→ التبشير والمبشرون في نظر المسلمين | مجلة المنار سبب اتباع المسلم للإسلام ونفوره من دعوة النصرانية محمد رشيد رضا |
ملك اليهود وهيكلهم ومسيحهم والمسيح الحق ← |
(( مجلة المنار - المجلد [ 26 ] الجزء [ 2 ] ص 98 ذو القعدة 1343 - يونيه 1925 )) |
( س19 و20 ) من القس الدانمركي ألفرد نيلسن في دمشق
ما هو الذي يجعلك تتبع دين الإسلام كدين الحق، وإذا تعرفت بالتبشير المسيحي وبالكتب المسيحية فما هو الذي يبعدك ويُنفِّرك عن دعوتها؟
( ج ) ثبت عندي أن محمدا ﷺ كان رجلا أميًّا لم يتعلم القراءة ولا الكتابة، ولا عاشر أحدًا من علماء الأديان ولا التاريخ والقوانين والفلسفة والآداب، ولا غير ذلك، وأنه لم يكن شاعرًا ولا خطيبًا، ولا محبًّا لما كان معهودًا بين كبراء قومه وأذكيائهم من الرياسة والمفاخرة والشهرة بالفصاحة والبلاغة، وإنما كان ممتازًا بين أقرانه في قومه بسلامة الفطرة وحب العزلة والصدق والأمانة والعفة والمروءة وغير ذلك من مكارم الأخلاق، حتى لقبوه بالأمين، قضى على ذلك سن الصبا والشباب الذي تظهر فيه جميع رغبات البشر ومزاياهم، ثم إنه بعد إكمال الأربعين والدخول في سن الكهولة ادعى النبوة، وأن الله بعثه رسولا إلى الناس كافة كما أرسل من قبله من الرسل إلى أقوامهم بمثل ما أرسله به من الدعوة إلى توحيده تعالى وعبادته، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والدار الآخرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحق والعدل بالمساواة بين الناس، وغير ذلك من أصول العقائد المعقولة، والآداب العالية، والأحكام والشرائع العادلة، التي أكمل الله تعالى بها الدين، وجعله بها خاتم النبيين، بما يعد إصلاحًا يفوق جميع ما كان عليه البشر من أتباع الأنبياء وغيرهم، وجاء بكتاب في ذلك قال: إن الله تعالى أنزله عليه، وأنه وحي من لدنه سبحانه يعجز جميع البشر عن الإتيان بمثله في علومه ومعارفه وإصلاحه وتأثيره في إبطال الشرك والخرافات والأباطيل الفاشية في البشر وإصلاح الفطر والقلوب والأعمال لمن اهتدى به. كما أنه معجز في أسلوبه وبلاغته وتحدَّى الناس بذلك فعجزوا عن الإتيان بسورة من مثله وجاء فيه من أخبار الغيب الماضية والمستقبلة ما ثبت ثبوتًا قطعيًّا، ومنه أن الله تعالى سينصره ويخذل أعداءه، ويستخلف قومه وأمته في الأرض، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وقد وقع جميع ما أخبر به، وما وضح به ﷺ أخباره كفتح بلاد كسرى وقيصر، ومنها مصر التي وصى بأهلها خيرًا، وأيده الله تعالى بآيات أخرى.
ومن أهم ما أخبر به القرآن مما لم يكن يعلمه أحد من قوم الرسول ﷺ ولا في بلاده أن اليهود والنصارى { أُوتُوا نَصِيبا مِّنَ الكِتَابِ } ( آل عمران: 23 )، وأنهم نسوا حظًّا مما ذكروا به، وأنهم حرفوا وغيروا وبدلوا، ودخل عليهم الشرك، ومن العجيب أن المسلمين لم يعلموا مصداق ذلك بالتفصيل إلا بعد اطلاعهم على مجموعة كتب الفريقين وتاريخها، ثم ما كتبه أحرار علماء أوربة من الطعن فيها، فمن أين عرف ذلك رجل أُميّ نشأ بين قوم أميين لولا وحي الله تعالى له بذلك؟
فهذه نبذة مجملة في بيان سبب استمساكي بعروة الإسلام، واعتقادي أنه الدين الحق بالاختصار الذي اقترحه القس السائل.
وأما سبب نفوري من دعوة المبشرين دعاة النصرانية فهي اعتقادي بطلان دعوتهم في نفسها، فإن أساسها أن آدم عصى ربه فاستحق هو وذريته العذاب الأبدي بعدل الله، وأن عذابهم ينافي رحمة الله، فلم يجد سبحانه وسيلة للجمع بين رحمته وعدله إلا أن يحل في ناسوت أحد بني آدم، ويتحمل العذاب والألم واللعنة؛ لتخليصهم من العذاب، فحل في ناسوت المسيح لأجل ذلك، ومع هذا لم يتم له ما أراد فإنه اشترط لخلاصهم أن يؤمنوا بذلك، ولكن أكثرهم لم يؤمنوا به، ورأيت جل تأثير هذه الدعوة في الذين يجهلون حقيقة الإسلام تشكيكهم في أصل الدين، وجعْلهم من الإباحيين، وإيقاع الشقاق بينهم وبين غيرهم، ومن أهم تلك الأسباب التي جعلتني أحتقر أكثرهم ما ثبت عندي من كونهم يتَّجرون بالدين اتجارًا فيكذبون ويحرِّفون، ومنهم الملحدون الذين لا إيمان لهم، والمقلدون المتعصبون الذين يبغضون المسلمين بما تربوا عليه مما لا يجهله القس السائل، ولا أنكر مع هذا أنه يوجد فيهم المتدين المخلص في دينه، ولكن هذا بحسب اختباري قليل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
هامش