك، فإنه يجوز في بعض الدول، استئناف حكم البراءة.

كيف تعمل المحاكم المدنية:

تبدأ الدعوى المدنية عندما يقوم فردٌ أو شخصية اعتبارية، ويُطلق عليه المُدّعي، باستصدار تكليف بالحضور من المحكمة في مواجهة شخص آخر، يسمى المُدّعى عليه، وتُرفع الدعوى رسميًّا لدى تقديم عريضة للمحكمة، يُطلَقُ عليها عريضة الدعوى، يبيِّن فيها المُدعي السبَّب المنشِئ للدعوى والأضرار والخسائر التي يعتقد أنها لحقت به بسبب إخلال المُدّعَى عليه بالوفاء بالتزاماته.

وقد يُطالب المُدّعي باسترداد مبلغ من المال تعويضًا عن الإخلال، ويتسلم المُدّعَى عليه إعلانًا بالدعوى يُكَلَّفُ فيه بالحضور أمام المحكمة في تاريخ معين. ويقوم المُدّعَى عليه في الجلسة المحددة، بإيداع مذكرة مكتوبة، يُطلق عليها مذكرة الدفاع. وتشتمل على أوجه دفاع وأقوال المُدّعَى عليه بالنسبة للوقائع، وطلب الدعوى، ويجوز للمُدّعَى عليه أن يتقدّم بدعوى مضادة في مواجهة المُدّعي.

وفي معظم القضايا، يشكّل التّكليف بالحضور وعريضة الدعوى ومذكرة الدفاع، باكورة المستندات التي يُطلق عليها الطلبات. وفي هذه الطلبات، يقوم كل من المُدعي والمُدّعَى عليه بطرح ادعاءاته وتفنيد ادعاءات خصمه. وفي معظم القضايا المدنية، تتم التسوية خارج المحكمة، على أساس الطلبات المتبادلة. وعلى أيّة حال، إذا تبقت مسائل واقعية ذات أهمية متنازَع عليها، يجوز طلب الكشف عنها رسمياً عن طريق المحكمة. وهو إجراء يستطيع بموجبه أحد الخصوم أن يُلزِم الآخر بتقديم دليل يُراد تقديمه في الدعوى. وإذا ظلت الدعوى محل نزاع بعد الكشف عن الدليل، تحال للمرافعة.

ويقوم بالفصل في القضايا المدنية عادة قاضٍ فرد دون محلفين. وقد يقوم القاضي أو المُحلفون، بتحديد الطرف المخلّ بالتزاماته، والمبلغ الواجب عليه دفعه تعويضًا عن الإخلال. ويقوم حكم المحكمة في القضايا المدنية، بوجه عام على أساس الراجح في مقابلة الأدلة ببعضها، وبعبارة أخرى، على ثبوت ما إذا كان الاحتمال الغالب هو أن المدعى عليه ارتكب الإخلال المدعى به من جانب المدعي، أو العكس. ويجوز لمن خسر الدعوى، استئناف الحكم الصادر ضده.

المحاكم في الإسلام

يُطلق على القانون الإسلامي الشَّريعة الإسلامية. وهي مستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة.

وتشمل الشّريعة أحكام العبادات والعقائد، والأَحكام المُتعلِّقة بالمعاملات، وهي ما يُطلق عليه الأوروبيون القانون المدني والجنائي. ويُطلَق على المحاَكم التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية على مرّ العصور المحاكم الشرعّية.

ويُطلَق على من يتولّى سلطة الفصل في الخصومات بوساطة المحاكم الشرعية، القاضي الشرعي.

وفي العصور الحديثة، توجد في بعض الدول الإسلامية، المحاكم الشرعية إلى جنب المحاكم المدنيّة.

وتختص المحاكم الشرعية في تلك الدول بالنّظر في مسائل الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق. وتختص المحاكم الأخرى بالفصل في غير ذلك من المسائل.

وفي المملكة العربية السعودية، تُعدّ الشريعة الإسلامية القانون الوحيد الذي يُطبَّق في كل الخُصومات.

المحاكم في الدول الشيوعية السابقة

تنقسم المحاكم في الدول الشيوعية إلى ثلاث مجموعات رئيسية: المحاكم الشعبية، والإقليمية، والعليا.

المحاكم الشعبية:

محاكم من الدرجة الأولى تتكون من قضاة شعبيين وقضاة محترفين. والقضاة الشعبيون مواطنون مدنيون، يُنتخبون لأداء واجباتهم القضائية لفترات قصيرة. والقضاة المحترفون رجال قانون مؤهلون علميًّا، وينُتخبَون دوريًا.

المحاكم الإقليمية:

تقوم بالفصل في الخصومات والجرائم الكبرى الأكثر خطرًا مما تفصل فيه المحاكم الشعبية. وتقوم أيضًا بالإشراف على أعمال المحاكم الشعبية، كما تفصل في طعون الاستئناف في الأحكام الصادرة من المحاكم الشعبية. وعندما تقوم المحاكم الإقليمية بدور محاكم الاستئناف فلابد من أن يكون قضاتها قضاة مختصين، لكنها عندما تقوم بدور محاكم الدرجة الأولى، فإنها قد تضم بعض القضاة الشعبيين.

المحاكم العليا:

أعلى جهة قضائية في كلَِّ الدول الشيوعيّة. وتُنتَخب المحكمة العليا في الدولة الشيوعية بوساطة أعلى مجلس للتشريع في البلاد. وتقوم المحكمة العليا بالفصل في عرائض الاستئناف المُقَدّمة لها ضد الأحكام الصّادرة من المحاكم الأدنى درجة، كما تقوم بتفسير القوانين، وبوصفها محكمة من الدرجة الأولى، فهي تقوم بالفصل في القضايا التي تمسّ رفاهية المواطنين أو أمن البلاد بأسرها. وكان لكل جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، محكمة عليا خاصة بها، وهي التي تقوم بالإشراف على المحاكم الأدنى درجةً، وبالفصل في عرائض الاستئناف المُقَدّمة إليها ضد الأحكام الصّادرة من المحاكم الإقليمية داخل الجمهورية.

أنواع خاصة من المحاكم

المحاكم الإدارية:

توجد في كثير من الدول في الوقت الراهن مسائل فنية، مثل التي تتعلّق بالتجارة والمهن ومعاشات الموظفين العموميين ورخص مزاولة أعمال النقل وغيرها من الخدمات، وتتولى الفصل في المنازعات التي تنشب بسببها لجان إدارية أو محاكم خاصة. وتطبِّق هذه المحاكم إجراءات مبسطة، لا تلتزم فيها بالقواعد الصارمة المُقررة في قانون الإثبات. ★ تَصَفح: البينة.

وهذه المحاكم تضم قضاةً من أهل الخبرة في شتى ميادين الإدارة. فقد أصدرت بعض الدول، مثل أستراليا وأسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية قوانين للإجراءات الإدارية تضمن معاملةً عادلةً للجمهور.

المحاكم الدوليّة:

توجد محكمة العدل الدولية بلاهاي في هولندا. وهي من المنظمات الرئيسية للأمم المتحدة. وتضم قضاةً من الدول الأعضاء. ولا تُلْزَم أية دولة بالخُضوع لها، ما لم توافق على ذلك، بوجه عام ؛ أو بوجه خاص في قضية معينة، كما أنه ليس للمحكمة وسائل لتنفيذ أحكامها قسرًا على الدولة التي يصدر ضدها الحكم، ومن ثم لا يتم التنفيذ إلا برضاها. ★ تَصَفح: محكمة العدل الدولية.

وفي عام 1958م، أنشأت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، محكمة للفصل في النزاعات التي تنشأ بين أعضائها. وتتناول المحكمة الفصل في مسائل مثل الاحتكارات، والتمييز في التجارة بين دولة وأخرى، وقيود الانتقال للعمل. ★ تَصَفح: المجموعة الأوروبية.

نبذة تاريخية

المحاكم القديمة:

تُعدُّ مجالس القبيلة أو كبار السِّن في المجتمعات البدائية، أول أنواع المحاكم الشعبية. وكانت تفصل في القضايا بموجب الأعراف المحلية.

ومع التقدم الحضاري، عرفت المجتمعات التقنينات المكتوبة، وأدّت الحاجة إلى تفسير تلك التقنينات، وتطبيق موادها على الوقائع الخاصة بكل دعوى، إلى تطوّر القانون، ومن ثَمَّ نشأت المحاكم القضائيّة الرسمية للدولة.

وقام الرّومان الأقدمون بإصدار أول تقنين كامل للقوانين الرّومانية، كما وضعوا أُسس نظام قضائي مُتقدّم. وبعد انهيار حكم الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي، تلاشى تدريجيًا النظام القضائي الروماني في دول غرب أوروبا، وحلّ محلّه نظام المحاكم الإقطاعية التي كانت تُعقد برئاسة اللوردات في المقاطعات المحلية. وكان لتلك المحاكم اختصاصات محدودة في نظر القضايا، وجرت على تطبيق الأعراف المحلية.

تطوّر القانون المدني والقانون العام:

في صدر القرن الثاني عشر الميلادي، بدأت الجامعات الإيطالية في تدريب المحامين على مبادئ القانون الروماني القديم. ولقد حلَّ تدريجيًا القانون الروماني الذي استند تمامًا إلى نصوص مجموعات القوانين المكتوبة، محلّ نظام المحاكم الإقطاعية في معظم الأقطار الأوروبية.

وفي أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، أصدر إمبراطور فرنسا نابليون الأول قوانين نابليون، وهو مُستمد أساسًا من القانون الروماني. وأضحى هذا القانون، بصفته نمطًا من القانون المدني ـ أساس النظامين القانوني والقضائي لمعظم الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية. وفي القرن الثالث عشر، قامت بريطانيا بتأسيس نظام قومي للمحاكم. وقامت هذه المحاكم تدريجيًا بتطوير مجموعة من السوابق القضائية، وهي التي أطلق عليها القانون العام، لأنها طبقت بطريقة موحدة على جميع أفراد الشعب أمام كل المحاكم في الدولة.

واتبعت محاكم القانون العام نهج المبادئ القانونية التقليدية، وأقامت قضاءها بصفة رئيسية على هدي الأحكام القضائية السابقة. وأضحى القانون العام الإنجليزي أساسًا للنّظام القضائي لمعظم الأقطار التي خضعت للاستعمار البريطاني، بما في ذلك أستراليا والهند وماليزيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية.

تطور المحاكم في بعض الدول الإسلامية في العصر الحديث:

قامت كثير من الدول الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، بإصدار قوانين مدنية أو اتبعت نظام القانون العام في شتى فروع القانون، بدلاً من أحكام الشريعة الإسلامية. فلقد أصدرت تركيا في الخمسينيات من القرن التاسع عشر، ـ كما أصدرت مصر في السبعينيات من القرن التاسع عشرـ، قوانين تجارية وجنائية، فضلاً عن إصدارها قوانين لتنظيم المحاكم تنظيمًا جديدًا، على نهج النظم القضائية الفرنسية. وفي السودان إبان الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، أصدرت الإدارة البريطانية قوانين جنائية مُستمدة من مبادئ القانون العام، وأنشأت نظامًا قضائيَّا جديدًا، جرت محاكمه على تطبيق أحكام القانون العام ومبادئ العدالة، ومع ذلك، ظلت المحاكم الشرعية في السودان، تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية على المُسلمين. وظلت المحاكم القبلية تقوم أيضًا بالفصل في القضايا. ولما استولى البريطانيون على الحكم في الهند، انشأوا محاكم جديدة قامت بتطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين في مسائل أحوالهم الشخصية، كما انشأوا محاكم مدنية وجنائية للفصل في القضايا الأخرى. وقامت تركيا بوقف العمل بأحكام الشريعة الإسلامية أمام القضاء، كما قامت بإلغاء المحاكم الشرعية في عام 1926م. وقامت كل من مصر وتونس بإلغاء المحاكم الشرعية في الخمسينيات من القرن العشرين. معظم الدول الإسلامية تخول المتظلم من الحكم الحق في الاستئناف.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية