الرئيسيةبحث

المحاكمة ( Trial )



المحاكمة يقصد بها الإجراءات التي تتبع بكل دقة أمام المحكمة للفصل في القضايا. وفي معظم القضايا، يمكن لكل من طرفي النزاع أن يُوكل محاميًا، للتعبير عن وجهة نظره، وتقديم الأدلة نيابة عنه، واستجواب الشهود. وكثير من المحاكمات تُعقد في الغرب بحضور هيئة من المحلفين. وهناك محاكمات أخرى تكون فيها المحاكمة بوساطة قاض فرد أو دائرة من القضاة دون محلفين. وهناك نوعان من المحاكمات: الأول المحاكمات المدنية، والثاني المحاكمات الجنائية.

تقوم المحاكمة المدنية بالفصل في المسائل التي تخرج عن دائرة الجرائم، مثل العقود والملكية والتعويض عن الأضرار. يحدد المحلفون في المحاكمة المدنية من هو الطرف المقصِّر، ومقدار ما يتعين عليه دفعه وفاء بالالتزام وتعويضًا عن الأضرار. وفي المحاكمة الجنائية يقوم المحلفون بإقرار إن كان المتهم مذنبًا أو غير مذنب. وتبدأ المحاكمة التي تتطلب هيئة من المحلفين باختيار المحلفين. ثم يقوم كل من ممثل الاتهام الذي يوجه الاتهام ضد المتهم، ومحامي الدفاع، بتقديم مرافعات افتتاحية موجزة موجهة أمام المحلفين.

أما في المحاكمة المدنية، فيقوم المدعي، برفع الدعوى، يمثله عادة محام. ويمثل الطرف الآخر، المدعى عليه، محام للدفاع عنه. ويقوم كل من محامي المدعي ومحامي المدعى عليه بتوجيه مرافعة افتتاحية موجزة، يذكر فيها عادة ما يراد إثباته أثناء المحاكمة.

تقديم الأدلة:

يقوم كل من محامي المدعي ومحامي المدعى عليه بتقديم الأدلة لتأييد دعوى موكله أو موكلته، وقد تشتمل الأدلة المقدمة في الإثبات على مستندات، مثل الخطابات أو الإيصالات أو أشياء، مثل الأسلحة أو الملابس. وفي معظم القضايا، ترتكز الأدلة على الأقوال التي يُدلي بها الشهود الذين يؤدون قَسمًا على قول الحق. ويقوم الشهود عادة بالإدلاء بالأقوال ردًا على الأسئلة الموجهة من المحامي الذي يستدعي الشاهد. ثم يقوم محامي الخصم الآخر بالاستجواب محاولاً جهده العثور على أخطاء فيما أدلى به. والشاهد الذي ترتاب المحكمة في إدلائه العمدي بأقوال كاذبة، توِّجه إليه تهمة الإدلاء بشهادة الزور. ويخضع قبول الدليل أثناء المحاكمة لضوابط معينة. وبوجه عام، يمكن القول إن الدليل يكون مقبولاً في الإثبات لدى توفر شروط ثلاثة، فيجب أن يكون: 1- متعلقًا بالدعوى 2- وماديًا ملموسًا 3- ومباشرًا.

والدليل المتعلق بالدعوى هو الذي ينصب على مسألة متنازع عليها، ويساعد على الوصول إلى حل لها. والدليل المادي يُساعد على إصدار القرار في النقاط الرئيسية للنزاع موضوع الدعوى. والدليل المباشر ما يُدلي به الشاهد عما رأى أو سمع بنفسه وليس نقلاً عن آخرين.

بعد الإدلاء بالشهادة ومناقشتها، يلخص محاميا الجانبين موضوع الدعوى، ثم يعرض القاضي خلاصة النزاع على المحلفين، ويوجه عنايتهم إلى القانون الواجب تطبيقه على الدعوى.

يقرر القاضي، في كل قضية، ما يعتبر دليلاً مقبولاً في الإثبات. وفي القضايا التي تتكون فيها المحكمة من قاض ومحلفين، يمكن للقاضي أن يقوم، في غياب المحلفين، بإصدار القرار فيما يتعلق بقبول أو عدم قبول الدليل. وفي الحالة التي تكون فيها الأدلة غير مقبولة، يمكن الطعن بالاستئناف ضد الحكم الصادر في الدعوى. ويجوز للقاضي أن يحاكم أي شخص بارتكاب جريمة إهانة المحكمة وتحقيرها إذا تبين من سلوكه، في أثناء انعقاد الجلسة، تعمد إعاقة المرافعة أو عدم احترام المحكمة، ويجوز أن يحكم على مثل هذا الشخص بالغرامة أو السجن أو بالعقوبتين معًا.

الوصول إلى قرار:

يذهب المحلفون بعد الفراغ من سماع الدعوى إلى غرفة خاصة بغرض المداولة في وقائع الدعوى والوصول إلى قرار فيها. وفي هذه المرحلة، لا يجوز الاتصال بأي شخص آخر إلا بإذن القاضي. فإذا لم يصلوا إلى قرار في آخر الجلسة، فيجوز نقلهم مجتمعين إلى فندق خلال الليل، على أن يعادوا مرة أخرى صباح اليوم التالي إلى المحكمة.

وفي المحاكمات الجنائية، يسعى ممثل الاتهام إلى إثبات التهمة على المتهم دون شك معقول، وهو المعيار الذي يتطلبه القانون. وإذا لم يقتنع المحلفون بأن ممثل الاتهام قام بالتدليل على الاتهام بالصورة الكافية، فيجب عليهم تبرئة ساحة المتهم، أي إصدار قرار أنه غير مذنب. وإذا وجد المحلفون المتهم مذنبًا، فإن القاضي يصدر الحكم بالإدانة والعقوبة. أما في القضايا المدنية، فإن على محامي المدعي أن يثبت ادعاء موكله وفقًا لمبدأ الأرجحية في وزن الأدلة. وفي حالة انقسام هيئة المحلفين في المحاكمة التي لا يستطيع فيها المحلفون الوصول إلى قرار بالأغلبية التي يتطلبها القانون، لا يكون بوسع القاضي إلا أن يعلق حكم المحلفين ويصدر أمرًا بمحاكمة جديدة أمام هيئة أخرى من المحلفين.

حقوق المدعى عليه:

تكْفُل معظم دساتير الدول الديمقراطية كثيرًا من الحقوق المتعلقة بالمحاكمة العادلة للمتهم، من ذلك المحاكمة بوساطة هيئة من المحلفين في عدد كبير من القضايا يحددها القانون، وكذلك الحق المعروف بوجوب اتباع الوسائل القانونية السليمة، التي تنص على أن تجرى المحاكمة طبقًا للإجراءات القانونية. وهناك ضمانات أخرى، مثل منع حبس المتهم احتياطيًا أكثر من فترة معينة دون أن يوجه له قرار اتهام، وحق المتهم في محاكمة علنية، والحق في طلب المساعدة القانونية للدفاع عنه أمام المحكمة.

يطلق على بعض هذه الضمانات، أحيانًا، قواعد العدل الطبيعي. وتقضي قواعد العدل الطبيعي بأنه لايجوز للشخص أن يكون حكمًا في قضيته الخاصة، وألا تتم إدانة شخص غيابياً. وقاعدة عدم جواز أن يكون الشخص حكمًا في قضيته، يقصد منها أنه يتعين على كل قاض أو محلف أن يتنحى عن نظر النزاع إن كانت لديه مصلحة شخصية فيه، وألا يشارك في اتخاذ قرار بشأنه. أما قاعدة عدم جواز إدانة شخص غيابيًا، فيقصد منها وجوب إعلان الشخص مسبقًا بالإجراءات التي تُتَخذ ضده، والسماح له بالدفاع عن نفسه. وعلى هذا، ففي القضية الجنائية، يجب أن توجه للمتهم تهمة ارتكاب جريمة معيَّنة أو أكثر على نحو صحيح، طبقًا لمواد القانون، وأن يعطى فرصة لإعداد دفاعه. وبالمثل يُعطى المدعى عليه في القضية المدنية بيانات كاملة عن الوقائع المدعى بها ضده والأدلة المطلوب تقديمها في الإثبات.

الاستئناف:

يجوز للمتهم الذي حوكم وتمت إدانته في القضية الجنائية، أن يستعمل حقه في الطعن في الحكم عن طريق الاستئناف. ويكون لمن خسر القضية المدنية، الحق أحيانًا في تقديم طعن بالاستئناف.

يطالب المستأنف في عريضة الاستئناف بإعادة نظر الدعوى أمام المحكمة الأعلى وتُسمَّى محكمة الاستئناف. وفي بعض القضايا، يكون من حق المحكوم عليه استئناف الحكم تلقائيًا دون شروط، ويجب عليه في بعض القضايا الأخرى إبداء الأسباب التي يبني عليها طلب استئناف نظر الدعوى ؛ مثل اكتشاف دليل جديد، أو أهمية الفصل في نقطة قانونية قد يتغيَّر بها وجه الحكم أمام المحكمة الاستئنافية، وقد ترفض محكمة الاستئناف نظر الطعن في بعض الأحوال. ويجوز في بعض الأحوال الأخرى أن تأمر بإعادة القضية للمحكمة السابقة للنظر والفصل فيها مجددًا.

الصلح خارج المحكمة:

يقوم النظام القانوني في معظم البلدان على الاعتقاد بأن المتهم يعتبر بريئًا إلاّ أن تثبت إدانته. بيد أن نسبة ضئيلة من المنازعات القانونية هي التي يفصل فيها عن طريق المحاكمة. فالمتهم يعترف بالذنب في كثيرمن القضايا. ومن ثم لا تكون هناك حاجة إلى استمرار إجراءات المحاكمة. وفي القضايا المدنية، تتم التسوية عادة خارج المحكمة، سواء أكان ذلك قبل سماع الدعوى أو في أثناء السير فيها، متى قدمت فيها بعض الأدلة. وفي الأحوال التي يطالب فيها المدعي بالتعويض، قد يبادر المدعى عليه بإيداع مبلغ في المحكمة، قد يقبله المدعي بدلاً من مواصلة إجراءات الخصومة.

الرسوم القضائية:

في جميع القضايا الجنائية والمدنية، يجب على القاضي، آخر الأمر، أن يعيِّن الطرف الذي يلزم بدفع الرسوم القضائية. وفي أكثر الأحوال، يُحكم على خاسر الدعوى بدفع الرسوم القضائية، لكن هذه القاعدة تخضع لعدة استثناءات. وتُحدد القواعد الإجرائية كيفية تقدير الرسوم التي تُحصّل لصالح المحكمة، ويجوز الطعن بالاستئناف في تقدير الرسوم أو فرضها.

نبذة تاريخية:

دأب السكسون الذين استقروا في إنجلترا خلال العصور الوسطى على محاكمة المتهمين عن طريق التعذيب بدلاً من المحاكمة أمام المحلفين. كان يطلب من المتهم القبض على قطعة حديدية محماة بالنار، أو أن يُلحق به الأذى عمدًا بطريقة أو بأخرى.

كان السكسون يعتقدون أن الله يشفي المتهم خلال ثلاثة أيام إذا كان بريئًا. وبعد الاجتياح النورمندي لبريطانيا عام 1066م، كان يطلب من المتنازعين أن يبارز أحدهما الآخر، اعتقادا بأن الله ينصر من معه الحق.

أما في العصر الراهن، فقد تبنّت نظم المحاكمة في كل من إنجلترا والأقطار التي أخذت عنها، نظام القانون العرفي الإنجليزي وقانون الإنصاف. والواقع أن القانون العرفي مجموعة من الأحكام التي أرساها القضاء اعتمادًا على أعراف المجتمع والأحكام القضائية السابقة. كما أن قانون الإنصاف مجموعة معايير تقوم على المفهوم الشامل لمبادئ العدل. وحمل المستعمرون الإنجليز نظامهم القانوني إلى أستراليا ونيوزيلندا وأمريكا الشمالية وإلى جميع دول الكومنولث.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية